مقدمة الكتاب كن أول من يقيّم
بسم الله الرحمن الرحيم النقد الأدبي صورة من صور ما قصده أبو حيان التوحيديى بقوله: "إن الكلام عن الكلام صعب" وتتأتى صعوبته من أنه معقد جدا لدرجة تجعل نظرياته لا تكاد تحصى، وأنواعه في تطور مستمر، وسواء أكان النقد تعليقا لغويا على النص من حيث هو بنية من الإشارات اللفظية، أم كان فن شرح وتفسير للنصوص الأدبية، أم كان فن تحقيق للأعمال الأدبية أم هو علم يفسر النصوص الأدبية من حيث هي فن من القول، فإن الدارسين يقسمونه إلى نقد نظري يعنى بالبحث في ماهية الأدب ووظائفه وأدواته، ونقد تطبيقي يعنى بمباشرة وتقييم النصوص الأدبية شعرا ونثرا، بما في ذلك دراسة النص التقدي نفسه نظريا كان أو تطبيقيا، لإصلاح حال من أحواله أو تغيير نظرية من نظرياته. وعلى هذا يمكن القول بأن الحقل النقدي عامة يشمل: النقد النظري والنقد التطبيقي ونقد النقد، وتحت كل منها نظريات نقدية يعد الاهتمام بها مساهمة فعالة في المكونات الحيوية للمنهج العلمي. إن هذا الكتاب الذي سميته " نظريات نقدية وتطبيقاتها" وعرضت فيه عدة نظريات نقدية تعقبها تطبيقات تحاول أن تعطي للنظريات بعدا عمليا، قد ركزت تطبيقاته على الشعر قديمه وحديثه باعتبار الشعر أرقى الفنون الأدبية القادرة على استيعاب تلك النظريات النقدية المتعددة. وإن هذا الكتاب بحكم سبق النقد الغربي لكل ما يطرحه فإنه يرمي إلى وضع لبنة تشارك في تقريب النظريات النقدية الحديثة من خلال بعض الطروحات العربية القديمة، فهو إن لم يكن له مثيل في مجال النقد الأدبي ونظرياته، لاسيما في مجال الثقافة العربية والإسلامية، لاحتوائه على معظم النظريات الغربية والإسلامية، وهو الأمر الذي لا يتحقق في كتاب يغترف من النقد الغربي وحده، أو من النقد الإسلامي وحده، فإنه لا يدعي تقديم الجديد، على أن الباحث قد توخى فيه قدر الإمكان الإلمام بالنظريات الأساسية التي تتضافر وتتنافس في الوقت نفسه لتجد حلا للمعضلات الأدبية التي يطرحها النقد الأدبي كلما حاول أن يواجه النصوص الأدبية من زاوية من الزوايا المتعلقة بالشكل أو بالمضمون، بالباطن أو بالظاهر، بالسطح أو بالعمق، لكون النص هو البنية الأدبية التي تتفاعل معها جميع النظريات. ولما كان أول مشكل يعترض التساؤلات النقدية هو البحث في طبيعة الأدب وفي وظيفته، فإن هذا الكتاب جعل الفصل الأول من القسم الأول يبحث في نظريات طبيعة الأدب ونظريات وظيفته، وليس من شك في أن البحث في طبيعة الأدب وفي وظيفته قد قام على نظريات متعددة ينطلق بعضها من الشكل وينطلق بعضها من المضمون. ولما كانت النظريات متعددة ومتداخلة فإن هذا الكتاب يحاول أن يعرض هذه النظريات بتسلسل منطقي مبسط وموجز ييسر للدارس أمر الخلاف القائم بين هذه النظريات ويفسر أسباب ذلك، ويحاول في الأخير أن يقدم النظرية التوفيقية التي يبدو أنها أكثر ملاءمة للحقيقة الأدبية، وعليه فقد قدمنا نظريتين توفيقيتين إحداهما تتعلق بطبيعة الأدب وثانيهما تتعلق بوظيفته. ومن الطبيعي والحال هذه أن يخصص مبحث من الفصل الأول لنظريات الأنواع الأدبية، ذلك لأن النوع إنما يتشكل منبثقا من الأصل، وعليه فإن الطبيعة والوظيفة تطرحان نفسيهما بقوة في الأنواع الأدبية من شعر وقصة ومسرحية. ولما كان الطرح النقدي من الوجهة التطبيقية تعترضه مشكلات يتعلق بعضها بالسطح ويتغلغل بعضها في العمق، فإن البحث لم يدخر جهدا في أن يعرض نظريات دراسة الأدب من الداخل سطحا ونظريات دراسة الأدب من الداخل عمقا ومضمونا، ومن هنا كان الحديث عن نظرية النقد اللغوي ونظرية المدرسة العضوية ونظرية النص أو الشعرية ونظرية الأسلوبية، كما كان ضروريا أن يتعرض لنظريات النقد الأخلاقي ونظريات مدرسة الإنسانية الجديدة ونظريات النقد الإسلامي ونظريات النقد الموضوعاتي. على أن نظريات النقد لم تنقسم فقط على مستوى طبيعة الأدب ووظيفته أو على مستوى دراسة الأدب من جهة المضمون ودراسته من جهة الشكل، وإنما قد تنوعت وتعددت أيضا على مستوى دراسته من الخارج حيث يتم الاعتماد على العلوم والمعارف غير الأدبية كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ، وعلى هذا الأساس كان حتميا أن يتعرض الكتاب لنظريات النقد النفسي ونظريات النقد التاريخي، بل ونظريات النقد التكويني التي كانت نشأتها عند العرب مبكرة جدا متمثلة خاصة في تأملات شيقة لابن طباطبا.تلك التأملات التي كانت تستقي أفكارها من لمحات الجاحظ في البيان كقوله (خذ من نفسك ساعة نشاطك) وقوله" من أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما ...فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف" ولمحات ابن قتيبة في أدب الكاتب والشعر والشعراء كقوله:" الأدب غض والزمان زمان وأهله يتحلون بالفصاحة ويتنافسون في العلم" وقوله "ونحن نستحب ممن قبل عنا وائتم بكتبنا أن يؤدب نفسه قبل أن يؤدب لسانه ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه". |