المبحث الثاني: نظريات دراسة الأدب ...3 كن أول من يقيّم
جـ ـ مبدأ الفطرة :يرى النقاد الأخلاقيون أن الفطرة والطبيعة هي الضابط القياسي الذي يرجع إليه الأدب وهي المبدأ الثالث وأكثر المبادئ شمولا للنقد الأخلاقي ، وقد صاغ جونسون هذا المبدأ قائلا : " ليس في وسع أي شيء أن يلذ للكثيرين وأن يلذهم مدة طويلة سوى التمثيل الحق للطبيعة البشرية " وليس من شك في أن هذا المبدأ يتناسب تماما مع قول النقاد : المطلوب من النظرية الخلقية أن تبين كيف ينسجم الفن مع الحياة، وكيف يتصل بخبرة البشرية: 1ـ كيف تنسجم الحالة الخاصة أي الرؤية الفنية مع الهيكل العام الذي تحكمه قوانين كمال الحياة، ففي قصة ( ملكة العنب ) مثلا نجد الصراع بين براعم ومحمد حسب الله ينتهي إلى الزواج لانتمائهما إلى نفس المبادئ رغم طبيعة الصراع الذي ينتظر منه العداوة والبغضاء وغير ذلك من العناصر المفرقة 2ـ كيف يتصل الأدب بمجمل الخبرة البشرية؟ وهنا نتبين أن الأديب نجيب الكيلاني في رواية ملكة العنب يتخذ من حدث واقعي جدا ( يتمثل في خطبة مسجدية ) يؤدي إلى تطور الأحداث في الرواية ليخرج من المسجد إلى الشارع ثم إلى تدخل الدولة وإسجان الإمام، وتتبلور الفكرة لتشكل وعيا اجتماعيا يجعل الإمام بطلا وتنظم إليه ( الملكةبراعم) بمواقف حسنت صورتها في رأي المجتمع لتصير ملكة شعبية فعلا ، فالرواية بأكملها في كل سلوكاتها عبارة عن ( عالم مصغر للخبرة البشرية) يتناسب مع الفطرة في كل سلوكات شخصياته وهي تتحرك بتحرك الأحداث وتصنع التاريخ" ذلك لأن الأدب يرتب خير ترتيب بموجب مبادئ الحياة" ولكن هل يمكن أن نعزو للطبيعة والفطرة كل شيء مثل التحيز الطبقي وإجحاف الزمان؟ وكيف نفسر الصراع الدائم في السلوك البشري ؟ كل ذلك أسئلة ينبغي أن يضعها الأديب عند لحظة الإبداع والناقد عند لحظة النقد كل بحسب معتقده ورؤيته للحياة التي يريد أن يجعلها أسوة وقدوة أو مثلا للعبرة تعليق :هذه النظرية قد أهملت عنصرا هاما في تزويد الإنسان بالنمط الخلقي والقيم التي تبني الفضيلة وتحارب الرذيلة وهي مبدأ الرعاية الربانية بالوحي، الذي ينقل للإنسانية تجارب بشرية عن طريق القصص كما هو الحال في قصة إبليس وآدم وقصة يوسف عليه السلام وزليخة مما يفتح المجال للنقد الديني ومنه النقد الإسلامي، كما أن المنهج الخلقي معياري لذا يهمل الواقع الاجتماعي مما يفتح المجال للمنهج الاجتماعي، ويهمل التحليل النفسي للمبدع في علاقته بالعمل الأدبي مما يفتح المجال للمنهج النفسي، ويقلل من اهتمامه بشكل النص وبنيته الجمالية مما يفتح المجال للنقد الفني الجمالي واللغوي والبنيوي والأسلوبي كما سنرى. 2ـ نظرية مدرسة الإنسانية الجديدة: نشأت هذه المدرسة( neo homanist) في القرن العشرين بأمريكا، وتنطلق هذه المدرسة من مفهوم للأدب يرى أن " الأدب نقد للحياة"، ومن المفيد لدارس نظرية هذه المدرسة أن يقف على أهم خطوطها العريضة ومنها : ـ دراسة تقنية الأدب عندهم هي دراسة للوسائل ( الطعم ) الذي يقدمه الأدب ليحقق به الهدف والغاية الأدبية على النحو الذي يؤثر في الإنسان بالأدب وهو يحتل مكانه في ساحة الأفكار والمواقف الإنسانية. ـ مادام الإنسان هو موضوع الأدب وهو مبدعه فإن النقد يقوم بتحليل الإنسان وفق متطلبات أساسية وعلى رأسها أنه يتميز عن الحيوان بكونه عاقلا وبامتلاكه لمعايير أخلاقية وقيم إنسانية على الرغم من أنه نزاع بطبيعتة إلى ميول حيوانية أو إلى الفردانية والأنانية ] زين للناس حب الشهوات[ ولكنه مسؤول عن ميوله لكونه عاقلا مما يستوجب أن يعمل على تهذيب طبيعته الإنسانية ـ مفهوم الحرية لا يعني التحرر من ظروف البيئة فحسب وإنما يعني كذلك الإذعان إلى " قانون داخلي " إلى صوت الضمير. ـ المصطلحات الأساسية للمدرسة هي : الترتيب والتقيد والنظام. ـ تنتقد هذه المدرسة غيرها من جهتين: أـ النظرة الحيوانية المتضعة إلى الإنسان ب ـ الاتجاه الرومنسي ورعايته الزائدة للأنا ـ تستمد هذه النظرية قواعدها من الدين، فحس نقادها الأخلاقي القوي ينبع من الأرثوذوكسية، ويربطون هذه الحساسية الأخلاقية بحساسية جمالية، وقد رأى بعض النقاد أنها قد تحولت بعد ميلادها إلى ( إنسانية دينية) ثم إلى ( الإنسانية المسيحية) تمثلت رآها المختلفة في حسم " ضرورة التحالف بين الدين والأخلاق" وضرورة الاعتراف بقداسة القوى الغيبية في سبيل المعايير الأخلاقية التي يواجه بها الفن، وتوصلوا أخيرا إلى دمج مبررات المعتقد الديني مع المعايير الأخلاقية المزكاة. |