الرجز كن أول من يقيّم
الرَّجْزُ : مصدر رَجَز يَرْجُز. قال ابن سيده : و الرَّجَزُ شِعْرٌ ابتداء أَجزائه سَبَبَان ثم وَتِدٌ وهو وَزْنٌ يسهل في السَّمْع ويقع في النَّفْس، ولذلك جاز أَن يقع فيه المَشْطور وهو الذي ذهب شَطْره والمَنْهوك وهو الذي قد ذهب منه أَربعة أَجزائه وبقي جزآن نحو: يا ليتني فيها جَذَعْ أَخُبُّ فيها وأَضَعْ وقد اختلف فيه: فزعم قوم أَنه ليس بشِعْر وأَن مَجازه مَجازُ السَّجْع. وهو عند الخليل شِعْر صحيح، ولو جاء منه شيء على جزء واحد لاحتمل الرَّجَزُ ذلك لحسن بنائه . وفي التهذيب : وزعم الخليل أَن الرَّجَزَ ليس بِشِعْر، وإِنما هو أَنْصافُ أَبيات وأَثْلاث، ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي في قوله : سَتُبْدي لك الأَيَّامُ ما كنْتَ جاهِلاً ويأْتيك من لم تُزَوِّد بالأخْبارِ قال الخليل: لو كان نصف البيت شعراً ما جرى لسان النبي: سَتُبْدِي لك الأَيْامُ ما كنت جاهِلاً وجاء بالنصف الثاني على غير تأْليف الشِّعْر؛ لأَن نصف البيت لا يقال له شِعْر، ولا بيت، ولو جاز أَن يقال لنِصْف البيت شِعْر لقيل لجزء منه شِعْر، وقد جرى على لسان النبي: أنا النبي لا كَذِبْ أَنا ابن عَبْدِ المُطَّلِبْ. قال بعضهم: إِنما هو لا كَذِبَ بفتح الباء على الوصل، قال الخليل: فلو كان شِعْراً لم يَجْر على لسان النبي، قال الله تعالى: { وما علَّمناه الشِّعْر وما ينبغي له } أَي وما يَتَسَهَّلُ له. قال الأَخفش: قول الخليل إِن هذه الأَشياء شِعْر، قال : وأَنا أَقول: إِنها ليست بشِعْر، وذكر أَنه هو أَلْزَمَ الخليلَ ما ذكرنا، وأَن الخليل اعتقده . قال الأَزهري: قول الخليل الذي كان بنى عليه أَن الرجز شعر، ومعنى قول الله عز وجل: { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } أي لم نُعَلِّمه الشَّعْر، فيقوله وَيَتَدَرَّب فيه حتى يُنْشِىء منه كُتُباً، وليس في إِنشاده البيت والبيتين لغيره ما يبطل هذا؛ لأَن المعنى فيه أَنَّا لم نجعله شاعراً. قال الخليل: الرَّجَزُ المَشْطُور والمَنْهوك ليسا من الشعر. قال: والمَنْهُوك كقوله: أَنا النَّبِيّ لا كَذِبْ والمَشْطُور: الأَنْصاف المُسَجَّعة . وفي حديث الوليد بن المُغيِرة حين قالت قريش للنبي: إِنه شاعِرٌ فقال : لقد عرفت الشِّعْرَ ورَجَزَه وهَزَجَه وقَرِيضَه فما هو به . و الرَّجَز: بحر من بحور الشِّعْر معروف ونوعٌ من أَنواعه يكون كل مِصْراع منه مفرداً، وتسمى قصائده أَراجِيزَ، واحدتها أُرْجُوزَةٌ، وهي كهيئة السَّجْع إلا أَنه في وزن الشِّعْر، ويسمى قائله راجزاً، كما يسمى قائل بحور الشِّعْر شاعراً . قال الحربي : ولم يبلغني أَنه جرى على لسان النبي من ضروب الرَّجَز إلا ضربان: المَنْهُوك والمَشْطُور ولم يَعُدَّهما الخليل شِعْراً؛ فالمَنْهُوك كقوله في رواية البراء: إِنه رأَى النبي على بغلة بيضاء يقول: أَنا النبيّ لا كَذِبْ أَنا ابن عَبْدِ المُطَّلِبْ والمَشْطُور كقوله في رواية جُنْدب: إِنه دَمِيَتْ إِصبَعُه فقال: هل أَنتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وفي سبيل الله ما لَقيتِ. ويروى أَن العجاج أَنشد أَبا هريرة: ساقاً بَخَنْداةً وكَعْباً أَدْرَمَا فقال: كان النبي يُعْجبه نحو هذا من الشِّعر . قال الحربي: فأَما القصيدة فلم يبلغني أَنه أَنشد بيتاً تامًّا على وزنه، إِنما كان ينشد الصدر أَو العَجُز، فإِن أَنشده تامًّا لم يُقِمْه على وزنه، إِنما أَنشد صدر بيت لبيد: أَلا كُلُّ شيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ وسكت عن عَجُزه وهو: وكلَّ نَعِيمٍ لا مَحالَةَ زَائِلُ. وأَنشد عجز بيت طَرَفَةَ: ويأْتيك مَنْ لم تُزَوِّد بالأَخْبار وصَدْره : سَتُبْدِي لك الأَيامُ ما كنتَ جاهِلاً وأَنشد: أَتَجْعَلُ نَهْبي ونَهْبَ العُبَيْ بين الأَقْرَعِ وعُيَيْنَة فقال الناس: بين عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ فأَعادها: بين الأَقرع وعيينة فقام أَبو بكر -رضي الله عنه- فقال : أَشهد أَنك رسول الله ثم قرأَ : { وما عَلَّمناه الشِّعر وما ينبغي له } قال: و الرَّجَز ليس بشِعْرٍ عند أَكثرهم . وقوله : أَنا ابْنُ عبد المُطَّلِبْ لم يقله افتخاراً به؛ لأَنه كان يكره الانتساب إلى الآباء الكفار، أَلا تراه لما قال له الأَعرابي: يا بن عبد المطلب قال : قد أَجَبْتُك ولم يتلفظ بالإجابة كراهةً منه لما دعاه به حيث لم يَنْسُبْه إلى ما شرفه الله به من النبوّة والرسالة ولكنه أَشار بقوله: أَنا ابن عبد المطلب إلى رؤيا كان رآها عبدُ المطلب كانت مشهورة عندهم، رأَى تصديقها فَذَكَّرهم إِياها بهذا القول . وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: من قرأَ القرآن في أَقَلَّ من ثلاث فهو راجزٌ، إِنما سماه رَاجزاً لأَن الرَّجَزَ أَخف على لسان المُنْشِدِ واللسان به أَسْرَعُ من القَصيد . قال أَبو إِسحاق: إِنما سمي الرَّجَز رَجَزاً لأَنه تتوالى فيه في أَوَّله حركة وسكون ثم حركة وسكون إلى أَن تنتهي أَجزاؤه، يُشبَّه بالرَّجَز في رِجْل الناقة ورِعْدَتها وهو أَن تتحرك وتسكن ثم تتحرك وتسكن، وقيل: سمي بذلك لاضطراب أَجزائه وتقاربها، وقيل: لأَنّهُ صدور بلا أَعْجاز. وقال ابن جني: كل شعر تركب تركيب الرَّجزَ سمي رَجَزاً. وقال الأَخفش مرة: الرَّجَز عند العرب: كل ما كان على ثلاثة أَجزاء وهو الذي يَتَرَنَّمون به في عملهم وسَوْقهم ويَحْدُون به. قال ابن سيده: وقد روى بعضُ من أَثِقُ به نحوَ هذا عن الخليل. قال ابن جني: لم يَحْتَفِل الأَخفش ههنا بما جاء من الرَّجَز على جزأَين نحو قوله: يا ليتني فيها جَذَعْ قال: وهو لَعَمْرِي -بالإِضافة إلى ما جاء منه على ثلاثة أَجزاء- جُزْءٌ لا قَدْرَ له لِقِلَّته فلذلك لم يذكره الأَخفش في هذا الموضع، فإِن قلت: فإِن الأَخفش لا يرى ما كان على جُزْأَين شِعْراً، قيل : وكذلك لا يرى ما هو على ثلاثة أَجْزاء أَيضاً شِعْراً، ومع ذلك فقد ذكره الآن وسماه رَجَزاً، ولم يذكر ما كان منه على جُزْأَين؛ وذلك لِقِلَّته لا غير، وإِذا كان إِنما سُمِّيَ رَجَزاً لاضطرابه تشبيهاً بالرَّجَزِ في الناقة، وهو اضطرابها عند القيام، فما كان على جُزْأَين فالاضطراب فيه أَبلغ وأَوكد. وهي الأُرْجُوزَةُ للواحدة والجمعُ الأَرَاجِيزُ . رَجَز الرَّاجِزُ يَرْجُزُ رَجْزاً و ارْتَجَزَ الرَّجَّاز ارْتجازاً: قال أُرْجُوزَةً. و تَرَاجَزُوا و ارتَجَزُوا : تَعَاطَوْا بينهم الرَّجَزَ وهو رجَّازٌ و رَجَّازَةٌ و راجزٌ . (اللسان:رجز) |