البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : تمتمات    قيّم
التقييم :
( من قبل 10 أعضاء )

رأي الوراق :

 أحمد عزو 
16 - مايو - 2008
لم أتبين معاني الكلمات التي كانت ترددها.. مع أن الظلام كان دامساً.. يسمع الإنسان فيه ما لا يمكن سماعه في ضجيج النهار وحركته.. الهدوء يخيم على أرجاء المكان.. وخلال هدوء الليل وصمته أستيقظ على كلمات متتابعة تخرج من أعماق صدرها..
لسنوات من عمري وعمرها لم تمل أبداً هذه التمتمات الضعيفة.. ولم أدر أو أستوعب الذي تقول..
كانت تلك اللحظات تمر علي بصعوبة.. أحس أن شيئاً خطيراً يوشك أن يقع على رؤوسنا نحن أصحاب هذا المنزل المتواضع والمعيشة المتواضعة والأسرة المتواضعة.. وكانت تلك اللحظات تولد عندي أسئلة لا نهاية لها.
في تلك الدقائق كنت أشد ما أتوق إليه أن أجد أجوبة عن أسئلة تدور داخل رأسي الصغير..
في الصيف خارج الغرفة.. في هواء دمشق العليل.. تجلس العجوز في ساحة الدار قرب زهور بيتنا الشعبي.. وأشاهدها بالقرب من باب الغرفة بعد صلاتها.. تبدأ تمتماتها الضعيفة التي اعتادتها ولم تملها... ولم أكن أعيها..
وفي الشتاء تفعل الشيء ذاته.. تمتمات ضعيفة.. وقت الفجر.. داخل الغرفة حيث الدفء الذي يشعر به الصغار.. والصغار فقط.. وجوه الصبية النائمين.. وصوتها يجول في أنحاء غرفتنا..
سألت نفسي كثيراً: أأنا الوحيد من إخوتي الذي أسمع ما أسمع؟.. وما الذي تقوله عجوزنا الحنون؟!..
في شقتي الصغيرة في العاصمة الخليجية الكبيرة أحسست الأمر نفسه.. التمتمات نفسها.. ما زلت أسمعها.. تمتمات ضعيفة تنشط وقت الفجر.. تلهج بأدعية كثيرة خائفة.. الصبية الصغار نائمون من حولي.. فقط الدفء غاب عن مشهدي القديم.. والتمتمات هذه المرة كانت تخرج من أعماقي.
 11  12  13 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
" ما هموني غير الرجال اللى ضاعوا"    كن أول من يقيّم
 
*أجمل" تمتمات" تغنى بها بلبل مجموعة ناس الغيوان.
http://musique.marocenligne.net/?p=619
 
مهداة لكل الأصدقاء .
 
ما هموني غير الرجال اللى ضاعوا
لحيوط الى رابو كلها يبني دار
ما هولوني غير الصبيان مرضو و جاعو
و الغرس الى سقط نوضو نغرسو اشجار
و الحوض الى جف و اسود نعناعه
الصغير ف رجالنا يجنيه فاكية و ثمار
مصير وحدين عند اخرين ساهل تنزاعه
وشعاع الشمس ما تخزنه لسوار
دارت وجات في يد الصهيون دار اتباعه
جاب خيه و خويله فين عزارى الدوار
زاد سبوعا تابعاه لتمناعه
من حرك عينه ف راسو مدوه للجزار
سربة هنا و سربة لهيه جثمو وداعو
و لا كلمة فوق كلمة الغضنفر
كثرو لعصيتهم اللبن و ماعو
و شكون يكول جدة سفت يا حضار
***************************
كولو ل هداك كولو له كولو للآخر كولو له
كولو له الى ما فهم دابا ليام توري له
كولو للايمي كولو له
كولو للايمي را لغدر حرام الا لة
****************************
الى انا معذب صابر الى انا مهجور نكابر
الى انا كلتو هاجر الى انا كلتو نافر
الى انا كلتو قفل عاسر ذي ليام راه ياسر
غير خليو اللي مابغا يفهم لا تكولو له
دابا ليام توري له وا دايني يا دايني
************************
الى انا معذب مهجور الى انا منبوذ محكور
غير انجا ليا انت خليني نجاري و ندور
و نقاوم غرق لبحور غير ما تصيبك كلتة
لكن امتى بلا ما يكولو ليك تفهم أنت
وا دايني يادايني
المرجع:كلام الغيوان-عمر السيد - نشر اتحاد كتاب المغرب -الطبعة الرابعة 2004-صفحات 37-38
*abdelhafid
25 - نوفمبر - 2008
تابع لما قبله..    كن أول من يقيّم
 
 
 
روبورطاج
مجموعة ناس الغيوان
حميد اتباتو(المساء)
 
فكرة تأسيس مجموعة «ناس الغيوان» كانت صيغة أنتجها وعي اختلال أهداف التجربة المسرحية التي ارتبط بها رواد المجموعة وانفتاح بعض الأعضاء على الأفكار الجذرية خاصة بعد الجولة في فرنسا، لأنه كما تقول مجموعة من تصريحات هؤلاء ففكرة الغيوان برزت بعد الإحساس ببعض الحيف داخل التجربة السابقة والتعرف على بعض الأسماء ذات العلاقة بالفكر اليساري العالمي أو العربي.

استحضار بوجميع نجم الغيوان الراحل، في ذكرى وفاته الرابعة والثلاثين، بأية صيغة له قيمة لأن ذلك يعني محاربة النسيان أولا، واستحضار الكبار بيننا إلى الأبد ثانيا وتوجيه كلمة لكل الصغار تقول: «إن آلة الزمن والموت بكل جبروتها لن تغيب إلا الأقزام أما الكبار فيخلدون في الذاكرة الجماعية إلى الأبد» وبوجميع هو أحد هؤلاء لأنه بنى الأرضية الفكرية والفنية لأغنية الاحتجاج الغيوانية بشكل صلب رفقة أعضاء المجموعة طبعا، إلا أن بصمته كان لها ما يميزها لأنه وعى الحاجة إلى هذه التجربة كما وعى وظائفها التاريخية ولهذا بالضبط اختار لها مرجعيات خاصة، كما اختار لها ملامح تميزها مباشرة بعد تأسيسها، وهذا ما تؤكده أشياء عديدة يمكن استخلاصها من خصوصية التعبير الفني، والخطاب الفكري للتجربة في بدايتها ومن تصريحات أخرى تقول عكس هذا، وتجعل من التجربة نتاجا للصدفة وحدها وللتوجيه العام الذي فرضه السياق التاريخي على أفق التجربة، فاعلية وعي التأسيس للغيوان مع بوجميع، وفاعلية تأصيل مشروعها مع باطما وبقية الرواد هي ما يمكن الوقوف عنده قبل العبور إلى تعبيرية هذه التجربة عن الأعماق وعن جراح كل الأزمنة.
الوعي التأسيسي

وحده الفكر التبسيطي الذي يمكنه اعتبار تجربة الغيوان نتاجا للصدفة، وذلك لأن أشياء عديدة تدل على ذلك منها أساسا تبلور فكرة الفرقة من داخل تجربة فنية أخرى لا يمكن القفز عليها في حديثنا عن الممارسة الإبداعية الفاعلة في المجال المغربي، وهي تجربة الطيب الصديقي التي تم توجيهها من طرف أصحابها بشكل واع يخدم غايات مختلفة عما كان سائدا. فأن يختار الصديقي ومعه عبد الصمد الكنفاوي والبقية الانفصال عن التجربة المسرحية الرسمية ويرتبطون بالمسرح العمالي أولا، وأن تستثمر دروس وتداريب المؤطرين الفرنسيين خاصة أندري نوازان لبناء ملامح مسرح شعبي مرتبط بالعمق الثقافي للمغرب على مستوى الفضاء والملابس وشكل المكان المسرحي وباقي مكونات الفرقة المسرحية فذلك يبين أن كل ما يتولد عن هذه الممارسة لن يكون من عدم، بل سيكون نتاجا لهذا الوعي التأصيلي الفاعل الذي تبلور عن هذا النوع من الممارسة المسرحية وهذا ما ينطبق على أغنية الغيوان التي حاولت الانطلاق من الأسس التي حكمت بناء الفرجة والممارسة الفنية التي ارتبط بها أعضاء الغيوان قبل الانتقال إلى العمل داخل المجموعة خاصة بوجميع والعربي باطما. وحتى لو افترضنا غياب رؤية واضحة متحكمة في إنتاج فكرة التأسيس للمجموعة وبناء أفق فاعل لها فإن أثر الوعي التأصيلي الذي حكم تجربة الصديقي الذي كانت وراءه أسماء أخرى بارزة مثل عبد الصمد الكنفاوي. والطاهر واعزيز وغيرهما هاجر بالضرورة إلى التجربة الجديدة وتحكم فيها ولو بشكل غير واضح.
ما يدعم هذا أيضا هو أن فكرة تأسيس مجموعة غنائية كانت صيغة أنتجها وعي اختلال أهداف التجربة المسرحية التي ارتبط بها رواد المجموعة وانفتاح بعض الأعضاء على الأفكار الجذرية خاصة بعد الجولة في فرنسا، لأنه كما تقول مجموعة من تصريحات هؤلاء ففكرة الغيوان برزت بعد الإحساس ببعض الحيف داخل التجربة السابقة والتعرف على بعض الأسماء ذات العلاقة بالفكر اليساري العالمي أو العربي.
وحتى حين يرد بوجميع على مصور التليفزيون الذي لم يرقه أداء المجموعة لموال إحدى الأغاني وطلب منهم تنظيم الأداء «تكادوراه هادشي فوص نوت»، بالقول «هاد شي جديد عليك»، يعني أن المجموعة لم تكن غير عارفة بما هي بصدد اقتراحه خاصة بوجميع، وهو الأمر الذي تؤكده دلالات وقيمة الأغاني التي غنتها المجموعة رفقة هذا الأخير، ففيها تتكرس الإشارة إلى حتمية التغيير كحقيقة لا ترتفع «دوام الحال من المحال»، وروح الفداء والتضحية تؤسس للخلاص.. غير خدوني لله غير خدوني
روحي نهيب لفداكم غير خدوني
دم المغدور ما نسلم فيه
حق المظلوم أنا ما ندوزه».

التأصيل كضرورة للامتداد

ساعدت صيغة التأسيس والوعي المؤطر لها على توجيه المشروع الغيواني في الامتداد بخدمة الغايات التأصيلية التي حركتها حرقة الثقافة الوطنية داخل مجالات وحقول وأجناس إبداعية عديدة في سبعينيات القرن الماضي، فبعد أن تم استنبات هذا الشكل الغنائي الجديد في واقع الممارسة الثقافية المغربية أصبح تأصيله هاجسا لأصحابه ولكل الفاعلين الذين ارتبطوا بالتجربة لهذا سيكون التدقيق في اختيار الاسم خطوة مهمة تعلن عن خصوصية التجربة، وهكذا تم تجاوز «الدراويش الجدد» كاسم يحيل ضمنيا على تسميات برانية واقتراح اسم له ارتباط بالانتماء وبأعماق الوجود المغربي والإنساني أي «ناس الغيوان»، ولهذه الغاية لن يتم إصدار أغنية «قطتي صغيرة»، حيث تم اعتبارها علاقة فاصلة بين معنى الممارسة الفنية العفوية والبسيطة وبين المعنى الأصيل الذي سيبرز مع بقية الأغاني التي ستشكل إنجازا ثوريا يخلخل السائد الإبداعي في المجال الغنائي ويقلق الاستقبال الفني الذي نومته طويلا نماذج الأغنية التي كانت سائدة في تلك المرحلة. وما سيقترح كأوجه مؤصلة للتجربة الغيوانية هو ترسيخ الاحتجاج:
ترسيخ الاحتجاج

شكل الاحتجاج أحد أبرز أوجه هوية الأغنية الغيوانية، إنه الملمح الذي ميز أغنية ناس الغيوان طيلة مسارها وقد تم استنباته في المرحلة التأصيلية لهذه الأغنية. ذلك منذ مرحلة بوجميع، بل إن الوعي التأصيلي كان حاضرا في الفكرة التأسيسية نفسها، وهكذا ستتبنى أغنية الغيوان موقفا من الظلم وقهر الناس بل وقتلهم وهذا ما تؤكده إشارات في أغاني عديدة منها:
- «هاديك أرضي وبلادي
وباش من حق تبعادي» في غير خودوني
- «ما هموني غير الرجال إلى ضاعو
لحيوط إلى رابو كلها يبني دار» في ماهموني
- «جور الحكام زادنا تعب وقسوة
لا راحة ولعباد في نكد وتعسيف» في سبحان الله.
هذا الطابع الاحتجاجي سيبرز في الكثير من أغاني المجموعة منها «فين غادي بيا» و«تاغنجا» و«مهمومة» و«زاد الهم» و«السيف البتار» إلخ، وعلى الرغم من أن الاحتجاج يأخذ في الكثير من الأحيان طابع الشكوى إلا أن الإشارات التحريضية لتغيير الواقع كثيرا ما تبرز أيضا لتمنح للشكوى طابعا إيجابيا وتنقلها من التباكي إلى التحميس على التغيير من أمثلة ذلك:
- «كولوا له هداك كولو له
كولو للاخر كولو له
كولو له إلى ما فهم
دابا اليام توري له».
- كلت للخي خيي اضرب الحية
كلت لخي خيي راس الحية
- بـ حكمة تميازن نكافح
ما كفات فيكم كلمة
ولا غمزة من عين الحال
- ماشي بصياح الغراب كا تجي الشتا
والله وما قفلنا لا فورنا
لقد ترسخ الاحتجاج كوجه أصيل في الأغنية الغيوانية إلا أن الذي ساهم في تأهيلها أكثر هو الارتكاز على التراث الشعبي.

التراث الشعبي لمخاطبة المشترك

لقد ساهم الاحتجاج في تمييز الأغنية الغيوانية، وعلى الرغم من أن وجهه البارز قد تجلى في الكلمات إلا أن أوجهه المهمة الأخرى قد برزت من خلال أبعاد أخرى منها طريقة اللباس، وتفجير فكرة النجومية والتماثل مع كل الناس البسطاء من خلال الملابس والكلام إلا أن الذي يعمقه أكثر هو رفض السائد في الإبداع عبر اقتراح شكل فني جديد في خطابه وعميق في إبداعيته ليس لأنه يبني خطابه على مرجعيات جديدة، بل لأنه يعتمد طرقا جديدة في الاشتغال على المألوف وعلى المشترك إلى كل المادة التراثية الشعرية والإيقاعية وغيرهما.
إن أهم إبدال اقترحته التجربة الغيوانية هو إعادة ربط الممارسة الغنائية بالثقافة الخاصة وهو ما تجلى من خلال مكونات كالمعجم أولا الذي حين الكثير من الكلمات المغربية وساهم في إعطائها حياة وقيمة، فعبر ناس الغيوان أدركنا القدرة التعبيرية الباذخة للغة الخاصة التي كانت الكثير من الأصوات العالمة ترى أنها ليست لغة للإبداع بل للتواصل السوقي من طرف العامة، كما أدركنا كثافة المعنى التي يستدعيها التوظيف الفاعل للقاموس الخاص ولسحر اللغة الخاصة وحميميتها كما في النماذج التالية التي تحفل بها أغنية الغيوان: «الصينية – الجود – الغيوان – المحراث - ركوب الخيل – اللامة – الكلب - الحومة – الدوار - الرجلة – الكندرة – المهماز – الخيمة» إلخ. هذا الفعل من القاموس المشترك الدال سيتوارى مع النهل المشترك الإبداعي خاصة الإبداع الشعري، وهكذا شكلت إنتاجات المجاذيب والبوهالي والشعراء المجهولين وكلام الشيوخ مرجعية استلهمها الغيوان لتأصيل كلامهم، ونفس الشيء حصل مع الآلات، حيث تم الارتباط بعناصر محددة لها أصالتها وقيمتها الثقافية والرمزية والإيقاعية، خاصة السنتير والبانجو والطام طام والدف والدعدوع الذي توقف حضوره برحيل صاحبه بوجميع.
الشيء الآخر الذي ارتكزت عليه تجربة الغيوان لتأصيل ملامحها هو الموسيقى التي نهلت من الإيقاعات المحلية، خاصة بعض التعبيرات ذات الحمولة الصوفية مثل الحمدوشي والكناوي أو النغمات ذات الارتباط بأنماط خاصة من الرقص والغناء مثل الملحون والآلة وأفلال إلخ. الأهم في هذا الجانب هو أنه استطاع أن يطبع الإبداعية الغيوانية وأن يعطيها بعدا شعبيا وأن يحقق لها التواصل الفاعل مع قاعدة جد عريضة. وإضافة إلى هذا خدمت موسيقى الغيوان المعاني التي انشغلت بها أشعار المجموعة ورسخت أكثر تعبيرية الأعماق كميزة لهذه الأغنية.
*abdelhafid
27 - نوفمبر - 2008
السلام عليكم    كن أول من يقيّم
 
 أشعر بالامتنان لكل من يشاركني كلماته في هذا الملف، فهو قريب إلى نفسي، مع أنني هجرته فترة ليست بالقصيرة، فكل الشكر لك (ابن الأكوح) على قلمك البديع، وقبل ذلك على إحساسك المرهف.
في كثير من الأحيان أنشغل بالعمل المرهق، ما يعيقني عن كتابة أي شيء لا علاقة له بأكل (العيش).. وفي كثير من الأحيان لا أنشغل بأي شيء، لكن نفسي تأبى إلا أن تكون (معاقة) عن الكتابة.. وفي كثير من الأحيان أرغم القلم على أن يكتب، فتظهر الكلمات جافة ليس لها طعم ولا رائحة، أراها كأرض بتشققات عميقة ومخيفة..
وأخيراً.. في كثير من الأحيان أراني أكتب بسلاسة نهر، فتكون الكلمات أعذب وأرق وأجمل وأصدق، أشعر بموسيقاها تسري في عروقي.. فتلازمها في سريانها سعادة لها طعم فريد.
لنزار قباني:
تحية وقبلة في الخد
وليس عندي ما أقول بعد
من أين أبتدي وأين أنتهي
ودورة الزمان دون حد.
*أحمد عزو
30 - نوفمبر - 2008
الكاتب يحكي قصة...     كن أول من يقيّم
 
حدث هذا يوم الأحد الأخير، وقف كاتب في المكتبة العامة في إحدى قرى الجليل أمام الطلاب ليحكي لهم قصة. كان ذلك في أسبوع الكتاب الذي نظـّمته المدرسة بالتعاون مع «المكتبة العامة»،
وهي غرفة كبيرة مستأجرة على جانب الطريق العام مع ملحقاتها مكتب ومرحاض بعد أن حيّا الطلابَ وردوا عليه ردا جماعيا ذكره بمقاعد الدراسة الأولى، عرّفهم على نفسه، ثمّ طلب منهم الهدوء والاستماع إلى قصّته، ثم بدأ يحكي وما إن قال: «كان يا ما كان في قديم الزمان»... حتى قاطعته طائرة حربية بصوتها القوي المخيف، فلم يعد الطلاب يسمعون كلام الكاتب ولا بعضهم البعض ولا الأصوات القادمة من الشارع العام، فصمت الكاتب وانتظر لحظات حتى ابتعدت الطائرة بضجيجها الرهيب، ثم عاد ليحكي لهم من جديد فقال: «كان ياما كان في قديم الزمان»... ومرة أخرى قاطعته الطائرة بضجيجها الرهيب بوووووووووووم.. ولم يعد الأولاد يسمعون الكاتب ولا بعضهم البعض.. فصمت الكاتب مرة أخرى إلى أن ابتعدت الطائرة وساد صمت وسُمع صوت السيارات والضجة القادمة من خارج المكتبة: «هل تريدون سماع القصة...
- فصاح الأولاد: نعم إحكها من الأول!
- حسنا سوف أحكي لكم القصة من جديد.. كان يا ما كان في قديم الزمان، أراد كاتبٌ أن يحكي قصة للأطفال... «حينئذ قاطعه بائع الدجاج الذي مرّ بالقرب من المكتبة بسيارته وصار ينادي بمكبر الصوت... «معانا دجاج خمسة كيلو بمائة شيكل، الدجاج الخمسة كيلو بمائة شيكل يا بلاش»... فاضطر الكاتب إلى أن ينتظر حتى ابتعد بائع الدجاج، ثم قال: حسنا لقد اشترينا دجاجا... سأحكي لكم القصة من جديد...
- هيا لقد شوقتنا.. قال الأولاد...
فقال: - كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي للطلاب قصة في المكتبة العامة، وكان هذا بمناسبة أسبوع الكتاب. وعندما بدأ الكاتب يحكي.. «حينئذ مرّت سيارة الإسعاف بزعيق صفارتها القوي وي وي وي وي، فقال الكاتب: «يبدو أن في الحارة مريضا أو مصابا وقد استدعوا له سيارة الإسعاف، ندعو الله أن يشفيَه».. انتظر الكاتب حتى ابتعدت سيارة الإسعاف، وسأل الأولاد: هل تريدون سماع القصة من جديد؟
فقالوا - هيا هيا إحك من جديد...
ثم بدأ الكاتب يحكي قصته من جديد: كان يا ما كان في قديم الزمان، أراد كاتب أن يحكي قصة للأطفال بمناسبة أسبوع الكتاب، وكان ذلك في المكتبة العامة،... وعندما بدأ الكاتب يحكي قصته مرت طائرة حربية بضجيجها الرهيب...
- ذهبت إلى سورية -قال أحد الأولاد - توجد حرب هناك.
- لا، لا توجد حرب هناك.. هذه طائرة تتدرب فوق قريتكم لأنها تشبه قرى سورية ولبنان...
- ولكن في سورية توجد حرب... أصرّ أحد الأولاد...
- ولكنها ليست مع إسرائيل... قال الكاتب «ها قد حرّروا حي بابا عمرو في حمص والرئيس يقوم بزيارة الحي»... هل تريدون أن أحكي لكم القصة من جديد...
- إحك إحك...
وقبل أن يستأنف، قاطعه رنين الهاتف الذي نسيته المعلمة مفتوحا في جيبها، كانت هذه تقاسيم أغنية موطني على العود.. فأقفلته واعتذرت للكاتب والطلاب.. ابتسم الكاتب ثم أعاد من جديد.. كان يا ما كان، في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأولاد بمناسبة أسبوع الكتاب... حينئذ مر بجانب المكتبة شاب بسيارته وقد رفع صوت موسيقى صاخبة بأقوى ما يمكن، فغضب الكاتب واستاءت المعلمة حتى ابتعد الشاب مع أغنيته الصاخبة، ثم قال الكاتب للطلاب وهو غاضب: كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأطفال بمناسبة أسبوع الكتاب... حينئذ سُمع ضجيج قويٌ وإذا بجبالة باطون تمر من جانب المكتبة.. وقال أحد الأولاد...
- هذا الباطون لدار عمي فهد...
مرة أخرى توقف الكاتب حتى ابتعدت جبّالة الباطون وقد بدأ الطلاب يتأففون ويتذمرون وصار الكاتب يمسح عرقه بمنديل ورقي عن جبينه وقال من جديد: كان يا ما كان في قديم الزمان أراد كاتب أن يحكي قصة للأولاد في المكتبة العامة، كان ذلك بمناسبة أسبوع الكتاب الذي تنظمه المدرسة بالتنسيق مع المكتبة العامة، وحينئذ قاطعه صوت رجل ينادي بمكبر الصوت... يا أهالي قريتنا الكرام تفضلوا الليلة عند (علي أبو عبد الله عتمة) إلى زفة العريس وغدا إلى قراءة المولد النبوي الشريف بعد صلاة العصر ودامت الأفراح في دياركم العامرة... يئس الكاتب ونفخ مغتاظا... ماذا قلتم هل تريدون أن أحكي القصة!... إحك... إحك... وحينئذ ساد صمت في المكتبة وصمت الطلاب ولم يعد يُسمع سوى ما يصل من الشارع، فقال له الطلاب: ها قد ساد صمت، نحن نسمعك الآن جيدا.. إحك لنا القصة... فتنفس الصعداء، وانتظر لحظات، وما إن فتح فمه حتى سمع نداء في مكبر للصوت: «باسم جمعية بلدنا الثقافية، ندعوكم في الساعة السادسة مساء إلى حضور الندوة السياسية تحت عنوان «الربيع العربي إلى أين، بمشاركة عدد من الأساتذة والمختصين، نأمل تشريفكم».
- أما زلتم راغبين في سماع القصة...
- نعم نريد سماعها...
- هذه هي القصة، لقد حكيتها لكم...
 
 
 
 
سهيل كيوان
++++++++++++++++++
ج.المساء المغربية
*abdelhafid
6 - أبريل - 2012
 11  12  13