صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : هل الشريعة الإسلامية أمية    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 زهير 
28 - مارس - 2008
أدعو الأساتذة الأكارم إلى مناقشة ما نقله الجابري عن الشاطبي من أن الشريعة الإسلامية أمية لأنها بعثت إلى أمة أمية... وقد نقل لنا الأستاذ عبد الحفيظ مقالة الجابري كاملة في موضوع الأسبوع السابق (القلب) (في مجلس علوم القرآن) وأنقل هنا نص كلام الشاطبي المذكور، وهو قوله: (فالشارع (الله) وضع الشريعة بقصد أن يفهمها الناس الذين خاطبتهم فجعلها على قدر أفهامهم. وبما أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم كانوا أمة أمية - يقول الشاطبي - فإن "هذه الشريعة المباركة أمية لأن أهلها كذلك. فهو أجرى على اعتبار المصالح"، أي أن "الشريعة التي بُعث بها النبي الأمي عليه السلام إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما" هي "على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية" وهو"معنى كونها أمية أي منسوبة إلى الأميين. وإن لم تكن كذلك لزم أن تكون على غير ما عهدوا، فلم تكن لتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد، وذلك خلافُ ما وقع عليه الأمر فيها، فلا بد أن تكون على ما يعهدون، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية، فالشريعة إذن أمية)
  لم أفهم صراحة كيف يريدنا الجابري أن نفهم كلام الشاطبي هنا وأن نبني الشريعة على هذا الاستنتاج الفاسد. مع أن معنى كلمة (الأمي) لم تزل مدار خلاف منذ عصر التدوين وحتى الآن والرأي الذي أدين به أنا أن معنى الأميين يقابل معنى (الذين أوتوا الكتاب) ولا يعني أبدا عدم القدرة على القراءة والكتابة. فقوله تعالى (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) يمكن الاحتجاج به على أن النبي لم يكن مهتما بالثقافة الدينية، ويمكن الاحتجاج به أيضا على أن النبي (ص) لم يكن يعرف القراءة والكتابة، ولكن أن يكون النبي من الأميين فهذه مسألة أخرى، وأما قوله تعالى (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) فتعني أنه كان في أهل الكتاب أميون ليسوا من أهل الكتاب الذين نزل الكتاب على لسانهم.
وبغض النظر عن كل هذا فما قاله الشاطبي كلام أشبه بالسفسطة، فكيف تكون الشريعة أمية.. ؟؟
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
والجابري أيضا    كن أول من يقيّم
 
وأقول أيضا (على هامش كلمتي هذه) إن الجابري كان مجانبا للصواب في كل ما حكاه في مقالته.  فالعلم ليس ملكا لشرق أو لغرب، ولما كان المسلمون قد فرغوا من قياس سرعة الأرض وحركة الكواكب وتجسيد كل ذلك على الاسطرلابات والأزياج لم يكن لأي من دول أوربا ذكر في دنيا العلوم الفلكية والطبية والهندسية. مع أن مناقشة المسألة بهذه الصورة فاسدة بالمنطق، لأنه يقال للجابري: (أرأيت لو أن المسلمين كانوا هم الذين اكتشفوا تلك الحقائق أيحق لهم وقتها البحث عن أوجه الصلة بينها وبين القرآن)
وأما قول الجابري: (وإذن، فالعمل الذي يقوم به المؤلفون المحدثون في موضوع "القرآن والعلوم الكونية"، والذي يعتمد كما قلنا على تأويلات وأحيانا على تحليلات غير ناجحة في الغالب، هو عمل فيه تكلف كبير ومظنة لإثارة الشكوك) فكلام مردود عليه بقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) وهذا إعلان لا مجال للشك معه من أن البحث عن آيات الله في الأفاق واجب شرعي. بل القرآن دعا إلى أكثر من هذا حين قال: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)
وأما استثناء طنطاوي جوهري من قائمة الباحثين عن تلاقي الحقائق العلمية والقرآن فهي وحدها كارثة، وتعني أن الجابري لم يقرأ تفسير طنطاوي جوهري وخزعبلاته فيه حول موسيقى الكواكب وتحضير الأرواح، وأن النبي (ص) هو الذي أمره بتأليف التفسير لما رآه في المنام.
كان الأستاذ د. مصطفى محمود يبهر السامعين في برامجه التي أعدها وقدمها حول أسرار الكون والطبيعة وتلاقيها مع ما أنزله الله تعالى من آي الذكر الحكيم. ولا أنسى هنا أيضا فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني وبحوثه الأكاديمية في هذا السياق، ولقد سمعت منه حديثا يحبس الأنفاس عن طبائع الإبل ومزاياها التي امتازت بها عن كل الدواب، فبان لي أنه كان نعم العالم الباحث في تفسير قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) وعرفت سبب إفراد (الإبل) بالذكر دون سائر الحيوان، ولكنني لما كنت أقرأ الآية قبل أن أسمع كلام الزنداني لم أكن أفهم منها سوى معناها الظاهر.
 وأما قول الجابري في حديثه عن العرب والبيان القرآني (فلفت نظرهم إلى ظواهر الكون التي تَبِين بنفسها لمن تبَيَّن: لفت نظرهم "إلى الأرض كيف سطحت" كما تبدو في شكلها الظاهري للعين المجردة، والتي يراها الإنسان مسطحة سواء كان واقفا أو ماشيا أو راكبا دابة، متجها شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، طال به السفر أو قصر).
وهذا قصور في فهم الجابري، لأن الآية (وإلى الأرض كيف سطحت) سبقها قوله تعالى (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ 17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ 18 وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)
فهل (الجبال) في كوكب آخر غير الأرض.. إن مفهوم الأرض في القرآن لا يعني الكرة الأرضية في شكلها، وإنما يعني الأرض التي يعيش الناس في أرجائها. وهي على الأغلب صحارى وسهول، والقرآن يدعو الناس في الآيات للتفكير في عظمة من رفع الجبال وبسط الأرض. لا أنه يقرر حقيقة كونية تتعلق بجرم الأرض وهل هي كروية أم مسطحة.
وأخيرا ليس بصحيح أيضا ما حكاه الجابري من ان المذهب الإسماعيلي يقوم كله على تأويل القرآن وفق،"الحقائق العلمية" التي كانت سائدة في ذلك العصر (القرون الثالث والرابع والخامس الهجري ) فما هي (الحقائق العلمية) التي أولت الإسماعيلية القرآن وفقها.
*زهير
28 - مارس - 2008
تعليق للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ...    كن أول من يقيّم
 
الأخ زهير ،
يؤيد آراءك ما جاء على لسان الشيخ الفاضل محمد الطاهر بن عاشور في معرض التنظير للاعجاز العلمي للقرآن الكريم ، في مقدمة " التحرير والتنوير " جاء فيها :
وأما أبو إسحاق الشاطبي فقال في الفصل الثالث من المسألة الرابعة: لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاما لجميع العرب ، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه وقال في المسألة الرابعة من النوع الثاني ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب تنبني عليه قواعد، منها: "أن كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وأشباهها وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح فإن السلف الصالح كانوا أعلم بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أن أحدا منهم تكلم في شيء من هذا سوى ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة. نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب وما هو على معهودها مما يتعجب منه أولو الألباب ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة ...." .
وهذا مبني على ما أسسه من كون القرآن لما كان خطابا للأميين وهم العرب فإنما يعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم، وأن الشريعة أمية. وهو أساس واه لوجوه ستة:
الأول أن ما بناه عليه يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال وهذا باطل لما قدمناه، قال تعالى "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ".
الثاني أن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة وهو معجزة باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
الثالث أن السلف قالوا: إن القرآن لا تنقضي عجائبه يعنون معانيه ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه بانحصار أنواع معانيه.
الرابع أن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
الخامس أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا يقضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوما لديهم فأما مازاد على المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
السادس أن عدم تكلم السلف عليها إن كان فيما ليس راجعا إلى مقاصده فنحن نساعد عليه، وإن كان فيما يرجع إليها فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات بل قد بينوا وفصلوا وفرعوا في علوم عنوا بها، ولا يمنعنا ذلك أن نقتفي على آثارهم في علوم أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية أو لبيان سعة العلوم الإسلامية، أما ما وراء ذلك فإن كان ذكره لإيضاح المعنى فذلك تابع للتفسير أيضا. لأن العلوم العقلية إنما تبحث عن أحوال الأشياء على ما هي عليه، وإن كان فيما زاد على ذلك فذلك ليس من التفسير لكنه تكملة للمباحث العلمية واستطراد في العلم لمناسبة التفسير ليكون متعاطي التفسير أوسع قريحة في العلوم.اد في العلم لمناسبة التفسير ليكون متعاطي التفسير أوسع قريحة في العلوم.
المصدر : الموسوعة الشاملة
Islamport.com
مع تحياتي
زين الدين
*زين الدين
29 - مارس - 2008
الأمية صفة تمام ، لا صفة نقص.    كن أول من يقيّم
 
حينما نزل القرآن على رسول الله r بإجماع الكل أن الرسول r كان وما يزال حتى يلقى الله تبارك وتعالى أميّ، تغيرت بعض صفات الرسول في لحظتها (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) لم يعد يتيماً لأن الله تعالى آواه ووجدك ضالاً فهدى هداه الله ووجدك عائلاً فأغنى أغناه الله، لم يقل ثم وإنما جاء بالفاء لا نقول على الرسول يتيماً ولكنه نقول عنه النبي الأمي، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) توصيف الأميّ الصحيح بعد بحوث كثيرة من فم رسول الله r أنه الذي لا يكتب ولا يحسب وليس الذي لا يقرأ ولا يكتب كما تعلمنا، في السابق كنا ندرس في الكتّاب والشيخ الذي يجرس كان في الغالب كفيفاً والكفيف غالباً يكون الله تعالى علّمهم أيما تعليم ولهم براعة يشهد الجميع لها، هذا الكفيف لم يتعلم الكتابة لكنه تعلم القرآن سماعاً ولما سئل الرسول قال نحن أمة أميّة لا تكتب ولا تحسب لم يقل لا نقرأ، لأنه في ذلك الزمان كانت القراءة تتم بالسماع بل إن القرآن بالذات يؤخذ بالسماع وإلا سنخطيء في القرآءة. قد يكون الرجل لا يكتب ولا يحسب ولكنه يقرأ سماعاً وهناك قراءة عن سماع وقراءة عن كتابة.
الرسول r لما قال نحن أمة لا نكتب ولا تحسب هل كان يقصد أن الأمة الأمية لا يجب أن تتعلم ولا نحسب وهل هذا كان مراد الرسول r؟ كلام الرسول r يعني الفخر بما فعله القرآن في هذه الأمة لما يقول نحن أمة لا نكتب ولا نحسب ثم يصبح عندنا على مر العصور علماء في كل العلوم والمجالات فهذا فخر لأنه ساعة نزل القرآن كنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب لم ينكرها القرآن ولا الرسول r لكن انظروا ماذا فعل القرآن بالأمة في كل العلوم في حياة الرسول r وبعد الرسول r. ما المراد أنه يكون الرسول r لا يكتب ولا يحسب؟. ذكرنا سابقاً مثل الورقات الثلاث ورقة بيضاء وورقة مكتوبة بالرصاص وورقة مكتوبة بالحبر وطلبنا من أحد أن يكتب على واحدة من هذه الورقات الثلاث فيأخذ الورقة الفارغة لا المكتوبة بالرصاص ولا المكتوبة بالحبر لأنه ليس عليها شيء ويسهل الكتابة عليها ولن يتداخل مع الذي يكتبه أي شيء كما سيحصل مع الورقة المكتوب عليها بالرصاص أو الحبر. هذا المثال عبارة عن أنك أنت تتدبر أمراً والله تعالى يريد أن ينزل كتابه الخاتم على رجل،  فالرصاص يدل على من تعلّم نصف تعليم والحبر يدل على من جلس على علماء وتعلم كل مناحي التعليم ثم جاء القرآن كيف سيكون عقل هذا وعقل ذاك والورقة البيضاء هي العقل الذي لم يتدخل فيه أحد. كلمة النبي الأمي لم يلحقها تغيير لأنها شرف لأنه بعدما نزل القرآن سيقولون أن الشخص الرومي الذي يسنّ عنده السيوف هو الذي علّمه لكن الله تعالى رد عليهم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل) القول أعجمي والقرآن عربي. لو كان الرسول r جلس على أحد قبل القرآن وتعلم يكون الشك منطقياً (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) العنكبوت) عندها سيكون ارتيابهم بحق. لكن النقطة الأهم هو ما جاء في سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) قال صاحبكم أي أنتم احكموا عليه قبل الرسالة والوحي وستعرفون أنه كان أمياً ولم يتعلّم على أحد وكان صادقاً أميناً (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) والقاعدة (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)). إذن الرسول r ما تعلم على يد بشر وأنتم أصحابه وشاهدين عليه لكنه ساعة تعلم علّمه شديد القوى وهو علم إلهي ووحي يقرأه سماعاً ولا علاقة له بمسألة الكتابة وغيرها. الرسول r ببشريته ظنّ أنه سينسى القرآن فنزل قوله تعالى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) القيامة). كل هذا يبين عندنا عظمة الأمية عند الرسول rالأمية عندنا سُبّة وفي عصر الرسول r تعلموا وكان هناك شعراء وأدباء لكنه شرف للرسول r أنه كان أمياً وساعة تعلمت تعلمت على يد الله سبحانه وتعالى. الضمير في (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) يعود على الرسول لأن مثلية القرآن مستحيلة بنص القرآن. لو قلت لك إعمل الشيء الفلاني لكن هذا الشيء مستحيل لا آتي بعد قليل وأطلب منك أن تأتي بمثل هذا المستحيل. المستحيل ليس له مثل (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) هذه قاعدة، بمثل هذا القرآن، مثلية القرآن مستحيلة بدليل قوله تعالى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) النتيجة أنهم لا يأتون بمثله، وفي سورة البقرة يقول (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) أي من مثل عبدنا لأن المثلية في القرآن مستحيلة، الإعجاز أيها العرب أن تأتوا برجل أميّ يتساوى مع الرسول ويأتي بقرآن مثله دون معونة من بشر. الرسول r كان أمياً ذهب إلى الغار وعاد بالقرآن فاتوا بشخص أميّ يذهب إلى الغار وييأتي بمثل القرآن أو بسورة حتى لو مثل أقصر سورة، هذا غير ممكن والناس أسلمت عندما حاول البعض أن يأتي بسورة مثل ما جاء به الرسول r. والتحدي كان أن يأتوا بسورة من مثل الرسول r. الأميّ يتكلم في كل شيء لكن إذا طلبت منه تهجئة كلمة اقتصاد لا يعرف لأن الأميّ يعرف مسمّى الحرف ولا يعرف إسمه. هناك فرق بين الإسم والمسمى لأن المسمى لا يمكن لأحد أن يغيره، المسمى واحد وهو محمد أما أسماؤه فكثيرة محمج وأحمد والحاشر والماحي والذي يتغير الأسماء والمسمى واحد وكثير يخطيء فيها فيقول البعض ضع هذا تحت أي مسمى وهذا خطأ ويجب أن يقال تحت أي إسم فالمسمى واحد والأسماء كثيرة. لما يقول الأمي (ألم) يكون قد قرأ فالحروف المقطعة من ضمن المراد منها أنها تدل على تعلّم الأمي كمدلول ومراد. الذي يقرأ في القرآن بترتيب الكتاب كان قد قرأ في يونس (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يجب أن نقف عند معنى الحكيم لكن المنطق يقول أن هذه التركيبة يجب أن يكون لها مراد، في سورة الحجر (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) الخلاف في الحكيم والمبين ولما نقرأ سورة يونس نجد أنها تتكلم عن توحيد الألوهية والربوبية وإثبات البعث والجزلء وصدق رسول الله r وهذا كله يحتاج إلى حكمة. لما نقرأ سورة يوسف نتكلم عن نبي واحد وإخوته وأبيه وكل القصة حتى أفهمها للناس تحتاج لبيان. إذن لما نحتاج إلى حكمة يقول حكيم ولما نحتاج إلى بيان يقول مبين وكلمة مبين تأتي من البيان الحق. ولذلك (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) ولو دققنا في المعنى هناك (تلك من آيات الله) وفي حالة يوسف قال (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) الله تعالى هو الذي سيقص، عند القصص في البيان قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) للعظمة كما ذكرنا في قوله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ومحمد r ولد عام الفيل وقلنا تر بمعنى تعلم من العليم العلام ولما يخبرك الله تعالى ستعرف بواطن الأمور وظواهرها بحيث لو حضرت الواقعة بنفسك لن تعلم كل هذه المعلومات وستحضرها من زاوية واحدة. (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أي سيحاول اليهود في عصرك أن يأتوا بقصة من التوراة فإذا قارنت بين القصص ستجد أن هذه القصة أحسن القصص.
مسألة احتيار القرآن عربياً واختيار الرسول r عربي وفي شبه الجزيرة العربية كلها دلائل تخاطب أصحاب العقل. هذه لحكمة من الله تبارك وتعالى. (عربياً لعلكم تعقلون) لما يقول الإنسان لعلّ تفيد التمني لكن لما رب العالمين يقول لعلّ لا تفيد التمني وإنما تفيد الغاية كأن غايته سبحانه من نزول القرآن عربياً لنعقل نحن، كأنه تعالى ميّزنا اختارنا إختياراً أولاً واصطفانا بأن جاء بالرسالة الخاتمة عربية وهذا في حد ذاته آية. نضرب مثالاً الرجل الفرنسي أو الإنجليزي قد يكون له حجة يوم القيامة لكن نحن ما ستكون حجتنا؟ هو قد نعذره لأن القرآن عربي وهو لا يعرف العربية ولو ترجموا له ومهما ستترجم لن تؤدي معنى القرآن حتى المحترفين في الترجمة لا يمكن أن يترجموا بشكل يفهم الغربي المعنى كما نفهمها نحن بالعربية، كيف نترجم قوله تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ (187) البقرة) حاولنا أن نترجم لباس لكن لم نصل لترجمة الكلمة بحيث تعطي معناها المراد بالعربية. هناك فرق في الفهم بين القرآن بالعربية والترجمة وهذا فضل الله تعالى علينا. الناس من أصل غير عربي يجدون صعوبة في فهم القرآن ويقفون وقفات منطقية فإذا كان هذا حال غير العرب فالمفروض أن العرب يفقهون القرآن ويطبقونه. نزول القرآن عربياً هذا نوع من التكريم لم نعرف قيمته والله تعالى يقول لصاحب الرسالة (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) نحن خلطنا الغفلة بالجهل بالأمية من غير أن نعلم. الناس تقول كيف يقال عن الرسول أنه من الغافلين؟ ولكن نقول هذا كلام الله تعالى وليس كلامنا نحن في الرسول فعلينا أن نطوّع فهمنا للنص، الغفلة هي أنه كان r على حاله من الأمية لم يتعلم إلى أن جاءه القرآن فأصبح r صنيع الله تعالى الذي اصطفاه. الرسول r لو جلس مع أحدهم وتكلم معه في الخلق والكون وجاءه القرآن سيكون عنده تردد بين ما قيل له وبين ما نزل من القرآن واله تعالى أراد أن يأخذ الرسول r العلم من الله تعالى فقط. والله تعالى لم يقل له وإن كنت من قبله لمن الجاهلين وإنما قيل له ضال وغافل وهذا مدح لأن الغفلة إما أن تكون ذاتية وإما أن تكون رغماً عنه والتي حصلت للرسول r رغماً عنه حتى يصطفيه الله تعالى على مراده. لكن اليوم لو أحدنا سمع القرآن ولم يعمل به تكون غفلة ذاتية وتكون عيباً وتصل بهم إلى جهالة أي يعرف الحكم ويعمل السيئة. من سلبيات هذه الأمة استمرار حالة الجهالة من جاهلية قريش الأولى فالقرآن عربي وفيه ذكرنا وذكر تاريخنا ومع ذلك لا تتعلم الأمة ولا تتدبر المنهج أما اليهود فأدركوا هذا الاصطفاء وعندما تحولت النبوة الخاتمة من بني يعقوب إلى بني إسماعيل تعبوا نفسياً كيف أخذ الله تعالى هذا الشرف منهم وأعطاه لبني إسماعيل لكنهم من جهلهم قتلوا الأنبياء لما كانت الرسالة منهم. البعض يقول لك الآن اثبت لي أن الحشيش والكوكايين حرام من القرآن، بعد كل هذه القرون وما زلنا في حالة جهالة وقلنا أنه لن ينفع الإنسان عذره يوم القيامة (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة). في التوراة نصوص أن الله تعالى يكلم الذين ليس عندهم علم أن الله سيصطفي الأمة الجاهلة لينزل عليهم الرسالة والقرآن كنوع من الكيد لليهود. توصيف العرب في قريش ومكة في سورة السجدة بديع جداً في قوله تعالى (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة) هذه المنطقة لم يأتها كتاب ولا رسول ولا نذير من قبله، هذه آية حاكمة فارقة، تبين أن هذا شرف لكن أول ما جاءنا جاءنا قرآن كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكتاب أنزله الله تبارك وتعالى وتصدى لحفظه (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) وهذا شرف لرسول الله أن يكون غافلاً عما دون هذا الكتاب المنزل من السماء وحياً من الله تبارك وتعالى لم يتعرض له بشر ولم يقصر فيه ملك والآيات كثيرة شاهدة فساعة الله تعالى قال للملك إنزل بسورة الإخلاص (قل هو الله أحد) لم يأت الملك تنفيذاً للأمر الله في سورة الإخلاص قائلا لرسول الله r (الله أحد) وإنما قال (قل هو الله أحد) ليظل الأمر من الله تبارك وتعالى لجبريل لمحمد r إلى أن تقوم الساعة كل واحد يقول (قل هو الله أحد). هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي اقترح أن يحذف كلمة (قل) لأن الخطاب كان للرسول هذا اقتراح باطل تافه ليس له أصل في الدين ولا الإسلام. كثيرون قالوا هناك أمور في القرآن لم يعد لها داعي ومنها كلمة (قل) لكن نقول أن الذي يقول هذا الكلام تنازل عن إسلامه لأن القرآن أنزله الله تعالى حافظاً له فلما تقول نغيّر فيه تكون قد تنازلت عن إسلامك. نحن لم نتفق كيف نتناول هذا القرآن وكيف نستعمله كمنهج حياة وهذا من تقصير الناس وسيحاسبون عليه لأنهم تمكنوا من عمل مناهج في كل نواحي الحياة ورفضوا المنهج الإلهي لحياتهم الباقية.
 
المصدر : الشنكبوتية.
 
*د يحيى
29 - مارس - 2008
ابن تيمية واجتهاده في الأمية.    كن أول من يقيّم
 
ما معنى حديث إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب

سؤال:
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) وهل ينافي هذا ما يتعلمه المسلمون اليوم ؟.

الجواب:

الحمد لله
ليس لفظ الحديث كما ورد في السؤال وإنما سياقه كما يلي : عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ". رواه البخاري: 1814 ، ومسلم : 1080  .
وقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي ، وهو يدل على أنه لا يُلتفت في  معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يُعتمد على الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر ، فالحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد على الرؤية لا على الحساب ولم يأت لحثّ الأمة الإسلامية للبقاء على الجهل وترك تعلّم الحساب العادي وسائر العلوم النافعة ولذلك فلا ينافي هذا الحديث ما يتعلمه المسلمون اليوم من العلوم المختلفة التي تفيدهم في دنياهم ، والإسلام دين العلم ، وهو يدعو إليه ويوجبه على كلّ مسلم أن يتعلّم ما افترضه الله عليه ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات وأما العلوم الدنيوية كالطبّ والهندسة والزراعة وغيرها فيجب على المسلمين أن يتعلّموا منها ما تحتاج إليه الأمّة ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أن يكون فيهم من يتعلّم صنعة تلك الإبرة .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية شرح وافٍ لهذا الحديث استقصى فيه فأجاد وفيما يلي مختارات من جوابه :
قوله " إنا أمة أمية " ليس هو طلبا ، فإنهم أمِّيُّون قبل الشريعة كما قال الله تعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } وقال { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم } فإذا كانت هذه صفة ثابتة لهم قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها ، نعم قد يؤمرون بالبقاء على بعض أحكامها ، فإنا سنبيِّن أنهم لم يؤمروا أن يبقوا على ما كانوا عليه مطلقاً .    
 
والأمة التي بعثه الله إليها فيهم مَن يقرأ ويكتب كثيراً كما كان في أصحابه ، وفيهم من يحسب ، وقد بعث صلى الله عليه وسلم بالفرائض التي فيها مِن الحساب ما فيها وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما قدِم عاملُه على الصدقة ابن اللتبيَّة حاسَبه ، وكان له كتاب عدة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية يكتبون الوحي ويكتبون العهود ويكتبون كُتُبَه إلى الناس إلى مَن بعثه الله إليه مِن ملوك الأرض ورؤوس الطوائف وإلى عماله وولاته وسعاته وغير ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه { لتعلموا عدد السنين والحساب } في آيتين من كتابه فأخبر أنه فعل ذلك ليُعلم الحساب .   
وإنما الأمي هو في الأصل منسوب إلى " الأمة " التي هي جنس الأميين وهو من لم يتميز عن الجنس بالعلم المختص من قراءة أو كتابة كما يقال " عامي " لمن كان من العامة غير متميز عنهم بما يختص به غيرهم مِن علوم ، وقد قيل : إنه نسبة إلى " الأم " أي : هو الباقي على ما عوَّدته أمُّه من المعرفة والعلم ونحو ذلك .   
ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة إلى الاختصاص تارة يكون فضلاً وكمالاً في نفسه كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالمتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه ، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالتميز عنهم بالكتابة وقراءة المكتوب ، فيمدح في حق من استعمله في الكمال ويذم في حق من عطَّله ، أو استعمله في الشر ، ومن استغنى عنه بما هو أنفع له كان أكمل وأفضل ، وكان تركه في حقه مع حصول المقصود به أكمل وأفضل .   
فإذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان ؛ فالأمة التي بُعث فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  أولاهم العرب وبواستطهم حصلت الدعوة لسائر الأمم ؛ لأنه إنما بُعث بلسانهم فكانوا أميين عامة ليست فيهم مزية علم ولا كتاب ولا غيره مع كون فِطَرهم كانت مستعدة للعلم أكمل من استعداد سائر الأمم بمنزلة أرض الحرث القابلة للزرع ، لكن ليس لها من يقوم عليها فلم يكن لهم كتاب يقرأونه منزَّل من عند الله كما لأهل الكتاب ، ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة ونحوهم ، وكان الخط فيهم قليلاً جدّاً ، وكان لهم من العلم ما ينال بالفطرة التي لا يخرج بها الإنسان عن الأموَّة العامة كالعلم بالصانع سبحانه ، وتعظيم مكارم الأخلاق ، وعلم الأنواء ، والأنساب ، والشِّعر ، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه كما قال فيهم { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } وقال تعالى { قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} ، فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب ، فالكتابي غير الأمي .  
فلما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعمل به وقد جعله تفصيلاً لكل شيءٍ وعلَّمهم نبيُّهم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة : صاروا أهلَ كتاب وعلم ، بل صاروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة ، وزالت عنهم الأميُّة المذمومة الناقصة وهي عدم العلم والكتاب المنزل إلى أن علِموا الكتاب والحكمة وأورثوا الكتاب كما قال فيهم { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين } فكانوا أميين مِن كل وجهٍ فلما علمهم الكتاب والحكمة : قال فيهم { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } وقال تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أُنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } ، واستجيب فيهم دعوة الخليل حيث قال : { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } وقال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } .   
فصارت هذه الأميَّة منها ما هو محرَّم ، ومنها ما هو مكروه ، ومنها ما هو نقص وترك الأفضل ، فمن لم يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ شيئاً من القرآن تسمِّيه الفقهاء في " باب الصلاة " أميّاً ويقابلونه بالقارئ ، فيقولون : لا يصح اقتداء القارئ بالأمي ، ويجوز أن يأتم الأمي بالأمي ونحو ذلك من المسائل ، وغرضهم بالأمِّيِّ هنا الذي لا يقرأ القراءة الواجبة سواء كان يكتب أولا يكتب يحسب أولا يحسب  .  
فهذه الأميَّة منها : ما هو تَرك واجبٍ يُعاقب الرجل عليه إذا قدر على التعلم فتركه .  
ومنها : ما هو مذموم ، كالذي وصفه الله عز وجل عن أهل الكتاب حيث قال : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون } فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته ، كما قال الحسن البصري : نَزَل القرآن ليُعمل به فاتَّخذوا تلاوتَه عملاً ، فالأمي هنا قد يقرأ حروف القرآن أو غيرها ولا يفقه بل يتكلم في العلم بظاهر من القول ظنّاً فهذا أيضا أميٌّ مذموم كما ذمَّه الله لنقص علمه الواجب سواء كان فرض عين أم كفاية .   
ومنها : ما هو الأفضل الأكمل ، كالذي لا يقرأ مِن القرآن إلا بعضه ، ولا يفهم منه إلا ما يتعلق به ، ولا يفهم من الشريعة إلا مقدار الواجب عليه ، فهذا أيضاً يقال له أميٌّ وغيره ممن أوتى القرآن علماً وعملاً أفضل منه وأكمل .   
فهذه الأمور المميزة للشخص عن الأمور التي هي فضائل وكمال فقدها إما فقد واجب عيناً أو واجب على الكفاية أو مستحب ، وهذه يوصف الله بها وأنبياؤه مطلقا فإن الله عليم حكيم جمع العلم والكلام النافع طلباً وخبراً وإرادةً وكذلك أنبياؤه ونبينا سيد العلماء والحكماء  .  
وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به كان هذا فضلاً في حقه وكمالا وإن استعان به على تحصيل ما يضره أو يضر الناس كالذي يقرأ بها كتب الضلالة ويكتب بها ما يضر الناس كالذي يزوِّر خطوط الأمراء والقضاة والشهود : كان هذا ضرراً في حقه وسيئةً ومنقصةً ، ولهذا نهى " عمر " أن تعلَّم النساءُ الخطَّ ، وان أمكن أن يستغني عنها بالكليَّة بحيث ينال كمال العلوم من غيرها وينال كمال التعليم بدونها كان هذا أفضل له وأكمل وهذه حال نبينا  صلى الله عليه وسلم  الذي قال الله فيه { الذين يتبعون الرسول النبي الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } فان أموَّته لم تكن من جهة فقْدِ العلم والقراءة عن ظهر قلبٍ فإنه إمام الأئمة في هذا ، وإنما كان مِن جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوباً كما قال الله فيه : { وما كنت تتلو مِن قبله مِن كتاب ولا تخطه بيمينك } .   
.....
( ثم عاد رحمه الله لبيان المُراد بحديث إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، وأنّ فيه قرينة تدلّ على المراد فقال : 
فلما قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون بيَّن أن المراد به : إنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب ، إذ هو تارة كذلك ، وتارة كذلك ، والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرقٌ آخر من كتابٍ ولا حسابٍ
وظهر بذلك أن الأميَّة المذكورة هنا صفة مدح وكمال مِن وجوه :
من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أبيَن منه وأظهر وهو الهلال .
ومن جهة أن الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط .
.. إلى آخر كلامه رحمه الله .


" مجموع الفتاوى :  25 / 164 - 175
*د يحيى
29 - مارس - 2008
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات 1    كن أول من يقيّم
 
اعلم أن أمية الرسول صلى الله عليه وسلم التي يعنى بها أنه لا يقرأ ولا يكتب ثبتت بالقرآن، وهذا كمال في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته الشريفة، قال الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48فلو كان صلى الله عليه وسلم يكتب ويقرأ قبل أن يوحى إليه لشك الناس في أمره أو قالوا: إنه تعلم هذه العلوم عن طريق القراءة والكتابة، ولكن هذه العلوم الوافرة والمعارف الزاخرة لا يستطيع عالم قارئ كاتب تحصيلها، وأحرى أمي لا يكتب ولا يقرأ.
 فيعلم بذلك أنها وحي من الله تعالى، أوحي به إلى هذا النبي العظيم، وهذا لا شك أبلغ في التحدي والإعجاز، ولهذا قال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ {يونس:38
وقد ثبت في صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي وردت في الكتب السابقة أنه أمي معلَّم من الله تعالى.... فكان أميا ليعرفه أهل الكتاب الذين يعرفون صفاته الواردة في كتبهم؛ كما قال جل وعلا: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الأعراف:157
وأما قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الجمعة:2ففيه وصف الرسول الأمي بأنه يتلو على الأميين آيات الله أي وحيه، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب أي يلقنهم إياه، كما كانت الرسل تلقن الأمم الكتاب بالكتابة، ويعلمهم الحكمة التي علمتها الرسل السابقون أممهم، في كل هذه الأوصاف تحدٍ بمعجزة الأمية في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مع كونه أميا قد أتى أمته بجميع الفوائد التي أتى بها الرسل غير الأميين أممهم لا ينقص عنهم شيئا، فتمحضت الأمية لتكون معجزة حصل من صاحبها أفضل مما حصل من الرسل الكاتبين مثل موسى. وفي وصف الأمي بالتلاوة، وتعليم الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس، ضرب من محسن الطباق، لأن المتعارف عليه أن هذه مضادة للأمية. أفاده العلامة ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير(13/209)
 و قال ابن عاشور أيضا في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48}: هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ {الشورى:52} وقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {يونس:16}. ومعنى: مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ.. إنك لم تكن تقرأ كتابا حتى يقول أحد هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل. (ولا تخطه) أي لا تكتب كتابا، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما: التعلم بالقراءة، والتعلم بالكتابة، استقصاء في تحقيق وصف الأمية بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ . أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي صلى الله عليه وسلم، عَبَّر عنه بالجمع تعظيما له، والعلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة. التحرير والتنوير(10/12)
*د يحيى
29 - مارس - 2008
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات 2    كن أول من يقيّم
 
و قال ابن عاشور أيضا في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48}: هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ {الشورى:52} وقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {يونس:16}. ومعنى: مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ.. إنك لم تكن تقرأ كتابا حتى يقول أحد هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل. (ولا تخطه) أي لا تكتب كتابا، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما: التعلم بالقراءة، والتعلم بالكتابة، استقصاء في تحقيق وصف الأمية بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ . أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي صلى الله عليه وسلم، عَبَّر عنه بالجمع تعظيما له، والعلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة. التحرير والتنوير(10/12)
وقد اختلف أهل العلم - رحمهم الله - هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أو لا؟ فمنهم من قال: إنه تعلم ذلك، فذكر القرطبي في تفسيره نقلا عن النقاش في تفسيره عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى عليه وسلم حتى كتب. وأسند أيضا حديث أبي كبشة السلولي مضمنه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لـعيينه بن حصن وأخبر بمعناها، وضعف ذلك ابن عطية.
 واستدلوا أيضا بما في حديث البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك؛ ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب. قال: فقال لعلي: امح رسول الله، فقال علي: والله لا أمحاه أبدا، قال: فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم ثم ارتحل. اهـ
فقال جماعة من العلماء: بجواز ذلك عليه وأنه كتب بيده. منهم السمناني والباجي، ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أميا ولا معارضا لقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48} ولا لقوله: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. بل رأوه زيادة في معجزاته واستظهارا على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاط لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها، فكان ذلك خارقا للعادة، كما أنه عليه السلام علم علم الأولين والآخرين من غير اكتساب ولا تعلم، فكان ذلك أبلغ في معجزاته وأعظم في فضائله ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال: كتب.
 وقال بعض أهل العلم: إنه صلى الله عليه وسلم ما كتب ولا حرفا واحدا، وإنما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجى.  قالوا: وكتابته مناقضه لكونه أميا لا يكتب، وبكونه أميا في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحدون وانحسمت الشبهة، فكيف يطلق الله تعالى يده فيكتب وتكون آية؟ وإنما الآية ألا يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا، وإنما معنى كتب وأخذ القلم: أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون كاتبا.  ورجح هذا القول القرطبي في تفسيره.
*د يحيى
29 - مارس - 2008
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات3    كن أول من يقيّم
 
وقال ابن حجر عند شرح حديث البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، ولا يدعو منهم أحدا. قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ،فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك؛ ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب. قالك فقال لعلي: امح رسول الله! فقال عليك والله لا أمحاه أبدا. قال: فأرنيه، قال: فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيدهن فلما دخل ومضى الأيام أتوا عليا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم ثم ارتحل.
قال ابن حجر في قوله: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم: برئت ممن شرى دنيا بآخرة وقال إن رسول الله قد كتب، فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ. قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة على أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: قد كتب لك بما أمر لك. قال يونس: فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك. وقوله لمعاوية: ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم. وقوله: لا تمد بسم الله. قال: وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي، وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله: فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب.. لبيان أن قوله أرني إياها أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك فكتب فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب. وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير، كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا، فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك، ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة، فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك. قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا. والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير. والله أعلم. اهـ
*د يحيى
29 - مارس - 2008
أميته ، صلى الله عليه وآله، من المعجزات4    كن أول من يقيّم
 
وأما القراءة والمدارسة فلا يلزم منها كون الشخص يقرأ مكتوبا؛ إذ تطلق القراءة على التلاوة كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب. رواه البخاري. وفي رواية لمسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن.
وفي حديث أحمد وابن حبان:  إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت. صححه الأرناؤوط.
وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه.
ومن المعلوم أن القارئ في الصلاة لا يقرأ من كتاب ولا سيما في ظلام الليل، وأما الدراسة فهي لا تستلزم أن تكون من كتاب بل إن المدارسة التي رغب فيها الشارع في حديث مسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده.
إنما يراد بها تلاوة بعضهم على بعض وتحاورهم فيما يستفاد بواسطة التدبر من الآيات المتلوة، قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وراجع في الكلام على آية العلق الفتوى رقم: 11398.
وأما حب أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال تعليمه له الكتابة ونجاحه صلى الله عليه وسلم في التجارة فهو احتمال لا يمكن أن تُردَّ به النصوص الصريحة في الوحيين.
والله أعلم
المصدر : الشبكة الإسلامية.
*د يحيى
29 - مارس - 2008
الخلاف على معنى كلمة الأميين    كن أول من يقيّم
 
أنقل هنا من الشبكة العنكبوتية هذا المبحث الرصين في الخلاف على معنى كلمة (الأميين) ويمكن للأخوة القراء الرجوع إلى أصل البحث على الرابط http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/Quran/P3.htm
معلوم أن القرآن الكريم قد وصف العرب بهذا الوصف في ثلاثة مواضع. وهي قوله تعالى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ }(1). وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }(2)، وقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وِإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ }(3).
ولكن كما هو واضح من سياق الآيات السابقة، فإن هذا الوصف لا يعني الجهل بالكتابة والقراءة، حيث إن الآيات الثلاث نزلت في المدينة ذات المناخ المعروف المكون من اليهود وهم أهل كتاب، ومن عرب لم يكن لهم كتب دينية منزلة، وعليه فإن الأمية هنا الأمية الدينية، أي الأمة التي تملك كتاباً سماويّاً كاليهود والنصارى لا الأمية بمعنى الجهل بالكتابة والقراءة، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض المفسرين القدامى، منهم الإمام ابن جرير الطبري فقد أشار إلى ذلك في تفسيره للآية : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ؟ فَإنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا }(4). حيث يقول : >يعني جل ثناؤه، وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والأميين : الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أأسلمتم ...<(5).
يقول الدكتور جواد علي تعليقاً على ما ذكره الإمام الطبري : >فالمسلمون أهل كتاب، والمجوس أميون كمشركي مكة وبقية العرب المشركين، لا لكونهم لا يقرؤون ولا يكتبون، بل لأنهم لم يؤمنوا بالتوراة والإنجيل<(6).
وفي تفسيره لقوله تعالى : { آ لم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَليَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }(7). يقول : >حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثنى حجاج، عن أبي بكر بن عبد اللّه، عن عكرمة، أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا : أدنى الأرض يومئذ أذرعات بها التقوا، فهزمت الروم فبلغ النبي  صلى الله عليه وسلم   وأصحابه وهم بمكة، فشق ذلك عليهم، وكان النبي  صلى الله عليه وسلم   يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم   فقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب<(8). وقد ذكر الواحدي النيسابوري ذلك أيضاً في أسباب نزول الآية(9).
ويـقول الإمـام القرطـبي في تفسيره للآية : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ }(10)، بعد أن عرض عدة آراء : >قال ابن عباس : الأميون العرب كلهم، من كتب ومن لم يكتب، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب<(11). وفي المفردات يقول الراغب الأصفهاني : قال الفراء : >إن الأميين هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب<(12).
وقد أشار الإمام الآلوسي إلى ذلك في تفسيره للآية بقوله : >إن النبي  صلى الله عليه وسلم   كان يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم<(13).
ولا يقول عاقل إن اليهود والنصارى كلهم أو حتى أغلبهم كانوا يعرفون الكتابة والقراءة، لأن القرآن سماهم أهل الكتاب، وإنما أطلق القرآن الكريم عليهم هذه التسمية لأنهم أصحاب كتاب منزل من السماء بخلاف العرب. أو أن المصريين الذين اشتهروا بالكتابة كان كلهم يعرفون الكتابة والقراءة، أو فارس ... إلخ، وإنما المسألة نسبية.
ومعروف أن من عادة اليهود إطلاق تسميات خاصة على من يخالفهم في الدين وإلى يومنا هذا، وذلك لتمييز أنفسهم. يقول الدكتور جواد علي : >ولا يعقل أن يكون اليهود أو غيرهم قد أطلقوا الأمية على العرب، بسبب جهل العرب الكتابة والقراءة ـ ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ـ فقد كان سواد يهود ونصارى جزيرة العرب أميّاً أيضاً، لا يقرأ ولا يكتب، إلا أن القرآن الكريم أخرجهم من الأميين، واستثناهم، وأطلق عليهم (أهل الكتاب)، وذلك يدل دلالةً واضحةً على أن المراد من (الأميين) العرب الذين ليس لهم كتاب، أي العرب الذين لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، لا من لا يحسن الكتابة والقراءة. والقرآن الكريم هو الذي هدانا إلى لفظة (الأميين)، فلم ترد اللفظة في نص من نصوص الجاهلية وبفضله أيضاً عرفنا مصطلح (أهل الكتاب) دلالةً على أهل الديانتين<(14).
بـل إن قــولـه تعـالى : { ومنـهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون }(15). لا يفيد معنى الأمية بالكتابة والقراءة، رغم أن المقصود به اليهود. وتتضح الصورة أكثر مع قوله تعالى مبيناً مهمة الرسول والهدف من بعثته في سورة الجمعة : { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. فهل يصح لأحد أن يدعي أن الأمـية هـنا، معنـاها الجـهل بالكـتابة والقـراءة، وأن الـرسول  صلى الله عليه وسلم  ، قـد بـعث ليعـلم الناس القراءة والكتابة، لأنه عز وجل قال إنهم أميون، وأنه  صلى الله عليه وسلم   جاء يعلمهم الكتاب !
وينقل الإمام الطبري في هذا الصدد : >وعن قتادة هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم قال : كان هذا الحي من العرب أمة أمية ليس فيها كتاب يقرؤونه فبعث اللّه نبيه محمداً  صلى الله عليه وسلم   رحمةً وهدى يهديهم به. حدثنا ابن عبد الأعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم قال : كانت هذه الأمة أميةً لا يقرؤون كتاباً، فبعث اللّه نبيه محمداً  صلى الله عليه وسلم   رحمةً وهدى يهديهم به. حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم قال : إنما سميت أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الأميين لأنه لم ينزل عليهم كتاباً. وقال جل ثناؤه رسولاً منهم يعني من الأميين. وإنما قال منهم لأن محمداً  صلى الله عليه وسلم   كان أميّاً وظهر من العرب. وقوله ويعلمهم الكتاب ويعلمهم كتاب اللّه وما فيه من أمر اللّه ونهيه وشرائع دينه والحكمة يعني بالحكمة : السنن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل<(16).
وقال الإمام الشوكاني : >هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم : المراد بالأميين العرب من كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها لأنهم لم يكونوا أهل كتاب<(17).
وقد ورد لفظ (الأمي) مرتين في السور المكية، ولكن يلاحظ أن الآيتين المكيتين، خاصتان بالرسول  صلى الله عليه وسلم  . الآية الأولى جاءت في معرض كلام اللّه سبحانه وتعالى لموسى في بيان وصف المستحقين لعفوه ومغفرته، فقال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ }، والآية الأخرى : { فَآمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ }(18).
وللعلماء كلام طويل في سبب إطلاق الأمي على الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، هل من أنه نسبة إلى العرب الذين ليس لهم كتاب سماوي، أو نسبةً إلى أمه باعتبار حاله حال الذي يولد من أمه لا علم له بالكتابة والقراءة، أو نسبة إلى العرب الذين لم يكن لهم حظ من العلم والمعرفة حسب رأي البعض، إلى غير ذلك من الآراء والأقوال التي لا تدخل ضمن نطاق هذا البحث.
(1) سورة آل عمران 20/.
(2) سورة آل عمران 75/.
(3) سورة الجمعة 2/.
(4) سورة آل عمران 20/.
5) الطبري، محمد ابن جرير : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (بيروت : دار الفكر، د. ط، 1984م) مجلد 143/3.
(6) علي : المفصل، ج 95/8.
(7) سورة العنكبوت 3-1/.
(8) الطبري : جامع البيان، مجلد 18-17/21.
(9) الواحدي، علي بن أحمد : أسباب النزول، (بيروت : دار المعرفة، د، ط، ت) ص 259-258.
(10) سورة الجمعة 2/.
(11) االقرطبي، محمد بن أحمد : الجامع لأحكام القرآن، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني، (بيروت : دار إحياء التراث العربي، د. ط. ت) ج 91/18.
(12) الـراغب الأصـفهاني، الحسين بن محمد : المفردات في غريب القرآن، تحقيق : محمد سيد الكيلاني، (بيروت : دار المعرفة، د. ط. ت) ص 23.
(13) الآلوسي، شهاب الدين محمود : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، (بيروت : دار إحياء التراث العربي، ط 4، 1985م) ج 17/21.
(14) علي : المفصل، ج 106/8.
(15) سورة البقرة 78/.
(16) الطبري : جامع البيان، ج 94/28.
(17) الشوكاني، محمد بن علي بن محمد : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، (بيروت : دار الفكر، د. ط. ت) ج 224/5.
(18) سورة الأعراف، 157-156/.
*زهير
29 - مارس - 2008
• أبو إسحاق الشاطبي والتفسير العلمي : هو من المعارضين     كن أول من يقيّم
 
"ولقد رأينا الإمام أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله، قد عارض هذا التوجه في كتابه (الموافقات) معتمدا على أن الشريعة نزلت في الأساس لقوم أميين، فهي -على حد تعبيره- شريعة أمية، فلا ينبغي أن نخرجها إلى حد التكلف والتعقيد والتفلسف. وإن بالغ في ذلك، حتى تعقبه العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير)، كما تعقب بعضه العلامة الشيخ عبد الله دراز في تعليقه على الموافقات[10].
بيّن الشاطبي أن الشريعة الإسلامية شريعة أمية؛ لأن الله بعث بها رسولاً أميًّا إلى قوم أميين كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ" (الجمعة: 2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) (متفق عليه، عن ابن عمر) فيلزم أن تكون الشريعة على معهودهم وفي مستواهم.
ثم بعد هذا البيان أوضح الشاطبي أن الشريعة - في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت- قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، ثم يتوجه باللوم إلى قوم أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذه الدعوى قائلاً:
ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها -وهم العرب- ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا -في الدعوى على القرآن- الحدَّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم [كالهندسة وغيرها من الرياضيات] والمنطق وعلوم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح[11].
ثم يدلل الشاطبي على رأيه هذا ويحتج له بما عرف عن السلف من نظرهم في القرآن فيقول: (إن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه شيء مما زعموا، نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودهم مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا)[12].
ثم شرع الشاطبي بعد هذا في ذكر الأدلة التي استند إليها أرباب هذا التفسير (التفسير العلمي) فقال: (وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" (النحل: 89)، وقوله: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ" (الأنعام: 38).. ونحو ذلك، وبفواتح السور -وهي لم تعهد عند العرب- وبما نقل عن الناس فيها، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء).
بعد ذلك طفق الشاطبي ينقض هذه الأدلة، واحدا بعد الآخر بمنطقه القوي، فقال رحمه الله: (فأما الآيات: فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله: ]مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء[: اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.
وأما فواتح السور: فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدا، كعدد الجُمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى، وغير ذلك, أما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون, ولم يدّعِهِ أحد ممن تقدم، فلا دليل فيها على ما ادعوا، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقوّل على الله ورسوله فيه، والله أعلم، وبه التوفيق)[13].
ومنطق الشاطبي هنا منطق قوي، وأدلته لا مطعن فيها، إلا ما كان من اعتماده على (أمية الشريعة) بناء على أمية الأمة. ذلك أن أمية الأمة ليست أمرًا مطلوبًا ولا مرغوبا فيه، بل بعث الله رسوله في الأميين رسولاً ليخرجهم من الأمية إلى باحة العلوم والنور، كما قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ[ (الجمعة: 2) فهذه مهمة الرسول مع الأميين: التلاوة والتزكية وتعليم الكتاب والحكمة ولا عجب أن كانت الآيات الأولى من الوحي تنبئ بذلك: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[ (العلق: 1-5)، وأقسم سبحانه بالقلم فقال: ]ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[ (القلم: 1).
فالأمية ممدوحة في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها أدل على الإعجاز وليست ممدوحة في الأمة، وعلى الأمة أن تتحرر منها ولتتعلم وتتفقه وتنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء، وقد قال تعالى: ]هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ[ (الزمر: 9).
ولقد كان الرسول الكريم هو أول من حارب الأمية، كما رأينا ذلك حين قبل في أسرى بدر أن يفتدي بعضهم نفسه إذا كان كاتبا، وأن يعلم عشرة من أولاد المسلمين الكتابة. من أجل هذا لا نقبل فكرة أمية الشريعة إلا إذا حملت على معنى الفطرية والسهولة، والبعد عن التكلف والتعقيد، وبالله التوفيق"
 
الدكتور:  يوسف القرضاوي
*د يحيى
29 - مارس - 2008
 1  2