 | خبز وخشكبار كن أول من يقيّم
صباح الخير أستاذتنا ضياء : من تعليقك الأخير حول الخبز ذكرتني بمثل شامي كانت أمي رحمها الله تُردده وهو : ( خبزتي بالبيت ْ رقصت وغنيتْ ) , وهذا المثل يُعبر عن مفهوم الأمن الغذائي رُبما , وكان الكبار يُرددون مثلاُ شعبياً آخر وهو : ( خبز وماء أكل العلماء ) , وغنى مارسيل ( أحن إلى خُبز أمي ) , بينما غنى فهد يكن ( إنا نُحب الورد لكنا نُحب القمح أكثر , ونُحب عطر الورد لكن سنابلَ منه أطهر ) , وقد نصل إلى زمن بعد موجة الغلاء وتحويل الغذاء الشعبي إلى وقود يستبدلُ الناس التحية الصباحية : صباح الخير أو السلام عليكم بعبارة : هل وجدتَ خبزاً ؟ , أو مثلاً عند الوداع : أتمنى أن نجتمع عند الفران , آمين قادر ياكريم ,,, ... حين أتتْ زوجتي من إيران , وبعدَ أن أنزلتُ لها الحقائب , ركضتْ بناتي نحوها يسألنها عن الهدايا , فكانتْ تُخرج لهن الثياب والألعاب وتِذكارات البطولة , بينما كنتُ أجلسُ على كنبتي أنظر لها شزراً , وانتبهتْ لي وتكلمتْ وكأنها اقترفتْ ذنباً لا يُغتفر : والله لم أجد في السوق الحرة بمطار طهران زجاجة عطر , وأنا أعرف أنك تُحب العطر , فقلتُ في نفسي من مطار دُبي لكننا وجدنا في المطار جيشاً من الصحفيين والمصورين بانتظارنا فلم نستطع فعل شيء , لكني مانسيتُك .. هذا الكيس هو هديتك ,,, والتفت إلى كيس كبير وزنه أكثر من عشرين كيلو , وفرحتُ مثل بناتي , وقلتُ لنفسي : كم هي مُسرفة ,,, وفتحتُ الكيس وإذا بداخله أكياس كثيرة جدا وملونة , قلتُ : شكراً , لكنْ .. ماهذا ؟ أجابتني مُتلعثمة : ... خشكبار ! , أعرفُ أنك تُحبهُ كثيراً ... قلتُ في نفسي فعلاً أنا أحبه , وسألتها : أحبه فعلاً لكن ( شو يعني خشكبار ؟ ) , قالتْ أخرجهُ من الكيس وتذوق , قلتُ وأنا أخرج الأكياس ( إذاً هو مأكول وليس منظور ! ) , وبعد إخراج الأكياس وجدتُها تحتوي على الموالح الإيرانية , والزبيب , والمشمش المجفف , والتوت المجفف ... فقلتُ بخبث : ها ! ما أجملها من هدية , وكيف سآكلُ كل هذا ؟ أجابتْ : ماعليك ... سنوزع للأصدقاء وموظفي النادي و و ... لا تستخف بهذه الهدية فقد تعذبتُ حتى وصلتُ ل ( بازار آهنكران ) في وسط طهران , وهذا ( الكشمش ) ( وأشارتْ للزبيب ) هو ( ساعدي ) , يعني أفضل نوع عندهم , وهذا الكيس .... .... ومن يومها وأنا آكلُ الخشكبار | *محمد هشام | 26 - يوليو - 2008 |
 | الخبز الإلكتروني     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
عندما تلتقي بالناس إلكترونياً يبدأ التعارف على حذر.. ومع ازدياد النقاش وازدياد الأيام.. ومع ذوبان الثلوج وتقارب الأفكار والتفكير.. تحس أن من يجلس خلف الشاشة البعيدة قريباً منك.. تشكو له ما تعانيه.. وتعاني معه ما يشكو.. تحن إليه إذا سكتْ.. ويحن إليك إذا سكتَّ.. تفتح ذراعيك إذا شكا.. ويفتح ذراعيه إذا اشتكيت.. تقاسمه هموماً لازمته ويقاسمك هموماً لازمتك.. حتى يعز عليك الفراق.. فقد أوجدتما أحد المستحيلات الثلاثة مرتين: أنت وهو. ومع زوال الحدود الإلكترونية تزول الحدود الطبيعية والأسوار والأسلاك الشائكة والسواتر والمصدات.. تصبح المسافات أقرب من حبل الوريد.. تسمع دقات القلب البعيد.. معجزة لا تفسير لها ولا منطق.. فهي خارج المحسوس وخارج المرئي. عندما تأكل مع شخص غريب في مناسبة عابرة فإن شيئاً خفياً يربط بينكما.. تلتقيه فيما بعد.. تقول له: (لا تنس أن بيننا خبزاً وملحاً).. يصير الطعام رابطاً من الصعب أن ينسى.. لأن الطعام نفسه يدخل إلى الخلايا وليس إلى المعدة فحسب. في القرية الإلكترونية خبز وملح نتقاسمه.. نحس أن هنالك صداقة حقيقية ونخوة وحباً وزمالة من الصعب أن تضيع بين ليلة وضحاها.. وهنا تقاسم الخبز والملح ودخولهما ليس إلى الخلايا المعروفة وإنما إلى خلايا الأرواح والنفوس. ما يحصل في الجلسات عن بعد شيء جميل نفتقده كثيراً في جلساتنا عن قرب.. والسليم عقلاً وروحاً من الصعب جداً أن ينساها.. لكن ماذا لو أن أحد الأطراف أُجبر على تناول جرعة زائدة من الملح؟.. ربما حاسة التذوق تصاب بخلل.. وهنا تكمن المشكلة ويحضر خوفنا سريعاً مباغتاً.. فليس سهلاً أن نفقد حاسة التذوق.. أو الذوق.. ومع ازدياد الرعشة في الجهة اليسرى من صدورنا يزداد صمتنا إلى أن يذوب الملح.. فلا نفقد من نحب.. وتزداد (تمتماتنا).. ونبقى.. ويبقى الـ(أمل).. ويبقى من هو أكبر من الـ(أمل).. | *أحمد عزو | 28 - يوليو - 2008 |