صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : عصر النهضة الأوروبية : النظرة الجديدة إلى العالم    قيّم
التقييم :
( من قبل 13 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
13 - مايو - 2008
 
خلال المئة سنة الممتدة ما بين عامي 1450 و1550 ميلادية ، بدأت في إيطاليا لتعم فيما بعد أوروبا كلها ، حركة تغيير جذرية طالت جميع مجالات الحياة : السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والثقافية . هذه الحركة سوف تعرف فيما بعد باسم " عصر النهضة " التي كان من أهم مسبباتها ، ومن أبرز سماتها ، ظهور طبقة جديدة هي : البورجوازية ، وهي فئة من الأثرياء الجدد لا ترتبط  بطبقة النبلاء الأرستوقراطية التي بنت مجدها على الفروسية وملكية الأرض ، وتختلف عن عامة الشعب الغارق بالجهالة والفقر . هي طبقة من نوع جديد ، لها ذوق ومصالح مختلفة ، لكنها كانت لا تزال حتى تلك الفترة بدون هوية محددة .
 
سوف أحاول في هذا الملف الإشارة إلى الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الطبقة الجديدة ، وإلى أهم الأحداث السياسية والاجتماعية التي ساهمت في تكوينها ، بغية الوصول إلى فهم هذا الواقع الجديد ، وفهم التحولات العميقة التي طرأت  في مجالات الأدب والفن والفلسفة وسائر تجليات الثقافة والفكر الإنساني نتيجة هذا الواقع الجديد ، وبصفتها تحولات تاريخية جذرية غيرت نظرة الإنسان إلى العالم . 
 
 
   
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مقدمة تاريخية : بداية التحولات الكبرى    كن أول من يقيّم
 
عرف الغرب الأوروبي ابتداء من القرن التاسع الميلادي تحولات جذرية طالت بنيته الديموغرافية وتسببت في تضاعف عدد السكان فيه بسبب ملائمة المناخ في تلك الحقبة للإنتاج الزراعي مما أدى إلى وفرة في الغذاء ، وتناقص في انتشار الأمراض والأوبئة مما حد من عدد الوفيات . حتى أن بعض المؤرخين يضع هذا العامل الديموغرافي في رأس قائمة  الأسباب التي أدت إلى نشوء الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ، كما أنه سبب رئيسي في ازدهار ونمو حركة تجارية ناشطة في حوض البحر الأبيض المتوسط باتجاه الشرق الأوسط وبلدان المغرب العربي  قادتها واستأثرت بالقسم الأكبر منها المدن والجزر الإيطالية كجنوا والبندقية وصقلية ...  كما أن الغرب الأوروبي تمكن في تلك الفترة من أن ينظم ويؤطر حركة الصراع الدامية والنزاعات التي كانت قائمة بين الملوك والنبلاء تحت سلطة الكنيسة في عهد البابا غريغوار  ( 1073 -1085 ) وذلك بإرساء قواعد أخلاقية جديدة خصوصاً بعد أن حدثت القطيعة الكبرى بين الكنيسة الأورثوذوكسية والكنيسة الكاثوليكية في العام 1054 .
 
كانت هذه بداية الاحتكاك بالحضارات الأخرى وأهمها في تلك الفترة الحضارة الإسلامية التي كانت تسيطر على القسم الأكبر من حوض البحر الأبيض المتوسط وحركة التجارة فيه .
*ضياء
13 - مايو - 2008
عصر الاكتشافات الكبرى    كن أول من يقيّم
 
 
تطورت في أوروبا في القرن الخامس عشر حركة ملاحة عالمية لم يسبق لها مثيل تمكنت من التوغل بعيداً عبر البحار والمحيطات الكبرى بفضل اختراع البوصلة والأسطرلاب ، وبفضل تطور العلوم المتعلقة بالملاحة وتمكنها من معارف جديدة منها : رسم خرائط أكثر دقة ، وتحديد اتجاهات الريح وسرعتها ، والتمكن من تحديد أماكن رسو السفن بقرب الشواطىء. وانطلق الأوروبيون نحو آفاق بعيدة بحثاً عن الذهب والفضة والسلع النادرة كالبهارات التي توسع استعمالها وازداد عليها الطلب ، وكانت هذه الحملات بمثابة استكمال لحملات الغزو العالمية التي كانوا قد قاموا بها في عصر الحملات الصليبية .
 
ففي بداية القرن الخامس عشر ، قام البرتغاليون باكتشاف الشاطىء الغربي لإفريقيا متوغلين عبر الشاطىء الجنوبي للمغرب ، وفي العام 1417 تجاوزوا خط الاستواء ، وفي العام 1487 وصلوا إلى رأس الرجاء الصالح . بعد عشر سنوات ، تمكن البرتغالي فاسكو دي غاما من الدوران حول رأس الرجاء الصالح والوصول إلى كلكوتا عبر المحيط الهندي . ثم في العام 1492 قرر الإيطالي ( من جنوة ) كريستوف كولومبوس الوصول إلى الهند منطلقاً من الغرب ، ودون الحاجة للمرور ببلاد المسلمين ، ومعتمداً على مقولة اليونان القديمة القائلة بأن الأرض كروية ، وبناء على حسابات " الفرغاني " . لكنه وصل إلى جزر الأنتيل وهو يظن بأنها بلاد الهند ، حتى جاء من بعده الفلورنسي أمريكو فاسبوتشي ليبرهن على أن كولومبوس قد اكتشف " العالم الجديد " ( أمريكا ) . ثم في العام 1521 قالم البرتغالي ماجلان بدورة كاملة حول الأرض وذلك بالالتفاف حول القارة الأميركية الجنوبية .
*ضياء
13 - مايو - 2008
نشأة اقتصاد عالمي جديد    كن أول من يقيّم
 
 
توسعت حركة التجارة العالمية بفضل هذه الإكتشافات وبدأت الدول الأوروبية الكبرى ببناء مستعمرات لها ما وراء البحار : تمركز البرتغاليون في الهند والبرازيل ، والإسبان في أميركا الجنوبية حيث قضوا على أثنتين من أهم الحضارات في التاريخ وهما : الأزتيك والأنكا . واحتلت فرنسا الشمال الأميركي في كندا . حتى أن إسبانيا والبرتغال ، وبسبب المنافسة الشديدة حول اقتسام المستعمرات ، وقعتا فيما بينهما معاهدة في العام 1494 باركها البابا دفعاً للحرب بين أقطاب الكاثوليكية هي معاهدة توردسيلا .
 
أما البحر المتوسط الذي كان مسرح السياسة والتجارة والحروب حتى ذلك الحين فقد تقلص دوره إذ بدات الاطماع تتجه نحو المحيط الأطلسي وبحر الشمال . وبدأت بعض المدن تزدهر على حساب أخرى فتقلص دور المدن الإيطالية الكبرى كجنوة والبندقية لحساب مدن أخرى كلشبونة وإشبيلية ( Séville ) في هذه الفترة سوف تزداد قيمة المبادلات التجارية عشرين ضعفاً عن معدلاتها في الفترات السابقة ، وفي الوقت الذي سوف يتزايد فيه تدفق الذهب والفضة إلى أوروبا وترتفع أثمان المواد الغذائية ، وستبدأ تجارة العبيد الذين كانوا يحملون على ظهور السفن كالبضائع تماماً ليباعوا رقيقاً للعمل في مستعمرات زراعة قصب السكر في الجزر البعيدة .
 
وفي تلك الفترة سوف يزداد حجم المبادلات المصرفية وستتقدم الصناعة بخطى حثيثة مما ساهم في الإثراء السريع والفاحش لفئة من الناس : هكذا ، ومع الوقت ، تكونت طبقة جديدة من التجار وأصحاب رؤوس الأموال هم الصناعيون وتجار السلع المستوردة والمصرفيون وحتى أصبح هؤلاء ينافسون الأمراء والنبلاء وأصحاب الإقطاعيات الكبرى على الجاه والثروة .
 
 
*ضياء
13 - مايو - 2008
الفكر العلمي الجديد    كن أول من يقيّم
 
 
في هذا العصر الحيوي الذي يتميز بطابع الديناميكية والتجديد سوف تعرف العلوم نشاطاً ملحوظاً لأن باب التنافس أصبح مفتوحاً على مصراعيه : فمن التقنيات العسكرية إلى التقنيات المعمارية ، اشتدت المنافسة بين المهندسين والمعماريين لابتكار وتطوير تقنيات جديدة سواء كان ذلك في صناعة السفن أم في تطوير إداء ساعة اليد . وشمل ذلك التطور قطاعات صناعة الصب والمعادن وطرق المواصلات وعلوم الطب والفلك .... وسوف يسهم كل هذا بتحسين وتسهيل حركة الأفكار الجديدة التي تبحث عن التطور والإبداع والابتكار في الوسائل التقنية والعلمية .
 
في العام 1543 سوف يحقق العالم الفلكي البولوني كوبرنيك ثورة كبرى بنقضه نظرية بطليموس حول مركزية الأرض وبإثباته ، وبواسطة الحساب الرياضي ، بأن الأرض هي كوكب كغيره من الكواكب يدور حول الشمس ( يبدو أن هذه النظرية سبق أن قال بها ابن الشاطر الفلكي العربي الشهير وهناك بحث عنها منشور في مجالس الوراق أعده الأستاذ زياد عبد الدائم ) .
 
كان الجمهور المتعطش إلى التغيير يتلقف هذه الأفكار ويدفع بها نحو مزيد من التطور لأنها كانت تناسب تطلعاته ومزاجه وذلك أنه وبسبب تحسين المستوى الاجتماعي وشروط العيش للطبقة الجديدة ( البرجوازية ) تغير أسلوب الحياة وأصبح أكثر رفاهية وبدأ الناس مثلاً باستعمال الأقداح الزجاجية بدلاً من أكواب الفخار والمعدن ، وبدأ استعمال الشوكة في التقاط الطعام ، واستبدلت الصناديق بالخزائن لحفظ الثياب ... ، لكن الإكتشاف الأهم الذي غير وجهة المعرفة وساهم في انتشارها كان اكتشاف المطبعة في العام 1455 على يد العالم الألماني يوحنا غوتنبرغ . لأنه وحتى ذلك التاريخ ، كانت قراءة المخطوطات تقتصر على النخبة والأديرة ، فكان أول كتاب تم طبعه هو الكتاب المقدس ، ثم انتشرت فيما بعد طباعة الكتب لتعم المدن الأوروبية الكبيرة : وقد طبع في تلك الفترة أكثر من مئة وثلاثين ألف كتاب بما يزيد على مليوني نسخة منها مجتمعة .
 
 
*ضياء
13 - مايو - 2008
حركة الإصلاح البروتستانتية    كن أول من يقيّم
 
مارتن لوثر : نظرة جديدة إلى الدين
 
مارتن لوثر هو راهب ألماني (1483 - 1546 ) فقد إيمانه بقداسة البابا بعد رحلة قام بها إلى روما في العام 1511 حيث شاهد بنفسه وعن كثب ممارسات رجال الكنيسة وكيف كانت تباع صكوك الغفران للمؤمنين بأثمان باهظة بحجة تخفيف العذابات عنهم يوم القيامة وكيف كانت تستخدم تلك الأموال لبناء كنيسة باذخة ( هي كنيسة القديس بطرس ) بأبعاد خيالية يستفيد منها رجال الكهنوت  وتساهم في ترسيخ سلطتهم  .
 
دعا لوثر إلى إدخال إصلاحات دينية جذرية أهمها العودة إلى النصوص التوراتية دون وسيط ، والرجوع إلى تعاليم المسيحية الأولى دون اللجوء إلى تفسيرات الكنيسة ورجال الدين . ثم تبعت هذه الحركة الإصلاحية حركات أخرى كالتي قام بها جان كالفن في فرنسا ( 1509 - 1564 ) والحركة الإنجيلية التي أسسها الملك هنري الثامن في إنجلترا في العام 1534 . وقد أدت هذه الحركات الإصلاحية إلى قيام حروب واسعة في أوروبا كان بنتيجتها أن تقلصت سلطة الكنيسة بشكل واسع وفقدت الكثير من أتباعها .
 
على أثر حركة التململ الواسعة تلك ، اضطرت الكنيسة الكاثوليكية أن تقوم بحركة مضادة تستعيد فيها هيبتها ، ومن هنا كانت دعوة البابا بول الثالث إلى مجمع " ترنت " (1545 - 1563 ) الذي يعرف بأنه " عصرالنهضة الكاثوليكية " وحيث تم التأكيد على أهمية الدور الذي يقوم به القساوسة ورجال الكهنوت في خدمة المؤمنين ، وعلى الطابع الروحي للكنيسة ، وأن محبة الخير واتباع تعاليم الدين الكاثوليكي هي الطريق الوحيدة للنجاة من عذاب الآخرة ، وعلى أهمية شفاعة القديسين والسيدة العذراء .
 
 
*ضياء
14 - مايو - 2008
ظهور الحركة الإنسية في أوروبا     كن أول من يقيّم
 
الإنسان في قلب العالم :
 
نتيجة لكل تلك الأسباب التي ذكرنا ، وخصوصاً بعد سقوط القسطنطينية عام 1453، بدأ العلماء بالنزوح من بيزنطة إلى إيطاليا حاملين معهم تراث اليونان والرومان ، في الوقت الذي كانت فيه النخبة الجديدة تبحث عن إيمان جديد يحررها من ربقة التقاليد الصارمة والمعتقدات القديمة المبنية على الخوف والخرافات وتقديس الشعائر والعبادات التي تستولي الفكر والجسد وتسيطر على طاقاته الإبداعية . فكان أن أعيد اكتشاف النصوص القديمة للتراث الإغريقي بواسطة التعلم المكثف لليونانية واللاتينية ، وأعيدت ترجمتها والتدقيق فيها ، وقد تم ذلك بداية بمساعدة رجال الكنيسة من المتنورين والساخطين ، وكان الاعتقاد السائد لديهم هو أن الترجمات التي وصلتهم عبر مسلمي الأندلس محرفة وبأنها ترجمت من قبل المسلمين بما يتناسب مع معتقدات الدين الإسلامي .
 
ترافقت هذه الحركة مع اكتشاف المطبعة التي أحدثت ثورة ثقافية وأتاحت انتشار القراءة الفردية للنصوص سواء كانت دينية أم تراثية قديمة ، لأن النبلاء والتجار أصبح لديهم كتب يقرؤونها بينما كانت المخطوطات مقتصرة على الأديرة وبعض الخاصة . في تلك الفترة سوف يعاد اكتشاف أفلاطون وشيشرون وبلوتارك وأرسطو ... ، وسوف تستقبل المدارس أولاد البورجوازية الناشئة ، لأن المدارس بدأت بالاستقلال عن الكنيسة وأُنشأت مدارس لتعليم اللغات ، ومدارس " علمانية " على نحو ما فعل الملك فرنسوا الأول في فرنسا حيث أنشأ مدرسة ملكية لتعليم القراءة مرتبطة مباشرة بالملك هي ال Collège De France ، وبدأت الدراسات النحوية والشعرية بالانتشار ، وأصبح أولاد هذه الطبقة الجديدة يقدمون النصح للأمراء والملوك ، ثم انتشرت المكتبات ولم تعد مهمة التعليم تقتصر على التحفيظ بل أصبحت تهدف إلى تطوير قدرات الأنسان العقلية والجسدية . هذه الحالة الفكرية كانت تعرف بأنها " جمهورية الأدب " ( على غرار جمهورية أفلاطون ) وعنها انبثق تيار الإنسية الذي تخلى عن فكرة ربط الفضيلة والخير بالتعاليم الدينية وأسس إيمانه على الاعتقاد بفضيلة الإنسان .
 
أنصار الإنسية كانوا يسافرون ويتبادلون المعارف وينظرون بعين الاحتقار إلى معتقدات القرون الوسطى " البالية " وإلى التشبث بعبادة الصور والأيقونات وتماثيل القديسين . إنهم يحبون الكتَّاب القدماء ( اليونان والرومان ) الذين يبهرونهم ويثيرون إعجابهم والذين سوف يخرجون بفضلهم من تلك الدائرة الخانقة .
 
أشهر أعلام هذا التيار في بداياته كان الهولندي إيراسم (Didier Erasme ( 1469 الذي كان يتقن اللغات القديمة ( اللاتينية واليونانية والعبرية ) وأنشأ مدرسة لتعليم اللغات واشتهر بترجمة ونشر الإنجيل نقلاً عن مخطوطات يونانية قديمة ، كما اشتهر جداً في عصره ، في العام 1511 ، كتابه المعروف باسم " مدح الجنون " الذي يسخر فيه من المعتقدات السائدة في عصره كالسحر والشعوذة ، ووينتقد الترف الخيالي للبابا والقساوسة . ومنهم أيضاً الفرنسي مونتاني Montaigne الذي حاكم بشدة الجرائم التي ارتكبها الأوروبيون بحق الشعوب التي كانت تسكن القارة الأميركية عند اكتشافهم لها ، ورابليه Rablais الذي انتقد ما أسماه في عصره ب " صناعة الحرب " ، واعطى ثقته الكاملة للإنسان وكان ما كتبه مثالاً لثقافة جديدة من التسامح العقائدي ، والفكر الانتقادي ، والفكر الحر . كما ظهرت في تلك الأثناء أفكار جديدة تعبر عن الطموح لأسلوب جديد في الحياة الإجتماعية كما جاء وصفه في مؤلفات castaglione عن " النديم المثالي " الذي هو رمز الإنسان الجديد الذي يجيد السيطرة على انفعالاته ، وهو مهذب وخلوق ، يتجنب الكلام القاسي ، يحسن محادثة الآخرين ، مثقف ويجيد الموسيقى والرقص ، هو بالاختصار رمز لكل رجل جديد يريد أن يكون " إنسانياً " . كما ظهرت أفكار جديدة في السياسة أهمها كتاب ماكيافللي " الأمير " ( 1513 ) الذي يقترح فيه أسلوباً جديداً في الحكم فيبين كيف أن رؤساء الدول والأمراء لهم الحق في تغيير سياساتهم والتنصل من وعودهم إذا كان ذلك في مصلحة الحكم والدولة ، إلا أن الهدف الأساسي " للأمير " يجب أن يبقى المصلحة العامة لشعبه فقط وإلا أصبح ديكتاتوراً ووجب التخلص منه .
 
قلب الإنسيون معادلات العهد القديم التي حكم من خلالها النبلاء ورجال الدين أوروبا لعقود طويلة ، وأسسوا روح النهضة على إيمان جديد يعتمد على العلم والمعرفة والبحث عن إيمان داخلي لا يخضع لسلطة خارجية ، وجعلوا الإنسان في قلب العالم والقيم الإنسانية فوق كل اعتبار وسعادة الإنسان رهناً بمعرفته بنفسه والعالم المحيط به .
 
 
*ضياء
15 - مايو - 2008
النهضة الفنية    كن أول من يقيّم
 
 
 نظرة جديدة للفضاء والمساحة : تصوير الإنسان والعالم
 
يؤكد الفلورنتي جورجيو فازاري في كتابه المنشور في العام 1550 ، وهو أقدم كتاب وصلنا عن تاريخ الفن يتناول فيه " حياة أفضل الرسامين والمثَّالين والمهندسين المعماريين " بأن :" نهضة الفن قد بدأت في إيطاليا اعتباراً من 1250 ميلادية " . هذا الاستخدام لكلمة " نهضة " في ذلك العصر يدلل على عمق الشعور الذي كان يعيشه المبدعون والإنسيون في ذلك التاريخ ووعيهم بأنها كانت مرحلة ولادة جديدة للأدب والفن .
 
وفعلاً ، كانت تلك النهضة قد بدأت في روما وفلورنسا والبندقية في الوقت الذي كانت تدور في أوروبا رحى حروب دينية طاحنة بين المذاهب المتنازعة على شرعية التفسير لرسالة المسيح والكتاب المقدس ( الكاثوليكية والبروتستانتية ) ، وهي تخفي ما تخفي وراءها من مصالح الأقلية اليهودية والصراع الطبقي والتجاذبات السياسية والصراعات الإقليمية . وتتميز تلك الفترة بالشعور بالقلق وعدم الاستقرار الذي كان يستولي على الإنسان ، وبأن الأشياء تتحرك باستمرار من حوله ، وبأنه قد ترك عالماً وراءه ليدخل إلى عالم جديد مجهول وغير واضح المعالم .
 
كانت فلورنسا مقاطعة مستقلة بذاتها تدار من قبل مجموعة من التجار الأثرياء وكانت تشتهر بإنتاجها الحرفي والفني الراقي ، وكانت تحكمها عائلة ميديشي Médicis التي كانت في الفترة الممتدة ما بين عامي 1434 - 1495 تنفق قسماً مقطوعاً من عائداتها لاستيراد وشراء التحف والمنتوجات الفنية وعلى تمويل أعمال الإنسيين من أدباء وشعراء ومفكرين . وبهذا أصبحت فلورنسا عاصمة للثقافة والإشعاع الفني ونجحت بأن تكون نموذجاً رائداً للمدينة والانسجام .
 
ويميز تلك الفترة تحول جديد طرأ على فن الرسم والنحت والهندسة المعمارية : هذا التحول كان جذرياً لأنه يتناول مفهوم الفن كطاقة إبداعية لم تعد مهمتها الأساسية تعليمية أو تبشيرية تهتم بتثقيف الناس وتوجيههم في وجهة محددة بقدر ما تحولت إلى الرغبة في التعبير والإبهار وإثارة الإنفعال  .
 
في هذه الفترة ، سوف تولد نظرة جديدة تماماً لرؤية المساحة ، بالاعتماد على المفاهيم الجمالية للقدماء ( الإغريق والرومان ) وبالاعتماد على هندسة المساحة الفراغية ، أي بالأبعاد الثلاثية للمسافات . ستنتقل فنون الرسم إلى تصوير الإنسان والمشاهد بطريقة أكثر حيوية وتأثيراً في نفس المشاهد وأكثر قدرة على توليد الانفعال لديه ، فالانسان ( الحديث ) سوف يتخلى عن دوره كمتلقي سلبي وجامد ويبدو متحركاً ، فالفن أصبح يمثل تلك القدرة على الفعل والخلق . والقدرة على الخلق بمفهوم ذلك العصر هي تلك التي تحاكي ما خلقه الله على الأرض من كائنات حية ومنفعلة . وقد تمكن الفنانون من التعبير عن قدرتهم تلك بواسطة اللغة الأدبية ، أوبواسطة ما كانوا يصورونه من رسوم وتماثيل ، أو يشيدونه من صروح . ( يمكن الرجوع لمشاهدة أمثلة على ذلك مثل : كنيسة سانت ماريا دل فيوري الفلورنتية Santa Maria Del Fiore ) .
 
والإنسان الذي أصبح في قلب العالم ، واستعاد قدرته المسلوبة منه بسبب رضوخه الطويل لعبودية الإوهام والخرافات التي حاكتها من حوله عصور الظلام ، سيصبح هو المقياس لكل ما حوله ، تماماً كما كان يفعل القدماء ( الوثنيون ) . فالمعابد اليونانية والرومانية كانت تشيد حول تماثيل الآلهة التي كانت على شكل الإنسان ، بل أن تركيبها الجسماني كان يحاكي التركيب المثالي لجسم الإنسان . وكانت المعابد تبنى حولها . وهكذا سيأخذ المثَّالون المثال الرمزي للقدماء في الجمال ، كما فعل الرسام الأشهر في التاريخ : ليوناردو دافنشي (1452 - 1510 ) ، أو كما فعل ميكال إنجلو ( 1475 - 1564 ) الذي سيكشف عن القدرة الخارقة للتعبير لنماذجه الذكورية ، أو كما فعل Botticelli  ( 1445 - 1510 ) الذي بحث عن الرمز المثالي للجمال المتعالي في الأساطير القديمة . أو كما فعل رافييل ( 1483 - 1520 ) الذي يعبر فنه عن فكرته التي يؤمن بها ، وهي أن الإنسان هو إبن الله ( لأنه المسيح عليه السلام هو بنظره تجسيد للذات الإلهية ) ومن هذا المنطلق فإننا لا نستطيع رؤيته ( أي الإنسان ) إلا كبيراً ، عملاقاً ، قادراً ، جليلاً ، هادئاً ومتناسق الأجزاء .
 
*ضياء
20 - مايو - 2008
النهضة الأدبية    كن أول من يقيّم
 
 
بدأت بلاطات أوروبا تقارن أسلوب حياتها برفاهية الحياة في المدن الإيطالية الكبرى وتكتشف إلى مدى كانت تتصف بالتقشف والقسوة . من هنا بدأ الوعي بأهمية الثقافة . وكانت حركة الترجمة قد بدأت في فلورنسا كما أسلفنا ومع كتب كان لها الوقع الكبير في نفوس معاصريها ككتاب " المائدة " لأفلاطون الذي ترجمه Marsile Ficin ( 1433-1499 ) الذي يعبر عن أن العالم الواقعي لا يمثل سوى صورة متحركة وغير أكيدة نلمح من خلالها الصورة الثابتة والمتعالية لعالم المثل أو الماهيات هي وحدها " الحقيقة " التي يجب أن نضعها نصب أعيننا لكي نبلغ المثال الأعلى للخير ، أي الله جل جلاله . كما ظهرت في تلك الفترة مذاهب الأفلاطونية المحدثة التي كانت تقدس مظاهر الحب والجمال الذي لا تبلغه إلا الأرواح النقية . كما ظهر في الوقت نفسه تيار الشك وتيار الأبيقورية ...
 
وبعد أن ترجم إيراسم الإنجيل إلى اللاتينية في العام 1516 ، ترجمه إيتابل ( Lefèvre L'Etaples) في العام 1523 إلى الفرنسية ، مما أثار غضب لاهوتيي السوربون في حينها ، وحتى تدخل الملك فرنسوا الأول لمصلحته . كما أن القراءة الفردية للنصوص الدينية التي انتشرت بفضل المطبعة كما ذكرنا عرضت مفهوم الإحسان المسيحي الذي كانت تنادي به الكنيسة للنقد لأنه كان يجسد في الحقيقة شكلاً من أشكال سلطتها على أموال المؤمنين .
 
لم تكن الإنسية مذهب العقلانيين وحدهم ، بل أن السحر والتنجيم والمذاهب اللاعقلانية كانت قد انتشرت أيضاً في محاولة لتفسير العالم بنفس القدر والدرجة التي نشط بها العلم والأدب ، في محاولة للجمع بين المثال المسيحي والمثال الوثني في مذهب واحد " إنساني " يتميز بالتسامح والانفتاح على الآخر . وكان الإنسي المتفائل لذلك العصر يؤمن بالانسجام الموجود في العالم بين الإنسان ومثاله الأعلى ( الدين والماورائيات ) وأنه يوجد نوع من التوازن بحيث أن العالم " المتعالي " يوحي ويؤسس للمثال التربوي والسياسي . وبالرغم من كل موجات التعصب الديني والحروب الدينية ، فإن إنسية مونتاني التي تؤكد على قيمة وأهمية الثقافة ، وعلى حق الإنسان في حرية التفكير أستطاعت أن تجد لنفسها طريقاً .
 
حفنة من الشعراء وطلاب الجامعات من الأرسطيين ومحبي الفلسفة اليونانية أسسوا في الحي الللاتيني ( باريس ) مجموعة أسموها " الفرقة "  " Brigade " في البداية ، ثم أصبح اسمها فيما بعد "Pléiade " أو مجموعة " الثريا " في العام 1556 وهم : رونسارد Ronsard ، دو بالي Du Ballay ، باييف BaÏf ، بونتوس دو تيارد Pontus DE Tyard ، دو مان Peletier Du Mans الذين حاولوا تقليد هوراس والشعراء القدامى ، كما حاولوا الاعتماد على الشعراء الإيطاليين كبترارك ودانتي اللذين وإن كانا قد كتبا باللاتينية ، إلا أنهما منحا للشعر الإيطالي مجده وعظمته .
 
حملة التشكيل والدفاع عن اللغة الفرنسية التي تزعمها وكتب وثيقتها الشاعر دو بالي في العام 1549 تشرح برنامج تلك المجموعة وتتلخص : 1ـ بالدفاع عن اللغة الفرنسية وإغنائها بالمفردات الجديدة المشتقة من اللاتينية واليونانية ، 2 ـ وفي حال عدم وجودها إستخدام الكلمات المشتقة من اللغات والمصادر المحلية ( اللهجات ) ، 3ـ الاستغناء عن الأشكال التقليدية للشعر الوسيطي والاستفادة من أشكال الشعر اليوناني القديم ( الغنائية ، الرثائية ، الملحمة ، الهجاء ، الأناشيد .. ) وتقليدها ، ليس بهدف السطو عليها أو الخضوع لها ، وإنما بهدف الإحاطة بها وامتلاك اشكالها الأكثرجمالاً ونبلاً  كأشعار : بندار ، هوراس ، فرجيل والرثائيات الللاتينية . وبهذا سيتمكن الشعر ، من خدمة الثقافة وخدمة اللغة الفرنسية .
 
وبالاستناد إلى الأفلاطونية المحدثة ومذهبها الجمالي كان جماعة " الثريا " يرون في الإلهام الشعري تمظهراً للروحي والمتعالي الذي يرفع الشاعر إلى مستوى متلقي الوحي القادر على كشف أسرار الكون والطبيعة . والشعر كما كان يراه رونسارد الذي كان زعيم هذه الحركة بلا منازع ، هو طريق العبور إلى الخلود :
 
ممتلئاً بنور إلهي أشعل روحي / متطلعاً إلى الأسمى ، سائراً على خطى أورفيو / في معرفة اسرار السموات والطبيعة / التي تبحث عنها روح لا تحب الخمول ...
 
وقد استطاع رونسارد ودو بالي التحرر من القيود للنماذج التي كانت مفروضة على الشعر والعثور على بصماتهما الشخصية في هذا البعث الأدبي الجديد .
*ضياء
3 - يونيو - 2008
النهضة الفنية.. (صور )    كن أول من يقيّم
 
تحية طيبة الأستاذة ضياء .
يسعدني أن ألبي طلبك ، ومعذرة عن هذا التأخر فأنا حقا لم أنتبه .
أتمنى أن تكون الصور مناسبة .
 
1- جدارية لمدرسة أثينا لرافاييل
                                               
img136/4162/raphaeltheschoolofathengr6.jpg  
 
2- كنيسة سانت ماريا دل فيوري الفلورنتية
img392/9527/santamariagx5.png  
 
 
3- مايكل أنجلو
img71/2108/bd4e666e90pl2.jpg
 
 
*abdelhafid
13 - يونيو - 2008
هو ما أبحث عنه    كن أول من يقيّم
 
نعم أستاذ عبد الحفيظ ، وأنا أشكرك جزيل الشكر ، وما أبحث عنه هو الصورة الأولى ، أي جدارية مدرسة أثينا . لقد وجدت على الأنترنيت صوراً أقرب من هذه وأكثر وضوحاً غير أني لم أنجح بنقلها . يهمنا الصورة بمجملها للحديث عنها أولاً ، ومن ثم بإمكاننا تناول بعض تفاصيلها بالشرح لأنها كبيرة جداً وغنية بالرموز المعبرة . على أية حال لو وجدت صورة أوضح فلا تتردد بنشرها وسألغي التعليق السابق في هذه الحالة وأنا أقترح عليك كتابة الاسم بالفرنسية عند البحث عنها لأنك ستجد عندها وفرة من الصور . 
سلامي لك مجدداً وكل الشكر .
*ضياء
13 - يونيو - 2008
 1  2