النهضة الأدبية كن أول من يقيّم بدأت بلاطات أوروبا تقارن أسلوب حياتها برفاهية الحياة في المدن الإيطالية الكبرى وتكتشف إلى مدى كانت تتصف بالتقشف والقسوة . من هنا بدأ الوعي بأهمية الثقافة . وكانت حركة الترجمة قد بدأت في فلورنسا كما أسلفنا ومع كتب كان لها الوقع الكبير في نفوس معاصريها ككتاب " المائدة " لأفلاطون الذي ترجمه Marsile Ficin ( 1433-1499 ) الذي يعبر عن أن العالم الواقعي لا يمثل سوى صورة متحركة وغير أكيدة نلمح من خلالها الصورة الثابتة والمتعالية لعالم المثل أو الماهيات هي وحدها " الحقيقة " التي يجب أن نضعها نصب أعيننا لكي نبلغ المثال الأعلى للخير ، أي الله جل جلاله . كما ظهرت في تلك الفترة مذاهب الأفلاطونية المحدثة التي كانت تقدس مظاهر الحب والجمال الذي لا تبلغه إلا الأرواح النقية . كما ظهر في الوقت نفسه تيار الشك وتيار الأبيقورية ... وبعد أن ترجم إيراسم الإنجيل إلى اللاتينية في العام 1516 ، ترجمه إيتابل ( Lefèvre L'Etaples) في العام 1523 إلى الفرنسية ، مما أثار غضب لاهوتيي السوربون في حينها ، وحتى تدخل الملك فرنسوا الأول لمصلحته . كما أن القراءة الفردية للنصوص الدينية التي انتشرت بفضل المطبعة كما ذكرنا عرضت مفهوم الإحسان المسيحي الذي كانت تنادي به الكنيسة للنقد لأنه كان يجسد في الحقيقة شكلاً من أشكال سلطتها على أموال المؤمنين . لم تكن الإنسية مذهب العقلانيين وحدهم ، بل أن السحر والتنجيم والمذاهب اللاعقلانية كانت قد انتشرت أيضاً في محاولة لتفسير العالم بنفس القدر والدرجة التي نشط بها العلم والأدب ، في محاولة للجمع بين المثال المسيحي والمثال الوثني في مذهب واحد " إنساني " يتميز بالتسامح والانفتاح على الآخر . وكان الإنسي المتفائل لذلك العصر يؤمن بالانسجام الموجود في العالم بين الإنسان ومثاله الأعلى ( الدين والماورائيات ) وأنه يوجد نوع من التوازن بحيث أن العالم " المتعالي " يوحي ويؤسس للمثال التربوي والسياسي . وبالرغم من كل موجات التعصب الديني والحروب الدينية ، فإن إنسية مونتاني التي تؤكد على قيمة وأهمية الثقافة ، وعلى حق الإنسان في حرية التفكير أستطاعت أن تجد لنفسها طريقاً . حفنة من الشعراء وطلاب الجامعات من الأرسطيين ومحبي الفلسفة اليونانية أسسوا في الحي الللاتيني ( باريس ) مجموعة أسموها " الفرقة " " Brigade " في البداية ، ثم أصبح اسمها فيما بعد "Pléiade " أو مجموعة " الثريا " في العام 1556 وهم : رونسارد Ronsard ، دو بالي Du Ballay ، باييف BaÏf ، بونتوس دو تيارد Pontus DE Tyard ، دو مان Peletier Du Mans الذين حاولوا تقليد هوراس والشعراء القدامى ، كما حاولوا الاعتماد على الشعراء الإيطاليين كبترارك ودانتي اللذين وإن كانا قد كتبا باللاتينية ، إلا أنهما منحا للشعر الإيطالي مجده وعظمته . حملة التشكيل والدفاع عن اللغة الفرنسية التي تزعمها وكتب وثيقتها الشاعر دو بالي في العام 1549 تشرح برنامج تلك المجموعة وتتلخص : 1ـ بالدفاع عن اللغة الفرنسية وإغنائها بالمفردات الجديدة المشتقة من اللاتينية واليونانية ، 2 ـ وفي حال عدم وجودها إستخدام الكلمات المشتقة من اللغات والمصادر المحلية ( اللهجات ) ، 3ـ الاستغناء عن الأشكال التقليدية للشعر الوسيطي والاستفادة من أشكال الشعر اليوناني القديم ( الغنائية ، الرثائية ، الملحمة ، الهجاء ، الأناشيد .. ) وتقليدها ، ليس بهدف السطو عليها أو الخضوع لها ، وإنما بهدف الإحاطة بها وامتلاك اشكالها الأكثرجمالاً ونبلاً كأشعار : بندار ، هوراس ، فرجيل والرثائيات الللاتينية . وبهذا سيتمكن الشعر ، من خدمة الثقافة وخدمة اللغة الفرنسية . وبالاستناد إلى الأفلاطونية المحدثة ومذهبها الجمالي كان جماعة " الثريا " يرون في الإلهام الشعري تمظهراً للروحي والمتعالي الذي يرفع الشاعر إلى مستوى متلقي الوحي القادر على كشف أسرار الكون والطبيعة . والشعر كما كان يراه رونسارد الذي كان زعيم هذه الحركة بلا منازع ، هو طريق العبور إلى الخلود : ممتلئاً بنور إلهي أشعل روحي / متطلعاً إلى الأسمى ، سائراً على خطى أورفيو / في معرفة اسرار السموات والطبيعة / التي تبحث عنها روح لا تحب الخمول ... وقد استطاع رونسارد ودو بالي التحرر من القيود للنماذج التي كانت مفروضة على الشعر والعثور على بصماتهما الشخصية في هذا البعث الأدبي الجديد . |