البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : التداخل الإيقاعي في أوزان الشعر العربي    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 عمر خلوف 
18 - مارس - 2008
تحدثنا في مقالٍ سابق، عن التنوّع الإيقاعيّ في أوزان الشعر العربي، والظواهر التي تعمل على إحداثه داخلَ القصيدة الواحدة، بل داخلَ البيت الواحد، بما ينفي عن شعرنا العربي صفةَ الرّتابةِ والإمْلال التي يتّهمونه بها.
        وكان من بعض ظواهره التي تحدثنا عنها؛ الزّحاف (أوالتغيّر العارض الذي يقع على التفاعيل) وأثره في ثراء موسيقى الشعر وغناها، وعرّجْنا على أحد آثار هذا الزحاف، ودوره العظيم في إحداث التنوّع الإيقاعي، ألا وهو تداخل الوزن مع سواه، تداخلاً لا يؤثر في إيقاعه باضطراب أو خلل وزني.
        ولا بد لنا -بدايةً- أن نُنَبِّه إلى أنّ مثلَ هذا التداخل ليس خَلْطاً بين الأوزان، يقع فيه الشاعر كما يظنّ بعض الدارسين، ولكنه -كما نرى- خاصيةٌ مهمّة من خصائص الإيقاع في الشعر العربي، يتحقّق بها نوعٌ من التباين الإيقاعي داخل الوزن الواحد، يعمل على إثرائه، ويزيده حياةً وحيوية، ويكسر حدّة التماثل التام بين أبيات وشطور القصيدة الواحدة.
        وقد أشار العروضيون إلى بعض أشكال هذا التداخل، على أنه نوع من تشابه البحور، فأشاروا إلى تشابه الكامل والرجز، والكامل والسريع، والهزج ومجزوء الوافر كما سنرى. إلاّ أنّ ظاهرةَ التداخل هذه، تمتدّ في عُمْقِ الأوزان المختلفة، لتشملَ -عندنا- معظمَ بحور الشعر العربي؛ إنْ لم يكن في تامِّها ففي مجزوءاتها.
        ووفقاً للطريقة التي ينتج عنها التداخل، قمنا بتصنيفه إلى ثلاثة أنواعٍ مختلفة، هي: التداخل العَرَضيّ، والتداخل التزاوجيّ، والتداخل الإنشادي.

 
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
هدية من دمشقي إلى حموي .    كن أول من يقيّم
 
                         الشعر : ما هو ؟
" الشعر أخلد من الكيمياء، وأبقى من الرياضيات. كم مرة تبدلت نظريات العالم، منذ نظم هوميروس قصيدته، إلى اليوم. وأشعار هوميروس لا يزال لها رونقها ومنزلتها.
لا أعني الشعر الذي هو الرنات والأوزان، ولا الألفاظ المنمقة التي تحمل معنى، ولكن أعني بالشعر، حديث النفس، ولغة القلوب، وكل ما يهز ويشجي ويبعث الذكريات، وينشئ الآمال، ويقيم النهضات، ويحيي الأمم. الشعر الذي يشعرك أنه يحملك إلى عالم غير هذا العالم. وسواء بعد ذلك أكان منظوماً أم كان نثراً. إن عقد اللؤلؤ لا ينزل قيمته أن ينتثر؛ لأن ثمن الخيط نصف قرش" .
( الأديب الفقيه الشيخ علي الطنطاوي، رحمة الله عليه).
*د يحيى
25 - مارس - 2008
12- التداخل الخَرْمي:    كن أول من يقيّم
 
وهو من أنواع التداخل العَرَضي، لأنه ناتجٌ عن زحاف الخَرْم ( ويعني سقوط متحركٍ أول الشطر ). وهو من الزحافات القليلة التي وردت في أشعار القدماء، وكادت تتلاشى بعد ذلك.
ويدخل الخرم -عند أكثر العروضيين- على ما كان أولُهُ وتَدٌ من البحور؛ كالطويل والمتقارب والوافر والهزج والمضارع. وأباحَ غيرهم دخولَه على سواها.
(12-1): فبالخرم؛ قد ينتقل إيقاع الطويل إلى إيقاع الكامل، كما في قول يحيى بن زياد الحارثي:
لَمّا رأيْتُ الشيْبَ لاحَ بياضُهُ  ** بمفرِقِ رأسي قلتُ للشيبِ: مرحَبا
فصدر البيت على الطويل يساوي: (عولن مفاعيلن فعولُ مفاعِلن).بينما هو على الكامل يساوي: (متْفاعلن متْفاعلن متَفاعلن).
ومثله قول الأخطل:
أبلِغْ أميرَ المؤمنين رسالةً ** جزاءً بنُعْمى قبلَها ووسيلُ
وقد خَرمَ المتنبّي في موضعين فقط من ديوانه؛ أحدهما في الوافر، والثاني في الطويل، وذلك قوله:
لا يُحزِنُ اللهُ الأميرَ فإنّني ** سآخذُ منْ حالاته بنصيبِ
ومن المحدثين؛ يقول مصطفى بدوي (وكرر الخرمَ في ذات القصيدة 4 مرات):
نامي فهذا الليلُ أوشَكَ نصفُهُ ** يموتُ، وضوءُ البدْرِ قَبَّلَ مغْرِبَهْ
*عمر خلوف
26 - مارس - 2008
خرم المتقارب:    كن أول من يقيّم
 
(12-2): وبالخرم؛ يتداخل المتقارب: (عولن فعولن فعولن فعو) مع ما أسميناه بالبحر اللاحق: (مستفعلن فاعلن فاعلن).
يقول امرؤ القيس:
يا هندُ لا تنكحي بوهةً ** عليهِ عقيقتُهُ أحْسَبا
ويقول أيضاً:
وعيْنٌ لها حَدْرةٌ بَدْرةٌ ** شُقَّتْ مآقيهما منْ أُخَرْ
ومثلهما من البحر اللاحق؛ قول ابن الحفّاظ:
ما زلْتُ في حُبِّهِ مُنْصِفاً ** مَنْ لَمْ يزَلْ وهْوَ لي ظالِمُ
ويقول الأخطل من المتقارب: (عولُ فعولُ فعولن فعو):
لَمْ أرَ ملحمةً مثلها ** فقِفْ لي أُخبِّرْكَ أخبارَها
ومثله من اللاحق: (مفتعلن فعِلن فاعلن)، قول نازك الملائكة:
سُمْرَتُها عسَلٌ سائلٌ ** للحسْنِ في خَدِّها رقْرَقَهْ
***
بل إنّ خرم المتقارب المجزوء: (عولن فعولن فعولن) يُداخله مع المجتث: (مستفعلن فاعلاتن)، ونمثل له بقوله:
وجْهٌ كطلْعَةِ بَدْرٍ ** تَحَيَّرَ فيه الجَمالُ
*عمر خلوف
26 - مارس - 2008
خرم المنسرح:    كن أول من يقيّم
 
(12-3): فإذا انخرمَ المنسرح بسقوط سببه الأول (x تفعلن فاعلاتُ مفتعلن)، دخل إيقاعه في إيقاع الخفيف (فاعلاتن متفعلن فعِلن).
يقول الشمّاخ بن ضرار:
قاتِلِ القومَ يا خزاعُ ولا **يدخلْكمُ منْ قتالِهمْ فشَلُ
بل إن مثل هذا التداخل هو تداخلٌ ممتدّ، يتجاوز الصدر، ليشمل العجز أيضاً، فبتدوير البيت السابق يتحول كليّةً إلى الخفيف هكذا:
قاتِلِ القومَ يا خزاعُ ولا يدْ **خلْكُمُ منْ قتالِهمْ فشَلُ
حيث أصبح تفعيله: (فاعلاتن متفعلن فعِلاتن **  فاعلاتن متفعلن فعِلن).
ومثال ذلك من الخفيف؛ قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
إنما الناسُ ظاعنٌ ومُقيمٌ ** فالذي بانَ للمقيمِ عِظَهْ
وهذا مثالٌ آخر للخرم في المنسرح، جاء صدره على: (فعِلن مفعولاتُ مفتعلن). ويساوي ذلك من الخفيف: (فعِلاتن مستفعلن فعِلن) .
يقول ابن قيس الرقيات:
طَرَقَتْهُ أسماءُ أمْ حَلِما ** أمْ  لَمْ تكُنْ من رحالِنا أَمَما
*عمر خلوف
26 - مارس - 2008
هدية مقبولة    كن أول من يقيّم
 
إلى الدمشقي الأصيل: أستاذي د. يحيى  حفظه الله
 
رحم الله شيخنا الجليل، علي الطنطاوي، الذي سبق عصره بمثل هذه النظرات الرائعة، والذي كان في أسلوبه الفائق أجمل من الشعراء.
ولكن..
لولا خيطه لَما سُمّي العقد عقداً، ولَما أمكن له أن يفترش الصدور.
وكلما كان التأنق في صناعة العقود أكبر، كان العقد أغلى وأحلى.
 
الشعر ظاهرة موسيقية قبل كل شيء، ولأجلِها افترق الشعر عن النثر، ولأجلها كذلك تسنّم الشعر ذروة الفنون الأدبية.
 
ولا ينفي هذا أن يكون النثر في كثير من الأحيان متفوقاً على كثير من الشعر.
فلنُبْقِ للشعر إذاً سحرَ موسيقاه، وللنثر سحر أسلوبه.
 
سعدتُ بمداخلتك الرائعة أستاذي
تقبل محبتي وودّي
 
*عمر خلوف
26 - مارس - 2008
لي الشرف أن أكون دمشقياً ، ولكنني من ( فَسْط) حلب.    كن أول من يقيّم
 
أخي العزيز الدكتور عمر.....حفظه الله ورعاه وسدد خطاه.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. كانت الهدية من الحاضر الحي الدمشقي الأديب الفقيه شيخنا العالم علي الطنطاوي إلى الأريب العروضي الذواقة الدكتورالحموي عمر خلوف. أما ( يحيى مصري) الحلبي فهو الوساطة بين اللؤلؤتين.
إن الشاعر إذا تخير ألفاظه ، وراعى الانسجام في توالي مقاطعه ، وجَرْس كلماته، ليحتفظ بجمال الإيقاع الذي هو عنصر من عناصر موسيقاه ، وكانت أوزانه منسجمة مع ألحان الغناء العربي كما قال حسان:
                  تغنَّ بالشعر إمّا كنتَ قائلَه ** إنّ الغناءَ لهذا الشعرِ مِضمارُ
كان شاعراً بحق...أحبّك اللهُ الذي فيه أحببتَني.
*د يحيى
26 - مارس - 2008
هديتي لابن حلب الأصيل    كن أول من يقيّم
 
هذه القصيدة القديمة، قلتها (فسْط) حلب، أيام الدراسة الجامعية عام 1974م، أهديها لأستاذنا الحبيب د.يحيى المصري الحلبي، ولكل محبّي حلب:
 
أنـتِ  الـخـلودُ وأنتِ المجْدُ يا iiحلَبُ تيـهـي فـمَـجْدُكِ زاهٍ زاهِرٌ iiقَشِبُ
فيـكِ الـجـمالُ وفيكِ السِّحْرُ iiمؤتَلِقُ يا  وردةً فـي حَـنـايا البيدِ تنتصِبُ
يـسْـري  عبيرُكِ في أرجاءِ iiأعْصُــرِنا فيسْـكَـرُ الكونُ والتاريخُ iiوالحقَبُ
أنـت الـفَـخارُ فَخارُ العُرْبِ iiماوُجِدوا ومـنـبـرُ الشّرقِ تزهو فوقَه iiالخُطَبُ
مـا زالَ إسْـمُـكِ مـرفوعاً .. لَهُ نغَمٌ في مـسمعِ الكونِ تجثو عندَهُ iiالشُّهُبُ
سـنـابِـكُ  الخيلِ منْ حمدانَ ما فَتِئَتْ لـهـا  على الأرضِ منْ تَجْوالِها iiجَلَبُ
نَشْوى منَ الطّعْنِ إذْ يحْمى اللظى وعـلى مـتـونِـها  الغُرِّ أبطالُ الوغى iiركِبوا
مـنْ  كـلِّ أصْـيَـدَ منْ حمدانَ iiمنبِتُهُ أكْرمْ بـهِ بـطَـلاً كـالـنارِ iiيلتهِبُ
الـنـصـرُ غـايـتُهُ ، والحقُّ iiساعِدُهُ والـسِّـلْمُ دَيْدَنُهُ .. لا الحَرْبُ iiوالحَرَبُ
سَـلِ الـمَـعاليَ عنّا ، هلْ جرى iiدمُها إلاّ بكُـلِّ عُـلاً قـد شـادَهُ iiالـعَرَبُ
سـلِ  الـمـعـاليَ عنّا ، يومَ iiعطَّرَها نفْـحٌ مـنَ المجْدِ، كانتْ مسْكُهُ iiحلَبُ
هـيَ  الـفـداءُ إذا مـا كُرْبةٌ iiعَصَفَتْ هـيَ  الـنِّـداءُ، هيَ اللُّقْيا، هيَ الغَلَبُ
هـيَ  الـحَـيـاةُ إذا ما السِّلْمُ iiعطَّرَها هـي الـنَّعيمُ، هيَ المَهْوى، هيَ iiالأدبُ
*عمر خلوف
27 - مارس - 2008
لا فُضّ فوك    كن أول من يقيّم
 
أنّات النواعير ، وشموس ( ياقوت) ، والنهر المطيع ، وكرم  (الحاضر) ، وعِلم ( الحامد) ، وذوق ( آل خلوف ) وأدبهم و(عروضهم ) ....كل أولئك جعلكم أخوالنا يا أهل ( حماه ).
إنني - واللهِ - لأغبِطك يا صاحب النُّهى .
بارك الله الكريم فيك وفي أمثالك يا دكتور عمر :
    لو انّ روحي في يدي لوهبتها ** في حبكم يا آسرين جناني
والله ! لن أنسى ( الوراق) ؛ إذ أنت فيهم ، وضياء معك ، وزهير .......
*د يحيى
28 - مارس - 2008
ب- التداخل التزاوجي:    كن أول من يقيّم
 
تتركّب معظمُ صور البحور العربية من ازدواجٍ لا متماثل بين شطرَيْ الوزن الواحد. فغالباً ما يختلف الصّدْر عن العَجُز طولاً وقصَراً، وخفّةً وثقَلاً، تبعاً للاختلاف البيّن بين تفعيلَتَيْ العروض والضرب. وقليلاً ما يتطابق التركيب الإيقاعي لصدر البيت وعجزه تطابقاً تامّاً. فإذا ضربنا المثلَ بالبحر الطويل؛ وجدنا التبايُنَ في تركيب الصدر والعجز قائماً في صورتين من صوره الثلاث:
1-*فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلن**فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
2-*فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلن**فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلن
3-*فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلن**فعولن مفاعيلن فعو لُ فعولن
ولا شك أن في مثل هذه الصور نوعاً من التباين الإيقاعيّ المحبَّب، لأنه يكسر حدّةَ التماثل التام بين شطْرَيْ الصورة الواحدة، ويُنوّع الأنغامَ داخلَ الوزن الواحد.
        ولا يختلف التداخل التزاوجي بين البحور المختلفة عن هذا النوع من التباين الإيقاعي. إلاّ أنه مزاوجة بين وزنين أو بحرين مختلفين، متوائمَيْ التركيب الإيقاعي، يستقلّ فيها كلُّ وزنٍ منهما بشطر واحد من شطري البيت الشعري، ويستمرّان على مدى القصيدة كلّها.
*عمر خلوف
28 - مارس - 2008
1- المزاوجة بين السريع والرجز:    كن أول من يقيّم
 
        وهو أشهر أنواع التداخل التزاوجي بين البحور. فمن المعلوم طبعاً، أن البحر السريع، يشكّلُ الجزءَ الأعظمَ من سياق الرجز، ولا يُميّزه عنه إلاّ سقوطُ سببٍ خفيفٍ قبل وتده الأخير.
فالرجز = /ه/ه//ه  /ه/ه//ه  /ه/ه//ه
والسريع= /ه/ه//ه  /ه/ه//ه  x//ه
        وبالتالي لا يتمايز إيقاع السريع عن الرجز، وتظهر نكهته المميزة، إلاّ بوجود (فاعلن) في عروضه وضربه، أو في أحدهما على الأقل. فإذا حُذِفت (فاعلن) أو حتى سقَطَ وتدُها (علن)؛ فقَدَ هذا الميزانُ نكهةَ السريع، ودخلَ حظيرةَ الرجز، لأنّ ما يتبقى منه -عندئذ- هو جزءٌ من التتابع الحركي للرجز لا غير. وللسبب نفسه، لم يكن للبحر السريع أي قالب مجزوء، لأنّ جَزْأه لا يُخلِّفُ إلاّ رجزاً.
        وهكذا فإنّ من التداخل التزاوجي بين البحرين؛ كل ما جاء من صور السريع على العروض (فاعلن أو فعِلن) والضرب (فعْلن أو مفعولْ أو مفعولن...)، حيث يكون الصدر للسريع، والعجز للرجز، وإنْ أنكر بعض العروضيين ذلك. وبالتالي تعتبر المطالع المصرّعة لقصائد هذه الأوزان رجَزاً صريحاً، ولا يصحّ نسبتها إلى بحرِها إلاّ بعد معرفة ما يليها من أبيات. وكثيراً ما خلط المحقّقون في نسبة هذه القصائد، فنسَبوها إلى الرجز -خطَلاً- اعتماداً منهم على تقطيع البيت الأول منها فقط.
        فمما كُتب من السريع على العروض (فاعلن) والضرب (فعْلنقول ابن الأحنف:
أميرتي لا تغْفِـري ذنبي**فإنّ ذنبي شـدّة الحـبِّ
حدّثْتُ قلبي دائباً عنكُمُ**حتى قد استحْيَيْتُ من قلبي
يا ليتني كنتُ أنا المُبْتلى**منكِ، بأدنى ذلك الذنْـبِ
        ويلاحظ في مثل هذه الأبيات؛ فارقٌ إيقاعيّ واضح بينها وبين مطلعها، وبين صدورها وأعجازها.
        ومما كتب من السريع على على العروض (فعِلن) والضرب (فعْلن)؛ قول المرقش الأكبر:
هلْ بالديارِ أنْ تُجيبَ صَمَمْ**لو كان رسْمٌ ناطِقاً كلّمْ
ديارُ أسـماءَ التي تَبَلَـتْ**قلبي، فعيني ماؤها يسْجمْ
أضحـتْ خَلاءً نبْتُها ثَئِدٌ**نَوَّرَ فيـها زهْرُهُ فاعْتَـمّْ
        هذا ما جاء في العروض الخليلي من التداخل التزاوجي بين السريع والرجز. إلاّ أن الشعراء فيما بعد؛ استغلّوا هذه الظاهرة، فزاوجوا بين البحرين مستخدمين بعضَ الضروب الأخرى للرجز. فعلى القالب:
مستفعلن مستفعلن فاعلن**مستفعلن مستفعلن مستفعلن
جاء قول إبراهيم العريّض:
وزهرةٍ تبْسِمُ عـن لؤلؤٍ**قد نَفَضَ النسيمُ عنها الوَسَنا
تجري المياهُ تحتَها سَلْسَلاً**وحولَها الطيورُ تبكي الدِّمَنا
كأنّـها إذا رنَتْ غـادةٌ**تنظرُ في المرآةِ وَجْهاً حَسَنا
ولطاهر زمخشري([1]):
الأفُقُ الأخضَرُ يروي لنا**حكايةً عنْ همْسِ جفْنٍ ساحِرِ
بنظرةٍ تقولُ يا مرحـباً**وأختـها تعْبَثُ في السـرائرِ
وهدْبُها يُرسِلُ ترنيـمَةً**لِيوقِظَ الصّبْوَةَ في الضّمـائِرِ
وكنت قد قرأت في ثمار القلوب للثعالبي قولَ المأمون:
رَهْوُ خراسانَ، وتيهُ النَّبَطِ**ونخْوةُ الخوذِ، وغدْرُ الشُّرَطِ
إجْتمعتْ فيكَ، ومنْ بعْدِ ذا**أنّكَ رازِيٌّ كثيرُ الغَلَطِ([2])
وعلى القالب:
مستفعلن مستفعلن فاعلن**مستفعلن مستفعلن مفعولن
تقول جليلة رضا:
ونلْمَحُ العَريشَ في ركْنِـهِ**مُظَلّلاً بالكَرْمِ والرَّيْحـانِ
فنختفي روحَيْنِ في حضْنِهِ**نهتكُ عن كَوامِنِ الوجدانِ
ويقول إبراهيم العريّض:
إنّ السماءَ مظْلِمٌ جوُّها**كأنّما اكتَسَـتْ لها جلبابا
كأنما على القرى خيمةٌ**مِنَ الدّجى، مدّتْ لها أطنابا
وعلى القالب:
مستفعلن مستفعلن فاعلن**مستفعلن مستفعلن مفعولْ
يقول عبد الرحمن صدقي (من قصيدة طويلة):
فينوسُ كمْ قالوا وكمْ صوّروا**آياتِ هذا الحسْنِ من مَبْداهْ
كـم عابـدٍ علَّـقَ أنفاسَـهُ**مستلهِماً هذا اللّمى والفاهْ
وكـم بمحرابِـكِ من سـاهرٍ**ليلتَهُ، يبكي على لَيْـلاهْ
ولا شك أن المطالع المصرّعة لمثل هذه القصائد هي رجز صريح. ولا يفوتُنا أن نذكر هنا؛ جواز الكتابة على مقلوبات هذه الأوزان، ليصبح الصدر رجزاً والعجز سريعاً، وإنْ كنتُ أعتقد أنّ في الشعراء مَنْ فعَلَ ذلك.


([1]) وهي عشرة أبيات لم يستطعْ الزمخشري ضبط وزنها تماماً، فخلط في ضروبها بين (مستفعلن) الرجزية و(فاعلن) السريعية.
([2]) هكذا ضبطَها المحقق، والأرجح كونُها بسكون الطاء، فلا شاهدَ لنا فيها عندئذ.
*عمر خلوف
28 - مارس - 2008
 1  2  3  4