المبحث الأول: نظريات النقد النفسي4 كن أول من يقيّم
نموذج من النقد التطبيقي النفسي الشاعر مالارميه في ضوء التحليل النفسي جوهر المنهج التحليلي يقوم أولا وقبل كل شيء على جمع وقائع حياة المؤلف، ثم استخراج النتائج التي يمكن استخراجها من الوقائع عن سيكولوجية المؤلف ثم بعد ذلك تطبيق هذه النتائج على آثاره واحدا واحدا، ويجب الربط بين هذه العناصر الثلاثة لكي تكون النتائج سليمة وعلمية. إن مالارميه كشاعر غامض تناوله كثير من النقاد، ولكن ليس من زاوية متكاملة النظرات بل كل تناوله من زاوية أحادية فتناوله نقاد من: أ ـ جهة المعنى الحرفي لآثاره بقصد تبديد الغموض عن طريق التأويل ب ـ جهة الحياة الشخصية بهدف تقديم عرض واف لحياة الشاعر التي تسهم في توضيح أثره وفهمه. ج ـ فما الذي بقي للدراسة؟ لقد بقي أن نقوم بدراسة كل العمل الذي يتم عمقا لا سطحا إننا لكي ندرس مالارميه علينا أن نحدد نقطة من آثاره ثم ننطلق منها؛ وهذه النقطة هي تشابك الصور في شعره: تشابك الصور في شعر مالارميه: لاحظ النقاد أن هناك صورا معينة في قصائد مالارميه ومنها:( صور الملاك الموسيقي، الجناح، الآلات الموسيقية القديمة ، الأصبع المرفوعة، الحضور الأنثوي، الصمت الذي يتكون فيه التناغم الرائع ) . هذه الصورة تتكرر في قصيدة : ( قديسة ) ، وقصيدة ( هبة الشاعر ) ولكن ليس بنفس اللفظ . المنهج المتبع هنا للدراسة هو الذي يستهدف ما تحت المعنى المقروء للأثر عن معنى لا شعوري لاكتشاف هذا المعنى اللاشعوري الذي دفع الشاعر لتكرير صور معينة، ولهذا فنحن مضطرون للوقوف على ظاهرة " ازدواج المعنى " من خلال الأبيات التالية من قصيدة : " مللت من الرائحة المرة " 1ـ فضلا عن المرات السبع للمعاهدة الصعبة للحفر باستمرار حفرة جديدة في التربة الشحيحة الباردة في مخي حفار القبور بدون رحمة من أجل العقم ماذا نقول لهذا الفجر أيتها الأحلام الوردية الزائرة عندما الخوف من هذه الورود الذابلة تجمعها المقبرة الشاسعة مع كل الشقوق الفارغة ؟ لاحظ النقاد أن هذه الأبيات من السهل الوقوف فيها على معنيين أحدهما سطحي والآخر عميق يأتي من اللاشعور : فما هو الأمر الساكن في اللاشعور الذي يدفع الشاعر لهذه الصور ؟ هل هو مجرد الرغبة في التعبير المجازي ؟ لماذا تم اختيار هذه الصور بالضبط ؟ وما دلالتها ؟ التحليل النفسي يفرض العودة لماضي الشاعر ، الذي يكشف عن عقدة ناجمة عن موت التي كان يحبها كثيرا ، إذ ماتت في سن مبكرة، لقد عد النقاد النفسانيون ذلك أهم حادث في حياته لقد وجدو في آثاره نصوصا منها : ( منذ تركتني ماريا لتمضي إلى كوكب آخر(...) أصبحت أوثر الوحدة دائما وأصبحت أحب حبا غريبا خاصا كل ما يتلخص في هذه الكلمة (السقوط ) 2ـ وفي رسالة أخرى كرد على رسالة موجهة من صديق قال فيها : " إن هناك كلمة تضيء رسالتك كلها : " إليك ياعزيزي مالارميه صورة أختنا" الأمر بسيط ما دمنا إخوة ومع ذلك ما أعذب هذه الكلمة! نعم ...إنها في قلبي ستصطف إلى جانب ذلك الطيف الشاب المسكين الذي كان أختي خلال ثلاث عشرة عاما ...ستكون أختك المثل الأعلى لي في الحياة، كما أن أختي هي المثل الأعلى لي في الموت" 3ـ وفي نص ثالث يمثل وظيفة الإنشاء الفرنسي التي كتبها مالارميه حين كان تلميذا، واحتفظ بها ـ وللاحتفاظ بها دلالته ـ لقد طلب من التلاميذ أن يختاروا قصة من مخزونهم ثم يكتبون فيها موضوعا إنشائيا فاختار للوظيفة موضوعا مختصرا قصته: "رجل جالس وحيد في بيته قرب الموقد يحلم بابنته الميتة، وفي المقبرة المجاورة تخرج الفتاة من قبرها، وتأتي تزور أباها فتجلس إلى جانبه أمام الموقد وترقص وتغني ثم تختفي في الصباح" هذه هي النصوص الثلاثة التي اعتمدت آثارا تكشف عن العقدة التي أخذت تؤثر في اللاشعور وتتشكل على شكل صور متشابكة تتجاذب وتتداعى لتحدث تناغما عن طريق التردد في كثير من قصائد الشاعر مالارميه. إن هذه النصوص الثلاثة تشترك في موضوع واحد هو:" أخت مالارميه التي افتقدها وهو يتربى عند جده بعد أن فقد أمه قبل ذلك فبقيت أخته ماريا هي الرابطة الحية الوحيدة التي تعوض حنان الأم فإذا فقدها فلا شك أن ذلك سيكون له أثره الأكبر الذي برز في هذه النصوص الثلاثة في المعنى السطحي وسيبرز في الصور الشعرية كتعبير عن المعنى العميق الكامن في اللاشعور. |