المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...6 كن أول من يقيّم
ويترتب على ذلك أن الأدب الإسلامي ملتزم بطبيعة التصور الذي ينبثق عنه وإذا كانت: " النظرية الإسلامية لا تؤمن بسلبية الإنسان في هذه الأرض ولا بضآلة الدور الذي يؤديه في تطوير الحياة " فإنه من الطبيعي أن يكون أدب هذه النظرية متوافقا معها ليعطي لوجوده معنى في الحياة يتجلى في إعطاء النماذج البشرية الأدبية الفعالة وعليه فإن : "الأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي لا يهتف للكائن البشري بضعفه ونقصه وهبوطه ولا يملأ فراغ مشاعره وحياته بأطياف اللذائذ الحسية، وإنما يملأ حياته ومشاعره بالأهداف البشرية التي تطور الحياة وترقيها سواء في ضمير الفرد أو في واقع الجماعة". ويؤكد عل أخص خصوصية الالتزام وهي الرسالية، والفرق بين الالتزام والرسالية أن الرسالة وعي قوي بالقضايا المراد التأثير بها في المتلقي، فالرسالي يستحضر القارئ في ذهنه عند الكتابة ليحدث فيه الأثر المطلوب،فهو يقصد إلى ذلك قصدا، وينطلق من أنه " ليس بصحيح أن المرء يكتب لنفسه" لأن " الكتابة دعوة موجهة إلى القارئ"،وعليه فهو انتقال من مجرد التصوير والتعبير عن الأحاسيس والمشاعر إزاء الكون والحياة من زاوية التصور الإسلامي إلى استخدام الكلمة كتقنية تعبير عن الأفكار لتمرر الرسالة وعندئذ لن يكون المعيار الذي نحكم به على الأدب هو القدوة أو التحذيرات فقط ولكن أيضا يدخل عنصر الإقناع ليغير الواقع ويبشر بمجتمع مثالي يسوده الحق والخير والجمال، أما الالتزام فهو شعور ذاتي تلقائي يتبلور لدى المبدع نتيجة قناعات معينة،ويكتفي في الغالب بتصوير الحياة وفق معايير اقتنع بها والتزم بها في إبداعه وفي كل النماذج البشرية التي يصورها في عمله الأدبي، يقول قطب : "والأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي أدب أو فن موجه، بحكم أن الإسلام حركة تطوير مستمرة للحياة، فهولا يرضى بالواقع في لحظة أو جيل ولا يبرره أو يزينه لمجرد أنه واقع. فمهمته الرئيسية هي تغيير هذا الواقع وتحسينه والإيحاء الدائم بالحركة الخالقة المنشئة لصور متجددة من الحياة، وقد يلتقي في هذا مع الأدب أو الفن الموجه بالتفسير المادي للتاريخ يلتقي معه لحظة واحدة ثم يفترقان".لأن الأدب الإسلامي يعمل على" إبداع صور فنية أكثر جمالا وطلاقة تنبثق انبثاقا ذاتيا من طبيعة التصور الإسلامي وتتكيف بخصائصه المميزة" أصول نظرية الالتزام في النقد الإسلامي: من الطبيعي أن تنتهي نظرية سيد قطب عند الالتزام ما دام يأخذ أصول نظريته من النص القرآني الكريم لذا كان يقول: " ولقد وجه القرآن القلوب والعقول إلى بدائع هذا الكون ? وإلى خفايا النفس البشرية. وهذه وتلك هي مادة الشعر والفن. وفي القرآن وقفات أمام بدائع الخلق والنفس لم يبلغ إليها شعر قط في الشفافية والنفاذ والاحتفال بتلك البدائع وذلك الجمال . ومن ثم يستثني القرآن الكريم من ذلك الوصف العام الشعراء الملتزمين: ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا ﴾ فهؤلاء ـ أي الشعراء المستثنون من حكم الغواية ـ ليسوا داخلين في ذلك الوصف العام. هؤلاء آمنوا فامتلأت قلوبهم بعقيدة ? واستقامت حياتهم على منهج. وعملوا الصالحات فاتجهت طاقاتهم إلى العمل الخير الجميل، ولم يكتفوا بالتصورات والأحلام. وانتصروا من بعد ما ظلموا فكان لهم كفاح ينفثون فيه طاقتهم ليصلوا إلى نصرة الحق الذي اعتنقوه. ومن هؤلاء الشعراء الذين نافحوا عن العقيدة وصاحبها في إبان المعركة مع الشرك والمشركين على عهد رسول اللهr حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة - رضي الله عنهم - من شعراء الأنصار ومنهم عبد الله بن الزبعرى وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد كانا يهجوان رسول الله r في جاهليتهما ? فلما أسلما حسن إسلامهما ومدحا رسول الله ونافحا عن الإسلام . وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله r قال لحسان: اهجهم - أو قال هاجهم - وجبريل معك . . وعن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه أنه قال للنبي r إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل. فقال رسول الله r: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل [ رواه الإمام أحمد ] والصور التي يتحقق بها الشعر الإسلامي والفن الإسلامي كثيرة غير هذه الصورة التي وجدت وفق مقتضياتها. وحسب الشعر أو الفن أن ينبع من تصور إسلامي للحياة في أي جانب من جوانبها ? ليكون شعرا أو فنا يرضاه الإسلام . وليس من الضروري أن يكون دفاعا ولا دفعا ، ولا أن يكون دعوة مباشرة للإسلام ولا تمجيدا له أو لأيام الإسلام ورجاله . . ليس من الضروري أن يكون في هذه الموضوعات ليكون شعرا إسلاميا. وإن نظرة إلى سريان الليل وتنفس الصبح ، ممزوجة بشعور المسلم الذي يربط هذه المشاهد بالله في حسه لهي الشعر الإسلامي" وهكذا يتبين لنا أن الأدب الإسلامي رؤية فنية خاصة للعالم تؤدي وظيفتها عن طريق جمالها، ويتميز حسها النقدي بتضافر الحس الجمالي مع الحس الأخلاقي والبحث في طبيعة الأدب بالبحث في وظيفته لصياغة نموذج كامل للحياة. |