البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي    قيّم
التقييم :
( من قبل 9 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
6 - أبريل - 2008
تعد قصيدة البردة من عيون الشعر العربي وخرائده التي نالت حظوة كبيرة من قبل العرب والمسلمين جميعًا: من العامة والنُّخبة على السواء؛ فقد انتشرت انتشارًا واسعًا و تناقلتها الأجيال: جيلاً بعد جيل؛ بسبب حسن ألفاظها و عمق معانيها وروعة صورها البيانية وتشكيلاتها الوصفية وأعشابها البديعية، و بسبب تنوع أغراضها وتشابكها...
أبياتها تلامس القلب و تحرك الشعور و الإحساس، و قراءتها تشعر بلذة روحانية و جاذبية و تدفع لقراءتها كاملة و بشوق و لهفة؛ لمعرفة ما يحتويه كل بيت فيها.
 و لاغرابة أن نجدها قد ترجمت الى عدة لغات، منها الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و التركية و الهندية و الفارسية و غيرها؛ لأنها ذات مكانة أدبية وفكرية كبيرة  ...
ومن ثَمَّ فإنني سأقوم بعرضها على مقاييس النقد الأدبي المستقرة، بعيدًا عن أي تعصب مذهبي، معددًا إيجابياتها وسلبياتها على السواء من منطلق فني محض!
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ما قبل البردة:    كن أول من يقيّم
 
وفيما يلى تطبيق جزئى لهذا المنهج على نص البردة للبوصيري
ما قبل البردة:
    هناك عناصر ثلاثة لا بد من النظر فيها قبل الولوج إلى البردة، وهى:
* شخصية المبدع:
البوصيري شيخ متعبد زاهد، وصوفى ورع، ومقعد أثقلــه المرض المزمن، وآلمته كثرة ذنوبه ومعاصيه وتفريطه فى جنب الله تعالى، وكثرة المحاولات الحاقدة للنيل من شخصية النبى الكريم-صلى الله عليه وسلم- فى عصره، وعدم وجود يقظة فى أمته النائمة اللاهية.
وكان لهذا أثـــــره فى كثير من أبيات البردة، على ما سنرى .
الباعث على الإبداع:
بتدبر المناسبة التاريخية التى تُصدر بها البردة غالبًا في كثير من مصادر ترجمته، يتضح لنا أن هناك بواعث متنوعة على إبداعه البردة، وهى:
*أن قلبة فى هذه المرحلة العمرية[الشيخوخة] كان مفعمًا بالإيمان وبحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
*أنه مريض مرضًا جسديًّا مزمنًا .
*أنه متألم نفسيًّـــــــا بسبب ملله من أكدار الحياة وشرورها، وإحسـاسه بالتقصير والوقــــوع فى المعــاصى، وبسبب نيل الحاقدين من شخصية الرسول الكريم الخاتم، صلى الله عليه وسلم.
وهذا –بلا ريب-ما دفعه دفعًـــا إلى اللجـــــوء إلى الشخصية النبوية، للخـــلاص من أمراضه، وإلى الهرولة إليها من أكدار مجتمعه ومنغصاته، وقد أفلح فى ذلك إلى حد كبير، لولا شطحاته الصوفية، المقبولة عند فريق المسلمين ، والمرفوضة من فريق آخر، وللناس فيما يعشقون مذاهب، ولكلّ وجهة هو موليها.
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
دلالة عناوين البردة    كن أول من يقيّم
 
دلالة العنوان
        كثرة العناوين تدل بلا شك على قيمة صاحبها، وقد ورد للبردة –فيما أعلم- عناوين ثلاثة، لكل منها دلالته، هى:
l  البردة:
وهــو عنوان يـــدل على أنه متــأثر فى إبداع قصيدته بسيدنا كعب من زهير -رضى الله عنه- وبأنه يريد أن يجعل لها تشريفًا دينيًّا، حسب ما ذكره فى رؤيته المنامية.
وبذلك تكون (بانت سعاد)قصيدة بردة حقيقية واقعية تاريخية، وميمية البوصيري قصيدة بردة منامية حلمية خيالية!
l  البرأة:
 وهو عنوان دال على أثر البردة عليه، حيث إنها جاءت شافيــة له فى زعمه، وشافية لمن يقرأها فى زعــــم غيره من المتصوفة. ولذلك أطلق عليها قصيدة الشدائد .
l  الكواكب الدرية فى مدح خير البرية:
عنوان مسجوع، فيه تأثر بالقـــرآن الكريم فى عبارة " الكواكب الدرية"، وفيه تصوير استعارى جميـل لقيمة أبيات البردة، فكما أن الكواكب تنير الكون، كذلك أبيات البردة تعلن عن الشخصية النبوية، وتُجلّي معالمها تجليًّا مضيئًا لامعًا. وفى ذلك إعـــلان عن قيمتها الفنية والصوفية ....
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
مع البردة:     كن أول من يقيّم
 
n  التوثيق:
 جاءت البردة فى مائة وستين بيتًا، فى الديــــوان، وحذفت بعض أبياتها المشكلة عقديًّا فى الكثيـــر من المصادر والمراجع ، تحرجًا وتصوُّنا.
 وقد أضاف المتصوفة بيتًـا إليها كرروه فى كل قسم من أقسامها العشرة، هو:
مولاي صلّ وسلمْ دائمًا أبدًا     على حبيبك خير الخلق كلهم
وهو ليس من البردة!!!
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
القالب العروضي للبردة    كن أول من يقيّم
 
            
ظاهر أن البوصيري اختار لبردته قالب البسيط التام الذي عروضه مخبونة وضربه مخبون أيضًا.
 ولعل البوصيري أقدم على اختياره هذا؛ تقليدًا لشيخة الصوفى ابن  الفارض فى قصيدته النبوية، التى مطلعها:
 هل نار ليلى بدت ليلاً بذى سلم  أم بارق لاح بالزوراء فالعلم  
             
            هذا إضافة إلى أن البسيط  -كما يقرر منظرو موسيقى الشعر- بحر فخـــــم جزل يناسب فخامة مقام المديح النبوى وجزالته، وفيه متسع إيقاعى لأداء كثير من المعانى والمشاعر المنداحة فى رحاب الشخصية النبوية الشـــريفة.
             أما القافية فقد جمَّلها بكونها مطلقة، تعطي للمنشد فرصة للتغني، وجعلها ميميةَ الروي؛ تقليداً لابن الفارض، ولأن الميم من أجمل الحروف نغمـيًّـا. وجعلها مكســورة لكى تناسب انكســـار الشــاعر الجسدي والنفسي، ولتلائم الشعور الحــزين المسيطر على النص تفكيرًا وتعبيرًا وتصويرًا .
            وقد جاء البوصيري بالمطلع مصرعًا؛ تقليدًا للسابقين، ورغبة منـه فى إحـــــداث جرس موسيقى فى مقدمة القصيدة يؤثر فى أذن المتلقي، ويجذبه جذباً إلى النص .
 
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
القالب الفكري    كن أول من يقيّم
 
على الرغم من أن معظم الباحثين قسموا البردة عشرة أقسام؛ مما يوحي بتعدد موضوعاتها وتنوعها، وقد يفهم من ذلك أن الوحـــدة الموضــوعية فيها مخلخلة، إلا أن المعايش لها يجـــدها أقسامًا ثلاثة،فقط، بينها صلة منطقية وهندسية واضحة، وهي:
n  القسم الأول [المقدمة الغزلية الممهّدة للغرض الرئيس]:
n  ويدور حول النسيب النبوي، والاتعاظ النفسي، ويبدأ من البيت المطلع "الأول" حتى البيت الثـــامن والعشــرين.
n القسم الثانى[الغرض الرئيس]:
 ويدور حــــول المــديح النبوي والسرد التاريخي الشعري للسيرة النبـــوية العطــرة، حيث المكانة السامقة، والمولد الشريف وإرهاصاته، والمعجزات الخـــــالدة عامةً، ومعجزتا القرآن الكريم، والإسراء والمعراج خاصة، ثم كان حديث الجهاد النبوى والغزوات  العديدة له، صلى الله عليه وسلم.
n  القسم الثالث[الختام]:
يدور حول التوسل والتشفع بالرسول الخاتم، صلى الله عليه وسلم، ثم المناجاة والتضرع والابتهال إلى الله عز وجل.
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
مدى تحقق الوحدة الموضوعية:    كن أول من يقيّم
 
 
ظاهر أن هذه الأقسام مرتبطة ببعضها ارتباطًا منطقيًّا، فقد بدأ النسيب؛ تقليدًا للسابقين عامة، ولكعب بن زهير – رضى الله عنه – وابن الفارض، بخاصــة.
ثــم انتقل عن طريق حوار اللائم إلى التحــــذير من هوى النفس، لتطهير نفسه، وبالتالي المتلقي؛ لكى يستطيع الدخــول فى الرحاب النبوي النقي السامي .
 ثم انتقل إلى هذه الرحاب عن طـــــريق تعديد أخطائه / ذنوبه، جاعلاً منها تفريطه فى السنة النبويـــة، ليتحدث عن صاحبها مولدًا وحياة ورحيلاً، صلى الله عليه وسلم.
  ثم خلص من ذلك إلى الختام الذاتي  مبينًا أنه مدح النبي ليستقيل ذنوب عمر مضى في هيامات الشعر ومتطلبات الوظيفة من نفاق ورياء وغيبة ونميمة ... وغير ذلك من أدواء تلك النماذج البشرية الموجودة في العهود الجاهلية الفاسدة!!!
ومن ثم كانت النهاية الفكرية والشعورية المتأثرة بالنزعة الصوفية، حيث التوسل والتشفع، وذلك عن طريق حديث ذاتي اعترف فيه بخسارته لنفسه، وبأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو المنقذ المخلص من آلامه الحسية والنفسيـــــة فى الدنيا، وهذا هو التوسل، ثم من العذاب بسبب التفريط فى الآخرة، وهذا هو التشفع.. ثم كان التضرع والابتهال مسك الختام للقصيدة وللشاعر وللمتلقي، كل حسب مسيرته مع الحياة والأحياء.
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
تعليق على الوحدة الموضوعية    كن أول من يقيّم
 
 n  وبذلك يتضح أن البردة بها وحدة موضوعية، يسيــر فى أبياتها خيط شعوري وفكري واضح، هو المعاناة الذاتيـــة للمبدع، وقصده إلى التتبع التاريخي للسيـــرة العطــرة، وتقــديم محــاسن النبي-صلى الله عليه وسلم- فى قـالب شعري محلق شكليًّا ومبالغ فكريًّا مبالغة فريدة .
n  ولعل النظر العميق لهذه الأقسام الفكرية الثلاثة يجعلنا نوقن بــأن البردة تقصد إلى إضاءة شعرية متنوعة عن الشخصية المحمدية: حبيبًا (فى الرؤية الصوفية)، وإنسانًا (السيرة) وشفيعًا.
وكذلك نوقن أن البوصيري أحــدث ببـــردته ما يسمى – بلاغيًّا – مواطن التأنق حيث براعة الاستهلال، وحســـن التـخلص، وجـودة الختام، لولا ما بالخاتم من معنى التوسل، ذلك الذى نال البوصيري بسببه هجومًا من قطاع غير قليل من الجمهـور، فما كـان أغناه عن ذلك!!
*صبري أبوحسين
13 - أبريل - 2008
ظواهر فنية في البردة    كن أول من يقيّم
 
ظواهر  لغوية و أسلوبية بارزة:  
       جاءت لغة البردة متنوعة جزلة سهلة، وتنوعت تقليدًا وتجديدًا، وغموضـًـا ووضوحًا، حسب مضمون اللغة وإيحائها .
       أما الأسلوب فظاهر أنه جاء رصينًا قويًّا متنوعًا، كما جاء إنشائيًّا – غالبًا – فى القسم الأول، وكذلك فى القسم الثالث.
        أما القسم الثـــانى فكان خبريًّـا، وبـرز فى ذلك المـــوافقة لمقتضى الحال؛ فالمدح النبوي، والتتبع التــاريخى يحتـــاج إلى ما يساعده على تعديد حقـــائق ثابتة مستقــرة مـــؤكدة فى الأذهــــان.
        أما القسمان الآخران ففيهما حيرة وقلق، وتربص، ومما يناسبها الأدوات الأسلوبية التى فيها تعبير عن الدهشـــة والتعجــب، والتمنى والـــرجاء، والنصح والتوجيه، وما إلى ذلك من إنشائيــــات طلبية وغير طلبيــــة، مما هـو معروف فى علم المعاني.
        والأدلة على ذلك من البــردة أكثر من تحصى أو يشار إليها هنا فى هذا التحليل الموجز .
 
الصور الفنية:
n  بالتأمل فى صور البردة نجدها جاءت – غالبًا – متنوعة من حيث الأداة: تشبيهية، استعاريــة، كنـــائية، ومركبة غالبًـا، وفيها تقليد إيجـــابى للسابقين، ومرتبطــة بذات البوصيــرى.
 وقـــد استعـــان البوصيــري بالأسلــوب التصويرى لتوضيح فكرته حين تكون غريبة، أو لتأكيـــدها وتقريرها، حين تكون مفاجئة، مستفزة .
n  ولعل من أجملها وأعمقها قوله :
*ولا أعدت من الفعل الجميل قـرى      ضيف ألم برأسي غير محتشم
*لــــو كنت أعلــم أني ماأوقـــره       كتمت سرًّا بدا لي منـه بالكتَم
*مَن لى برد جمــــاح من غوايتها        كما يرد جمـاح الخيل بالُّلجُـم
*فلا تَرُمْ بالمعاصي كسر شهوتهـا        إن الطعام يُقوّي شهوة النهم
 
أعشاب  البديع:
n  من الملاحظ إكثارالبوصيرى من المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية، من أهمها : الجناس ، الطباق ، حسن التقسيم ، الطي والنشر ، التدبيج بالطبـــاق أو الكنـــاية، الموازنة، التصريع، الترصيع...
 وكمُّ المحسنات فيها معتدل ليس كثيرًا كثرة مفرطة، بل جـــاءت بعض الأبيــــات خالية  منها . ويكاد يتساوى الكم هنا مع الكم الموجـــودة فى بائية أبـى تمــام فـى فتـــح عمــورية، ومــن ثـــم نلخص إلى أن البوصيرى صانع فى البردة، وليس متصنعـــًا، على النحو الـــــذى أرتـــآه بــعض البـاحثين، خصوصــاً إذا علمنا أن المحسنــات لم تأت على حســـاب المعاني، ولا على حساب سلاسة الألفاظ ورصانة التركيب فى الأغلب الأعم من أبيات البردة .
*صبري أبوحسين
16 - أبريل - 2008
ذات البوصيري في البردة    كن أول من يقيّم
 
  ذات البوصيرى بارزة فى أقسامها الفكرية الثلاثة[المقدمة/الصل/الختام] بـــروزًا متنــــوعًا: مفردات، وأساليب،وصورًا، وفكرًا . فقد بــــــدأت البردة بقسم ذاتي، وخُتِمت بقســــــم ذاتي، بل إن البـــاعث ذاتي فى المقــام الأول .
 ويمكــن لدارسى البوصيـــرى أن يستخـــرج معــالم شخصية البوصيرى اجتماعيًّا، وثقافيًّا ودينيـًّـــا من خلال أبيات البردة .
*صبري أبوحسين
17 - أبريل - 2008
تأثر البوصيري    كن أول من يقيّم
 
 
  ثقافة البوصيرى الدينية والأدبية بارزة فى أعطاف البردة، فمن التأثر بالقرآن الكريم قوله:   "  ظفرت بحبل الله فاعتصم "
  ومن التأثر بالحـــديث الشــــريف قولـه:  " يا رب واجعل رجائي غير منعكس"
 ومن التأثر بالشعـر قوله في المطلع : " أمن تذكر جيرن " فهو متأثر بقول شيخه ابن الفارض:
    هل نار ليلى بدت ليلًا بذي سلَم      أم بارق لاح فى الــزوراء فالعلَـم وقوله:
 يا لائمي فى الهوى العذري...
 فهو متأثر فيه بقول ابن الفارض : 
  يا لائمًــا لامني فى حبهــم سفهًــا      كُفَّ المـلام فلــو أحببـت لـــم تلم
 وقوله:
 ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ضيف      ألم برأسي غير محتشم
  فهو مضمن شطرًا من قـول المتنبي:
  ضيف ألم بـــرأسى غيــر محتشـــم   والسيف أحســــن فعلاً منه باللمــم
  وقوله : " النفس كالطفل.... " فهو متأثـــــر فيه بقـــــول أبى ذؤيب الهـــذلى :
 والنــــفـس راغبــــــة إذا رغَّبتـــها    وإذا تُـــرَدُّ إلى قليـــــل تقنــــع
هذا إضافة إلى تأثره فى سرده السيـــرة النبوية العطرة، بالأخبــــار الشائعة والقصص الدينية، التي  تضفي على هذا المـــوضوع جمــالاً شعريًّا أخاذًا ؛ لأنه يعيدنا إلى الملاحـــم المعروفة فى الأدب العالمي؛ فقد طوَّف الشاعر بخياله بين الأرض والسمـــاء، والإنس والجــن، والجبال والأودية، والنور والظـــلام، والكفر والإيمــــان والجاهلية والإسلام، وما إلى ذلك من عوالم ساحرة آسرة للنفس حيث التشوق والإثارة والمفاجأة .
   وإن كان يؤخذ على البوصيري وقوعه أسيرًا لبعض الروايــات المزعومة غير الموثقة تاريخيًّا، فيما يتعلق بإرهاصات مولده الشريف، صلى الله عليه وسلم .
 
*صبري أبوحسين
17 - أبريل - 2008
 1  2  3  4