3- المزاوجة بين المنسرح والمخلّع: كن أول من يقيّم
في العروض التقليدي؛ يُضمّ (المخلّع) خَطَلاً إلى مجزوءات البحر البسيط، ولذا فهم يسمّونه (مخلّع البسيط)، وكان المنسرح أولى به كما أثبتْنا ذلك في دراسة مستقلّة حول هذا الوزن. ولقد زاوجوا بين المخلّع ومجزوء البسيط، توهّماً أنهما شيءٌ واحد: مستفعلن فاعلن مستفعلن**مستفعلن فاعلن فعولن إلاّ أنّ مثل هذا التزاوج لم يكن ناجحاً، ربّما لما يتميّز به مجزوء البسيط من ثقل يتنافى مع مافي المخلع من خفّة وجمال. ولم أجد لهذه الصورة إلاّ ما وضعه ابن عبد ربه لها من قوله: ما أقربَ اليأسَ من رجائي**وأبعَدَ الصبْرَ عن بكائي يا مُذْكِيَ النارِ في جوانحي**أنتَ دوائي، وأنت دائي مَنْ لي بِمُخْلفةٍ في وعْدَها**تخلطُ ليْ اليأسَ بالرجـاءِ سألْتُها حاجـةً فلمْ تَفُـهْ**فيها بنُعْمى ولا بِـلاءِ قلتُ استجيبي فلمّا لم تُجِبْ**سالَتْ دموعي على ردائي وقد جاء مطلعها المصرّع مخلّعاً بشطريه، عادت بعده صدور الأبيات إلى مجزوء البسيط، وأعجازها للمخلع. والمخلع في حقيقته يساوي: (مستفعلن مفعولاتُ فعْلن)()، مشتقّاً من قالب قديم للمنسرح، لم يذكره الخليل، واستُدْرِك عليه هو: مستفعلن مفعولاتُ مستعِلن**مستفعلن مفعولاتُ مفْعولن وأمثلة هذه الصورة وافرة وفْرةَ الصورة الأساسية للمنسرح. يقول علي محمود طه: يا ليتَ لي كالفَراشِ أجنحةً**أهفو بها في الفضاءِ هَيْمانا أدفُّ للنـورِ في مشـارِقِهِ**وأغتدي منْ سَناهُ نشْوانا لو يعلم الزهرُ سرَّ عاشـقِهِ**أفرَدَ لي منْ هَواهُ بستانا والعجز هنا هو أصل المخلّع، بعد سقوط سببه الأخير (لن) كما هو واضح. بل إن ما كُتب على العجز فقط؛ هو أقرب إلى المخلّع منه إلى المنسرح. يقول علي محمود طه أيضاً: إذا ارتقى البدرُ صفحةَ النهْرِ وضمّنـا فيه زورقٌ يجـري وداعبتْ نسـمةٌ من العـطْرِ على محيّـاكِ خصْـلةَ الشَّعْرِ حَسَـوْتُها قُبلـةً من الجـمْرِ ومع أننا نعتبر المخلع من المنسرح لا من البسيط؛ إلاّ أنه استقلّ بنفسه، وامتاز عن المنسرح بنكهته الخاصة. فنكهة المنسرح التي تتحدّد بعروضه الوتدية (مستفعلن /ه/ه//ه)، وبديلها الأكثر استعمالاً (مستعلن /ه///ه)، يفتقدها المخلّع بعروضه اللاوتدية (فعْلن). ومع أنني لم أجد -بعد- مثالاً للمزاوجة بين المنسرح والمخلّع بضربه (فعْلن) -ولا يمتنع- إلاّ أنني وجدت مثالاً وسطاً لذلك، وهي قصيدة كتبت على الضرب (مفعولْ أو فعْلانْ): مستفعلن مفعولاتُ مفتعلن**مستفعلن مفعولاتُ فعْلانْ يقول عبد الرحمن صدقي: كم وَلْوَلَتْ في النّواح"زَوْجاهْ"**بناعِـمٍ من شَجـاهُ "أوّاهْ" صاحتْ ونَشْجُ البكاءِ يخنِقُها**نَعْيِي وشيـكٌ بإثْـرِ مَنْعـاهْ يا موتُ عجِّلْ ولا تُطِلْ حُرَقي**ما طابَ لي العيشُ بعد بَلْواهْ |