البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : كتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها) للدكتور رحماني    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 صبري أبوحسين 
18 - مايو - 2008
يعد الأستاذ الدكتور: أحمد بن عثمان رحماني علمًا من أعلام البحث الأدبي والنقدي في العصر الحديث، بلا ريب؛ إذ له، في هذا الميدان الفكري، جهود علمية وتعليمية كثيرة مشكورة معروفة غير منكورة. منها على سبيل المثال، لا الحصر:
*أنه قام بتدريس مقررات نقدية أدبية كثيرة ومتنوعة، خلال رحلة تعليمية مديدة حافلة بالمتخرجين والمتخرجات، في مرحلتي الإجازة العالية(الليسانس) والدراسات العليا، مثل مقررات: (نظريات نقدية)، و(تحليل النصوص) (إعجاز القرآن)، و(النقد الأدبي العربي القديم)،( النقد الأدبي الحديث والمعاصر)، (مصادر الأدب واللغة)، (البلاغة)،و(الأدب الإسلامي في صدر الإسلام)، و(التفسير الموضوعي للقرآن الكريم)، و(كتاب قديم)، و(الأدب الأندلسي)، و(الأدب المقارن ونظرياته)...إلخ
 * أن له بحوثًا علمية محكمة وكتبًا منشورة في ميدان البحث الأدبي النقدي القديم والحديث والمعاصر، منها:
كتاب(النقد الإسلامي المعاصر بين النظرية والتطبيق)، وكتاب(نظريات نقدية وتطبيقاتها)، وكتاب(الرؤيا والتشكيل في الأدب المعاصر)، وكتاب(التفسير الموضوعي نظرية وتطبيقًا)، وكتاب(مصادر التفسير الموضوعي)، وكتاب(نظريات الإعجاز)، وكتاب(النقد التطبيقي الجمالي واللغوي في القرن الرابع الهجري)،...إلخ
إن باحثًا -بهذه الرحلة العلمية والتعليمية المديدة والمتنوعة مكانًا وزمانًا، فكرًا وأجناسًا وأجيالاً – قمينٌ بأ يُقرَأ له ويُحاور، ويُستفاد من تجاربه في تعاملنا الحائر والشائك مع المنجز الفكري العربي ماضيًا وحاليًا ومستقبلاً.
ولعل في عرض كتابه(نظريات نقدية وتطبيقاتها) في موقع الوراق ما يساعد على هذه الاستفادة وذلك الحوار الذي أرجو أن يكون مفيدًا وبناءً للجميع:باحثين وناقدين ومبدعين وناشئة شُداة...
 
 8  9  10  11 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الفصل الأول :تحليل مقطع...10    كن أول من يقيّم
 
ـ تناص في الموضوعات والمعاني :وطبع التناص الموضوعات والمعانى أيضا، إذ كما لا يخفى أن الموضوع هوهو لم يتغير فالكل يتغزل بسعاد، كما لو أن سعاد صارت رمزا للحب العربي، ذلك الحب الذي يتطلع إليه السامع ليكون أول ما يطرق أذنه، وقد كان النقد العربي القديم يهتم كثيرا بالمطلع لأنه يهيئ السامع إلى الإنصات الذي هو غاية الإنشاد ، ولا يخفى أن غاية الإنشاد هو التأثير في المتلقي، والتأثير يحتاج إلى أدوات منها إثارة بعض مكامن القلب  ومنها وقع هذا المطلع المأنوس لدى كل محبي الشعر العربي، فلهذا المطلع تاريخه الذي يدعم جماله مما يكسبه تأثيرا  قلما يتوافر للمطلع الجديد المبدع، إن اعتماد المطلع المستأنس يحدث تماما الأثر الذي عبر عنه الشاعر العربي بقوله:
ألا قـاتـل الله الحمامة غـد وة   على الفرع ماذا هيجت حين غـنـت
تغنت  غنـاء  أعجميا    فهـيجت     جواي الذي كانت ضلوعي أجنت
 
إن دور المطلع الاستئناسي هو تهييج ما بجوى القلب من مكنونات تراثية لها صداها في النفس، لا يمكن أن يحدثه غيره من الأدوات، يشبه إلى حد كبير تلك الراحة النفسية التي يشعر بها القارئ للمشكلات الفقهية حين يعثر على الشاهد القوي الواضح من القرآن أو السنة القطعية.
ولو وقع التناص في العبارة الأولى وحدها لكان يمكن أن يتشتت الأمر إذ أن كثيرا من الشعراء تغنوا بسعاد حتى أوشكت أن تكون رمزا فالأعشى قال:
        بانت سعاد وأمسى حبلها رأبا   وأحدث النأي لي شوقا وأوصابا[1]
ولكن التشديد كان قد تحقق اعتمادا على مطلع كعب خصوصا لتاريخيته، ولذا جاء تشديدا شاملا للوزن والقافية والصور واللفظ فحقق المراد مع أن القارئ العربي المسلم لا يجهل أن الشاعر نصراني وأنه على عربيته الصافية لم ينفع فيه القرآن الذي بالتأكيد يكون قد قرأه، مما يطرح مشكلة سنتوقف عندها في وقتها  عند نقد النص من الخارج لاسيما الصورة الشعرية المتشكلة في البيت التالي :
حـَليٌ يشـب بياض النحـر واقدُه  كما تُصـور في الدير التماثـيــل.
فقد كان الأخطل نصرانيا  مغرقا في نصرانيته حتى قيل سئل حماد عنه فقال : ما تسألوني عن رجل قد حبب شعره إلي النصرانية [2]
 
ثانيا ـ التناص مع قصيدة الأعشى:
      وقع التناص مع قصيدة الأعشى في قوله:
غراء فـرعاء مصـقول عوارضها    كأنـها أحـور العينيـن مكــحول
إذ أن الأعشى كان في الجاهلية قد قال في معلقته:
 
ودع  هريرة إن  الركب  مرتحل      وهل  تطيق  وداعا   أيها      الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها      تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من    بيت جارتها       مر    السحاب   لاريث  ولا     عجل
ليست ممن يكره الجيران طلعتها    ولا  تراها   لسر    الجار       تختتل
 
فالتناص واقع بين بيت الأعشى الثاني من المعلقة وبيت الأخطل السابق، في الشطر الأول،وقد تم التناص بما يسمى في النقد القديم بالاقتباس وهو نوع من التناص الحرفي، تم في روي القصيدة دون إيقاع القافية، وفي الوزن إذ أن وزن البيت هو:
غراء فرعاء مصقول عوارضها     تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعِلن         مستفعلن   فاعلن  مستفعلن   فعِلن
 
ولكن الأعشى على عيشه في فترة الجاهلية  فإن أمر وصفه لمحبوبته عجيب ، بل يستدعي الغرابة، فهو في هذه الأبيات تراه منكبا على المعجم الأخلاقي أكثر من انكبابه على الصفات الجسدية التي ألفناها في شعر الجاهليين الغزلي، فأنت تراه يصف مشيتها ورضى الجيران عليها وحبهم لها  وحفظها لأسرارهم وابتعادها عن التجسس والتسمع الممقوت، فهو في الحقيقة غزل سام جدا لا يرقى إليه غزل الأخطل  على الرغم من نصرانيته ومعاشرته لأصحاب الحس الديني الإسلامي، لذلك نقبل قول شوقي ضيف بهذا الخصوص: كانت نصرانية (الأخطل) رقيقة مثل نصرانية أبيه فنراه يخالف  العقيدة المسيحية فيطلق ويتزوج أخرى ويتردد على القيان[3] .
 
ثانيا/ 2: بنية العمق والمضمون: البنية الأساسية الثانية في تحليل النص هي بنية العمق، أو ما يسمى ( مستوى الوظيفة الأدبية)في مقابل (مستوى الطبيعة الأدبية)، وتشمل هذه البنية( 1ـ الفكرة بعناصرها بما في ذلك العنوان والموضوع أو الموضوعات والفكرة الرئيسية والأفكار الجزئية، 2ـ  والعاطفة بما تستتبعه من مقومات يأتي على رأسها الحب والبغض وما يرتبط بكل منهما من مواقف تتبلور في الغزل والمدح والوصف والرحلة أو في الفحش والهجاء... وما يترتب عن صدقها وملاءمتها للشكل من مباشرة أو زخرفة أو معادل موضوعي)   


[1] ـ  من عيون الشعر العربي : 1   /37
[2] ـ عبد الله التطاوي : القصيدة الأموية ـ رؤية تحليلية ـ ص : 221 مكتبة غريب / الفجالة / مصر
[3] ـ شوقي ضيف :  العصر الإسلامي: 259
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الأول :تحليل مقطع...11    كن أول من يقيّم
 
ـ الفكرة :
ـ موضوع النص وتناسبه مع العنوان:موضوع النص  تحدده الشفرة الأولى من القصيدة وهو "بينونة سعاد"وما يأتي بعد ذلك كله تفصيل وشرح لآثار البينونة ، أما الأبيات الأولى فهي بيان لأثر الصدمة التي أدت للسقم والخبل،فقد بانت سعاد عن الشاعر فترتب عن ذلك ملمول في العينين معا وخبل في الجسم وسقم في الفؤاد، وسبب كل ذلك تعلق القلب وارتباطه بها ارتباطا لايرجى له فكاك لكون النواشط تعيد تجديد تذكرها كلما حاول الشاعر التخلص من آثار الذكريات.
ذلك هو مدلول الأبيات الثلاثة الأولى.  وأما بقية الأبيات في المقطوعة الغزلية، فجاءت برهانا على هذه المقدمة أو قل هي بمثابة مبرر نفسي  للصدمة العنيفة الناجمة عن البينونة، ولذلك كان التركيز على جمال الصورة الحسية لسعاد، ومن الطبيعي أن يكون أول مبرر هو كونها ( مرفوعة عن عيون الناس في غرف لايطمع الشمط فيها والتنابيل) فكونها مرفوعة عن العيون يعني أنها بانت عن جميع الناس وليس على الشاعر فقط، وفي ذلك إسقاط واضح بإشراك الناس في غياب سعاد عن الرؤية، فما دام الناس جميعا لايرونها فلا بأس أن يكون الشاعر أحد هؤلاء الذين لا يطمعون فيها نماما كما لايطمع الشمط فيها والتنابيل فضلا عن الشباب الذي يمكن أن يكون منافسا  للشاعر، على أن الشاعر إن كان محروما كسائر الناس من رؤيتها في الواقع المحسوس فإنه يراها في الأحلام ويتلذذ برؤيتها متى اختفت عن العيون في غرف مرفوعة بسبب تنبه الضمير الاجتماعي لخطر الوصال، إذ( يخالط القلب بعد النوم لذتها إذا تنبه واعتل المتافيل)، والشاعر إذ يحلم برؤيتها فإنه يتذكر بذلك لذة الوصال التي كانت تروي عطشه بلمى عذب، ولكن هاهنا مزلق، إنها لاترويه هو فقط ولكن تروي العطاش جميعا بذلك اللمى العذب !!، كما يتذكر صورة الصدر الأبيض المثير  المزين بالحلي، بل يتذكر بشرتها البيضاء وشعرها الطويل وأسنانها المصقولة وعينيها الحوراوين، يتذكر كل ذلك فيوقظ فيه اللذة المادية العنيفة الناجمة عن الحرمان الاجتماعي من الوصال، فلا يملك إلا أن يتصورها في صورة غزال ألجأه يوم شديد الحرارة إلى أكناف سدرة في صحراء قاحلة ليستظل بها، ومن ثم فلا غرو أن يكون اليوم ليس عاديا ( يوم تضرمه الجوزاء مشمول) وهكذا تنتهي الدفقة الشعورية الأولى وهي دفقة غزلية ثائرة على المجتمع لما يسببه من حرمان بتعبير تشاؤمي يرسم نهاية قصة حب فاشلة.
 فالمقطوعة تحمل إذن فكرتين أساسيتين تكفلت الأولى بطرح حدث البينونة الرئيسي وما ترتب عنه من معاناة وتكفلت الأبيات السبعة الموالية بتبرير تلك المعاناة، عن طريق تذكر الماضي وما يستتبعه من تلذذ ووصال وعرض الحاضر المرير بلغة هجائية تستهدف الضمير الجماعي الذي تسبب في البينوتة ومن ثم في العذاب والحرمان.
   وقد أدى ذلك كما رأينا إلى ظاهرتين؛
 ظاهرة تكثيف الصور ليعبر عن المعاناة الحاضرة والملذات المنصرمة بما يجسده في صور حية يغلب عليها الحركة،
   وظاهرة تناوب الضميرين ( هي وأنا) كما تبين العبارة ( وإن تناسيتها)، وظهور ضمير (هم) المعبر عن الرقابة الجماعية التي هجاها لأنها تمثل ضمير المجتمع، لأن الضمير في هذه الحال يمثل السبب المباشر للبينونة أصلا، ومن ثم فهو سبب الحرمان والمعاناة.
ولا شك أن هذا البرهان ليس نابعا من الوعي ولا تبريرا قائما على تخطيط وقصد،فكل ذلك من إنتاج اللاوعي الذي يتحكم هنا في الظلال الإبداعية التي تقدم براهينها وفق منطق الشعر لا منطق العقل، ويدل على ذلك قول الشاعر :
           فالقلب من حبها   يعتاده  سقم  إذا  تذكرتها  والجسم  مسـلول
وإن تناسيتها أو قلت قد شحطت  عادت نواشط منها فهـو مكبـول
إذ أن ذلك يدل على أن محاولة النسيان لم تجد نفعا ما دام هناك نواشط لا شعورية تفرض على النفس صورة سعاد فتشد القلب إليها شدا فهو مكبول، وعلى هذا نقول إن العنوان(خبل و سقم) وإن دل على معنى الأبيات الأولى فإنه لايستجيب لمعنى المقطوعة كلها.
 
الوظيفة الرمزية للنص: قبل أن نبين ذلك لابد من كلمة نظرية حول الوظيفة السيميولوجية ( الرمزية) للأدب عامة، ذلك لأن  هذه الوظيفة  تنصب على تحليل للبنيات الكبرى للتوصيل الاجتماعي، على اعتبار أن وصف العمل الأدبي كمجموعة منتظمة من الرموز والإشارات يجعل من الممكن إبراز البنيات الدالة فيه بطريقة محايدة وموضوعية...وعلى هذا الأساس فإن السياق الاجتماعي نفسه والإيديولوجية التي يعبر عنها العمل كله يعتبران رمزا أو إشارة شاملة"[1] ويرى الناقد ( إيكو) أن الوصف السيميولوجي لأبنية العمل الأدبي يعد من أخصب المناهج التي تساعد على وضعه في سياقه التاريخي والاجتماعي ... لآنه يبرز " الانسجام البنائي بين السياق التركيبي للعمل والسياق التاريخي المنغمر فيه"[2] وتشمل الدراسة التي تقوم على هذه القاعدة  أربع عناصر أساسية هي
أـ إيديولوجية المؤلف وقد سبق الحديث عن ذلك في سوسيولوجية الكاتب
ب ـ ظروف ظهور النص، وقد تحدثنا عن العصر الأموي وعلاقة الشاعر بالقصر والسلطة


[1] ـ صلاح فضل : منهج الواقعية في الإبداع الأدبي ص 251 دار الآفاق الجديدة بيروت 1986
[2] ـ صلاح فضل : نفسه 252
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الأول 12    كن أول من يقيّم
 
ج ـ الأبنية الفنية : مثل بناء الحدث وهو بينونة سعاد وما ترتب عليها من معاناة  الشاعر، والشخصيات وقد تناولنا الشخصيات الثلاثة التي تشكل العلاقات الأساسية في النص وهي الضمائر( أنا ـ  هي ـ هم) ( أنا: الشاعر ـ  هي: سعاد ـ وهم: الناس والمجتمع)  والأشكال الجمالية من صورة وموسيقى وقد سبق تفصيل الكلام فيها كما تم التناول اللغوي والأسلوبي وتركيب الجمل والفقرات
د ـ كل هذا يهدف إلى توضيح العلاقة بين العمل الأدبي وإيديولوجية المؤلف أو رؤيته للحياة[1]
وبعد : هل يمكن أن يصبح نص الأخطل كله رمزا لتاريخية النص، ذلك التاريخ الذي بدأ ينحرف عن الجادة في كل شيء وينعكس على العقلية العربية الجديدة؟
كل ذلك سيتجلى من خلال تناولنا للعناصر الموالية من دراسة البنية الداخلية العميقة لنكمل صورة البنية  كما تجلت في دراسة الفكرة في العناصر الموالية:
 
2  الأثر العقدي والأخلاقي الذي يحدثه  النص في المتلقي:
 لقد سبقت الإشارة في الدراسة الخارجية إلى أنه  سيتجلى الأثر الذي يحدثه النص في القارئ من خلال عرض عنصر إيديولوجية المؤلف وسوسيولوجية النص، والتاريخ يحدثنا أن الأخطل شاعر نصراني  وأنه قد استغل من طرف السياسيين لإحداث الخلافات بين الطوائف الإسلامية وتعميقها  وقد اتضح من النص أن الشاعر يستعمل الصور التعبيرية المسيحية كما في قوله: ( كما تصور في الدير التماثيل)
فالصورة تكشف عن طبيعة الحماس الديني الذي يشغل بال وقلب الشاعر فإذا كانت المحبوبة قد أو حت ـ في هذه اللحظة الغريزية التي تنقل لنا جمال عنصر حساس جدا  ومثير جدا في جمال المرأة وهو الصدر حين ترتسم عليه أدوات الزينة فتزيده إثارة ـ بهذه الصورة ( كما تصور في الدير التماثيل) فإن ذلك لا يفسر إلا باستدعاء الصورة الحسية الجميلة ( في جيد آدم زانته التهاويل حلي يشب بياض النحر واقده ) لما  يشاكلها في مخيلة الشاعر وفي قلبه، وهي الصور التي تسكن اللاشعور لأنها تأخذ هذه المكانة من نفس صاحبها زمن الطفولة الذي يتكون فيه مخزون اللاشعور في الغالب، وهكذا يتبين لنا أن الصورة التشبيهية: (في جيد آدم زانته التهاويل حلي يشب بياض النحر واقده، كما تصور في الدير التماثيل)  تتكون من طرفين: المشبه والمشبه به، وهما عنصران يشكلان ـ على التوالي ـ مخزونين عاطفيين أساسيين في فهم عمق الشاعر النفسي ودوافعه:  المخزون الغريزي، والمخزون الإيديولوجي للشاعر، فالصورة هنا كالعملة يمثل المشبه والمشبه به وجهيها اللاشعوريين العميقين الغريزة والدير.وبمعنى آخر إن التشبيه هنا يمثل بنية رمزية  تكشف عن إيديولوجية المؤلف، ولكن هل ينسجم ذلك مع البنيات الكبرى التي تشكل النص الشعري؟ من المعلوم أن السياق التاريخي  الذي نشأ فيه النص يرمز إلى فترة تاريخية للدولة الإسلامية في العصر الأموي عندما بدأ الشعر يتقهقر أخلاقيا فيعود شيئا فشيئا إلى ما كان عليه في الجاهلية ليكون إيديولوجية تنسجم مع الموروث الجاهلي، عملت على إيقاظه النزعات السلطوية التي لبست ملبسا دينيا متجليا في ما يسمى بالفرق الإسلامية  ( الشيعة والسنة والخوارج ...) تلك التمزقات التي وجد النصرانيون واليهود والمشركون والمنافقون وكل الانتهازيين فيها وسيلة صالحة للتمكن من مناصب فعالة في السلطة منها منصب شاعر السلطة الذي كان الأخطل يتبوؤه في عهد معاوية بن أبي سفيان ثم ابنه من بعده[2]، قيل " كان مواليا للأمويين يؤيدهم ويمدحهم وينال منهم الجزاء، وقد قام بالطعن على السادة الأنصار لما وقعت مغاضبة بين يزيد بن معاوية ولي العهد وعبد الرحمن ابن حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فاستحق سخط المسلمين وكراهيتهم، وكان مجاهرا بشرب الخمر وقد يأتي بما يكرهه المجتمع الإسلامي ويتفق مع ميوله الإباحية"[3]
وعلى هذا يمكن أن تتحدد رؤية الشاعر للحياة في ضوء هذه المقدمات فلا نستغرب أن تكون النماذج التي سينسجها في القصيدة متناسبة تماما مع هذه الإيديولوجية الجديدة التي تتركب من عقيدة مسيحية في بلاط الدولة الإسلامية، فما هو النموذج الذي سيرسمه النص ؟
3ـ النموذج الذي يرسمه ويصوره في مخيلة القارئ باعتبار مبدأ القدوة، والعبرة أوالتحذيرات، و الفطرة أوالطبيعة:
سبق الحديث في مجال اللغة عن إحالة الضميرين: ( هي،أي سعاد، وأنا أي الشاعر)، والضمير (هي) يمثل النموذج الممثل للجمال في مخيلة الأخطل، فسعاد هنا هي النموذج الجميل الفاتن، والضمير ( أنا) الذي يمثل صورة المفتون بسعاد، هو الإنسان المنهك المريض المخبول بسبب معاناته من جمالها وبونها،  ففي القصيدة إذن صورتان أو نموذجان يمثل أحدهما مبدأ القدوة كما يتجلى من قول الشاعر:
 مرفوعةٌ عن عيون الناس في غرف   لا يطمع الشُّـمطُ فيها والتنابيـل
 
وهو نموذج  أخلاقي رفيع المستوى، ولكن سرعان ما أعقب ذلك النموذج الأخلاقي بصورة حسية فيها ما يناقض تلك القيم الخلقية:
يروي العطاشَ لها عذب مقبَّـلُه    في جيد آدمَ زانته التهاويــل
غراء فرعاء مصقول عوارضها    كأنـها أحـور العينين مكحول
 
 ويمثل ثانيهما( أنا الشاعر) ـ لاشعوريا ـ مبدأ التحذيرات ، إنها آثار الحب المحرم التي لا تخلف إلا المرض والسقم والخبل، تلك التي تجعل في النهاية ( الجسم مسلولا)، و( القلب يعتاده سقم)، وهكذا تتجلى صورة الإيديولوجية المنسوجة من خليط  تعمل على تنشيطه عقيدة الشاعر وغرائزه التي يكبتها جو الدين الجديد الذي تعمل به السلطة التي تربطه بها مصالح وتفرقه معها عقائد، يستفيد منها ماديا، ويحمي بها قبيلته، ولو كان ذلك على حساب معاناته العاطفية.
 والحق أن الذي جر الشاعر ـ أو بطل  القصة السلبي والراوي في الوقت نفسه ـ  إلى هذه النتيجة هو تحكم مبدأ الطبيعة ( الغريزة) فيه، فعدم وجود عامل التقوى الذي يهذب الغرائز يجعل الإنسان يعيش رهن غرائزه مما أثقل كاهله بمسؤولية ناجمة عن تنشيط الغرائز بسبب الطمع فيما يصعب نيله من محرمات في مجتمع يعيش مرحلة  التناقضات فهو(بين بين) فالدين لا يزال يتحكم في أخلاق أفراده، والترف بدأ ينشط الغرائز، بل قد يدفع على ذلك الطمع  ما انتشر من القيان والمغنيات والجواري اللائي يكتظ بهن القصر مما يشجع على الغزل الحسي الذي حاربه الإسلام في أيام عزه.
 وواضح إذن  أن هذه المقطوعة  ترسم لنا نموذجين يمثل أحدهما مبدأ القدوة التي يرسمها الشاعرـ لاشعورياـ لسعاد، إذ  الشاعر لايرمي إلى تكوينها كما يدل على ذلك التناقض الواضح في القصيدة بين كونها مرفوعة عن عيون الناس، وكونه هو يعرف تفاصيل جسدها وحتى اللذة التي تمنحها إياه ويرمي الثاني إلى مبدأ التحذيرات التي جاءت بصفة آلية تعبر عن صورة الشاعر المأساوية التي ترسمها الأبيات:
بانت سعاد ففي العينين ملمـولُ     من حبها، وصحيح الجسم مخبولُ
فالقلب من   حبها   يعتاده  ســقم  إذا   تذكرتها   والجسم      مسـلول
 وإن تناسيتها أو قلت قد شـحطت  عادت نواشط  منها  فهـو    مكبـول
 
وهكذا يصبح النص كله رمزا لتاريخية النص، ذلك التاريخ الذي بدأ ينحرف عن الجادة في كل شيء وينعكس على العقلية العربية الجديدة، ومن ثم على النصوص الإبداعية،حتى وجدناه يقول في الأنصار:
خلوا المكارم لستم من أهلها    وخذوا مساحيكم بني النجار
ذهبت قريش بالمفاخر كلها     واللؤم تحت عمائم الأنصار[4]
 وهكذا يتبين لنا أن " الأدب في حقيقته إنما هو تعبير عن المجتمع وكل ما يجري فيه من نظم وعقائد ومبادئ وأفكار، والأديب لا يسقط على مجتمعه من السماء وإنما ينشأ فيه ويصدر عنه، يصدر عنه في كل ما رأى فيه وأحس وسمع ناسجا مادته من مسموعاته وإحساساته ومرئياته"[5]


[1] ـ صلاح فضل  : م س ص 252
[2] ـ التطاوي : القصيدة الأموية : م س 219ـ 232
[3] ـ  الندوي : تاريخ الأدب العربي  ـ العصر الجاهلي والإسلامي ـ ج :2 ص 125 
[4] ـ الندوي : م س 126
[5] ـ شوقي ضيف : البحث الأدبي... : 96 دار المعارف / مصر
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الأول :تحليل مقطع...12    كن أول من يقيّم
 
4ـ العاطفة: العاطفة المسيطرة على المقطوعة غيرعاطفة النص كله لأن القصيدة تتضمن إلى جانب الغزل الذي عاطفته الأساسية الحب، موضوع الهجاء وعاطفته الأساسية الكره، ولا شك أنهما يرتبطان بقوة الشكل وضعفه تبعا للصدق والكذب مما يؤدي إلى المباشرة حين تطغى العاطفة على الشكل أو إلى الزخرفة اللفظية حين يغيب الصدق ويقوى التكلف والتصنع والسرقة وهو جانب مما عولج تحت عنوان التناص. وقد لاحظنا أن تعبير الشاعر كان يقوم على الصور المكثفة المتتالية مما حال دون الوقوع في المباشرة التي تفسد الفن ، بل كان تكاثف الصور وتتابعها قد كون على رأي إليوت معادلا موضوعيا لعواطف الشاعر فأكسبها قوة بتماسكها مع الخيال، ولولا ما دخل المقطوعة من صور الهجاء الاجتماعي لكانت العاطفة متماسكة تماما لكن النزعة الهجائية أفسدت ذلك الانسياب العاطفي وجعلته يهتز بنشاز قوي مرتين متتابعتين تجلى في قوله:
مرفوعةٌ عن عيون الناس في غرف     لا يطمع الشُّـمـطُ  فيها والتنابيل
يخالط القلبَ بعد النــــوم لذتُها      إذا تنبه واعتـل  المتـافيـــل
والسبب في ذلك أن المقدمات الغزلية للقصائد تتلون بالموضوع الرئيسي للقصيدة، وهو الهجاء هنا " الغزل الذي يساق في مقدمة الهجاء غزل عابث غاضب كما أن الغزل الذي يساق في مقدمة الرثاء يكون حزينا هادئا"[1]
 وخلاصة القول: إن الأخطل قد عبر في هذه النص الجميل عن مشاعر فياضة إزاء موضوع ذاتي حقا ولكنه يستمد قوة تأثيره من كونه يعبر عن طبيعة من طبائع البشر وهي الحب، تلك العاطفة التي أودعها الله في قلب الإنسان ليكون إنسانا متى عمل على تهذيبها وتوظيفها بطريقة مقبولة عقلا، وقد وفق الشاعر في ذلك توفيقا كبيرا  ساعده على ذلك تجسيد الفكرة والعاطفة في سلسلة من الصور المترابطة في الغالب، وقد اعتمد في ذلك التشكيل الجمالي على الذاكرة كثيرا مما جعل القصيدة تتقاطع مع قصيدة كعب ابن زهير الشهيرة التي تكاد روحها تطغى على النص بدءا بالمطلع ومرورا بالقافية والوزن والمعجم، ومع ذلك فقد أعطانا الشاعر من خلال التصوير مبدأين تربويين هما مبدأ القدوة التي رسمها للمحبوب المتعالي عن الدنايا على ما في ذلك من تناقض أحيانا يمليه تردد الشاعر بين الحقيقة التي يصفها والأنانية التي تفرض عليه الأحلام الفنية التي أخرجت الصورة الأخلاقية من قصرها إلى الابتذال والوصال أحيانا، ومبدأ التحذيرات الذي يفهم من أثر معاناة المحب في طلب ماهو محرم مما أورثه سقما وعللا وحزنا لا يكاد يفارق بسببه الدمع العين فمنذ أن بانت سعاد تركت في العين ملمولا وفي القلب سقما، سيكونان السبب في الرحيل على الناقة كما تصور الأبيات الموالية للمقدمة الغزلية.     


[1] ـ سعيد الأيوبي:  الصورة والبناء في المراثي الجاهلية   241
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الثاني:تحليل قصيدة "شنق زهران"    كن أول من يقيّم
 
الفصل الثاني:تحليل قصيدة "شنق زهران"
لصلاح عبد الصبور
 
 
النص: شنق زهران
 
كان زهران غلاما أمه سمراء .. والأب مولد
 وبعينيه وسامة وعلى الصدغ حمامة وعلى الزند أبو زيد سلامة
 ممسكا سيفا وتحت الوشم نبش كالكتابة
 اسم قرية
" دنشواي"
 
شب زهران قويا
ونقيا
يطأ الأرض خفيفا
وأليفا
كان ضحاكا ولوعا بالغناء
وسماع الشعر في ليل الشتاء
ونمت في قلب زهران .. زهيرة
ساقها خضراء من ماء الحياة
تاجها أحمر كالنار التي تصنع قبلة
حينما مر بظهر السوق يوما
ذات يوم
مر زهران بظهر السوق يوما
واشترى شالا منمنم
ومشى يختال عجبا مثل تركي معمم
ويجيل الطرف .. ما أحلى الشباب
عندما يصنع حبا
عندما يصطاد قلبا
 
 كان يا ما كان أن زفت لزهران جميلة
كان يا ما كان أن أنجب زهران غلاما .. وغلاما
كان ياما كان أن مرت لياليه الطويلة
ونمت في قلب زهران شجيرة
ساقها سوداء من طين الحياة
فرعها أحمر كالنار التي تأكل حقلا
عندما مر بظهر السوق يوما
ذات يوم
مر زهران بظهر السوق يوما
ورأى النار التي تحرق حقلا
ورأى النار التي تصرع طفلا
كان زهران صديقا للحياة
ورأى النيران تجتاح الحياة
مد زهران إلى النجمة كفا
ودعا يسأل لطفا
ربما سورة حقد في الدماء
ربما استعدى على النار السماء
 
وضع النطع على السكة والغيلان جاءوا
وأتى السياف(مسرور)وأعداء الحياة
صنعوا الموت لأحباب الحياة
وتدلى رأس زهران الوديع
قريتي من يومها لم تأتدم إلا الدموع
قريتي من يومها تأوي إلى الركن الصديع
قريتي من يومها تخشى الحياة
كان زهران صديقا للحياة
مات زهران وعيناه حياة
فلماذا قريتي تخشى الحياة ؟
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الثاني:تحليل قصيدة شنق زهران    كن أول من يقيّم
 
سوسيولوجية الكاتب:
صلاح عبد الصبور شاعر وناقد مصري  يعد من رواد الشعر الحديث والدراما الشعرية في مصر. ولد بالزقازيق عام 1930م أكمل دراسته حتى تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة ، كان موهوبا فتفتقت شاعريته في سن مبكرة  قيل "كان ذلك في مرحلة دراسته الثانوية"  ولعل أول ديوان له قد ظهر في 1957،
 شغل صلاح عبد الصبور عدة مناصب ، حيث عيّن بعد تخرجه مدرسا بوزارة التربية والتعليم إلا أنه استقال منها ليعمل بالصحافة ، وفي عام 1961م عيّن بمجلس إدارة الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر، وشغل عدة مناصب بها.
اطلع عبد الصبور على الشعر الأجنبي وأعجب بشعر الإنجليزي ت . س إليوت و لعله قد تأثر  به ، وفى منتصف الستينات خاض أول تجربة له في الدراما الشعرية فكتب مسرحيته: " مأساة الحلاج " عام 1965، وقد كان تأثره في هذه المسرحية بالشاعر الإنجليزي إليوت واضحا جدا ، وهذه المسرحية جاءت شبيهة بمسرحية إليوت: " جريمة قتل في الكاتدرائية ".
 تنوعت أعمال صلاح عبد الصبور بين المسرحيات التي كتبها ، وبين دواوينه الشعرية وبين دراساته ومقالاته الأدبية
كتب عبد الصبور خمس مسرحيات هي :
1ـ " مأسـاة الحلاج " وهي تعالج قصة إعدام الحسـين بن المنصور ـ المشهور بالحلاج ـ في بغداد عام 309 هـ ، بعد محاكمة أمام ثلاثة قضاة، وتتخذ من شخصية الحلاج ـ الذي يصوره صلاح عبد الصبور شاعرا متصوفا ومصلحا اجتماعيا في آن واحد – مناسبة لطرح " قضية الالتزام : وإلى أي حد يجوز للمفكر أن يلتحم بمشكلات عصره؟ وهل يقتصر على تسجيل رأيه أم ينزل إلى حومة الفعل المباشر ؟ وهل له الحق أن يحاول تغيير الضمائر أم يعمد إلى العنف الثوري ؟!"[1] .
2ـ  مسرحية: " مسافر ليل ". وهى مسرحية طليعية قصيرة تأثر فيها عبد الصبور بمسرح العبث ، موضوعها القهر والانهزام أمام السلطة .
3ـ مسرحية: " الأميرة تنتظر". ولجأ فيها الكاتب إلى عالم الأساطير وأجواء ألف ليلة وليلة ، وتتحدث عن قصة الأميرة ووصيفاتها الثلاث ، وهي تصور ما يتعرض له الإنسان من قهر وظلم.
4ـ مسرحية: " بعد أن يموت الملك ". وتتناول فكرتها الرئيسية الصراع بين الخير والشر ، وتنتهي بانتصار الخير على الشر بعد صراع عنيف بينهما.
5 - مسرحية: " ليلى والمجنون ". تتصف هذه المسرحية الشعرية بالطابع الاجتماعي ، حيث إنها تتناول قضية تمس المثقفين في مصر قبل ثورة 1952 الذين فقدوا القدرة على الحب ، تدور معظم أحداث المسرحية قبل ثورة 1952. وهي تحكي قصة مجموعة من الصحفيين الشباب فقدوا القدرة على الحب بسبب المناخ العام ، ويطرح رئيس التحرير حلاً لأزمتهم وهو أن يقوموا بتمثيل مسرحية رومانسية عن الحب ، ويختار لهم مسرحية: " مجنون ليلى " لأحمد شوقي، ويظهر التباين الشديد بين العاشقين ليلى والمجنون ونظيريهما المعاصرين ليلى وسعيد. كان قيس عند  ـ أحمد شـوقي ـ عاشقا صاحـب قضيـة فرديـة، أما سعيد ـ عند صلاح عبد الصبور ـ فكان على النقيض عاجزا عن الحب مهزوما تثقله ذكريات الطفولة الأليمة ، فتتحول ليلى إلى حسام الذي يكشف عن وجهه القبيح بكتابة التقارير عن زملائه في الجريدة ، يسجن سعيد لاعتدائه على حسام ، ويتفرق أفراد الجماعة  محبطين ويمضي كل منهم في سبيله ، بعد أن استسلموا للعجز واليأس[2].
واخيرا(ً نجد وعلى غرار الرعيل الاول من شعراء الحداثة. والذين تميزوا بغزارة الانتاج والمغامرة مع القصيدة الجديدة كان صلاح عبد الصبور ذلك النفس الذي امتلأ نبضاً بعبق القصيدة والنبوءات قاصداً وراصداً حركة شعرية حداثوية، تنطلق من اسس متينة باتجاه فضاءات واسعة، تطل من خلالها القصيدة العربية على الاجواء الانسانية والعالمية الرحبة).
 
‏سوسيولوجية النص : القصيدة " شنق زهران" للشعاعر صلاح عبد الصبور تستمد أحداثها من واقعة حقيقية حدثت بنشواي بمصر سنة 1906 ليس للشاعر فيها سوى البناء الفني الذي سنرجع إليه من بعد، ولذلك يعد النص من الشعر الواقعي، فالتاريخ المصري يكشف أن" حادثة دنشواي تمثل الصراع بين المصريين في قرية دنشواي بمصر والاستعمار البريطاني المستبد الذي  أحرق القرية وقتل الأولاد بسبب قتل أهل القرية من المصريين لبعض  المعمرين البريطانيين عندما أراد أن يتعلم الصيد فتسبب في قتل امراة من قرية دنشواي  فثارت  ثورة الشعب على من يريد أن يستولي على أرضه ويحرمه من حقوقه[3]، والشاعر في هذه القصيدة  قد استفاد من ذاكرة الشعب المصري ومن أساطيره الكثيرة  مثل ( أسطورة أبي زيد سلامة) والوشم وأساليب الفلاحين في معالجة مشاكلهم وطبيعة ثورتهم إلخ ... وقد صرح الشاعر نفسه باعتماده النقل الواقعي في قصيدة " شنق زهران" إذ  قال بصدد الحديث عنها : " حاولت أن أرسم صورة صادقة لهذه الشخصية الريفية في ملبسها وطابعها الإنساني"[4]


[1] ـ www.sqvdu.omLstu/
[2] ـ WWW.SQU.EDU.OM/STU/
[3] ـ محمد زكي العشماوي : دراسات في النقد الأدبي المعاصر : 123: دار الشروق
[4] ـ  صلاح عبد الصبور : حياتي في الشعر : دار العودة بيروت: 92
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الثاني:تحليل قصيدة شنق زهران1    كن أول من يقيّم
 
ثانيا الدراسة الداخلية:
 تتضمن الدراسة الداخلية بنيتين أساسيتين جدا؛ بنية الشكل وبنية العمق
 
 1ـ بنية الشكل : وتشمل الأسلوب بكل عناصره من بناء ولغة وتراكيب و موسيقى وخيال بكل عناصره من تشبيه واستعارة وكناية ورمز...، وسندرس النص وفق العناصر الشكلية التالية: المعجم الشعري، والتكامل( أو الوحدة العضوية) والتناغم والتألق أو الإشعاع، والتناص.
         في دراسة بنية الشكل نكون أساسا أمام ضرورة الإجابة على التساؤلات المتعلقة بطبيعة النص الأدبي ، وهذه التساؤلات تدور حول نوع النص وخصائص النوع  من موسيقى وصورة و معجم  وهي كما يلي  :
1ـ نوع النص: النص من الشعر القصصي المبني على نظام التفعيلة، وهو نوع من الشعر تضافرت على إيجاده في العالم العربي عوامل سباسية ونفسية وحضارية، أبرزها شعور الشاعر العربي بالحاجة إلى معالجة الموضوعات المرتبطة بالحياة الواقعية المعيشة، ولكن أقواها على الإطلاق هو الانبهار الشامل بالحضارة الغربية والشعور بالنقص إزاء الحضارة الغربية، مما دفع الشعراء إلى قراءة شعر الغربيين والنسج على منوالهم، ولئن كان من الصعب تحديد أول من فتح هذا الخرق وشق هذا الطريق في العالم العربي الحديث أكان من العراق أولا؟ أم كان من مصر أولا،  أهي نازك الملائكة؟ أم صلاح عبد الصبور؟ أم السياب ؟ مهما يكن فإن الجميع كان يملك الاستعداد النفسي لينسج القول وفق نظام الشعر الغربي، الجميع كان منتهكا نفسيا قبل أن ينتهك حرمة القصيدة العمودية التي تمثل بحق شخصية متألقة جمالا في عالم الفن الإنساني، لقد انتهكت حرمة القصيدة العربية وظهر هذا النوع من الشعر فما هي مواصفاته وخصائصه الشعرية التي بها تحقق له النوع الأدبي؟
2ـ بم تحقق له النوع: سنعالج ذلك وفق التحقق من الوزن والصورة
أ ـ الطاقات الصوتية ( الوزن والقافية ...)، في القصيدة  وزن ولكن ليس على نظام البحر الذي يقوم على أبرز خصائص القصيدة العربية وهو تساوي عدد التفعيلات في كل شطر من جهة وفي كل بيت على حده، من جهة ثانية، ففي القصيدة العربية التزام فني بمقومات الفن العربي، ولكن في الشعر الجديد انتهاك لهذا الالتزام يتجلى مما يلي:
 كان  زهران   غلاما   أمه   سمراء .. والأب مولد
    /ْ//ْ/ْ          ///ْ/ْ       /ْ//ْ/ْ        /ْ//ْ/       ///ْ/ْ
    فاعلاتن       فعلاتن    فاعلاتن     فاعلات  فعلاتن
 وبعينيه وسامه وعلى الصدغ حمامه وعلى الزند أبو  زيد   سلامه
    ///ْ/ْ    ///ْ/ْ      ///ْ/ْ             ///ْ/ْ        ///ْ/ْ      ///ْ/ْ          /ْ //ْ/ْ 
   فعلاتن    فعلاتن    فعلاتن      فعلاتن     فاعلاتن     فعلاتن        فاعلاتن
 ممسكا سيفا وتحت   الوشم   نبش   كالكتابة
 /ْ//ْ /ْ          //ْ/ْ       /ْ//ْ/ْ          /ْ//ْ/ْ
فاعلاتن    فاعلاتن  فاعلاتن  فاعلاتن 
   اسم قرية
     /ْ//ْ/ْ 
فاعلاتن   
" دنشواي"
/ ْ/ /ْ ْ
فاعلات
 أين وحدة البحر وأين شطرا القصيدة وأين وحدة القافية؟
 من ذلك يتبين لنا ما ذا بقي من القصيدة العمودية، لقد بقي منها التفعيلات ، إن هذه القصيدة مبنية على وحدة التفعيلة  المستمدة من بحر الرمل، وتفعيلاته هي :
        فاعلاتن    فاعلاتن    فاعلاتن      فاعلاتن     فاعلاتن     فاعلاتن
ويعد هذا البحر من الأوزان الصافية حيث تكررت فاعلاتن (ست مرات) في وزن الخليل بن أحمد، وقد استخدمت في القصيدة التفعيلة ( فاعلاتن) على أصلها ولكن التكرار هو الجانب المخالف لقصيدة البحور الخليلية، إذ تكررت في السطر الأول (5مرات) وفي الثاني( 7مرات) وفي الثالث ( 4مرات) وفي الرابع( مرة واحدة) وفي الخامس ( مرة واحداة) وجاءت ( فاعلات) كتفعيلة الضرب المقصور، وفي وزن القصيدة زحاف كما في السطر الأول والثاني والأخير.
القافية: لم يعد للقافية في هذه القصيدة ذلك التوهج المشرق الذي عرفناه في القصيدة العمودية لقد اختفى كالتزام يبرهن على قوة التألق الجمالي، وأخذ يطرح نفسه باحتشام  بين الفينة والأخرى كما في قوله:
 
شب زهران قويا
ونقيا
يطأ الأرض خفيفا
وأليفا
فهاهنا روي يظهر ( قويا ، نقيا) ثم يختفي  بسرعة ليظهر غيره ( خفيفا ، لطيفا)، ثم يختفي ليظهر في صورة ثالثة كما يلي :
عندما يصنع حبا
عندما يصطاد قلبا
وهكذ نجد الروي في الشعر الجديد  معربا عن تفاعله مع السجع أكثر من تفاعله مع تاريخ القصيدة العمودية،كما يتجلى في قوله:
(وبعينيه وسامه، وعلى الصدغ حمامه، وعلى الزند أبو زيد سلامه)
 ولكن حتى هذا التفاعل مع السجع كان باهتا إذ لا يستمر مع القصيدة فأحيانا يختفي تماما كما في قوله:
 كان يا ما كان أن زفت لزهران جميلة
كان يا ما كان أن أنجب زهران غلاما .. وغلاما
كان ياما كان أن مرت لياليه الطويلة
ونمت في قلب زهران شجيرة
ساقها سوداء من طين الحياة
فرعها أحمر كالنار التي تأكل حقلا
وأحيانا يظهر على حساب النظام النحوي كما لو أنه يريد أن يذكرنا  بموقف القدماء من  الضرورات الشعرية، التي يتسامحون فيها نحويا احتراما للحرص على التألق الجمالي:
واشترى شالا منمنمْ
ومشى يختال عجبا مثل تركي معممْ
فالنحو يقضي بأن يكتب السطران  هكذا (واشترى شالا منمنمًا، ومشى يختال عجبا مثل تركي معممٍ) ولكن الشاعر للضرورة الشعرية حرص على العدول على القاعدة النحوية لصالح الإيقاع الموسيقي فأسكن المنصوب والمجرور
 وفي القصيدة ظاهرة صوتية أخرى تشد الانتباه هي الجناس المقصود قصدا كما في قوله ( وسامة ...سلامة) ( نمت في قلب زهران زهيرة)  لكن هذا القصد   جعله أحيانا يفسد نمو انطباع التجربة لدى المتلقي، كما في قوله:
ما أحلى الشباب
 عندما يصنع حبا
 عندما يصطاد قلبا
فالفعلان ( يصنع ويصطاد) جاء بهما بهدف الجناس الناقص وإلا فإن اصطياد القلب ليس فعلا ناجحا لاسيما عندما يكون البطل بدويا ساذجا وفلاحا، ولعل العبارة ( عندما يكسب قلبا) أوقع منها بكثير وأكثر مناسبة لطبيعة زهران.
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الثاني:تحليل قصيدة شنق زهران2    كن أول من يقيّم
 
وعلى الجملة: لقد ضحى صلاح عبد الصبور بوحدة الوزن ووحدة الروي والقافية، ولم يبق سوى وحدة التفعيلة مما أضفى على القصيدة من حيث الإيقاع الموسيقي رتابة واضحة تتأتى من وحدة التفعيلة.
 ومع ذلك فإننا لانستطيع أن نقول هذا ليس شعرا لأن القدماء أنفسهم قالوا : ( ليس كل من عقد وزنا بقافية فقد قال شعرا، الشعر أبعد من ذلك مراما وأعز انتظاما)[1]، ولكن في الوقت نفسه إن هذا لايعني إباحة حرمة الخصوصية العربية، إنما يعني أن الحفاظ على التأنق الموسيقي لايكفي بل لابد من التأنق بخصائص أخرى باجتماعها مع الموسيقى يتحقق للشعر العربي خصوصية الشعرية العربية فما هي تلك الخصائص؟
 
ب ـ الخصائص اللغوية: المعجم الشعري الذي نسجت به القصيدة بسيط ومألوف بحيث يخرج عن خاصية الشعر الحداثي الذي يتسم بالغموض والتكلف، ويرى أن ( لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين اللغة لعادية هي لغة الإيضاح)[2]، لقد فارق صلاح عبد الصبور لغة الحداثيين  لدرجة أن الناقد لويس عوض قال: "يبدهك في صلاح عبد الصبور أنك تقرأه فتحسب أنك بإزاء شاعر ساذج يصف لك الأبطال والأشياء في سذاجة حية لاتجدها إلا في الطبيعة العذراء ولا تعرف كيف تصفها فتقول إنها بكرة فنية لم تفسدها يد الصناعة أو التجربة بكارة يهتز لها القلب حزنا أو طربا كما يهتز لألوان الأصيل أو للورقة المخضلة الخضراء ،ولكن الأمر ليس كذلك . فما أن  تعيد ما قد قرأت حتى يتبين لك أنك بإزار شاعر ماكر يعرف أصول فنه" والحق أن الذي جعل لغة الشاعر صلاح عبد الصبور في هذه القصيدة بسيطة هو طبيعة المنحى الذي نحى به في هذه القصيدة منحيين؛ الواقعية والقصصية إذ اعتمد في بنائها الأسلوب القصصي، وهو أسلوب يقوم على اللغة البسيطة غير المكثفة وغير المجازية في الغالب ذلك لأن العمل بأكمله صار رمزا أي صار مجازا ، وانظر إلى مطلع القصيدة كيف تتبين لك بساطة اللغة وسرديتها القصصية:
كان زهران غلاما أمه سمراء .. والأب مولد
 وبعينيه وسامة وعلى الصدغ حمامة وعلى الزند أبو زيد سلامة
 ممسكا سيفا وتحت الوشم نبش كالكتابة
 اسم قرية
" دنشواي"
على أن بساطة اللغة لا يعني أن الشاعر  لم يستخدم الالفظ الرمزية فاللغة مملوءة بالرموز، مثل (زهران، أبو زيد سلامة، الغناء، زهيرة، ساقها خضراء) فمثل هذه الألفاظ لا تستوقف القارئ من جهة المعجم ولكن من جهة الدلالة التي وظفت من أجلها، مما يستدعي تفسيرها في سياق الكلام.
ـ التكرار:في النص تكرار يتأرجح بين الكلمة والجملة مثل:
 ورأى النار التي تحرق حقلا
ورأى النار التي تصرع طفلا
كان يامكان تكررت( 3 ثلاث مرات )  نمت في قلب زهران (  مرتلن2)، مر بظهر السوق يوما ذات يوم (3 مرات)زهران ( اثنتا عشر مرة 12) وهو لفظ أساسي في القصيدة بل هو محور الحديث وبطل القصة ، كان ( عشر مرات10) تكرر فعل كان عشر مرات لأنه يؤكد خاصية قصصية في الشعر القصصي وهي السرد باعتماد الحديث عن الغائب والراوي  الذي يسرد القصة هنا هو الشاعر نفسه
 
ـ التضاد ( بين لفظي الموت والحياة) وهما لفظان أساسيان في بناء القصيدة يكشف تضادهما عن التلازم بين ظاهرتي الحياة والموت باعتبار أن القصيدة تتمركز في موضوع الصراع بين الاستعمار الاستيطاني واالرجل الريفي المتتوق إلى التحرر مما جعل القصيدة تنتهي بقوله:
كان زهران صديقا للحياة
مات زهران وعيناه حياة
فلماذا قريتي تخشى الحياة ؟
ج ـ الخصائص التصويرية:
1ـ الصورة الرمزية: قصيدة شنق زهران مبنية على رمز أسطوري هو ( زهران) يستمد قوته من الوعي الجماعي المصري، ليمثل بطلا أسطوريا ما فتئ الشعب المصري ينتظره هو ( أبو زيد سلامة حاملا سيفا) ، ومن ثم فالقصيدة مبنية على صورة رمزية مع أن  هذا الشاعر  عبد الصبور في حديثه عن الرمز والاسطورة يقول: «أنا استعمل الرمز والاسطورة بحذر شديد لان استعمالها يحجب وجه القصيدة»[3].
 على أن هذه الصورة تتخللها صور جزئية وهذا لا ينتقص من قيمتها لأن  " القصيدة الكاملة هي صورة مركبة"[4]
الصورة عموما  تأتي لتخدم القصيدة لتزودها  بمعنى جديد تستخرجه من الأعماق اللاشعورية أو تأتي لتكثف معنى سابقا لم يتضح بشكل كاف أو تأتي لتوسع من نمط الصورة الكلية وسيتبين ذلك من الصور الجزئية التي تتظافر هنا مع الصورة الكلية وهي:
 الصور الجزئية في القصيدة:
ـ ساقها خضراء من ماء الحياة
ـ تاجها أحمر كالنار التي تصنع قبلة
ـ مشى يختال عجبا مثل تركي معمم
ـ ساقها سوداء من طين الحياة
ـ فرعها أحمر كالنار التي تأكل حقلا
هل كانت الصور في القصيدة متسلسلة كالمرايا المتجاورة لتعكس الموضوع ؟ كلا لقد كانت الصور متباعدة فهي مستخدمة لتكشف بين الحين والآخر جانبا مظلما في القصيدة،لتعطيه الحياة والشكل وتجعله مرئيا، فالصورة الأولى جاءت لتعطي دلالة للقوة(وعلى الزند أبو زيد سلامة ممسكا سيفا)، فلو عبر الشاعر عن الفكرة بعبارة مجردة من التصوير لما كانت لتعطي هذا الإحساس بالقوة، تلك التي تهيئ البطل ( زهران لفعل شيء، والصورة ( ونمت في قلب زهران .. زهيرة ،ساقها خضراء من ماء الحياة ، تاجها أحمر كالنار التي تصنع قبلة )مركبة، إذ  تتضمن العبارة صورتين مشكلتين من التصوير بالوصف ( ساقها خضراء) والثانية مشكلة بأدوات التشبيه (تاجها أحمر كانار) وقد  عملتا  على  إيجاد جو من المرئيات لتضيء زاوية في القصيدة، فالشاب زهران بعد أن نما وشب نمت في قلبه الرغبة في الحياة فأحب زهيرة،  والاسمان من مصدر واحد يدلان على الرغبة في الحياة، على أن الشاعر هنا يبرز فقط زاوية مظلمة بالتصوير في حياة ( زهيرة) فهي فتاة ساقها خضراء وتاجها أحمر كالنار التي تصنع قبلة، والصورتان ترمزان للحياة لكن العنصرين متناقضين إذ الماء من شأنه أن يطفئ  النار، ومن المؤسف أن تتوقف الصورة لتترك المجال للتعبير المباشر إلى حين.
بعد أن يصل الشاعر لمرحلة أخرى في الحياة ويصير رجلا ناضجا ويصبح أبا لأطفال تأتي الصورة:
(نمت في قلب زهران شجيرة
 ساقها سوداء من طين الحياة
فرعها أحمر كالنار التي تأكل حقلا)
 هاهنا اللون الأسود يلون ساق الشجرة إنه الغضب المترتب عن الظلم الاجتماعي الذي يفرضه على الشاعر وبطله الاستعمار، هذا الظلم الذي لاينتج إلا الأحقاد إنه هو الذي أدى إلى ( إنتاج فرع أحمر كالنار التي تأكل حقلا)   فرع الشجرة الأحمر كالنار التي تأتي على كل شيء، إنه الحقد الذي نما في القلب بعد أن أعيته أسباب الحياة المظلمة بالظلم الأسود.
تختفي الصورة من جديد لتظهر  في مجال الوصف الدقيق للاستعمار، الذي يحرق كل شيء كالنار:
(ورأى النار التي تحرق حقلا
ورأى النار التي تصرع طفلا)
 فالنار هنا رمز للآستعمار البريطاني الذي يأكل خيرات البلاد وزهران مع أبنائه يجوعون، فهو صديق للحياة التي سلبها منه العدو فماذا يفعل؟
 هنا تتوالى الصور لتبين أن زهران يحب الحياة ولكنه يرى النيران الاستعمارية تجتاح تلك الحياة:
(كان زهران صديقا للحياة
ورأى النيران تجتاح الحياة )
لذلك (مد زهران إلى النجمة كفا ودعا يسأل لطفا) هكذا في صورة جديدة ( النجمة) التي يمد إليها كفه لكن هذه النجمة فيها غموض يفرضه ما يأتي بعدها ، فلهلها رمز لما تعلق به قلبه من همة فهل تتحقق؟
تأتي الصورة الأخيرة لتضع حدا لذلك الأمل:
 تدلى رأس زهران الوديع...
مات زهران وعيناه حياة
 فلماذا قريتي تخشى الحياة)


[1] ـ
[2] ـ محمد حمود . الحداثة في الشعر....الشركة العامة للكتاب  لبنان ص :170
[3] ـ .............
[4] ـ سي دي الويس : الصورة الشعرية : 73
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الثاني:تحليل قصيدة شنق زهران3    كن أول من يقيّم
 
3ـ بناء القصيدة :
      هل تحققت للقصيدة الوحدة الموضوعية و الوحدة العضوية ؟ إلى أي مدى يمكن أن تتماسك فقراتها وأبياتها؟
القصيدة يمكن أن تنقسم إلى عدة فقرات تتضمن مشاهد تشكل متكاملة قصة  لها بداية وعقدة ونهاية، باجتماعها يتشكل الكل المتكامل هي:
1ـ المقدمة التي ترسم ملامح شخصية زهران من الميلاد إلى خصوصيات الفتوة إلى طبيعة القرية التي نشأ فيها وهي ( دنشواي) فهذا مشهد أول
2ـ المقطع الثاني الذي يقدم المشهد الثاني وهو مشهد يصور ببراعة مرحلة شباب زهران في دنشواي إلى أن كبر وأحب ( جميلة وتزوج)
3ـ المقطع الثالث  وهو الذي يصور بداية العقدة بشعور زهران بظلم الاستعمار البريطاني ونمو شجرة  السواد في قلبه مما يمهد  لصراع بين زهران والاستعمار يتطور بشكل سريع حين يرى زهران نيران العدو تجتاح الحياة فيضج ويدعو مستعديا على النار السماء
4ـ المقطع الرابع والأخير ويصور مشهد الإعدام لبطل أحب الحياة وينتهي بشنق زهران دون أن تستمر الثورة من بعده وهي نهاية مأساوية من جهتين ؛ من جهة ( شنق زهران) ومن جهة خذلان الأمة المصرية لأهداف أبطالها النبيلة
وهكذا يتبين لنا وحدة موضوع القصيدة ووحدة حكايتها التي تعبر عن حياة شاب ولد في قرية من قرى مصر ونما بها وترعرع في أرضها وتزوج جميلة آملا في الحياة فأنجب أطفالا ولكن كرهه للعدو الغاشم  جعله يثور ضده فينصب العدو له مشنقة تنتهي بحياة زهران نهاية مأساوية ( تدلى رأس زهران الوديع ) دون أن يتحرك الشعب من بعده ( قريتي من يومها تخشى الحياة) فقد تحققت وحدة الحكاية ووحدة الموضوع، ولكن هل تحققت الوحدة العضوية؟ ذلك ما ينبغي بحثه في التناغم
4ـ التناغم والربط: الأساس في الترابط بين أجزاء القصيدة التي تستمد شكلها من العمل القصصي أن يبنى على نظام البواعث إذ " " شكل الحدث هو عبارة عن مجموعة البواعث بحسب ظهورها في العمل وعلى هذا فمجموعها يشكل بناء فنيا متكاملا ولايمكننا حذف البواعث المتشاركة دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير النظام الزمني أو السببي ، أما البواعث الحرة فيمكن حذفها من ذلك العرض لكنها تبقى مرتبطة بشكل الحدث لأنها ترسم حدود بناء العمل تبعا للتقاليد الأدبية"[1]
ولكن عند النظر إلى بناء قصيدة " شنق زهران" ونمو أجزائها نجد الشاعر يستنجد بجسور الانتقال غير ما مرة مع أن القصيدة كانت قصيرة، يتبين ذلك من نقطة الراحة التي استرجع فيها أنفاسه في السوق يوما، عندما قال:
 ونمت في قلب زهران .. زهيرة
ساقها خضراء من ماء الحياة
تاجها أحمر كالنار التي تصنع قبلة
حينما مر بظهر السوق يوما
ذات يوم
مر زهران بظهر السوق يوما
واشترى شالا منمنم
ومشى يختال عجبا مثل تركي معمم
ويجيل الطرف .. ما أحلى الشباب
عندما يصنع حبا
 عندما يصطاد قلبا
فالعبارة (حينما مر بظهر السوق يوما، ذات يوم، مر زهران بظهر السوق يوما ) جاءت ناشزة هنا، فقد قطعت اندفاع نمو الحدث لتقوم بدورين لاداعي لهما أصلا ؛
1ـ طي الزمان بين مرحلة الحب والزواج
2ـ جسر انتقال لافائدة منه لأن الانتقال إلى المشهد الجديد  لم يتم في هذا المقطع الذي تكفل بتصوير مرحلة الشباب والحب  فبعد نمو الحب يأتى الزواج، فما جدوى هذين السطرين  من الشعر، إنه حشو يمكن الاستغناء عنه، ووجوده لايدل إلا على اهتزاز الصورة الكلية للقصيدة.  
 
وقد تكرر ذلك مرة أخرى بعد عشرة أسطرفقط حينما استأنف حديثا يتناول فعل المستعمر:
 عندما مر بظهر السوق يوما
ذات يوم
مر زهران بظهر السوق يوما
و رأى النار التي تحرق حقلا
ورأى النار التي تصرع طفلا
ويأتي جسر الانتقال في صورة تعبيرية أخرى  عندما يستنجد بالعبارة الشعبية (كان ياما كان...)، ولكي تتبين ذلك اقرأ معي قوله:
كان يا ما كان أن زفت لزهران جميلة
كان يا ما كان أن أنجب زهران غلاما .. وغلاما
كان ياما كان أن مرت لياليه الطويلة
ونمت في قلب زهران شجيرة
ساقها سوداء من طين الحياة
فرعها أحمر كالنار التي تأكل حقلا
فبينما نحن في سياق تجربة حب لم تنته بعد بالزواج إذا الشاعر يقطع علينا حبل النمو للصورة بجسر انتقال يطوي الزمان طيا لامبررله، فإذا قارئ القصيدة يحس أن التناغم قد انقطع وأن الشاعر يستأنف كلاما جديدا ليعتمد على جسور انتقال لم تكن في مستوى جسور التراث الشعري العربي كالذي نلمسه في قصائد الجاهليين وقد عرضنا له في قصيدة الأخطل السابقة.
  إننا ونحن نقرأ قصيدة شنق زهران نحس بنهاية مفاجئة تقطع التناغم بل تعبر عن عجز في إيجاد التناغم بين أقسام القصيدة، فهناك تقطع يشعر بنهاية مشهد ثم استئناف يشعر باختصار مخل للمسافة التي تتطلبها التجربة الشعرية الناضجة للقصيدة، استئناف يعتمد عبارة  توحي بسرد يطوي مراحل من القصة طيا غير محبب في الشعر القصصي وإن كان من صفات القصة الشعبية:
 (كان يا ما كان أن زفت لزهران جميلة
كان يا ما كان أن أنجب زهران غلاما .. وغلاما
كان ياما كان أن مرت لياليه الطويلة )
وقد يكون السبب في  هذه الجسور الانتقالية قد حمل عليه الشاعر حملا لسببين متضافرين :
1ـ ضمور في التجربة الشعرية  وغموض في الفكرة التي يريد نقلها
2ـ افتقار في الصور التي تقدر على الربط بين أقسام القصة ومراحلها
فالشعر الحديث ـ  كما يقول سي دي الويس ـ : " شبكة الاتصال بين  صوره تتواجد تحت سطح القصيدة وما يهدف إليه الشاعر أو أي فنان هو  تناغم الانطباع لأنه بدونه لايمكن توصيل الحقيقة الشعرية"[2]
ففي وحدة القصيدة خلل يكمن في خلوها من التناغم الذي هو دليل كمال القصيدة "فالكمال ينشأ في عبارة خيالية تخلق استجابة خيالية صرفة تتخطى حدودالموضوع إلى التجربة الانسانية في جميع الجوانب"[3]


[1] ـ جان إيف تادييه : النقد الأدبي في القرن العشرين: 29
[2] ـ الصورة الشعرية:  84
[3] ـ سي دي الويس : م س : 85
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
الفصل الثاني:تحليل قصيدة شنق زهران4    كن أول من يقيّم
 
والآن تعال نقرأ المقطع التالي:
 
ورأى النار التي تحرق حقلا
ورأى النار التي تصرع طفلا
كان زهران صديقا للحياة
ورأى النيران تجتاح الحياة
مد زهران إلى النجمة كفا
ودعا يسأل لطفا
ربما سورة حقد في الدماء
ربما استعدى على النار السماء
 
وضع النطع على السكة والغيلان جاءوا
وأتى السياف(مسرور)وأعداء الحياة
صنعوا الموت لأحباب الحياة
وتدلى رأس زهران الوديع
 
 
       عند النظر في المقطع يتبين لنا أمران يفسدان علينا نمو الصورة الكلية للمشهد الثالث،الأول يتمثل في حشو عبارة (كان زهران صديقا للحياة) فقد دخلت في وسط مشهد النيران التي فجرت فيه الثورة دون مبرر، وموضعها إن كان لابد منها بعد قوله( ورأى النيران تجتاح الحياة)
والثاني يتمثل في خطف الشاعر التجربة خطفا فلم يجعل القارئ يتمثلها لقد سارع بها  فجاءت منكمشة لا تعبر عن الدفقة الشعورية التي تكونت من تلك المقدمات.فبينما نحن بصدد مشهد النيران التي تجتاح القرية إذا بالمشهد ينتقل بنا دون مبرر إلى شنق زهران، فالشاعر لم يصف لنا ثورة زهران فقد طويت طيا  فبعد أن رأى منظرين مرعبين للعدو هما:
ورأى النار التي تحرق حقلا
ورأى النار التي تصرع طفلا
 لم نعد نرى له أي فعل واضح غير أن مد إلى النجمة كفا وغير أن رفع يديه إلى السماء حتى وجدناه يشنق، ففي الصورتين غموض منع من تقديم مبرر كاف.
 مد زهران إلى النجمة كفا
ودعا يسأل لطفا
ربما سورة حقد في الدماء
ربما استعدا على النار السماء...
وضع النطع على السكة والغيلان جاءوا
وأتى السياف(مسرور)وأعداء الحياة
صنعوا الموت لأحباب الحياة
وتدلى رأس زهران الوديع
 
 فالشاعر لم يقدم مبررا مقنعا  يبرر به فعل الشنق ولا سبب مجيء السياف، مما يجعل البطل يستوي مع غيره من الناس الذين  لم يزيدوا على البكاء من بعده، صحيح أن كونه يمد إلى النجم كفا قد يعني البحث عن المجد فقد رأينا صورة كهذه عند الخنساء في رثاء أخيها صخرا بقولها:
 إذا القوم مدوا بأيديهم إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم
ولكن  هذه السرعة في الانتقال من مشهد اعتداء العدو على الحياة قد تعبر عن بطش العدو غير أنها ليست كافية لتخلق في القارئ اقتناعا ببطولة زهران، لاسيما والشعر من الشعر القصصي الذي يتطلب الذرائع وبيان الأسباب والعلل. هكذا تأتي الخاتمة بدون تبرير :
 وضع النطع على السكة والغيلان جاءوا
وأتى السياف(مسرور)وأعداء الحياة
صنعوا الموت لأحباب الحياة
وتدلى رأس زهران الوديع
ثم هاهنا صورتان متناقضتان تكونان  موقفا دراميا لكنهما تفتقران إلى تبرير نفسي لذلك التغير بين الموقفين واقرأ إن شئت معي هاتين الصورتين:
1ـ ونمت في قلب زهران زهيرة ساقها خضراء من ماء الحياة
 2ـ ونمت في قلب زهران شجيرة ساقها سوداء  من طين الحياة
فالبطل انتقل من الصورة  الخضراء إلى الصورة السوداء بدون مبرر مذكور كما لو أن الشاعر يعتمد على القارئ وأجواء الواقعة التاريخية ليفهم سر الانتقال من حال إلى حال مناقضة، ثم هاهنا خلل في الصورة هو ( متى كان الطين رمزا للفساد؟)
وعلى الجملة فإن في القصيدة  خللا ولعل ذلك النقص في القصيدة هو ما جعل  أحد النقاد يقول " لكن الانشداد الغنائي الذي يفاجئنا به الشاعر في نقل تفاصيل عن استشهاد زهران ـ دون أن يترك للقارئ فسحة للتأمل ـ لم يكن ضروريا)[1]" ذلك لأنه " لم يترك للقارئ مهمة معايشة التجربة ذاتيا حتى النهاية"[2]
 ويؤيد ذلك قول : لويس عوض  " إن كان في شعره نقص فهو من العجلة أحيانا ومن الإسراف في التحرر أخرى"[3]
4ـ التراكيب والأسلوب: النص مبني في الغالب على أسلوب خبري يخلو من أساليب الإنشاء، ويقوم على الجمل الفعلية ذات الطابع السردي الذي يتناسب مع القصيدة القصصية : (كان زهران غلاما، كان ضحاكا، كان ياما كان، مر بظهر السوق يوما)، فلم تأت الجمل الاسمية إلا مقترنة بالشعب:
قريتي من يومها لم تأتدم إلا الدموع
قريتي من يومها تخشى الحياة
 أما الجمل المتعلقة بالبطل فقد  كانت كلها فعلية، فعلها ماض في الغالب ، وقد ناسب ذلك الأسلوب الخبري المبني على الجمل الفعلية الماضوية الذي يسيطر على القصيدة كلها لخلوها من الحوار تماما طبيعة النص القصصي السردية، وقد كان يمكن أن يكوِّن الشاعر حوارا داخليا ينمي في القصيدة صراعا على الأقل في هذه المقاطع التي اختصرها الشاعر اختصار العجلان.


[1] ـ مقال نشر بالانترنت يتناول الحكاية الشعرية ص 5
[2]  ـ الحكاية الشعرية : م س  /5
[3] ـ لويس عوض  دراسات في أدبنا الحديث وانظر عبد المنعم تليمو وعبد الحكيم : النقد العربي /649.........649
*صبري أبوحسين
21 - مايو - 2008
 8  9  10  11