4- التداخل العرَضي بين الوافر والهزج: كن أول من يقيّم
ويتداخل الوافر مع إيقاع الهزج عندما تستغرق (مفاعلْتن=مفاعيلن) جميعَ تفاعيل الشطر أو البيت. فمن الوافر التام؛ قول إحسان البني: سألْتُ اللهَ أن يُبقيكِ في صدري ** كنَزْفِ الجرْحِ في آهاتِ ذِكْرانا فطَعْمُ الجرْحِ في ذِكْراكِ أعشَقُهُ ** وقد أضحتْ جراحي فيكِ إدْمانا وقول المتنبي: إذا غامَرْتَ في شرَفٍ مَرومِ ** فلا تقْنَعْ بما دونَ النجومِ فطعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حقيرٍ ** كطعْمِ الموْتِ في أمْرٍ عظيمِ ولا يذكر العروضيون من هذا إلاّ ما جرى بين مجزوء الوافر والهزج، وهو كثير جداً. فمن مجزوء الوافر مثلاً؛ يقول ابن قيس الرقيّات: وقالوا داؤهُ طبٌّ ** ألا بلْ حبُّها طبّي نهاني أخوتي عنها ** وما للقلبِ مِنْ ذنْبِ ومثلهما من الهزج؛ قول الفند الزماني: صفَحْنا عنْ بني ذهْلٍ ** وقلْنا:القومُ إخوانُ عسى الأيامُ أنْ يُرْجِعْـ ** ـنَ قوماً كالذي كانوا بل إن كثيراً من الشعراء -قدماءَ ومحدثين- خلطوا بين هذين البحرين خلْطاً صريحاً بخلطهم بين زحافَيْهِما، فجمعوا بين (مُفاعَلَتُن و مَفاعيلن و مفاعيلُ) في قصيدة واحدة، بل في بيت واحد أحياناً. فمن قصيدةٍ وافريّة لابن قيس الرقيات، جاء هذا البيت الهزجي الصريح، بزحافه (مفاعيلُ): وما أقْبَلُ نُصْحَ النّا ** صِحي مِنْ شدّةِ الكَرْبِ كما أن صدري البيتين التاليين لإبراهيم ناجي وافريّان، وعجزيهما هزجيان: وكان الليلُ مُرْتَمِياً ** على النافذَةِ الوَسْنى تلَصَّصَ خِلْسَةً يرنو ** إلى معْبَدِنا الأسْنى ولا شك أن مثل هذا الخلط بين الأوزان، أسهلُ تقبُّلاً على الأذن في الأوزان القصيرة منها في الأوزان التامة، ذلك أنّ في الأوزان التامة فسحةً كافية للأذن لكي تُمَيّز بين الأوزان، وتقلّ مثل هذه الفرصة مع الأوزان القصيرة. وسوف نخصّص لتداخل الوافر والهزج دراسةً منفصلة إن شاء الله. |