البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 bouarfa 
12 - مارس - 2008
                            نقد الحديث
   لا بد أن نصرح منذ البداية أن ما يسمى بالصّحاح ( الستة المشهورة) شكلت مرجعية هامة للفكر الإسلامي، غير أنها في المقابل شكلت جملة من العوائق التى لازالت لحد الساعة تعيق التجديد الديني. كما نلاحظ سيطرة اللامعقول على أغلب متونها، مما يستوجب اليوم ممارسة النقد المنهجى من أجل تنقية الحديث النبوي. وفي البداية لا أريد ذكر الأحاديث الخطيرة بل سأذكر في الملمح الأول بعض العيّنات التي انتقدها علماء الحديث.
 وكان من أشهر من انتقد الصحيحين أحمد بن حجر العسقلاني عند  شرحه للبخاري في كتابه "هدي السّاري" وهو مقدمة "فتح الباري شرح صحيح البخاري ولقد نبه لوجود أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري من حيث الأسانيد والمتون.
  ونلاحظ أن نقد الحديث كان سنة عند الأولين ، فالحافظ الدراقطني في  كتابه "الإلزامات والتتبع"، انتقد  أكثر من  مائتين حديث بعلل معظمها غير قادح، وقد أجاب ابن حجر وغيره عن بعضها، واستصوبوا أغلبها.  وكتب نقد الحديث كثيرة، أشرنا لبعضها في الهامش.* 
   إن الدافع لنقد الحديث عند القدماء كان هاجس الحقيقة والمعرفة. وبالتالي لم يكن الناقد في وضع حرج مثلما هو الحال اليوم. لقد تحول نقد الحديث اليوم إلى جرم وفتنة ، وكل من تجرأ على نقد حديث من البخاري أوالمسلم اعتبر مضاد للدين . وتلك مفارقة تاريخية ، فكيف استطاع السلف أن يتحلوا بالروح العلمية والنقدية بينما الخلف اليوم أكثر دوغمائية وانغلاقا.؟؟؟
    حاول محمد الغزالي في كتابه ( السنة بين أهل الحديث والفقه ) أن يعيد الحديث لدائرة النقد والدراسة ، لكنه جُبه بحملة شرسة من أنصار السنة من السلفية.
      والغريب أن أحد أنصار السنة والسلفية مارس النقد والجرح في بعض الأحاديث من البخاري ، ويمكن نأخذ تجربته المتواضعة كبارديغم هامشي. لقد حاول الألباني أن يعيد تطبيق منهج الجرح والتعديل على بعض الأحاديث الواردة في الصحاح ، ولقد ضّعف كثير من الأحاديث وأخرجها تخريجا مخالفا لما كانت عليه.
   ونقدم مثالا على النقد من خلال حديث ابن عباس ( رض) : قال:{ تزوج أو نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.}
 ولنتأمل الألباني كيف ينقد الحديث السالف : " ..والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبد الله بن عباس لا غبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.
مثلاً من رجال البخاري رجل اسمه: فليح بن سليمان ، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ.
فهذا إذا  روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع ، أو لم يكن لحديثه شاهد يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد.
فحديث ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً ، لا كلهم ثقات.
لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون مجالاً لنقد هذا الحدث إلاَّ في رواية الأول ، وهو صحابي جليل ، فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس ، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة ، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميمونة.
فقد صح عنها أنه عليه السلام تزوجها وهما حلال.
إذاً هذا حديث وهم فيه رواية الأول هو ابن عباس ، فكان الحديث ضعيفاً وهو كما ترون كلمات محدودات تزوج ميمونة وهو محرم. أربع كلمات ، مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري.
النوع الثاني: يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء.} ، إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري : { فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.} قال الحافظ بن حجر العسقلاني وعلماء آخرون قالوا أن هذه الزيادة المدرجة  ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من كلام أبي هريرة. وهذا يدل أن الرواة كانوا يضيفون ( الزيادة أو النقصان).
    وسنحاول في الملمح الثاني نقد صحيح البخاري في بعض الأحاديث المتعلقة بالحياة الشخصية للرسول (ص)، والتي نرى من خلال ظاهرها التشريع ولكن من خلال باطنها التشنيع بأفضل الرسل.


* - * كتاب "علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم" لأبي الفضل بن عمار الشهيد، طبع دار الهجرة بتحقيق علي الحلبي.
* كتاب "تقييد المهمل وتمييز المشكل" لأبي علي الحسين بن محمد الغساني الجياني (ت498هـ)، طبع في ثلاث مجلدات بدار عالم الفوائد بتحقيق محمد عزيز وعلي العمران.
* كتاب "غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأسانيد المقطوعة" للحافظ رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي العطار، طبع بمكتبة المعارف بالسعودية بتحقيق سعد بن عبد الله آل حميد، وكذلك طبع دار العلوم والحكم بالمدينة بتحقيق محمد خرشافي.
* * كتب الجرح والتعديل وبخاصة ضعفاء العُقَيْلي. وهذه تبرز أهميتها في نقد صحيح مسلم.
* وكتاب "جامع العلوم والحكم" لابن رجب، وكتاب "المدرج إلى المُدرَج" للسيوطي.
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
كل الشكر لكاتب المقال على هذه المشاركة الشجاعة، وأتمنى لو يجيبني على سؤالي بعد قراءة هذه الطرفة، أما السؤال: فحول الحديث (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لايتمثل بي) وهو حديث رواه الشيخان وغيرهما من طرق عديدة،وصار مؤداه جزءا من العقيدة الإسلامية وذهب الشيخ مصطفى الزرقا إلى أن المراد بقوله (ص) من رآني: أي من رآه من الصحابة، فهو حديث لا ينسحب على كل المسلمين.
كنت أبحث عن ترجمة الشيخ عاموه، فرأيت في موقع (ملتقى أهل السنة والجماعة في السودان) هذا الخبر الطريف:
يقول القاضي أحمد عثمان مطير عضو المحكمة الابتدائية التجارية الثانية وعضو المحكمة الأولى بلواء الحديدة عام (1981) في كتابه الدرة الفريدة، وهو من رؤوس الطريقة القادرية في الحديدة: ((وبمناسبة ذكر القات أنقل ما ذكره الكاتب شيخي العلامة أحمد عبد الباري عاموه –رحمه الله تعالى- قال ما لفظه :
(فائدة) نُقل عن الشيخ الكبير عبد القادر الجنيد أنه نام ذات ليلة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وبين أيديهم شيء من القات ، قال: فناولني النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من القات ففزعت من النوم وأنا قابض على القات في يدي ومعي ندم عظيم لما لم أسأله عن فائدة القات فرجعت إلى منامي فرأيته صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه على ما هم عليه فسألته فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد القادر أنه نزل به جبريل الآن ! يا عبد القادر كل منه فإن آكله لا ينطق إلا بالصواب ..
وكانت الرؤيا في سنة 953هـ قال شيخنا: ورؤيته صلى الله عليه وسلم حق ومن رآه مناماً فكأنما رآه يقظة )
اهـ ..
من كتاب : الدرة الفريدة في تاريخ محافظة الحديدة صفحة (41) طبعة دار المصباح: الحديدة
*زهير
13 - مارس - 2008
رؤية النبي    كن أول من يقيّم
 
أشكر الأخ زهير على أسلوبه المرن في النقد ، وهو أسلوب ينفع مع العوام، ولذلك فإن الطرافة التي ذكرتها تبدو أكثر عقلانية من بعض الأحاديث الواردة في صحيح البخاري، وتأمل معي أعزك الله الحديث التالي: { كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا إنه آدر .قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه. قال فجمح موسى بأثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا والله ما بموسى من بأس فقام الحجر بعد حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا قال أبو هريرة والله إنه بالحجر ندب ستة أو سبعة ضرب موسى عليه السلام بالحجر }
حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا إنه آدر قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمح موسى بأثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا والله ما بموسى من بأس فقام الحجر بعد حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا قال أبو هريرة والله إنه بالحجر ندب ستة أو سبعة ضرب موسى عليه السلام بالحجر .

كان موسى عليه السلام رجلا حييا قال فكان لا يرى متجردا قال فقال بنو إسرائيل إنه آدر قال فاغتسل عند مويه فوضع ثوبه على حجر فانطلق الحجر يسعى واتبعه بعصاه يضربه ثوبي حجر ثوبي حجر حتى وقف على ملإ من بني إسرائيل ونزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها }

وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق قال أنبأنا أبو هريرة قال كان موسى عليه السلام رجلا حييا قال فكان لا يرى متجردا قال فقال بنو إسرائيل إنه آدر قال فاغتسل عند مويه فوضع ثوبه على حجر فانطلق الحجر يسعى واتبعه بعصاه يضربه ثوبي حجر ثوبي حجر حتى وقف على ملإ من بني إسرائيل ونزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها. "
   والعاقل يقول هل كان موسى في حاجة إلى كل هذا التعقيد ليبرهن الله على أنه سليم معافى من جسده .
          كما أن ضرب الحجر أكثر من ستين ضربة يُعد ضرب من الجنون. فما الفائدة من ضرب الجماد ؟؟ وهل يبكي الجماد ، وهل يفر الجماد ؟؟ لقد كان الله أيسر عليه أن يرسل ريحا خفيفا تلقى بثياب موسى أمام بني إسرائيل .. فيكون الحديث معقولا وعلميا...
  وسأتابع نقد الصحاح في كل اسبوع ، وسأحاول عرض حديث أو حديثين فقط .. ونرجو من السادة العلماء تجربة النقد وممارسته على ما يُعتبر مقدس ، فنحن اليوم نواجه بشرا ليس من السهل الضحك على عقولهم ...
   
 
 
bouarfa
13 - مارس - 2008
القات حرام ، ورائي المنام دجال    كن أول من يقيّم
 

القات حكمه الشرعي وأضرار
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
هل أكل القات يعتبر من الكبائر أو من الصغائر حيث أن كثيراً من أكلته يرغبون في معرفة حكمه الشرعي لعل الله أن يشرح صدورهم لتركه ونرجو من فضيلتكم توجيه نصيحة لمن ابتلاه الله بهذا الأمر و جزاكم الله خيراً . سائل مستفيد .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد : فإن القات حرام وأكله والإدمان عليه من الكبائر لما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة في الدين والعقل والجسم والمال والحياة الزوجية والاقتصاد العام أما أضراره الدينية فأهمها أنه يلهي عن الصلاة فيمضي وقت العصر وقت المغرب ووقت العشاء ومعظم المخزنين منهمكون في تخزينهم لا يصلونها في البيت ولا يحضرونها في الجماعة فهم إما مضيع لها بالكلية حتى يخرج وقتها وإما مضيع للجماعة لكن تضييع الجماعة فسق وترك الفريضة حتى يخرج وقتها عامداً كفر فإن قيل يوجد أناس منهم يبذلون التخزينة ويحتفظون بها في إناء ثم يذهبون ويصلون ويعودون لها قلنا هذه نسبة قليلة من أكلة القات لا تزيد عن عشرة بالمئة على أكبر تقدير بل قد يقول قائل أنهم لا يصلون إلا 5 % أما من عداهم فهم يرون أن التخزينة تتلف أو لا تطيب بعد أن يبذلها لذا فإنه يحافظ على تخزينته التي بذل فيها مبلغاً من المال يرى أنه تصعب عليه إضاعته أما إضاعته للصلاة التي لا تساويها الدنيا بأسرها فذلك عندهم سهل ويسير والأمر فيها ليس بخطير ولكنه سيعلم حين يندم ولات ساعة مندم وحين تعلم نفس ما قدمت وما أخرت ، ثم هو يسهر معظم الليل ولا يأتيه النوم إلا متأخراً فتضيع عليه صلاة الفجر وربما أنه لا يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس ومن هنا تعلم أن ضرره في الدين ثابت حتى على الذين يصلون في الجماعة لأنهم يحضرونها بقلوب مشحونة بالأفكار والوساوس الغريبة عن الصلاة مما يجعلهم يؤدونها بدون خشوع قال الشيخ حافظ رحمه الله:-
إن جاءه الظهر فالوسطى يضيعها =أو مغرب فعشاء قط لم يأت
وإن أتاها فمع سهو ووسوسة =وغفلة مع تضييع لأوقات

قال تعالى : {"فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً* إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً"( مريم19/59و60).

وإن هذه الآية لتنطبق على أكلة القات انطباقاً واضحاتً فليتقوا الله وليعودوا إلى رشدهم قبل أن يفوت الأوان وتطوى الصحف على ما فيها فيقول العصاة يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا.
وأما الأضرار في البدن فقالوا عن القات أنه يسبب القبض المزمن - أي إمساك الطبيعة وأنه يهيج الباسور وأنه يفسد المعدة وأنه يضعف شهية الأكل وأنه يسبب مرض الكلى وأنه يدر السلاس وهو الودي و يسبب تليف الكبد إلى غير ذلك من الأمراض التي يسببها أو يهيجها وهذا كله بتقارير أطباء وخبراء عالميين أما الإمساك وضعف شهية الأكل فهذه صفة تلازم أصحاب القات ومما ذكروا أنه يترتب على إدمانه اتساع حدقة العين والتهاب الفم والمعدة وضعف وشلل الأمعاء وهذا قليل من كثير .
أما أضراره في العقل ولا شك أن الضرر في العقل يسري إلى الجسم كله فهي التخدير والتفتير  نهى عن كل مخدر ومفتر ، وفي الصحيح ( كلrأو الإسكار والتفتير وفي الحديث أن النبي  مسكر خمر وكل خمر حرام ) والإسكار معناه التغطية ، والتغطية تنقسم إلى قسمين تغطية جزيئية وتغطية كلية والقات غالباً أنه تغطيته جزيئية بمعنى أن آكله يحس أولاً بنشاط ونشوة وأفكار غريبة وتخيلات سابحة تترك البخيل جواداً والجبان شجاعاً والضعيف قوياً يدوم هذا إلى بعد الانتهاء من أكله بساعات معدودة يصحبه فيها أرق وعدم نوم وتلهف لشرب الماء ثم بعد الانتهاء من وقت السكر يبدأ وقت الهبوط والفتور فيتبدل النشاط خمولاً والقوة ضعفاً والذكاء تبلداً والأرق نوماً وكسلاً فيصبح مطموس المعدة ضعيف القوى خائر العزيمة فيطلب كمية أخرى ليعيد إلى جسمه ذلك النشاط وإلى عقله تلك الأفكار وإلى ذهنه تلك التخيلات فيظل وقته عائماً بين انشداد الأعصاب وارتخائها وهذا السكر الجزئي غير السكر الكلي الذي يذهب معه الإحساس كلياً ويصبح صاحبه كالمجنون مع أن التسكير الكلي يقع من بعض أنواع القات حسب المعلوم من التجربة والوقائع المتكررة التي شهد بها جماعة من أكلته ولقد حدثني شخص ممن كان يأكله أنه دعاه صديق له يبعد عن مكانه الذي يسكنه عشرون كيلومتراً قال فتغدينا وبعد صلاة الظهر دخلنا بيتاً ليس له إلا باب واحد وخزنا إلى بعد صلاة العشاء ثم خرجت لقضاء الحاجة فإذا أنا مرتبك الذهن لا أعرف شيئاً من الجهات الأربع وتصورت أن الوادي الذي أمامي مليء بالسيل وحصلت لي أفكار غريبة لا أعرفها فلما أصبحت فإذا بالوادي جاف ليس فيه سيل فهذه قصة واحدة لها مثيلات ونظائر تدل على أن بعض أنواع القات يحصل منه الإسكار الكلي فهل من مدكر .

 أما الأضرار بالمال فحدث ولا حرج فالشخص منهم يخزن في اليوم بمأتي ريال أو مئة وخمسين وأدناهم في مائة واحدة فإذا كان الرجل راتبه ضئيل أو دخله قليل أو ليس له دخل إلا هذا الراتب فإنه سيحتاج إلى المال ويسلك سبلاً لأخذه منها الرشوة إن كان ممن يحتاج الناس إليه فإن كان كاتباً ماطل في إنجاز المعاملات وإن كان مديراً تحايل بأنواع من التحايلات وإن لم يكن له شيء من ذلك تحمل ديناً حتى يفلس فيطالبه أصحاب المال فيبيع العقارات إن كان له عقار وإلا احتاج إلى بيع بيته أو سيارته أو غير ذلك – نسأل الله العفو والعافية والسلامة – ثم إنك تجد آكل القات إن لم يكن له مال كثير – أو وظيفة غالباً تجده ينقص على أهله وأولاده من النفقة الضرورية أو الكسوة الضرورية من أجل أن يوفر تخزينته ولقد أخبرني رجل من أهل اليمن عن قصة وقعت قبل أكثر من ثلاثين عاماً قال كان فلان وزوجته يتخضرون في بلاد أسلم وكان الرجل يجلس عند أولاده والمرأة تذهب إلى المزارع في أيام الصريب تصرب معهم وتتقشش قال فذهبت في أول النهار فحصلت على كمية من السنابل أي – العذقة باللغة الدارجة قسمتها قسمين قسم خبطته وطحنته وخبزته غذاء لهم هي وزوجها وأولادها وقسم تركته حتى إذا لم تتحصل شيئاً تعود إليه فتجعله وجبة لأولادها وفي المساء أي من بعد الظهر اتجهت إلى المزارع وبقي الرجل في البيت عند الأولاد ولكنها في المساء أخفقت رحلتها فلم تتحصل على شيء ولما يئست من الحصول على شيء تلك الليلة عادت مسرعة إلى البيت لتجعل ما بقي في البيت وجبة عشاء لأولادها ولكن الزوج مر به بائع القات فلم يجد شيئاً يشتري به غير تلك الكمية من السنابل فأعطى بائع القات وأخذ ما يقابلها قاتاً ولما عادت المسكينة كانت المفاجأة لها أنها لم تجد الكمية التي تركتها ولما سألت زوجها أخبرها بأنه قد اشترى بها قاتاً فصاحت وولولت وانفعلت ولكن بدون جدوى انظر معي إلى هذه القصة العجيبة الوقت وقت مجاعة وقد ترك هؤلاء القوم بلادهم وسافروا إلى بلاد أخرى ليتحصلوا على القوت الضروري ولما مر به صاحب القات وليس عنده إلا تلك الكمية البسيطة التي قد لا تكفي وجبة لأولادها وأولاده فأخذها وأعطاها صاحب القات مضحياً بأولاده الصغار وغير مبال بأن يبيتوا على الجوع وأن يطووا بطونهم جميعاً ليتحصل على تلك التخزينة المشؤومة وأنك لتفكر أين ذهب عقل هذا وكيف تبلد حسه ونزعت الرحمة من قلبه فترك أولاده بدون عشاء يبيتون يتضاغون ويبكون أليس هذا غاية الدناءة ونهاية الخمول وقلة العقل لم يكتفي بكونه يجلس في البيت والمرأة تذهب إلى المزارع بل أضاف إلى ذلك كارثة أخرى فأخذ ما جمعته بعرق جبينها وكد يمينها واشترى به قاتاً وترك أولاده جياعاً فإنا لله وإنا إليه راجعون وهذا يدل على عدم المبالاة بالواجبات الربانية والحقوق الإيمانية يترك أحدهم أولاده يتضورون جوعاً وعرياً وينفق ما تحصل عليه في هذه القاذورات التي تهدم جسمه وتضعف دينه ومع أنه يسعى في مضرة نفسه من حيث لا يشعر ولو طلب منه أقل من هذا لله رب العالمين يجزيه عليه ربه يوم الحاجة والفاقة لما سمحت نفسه بذلك ولألقى عليه الشيطان أنواعاً من التأويلات التي يلقيها على من طلب منه ذلك الشيء لكي يتخلص فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .أما الأضرار في الحياة الزوجية فقد قال في كتاب المسكرات والمخدرات بين الطب والفقه للدكتور / أحمد علي طه ريان الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر تحت عنوان آثار القات السيئة. قال : للقات آثار سيئة على صحة مستعمله فهو مضر بالصحة والنسل كما أنه يفقد المرء شهوة الأكل ويفسد أسباب الهضم ويحدث شللاً في مجرى البول ولا يقوي الباءة وكل من كتب عن القات يصفه بأنه يضعف الحالة الجنسية عند الرجال بحيث يحدث ارتخاء عند الرجل فينزل المني قبل عملية الجماع وقال في كتاب من أضرار المسكرات و المخدرات أنه يدر السلاس وهو الودي وربما أهلك الصلب وأضعف المني وأظهر الهزال وكذلك قال في كتاب من أضرار المسكرات والمخدرات لعبد الله بن جار الله صفحة (32) وأما أضراره بالاقتصاد العام : فأولاً أن الله عز وجل جعل المال للقيام بالمصالح والمنافع الدينية والدنيوية الواجبة منها والمستحبة والمباحة فمن أنفقه فيما حرم الله مثل القات الذي هو حرام لما يترتب عليه من أضرار في الدين والعقل والجسم والمال وقد اتفق على تحريمه علماء الدين الذين سلمهم الله من الهوى والأطباء وعقلاء العالم حتى الكفار وقد اتفق على تحريمه المؤتمرون في المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المخدرات والمسكرات المنعقد في المدينة المنورة بدعوة من الجامعة الإسلامية في تاريخ 27 – إلى نهاية 30/5/1402هـ والذي شارك فيه ممثلون من سبع عشرة دولة إسلامية وكان من توصيات المؤتمر المذكور الفقرة الثالثة عشرة .
13- يقرر المؤتمر بعد استعراض ما قدم له من بحوث حول أضرار القات الصحية والنفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعاً ولذلك بأنه يوصي الدولة الإسلامية بتطبيق العقوبة الشرعية الرادعة على من يزرع أو يروج أو يتناول هذا النبات الخبيث .
ومن وصايا هذا المؤتمر المادة تسعة: يجب حضر إنتاج الخمور وزراعة المخدرات ( قلت ومنها القات ) والدخان وتصنيعها واستيرادها في الدول الإسلامية .
المادة عشرة: يجب إغلاق دور اللهو والفساد لما لها من أثر كبير في انتشار المسكرات والمخدرات وشيوع الرذائل والمنكرات .
المادة إحدى عشرة : توقيع العقوبات الشرعية الرادعة على المهربين والمروجين والمتاجرين في المسكرات والمخدرات .
المادة خمس عشرة : تأييد الفتاوى الصادرة من العديد من كبار فقهاء المسلمين بتحريم التدخين بجميع صوره وأشكاله نظراً لضرره على الصحة والمال ودعوة الحكومات الإسلامية إلى منع زراعته وتصنيعه واستيراده وتداوله حتى يتم تنفيذ هذه الوصية .
أ‌- منع الدعاية للدخان في كافة وسائل الإعلام في المجتمعات الإسلامية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ب‌- حضر التدخين في أماكن العمل ودور التعليم والمواصلات والأماكن التي يرتادها الجمهور بصفة عامة.
ج- يراعى في اختيار المعلمين والموجهين والدعاة في المجتمع المسلم أن يكونوا ممن يتنزهون عن هذه العادة القبيحة .
قلت وإذا كانت هذه الوصايا في منع شيوع الدخان فلا شك أنها سارية في جميع المخدرات ومنها القات وأن 99% من أكلة القات يجمعون بينه وبين الدخان وقد يكونون من المعلمين والموجهين وحملة الشهادات العليا في الشريعة وإذا كان الأمر كذلك فقل على الإسلام السلام وإنا لله وإنا إليه راجعون.. وإن من إضراره الاقتصادية إنفاق المال فيه وليس المال الذي ينفق فيه بقليل بل أن الذي ينفق فيه في اليوم الواحد لا يقل عن عشرة ملايين وذلك أنا لو قدرنا أن أكله في مقاطعة جيزان التي هي ما بين الحدود اليمنية جنوباً إلى الشقيق شمالاًَ ومن البحر الأحمر إلى الحدود شرقاً مئة ألف شخص ثم أنا لو قدرنا أن معظمهم يشتري في اليوم ما بين مائة إلى مائة وخمسين وأدناهم في خمسين ثم ضربنا المتوسط وهو المائة في مائة ألف لحصل لنا عشرة ملايين ريال في اليوم الواحد وإذا ضربنا العشرة ملايين في أيام السنة القمرية التي هي 354 يوماً لحصل لنا 3540000000 وهذا مبلغ يمون دولة بكاملها فلو كان هذا المبلغ في جمعية بر يزوج منها العزاب ويبني مساكن للفقراء وينفق منها على الأرامل والمعوقين واليتامى لكان في ذلك نفع كبير وعظيم ولكن من الذي يسخو بهذه الكمية والشيطان بالمرصاد ومن أضراره الاقتصادية أن الأمة الإسلامية تخسر كل يوم ثماني ساعات من كل شخص يأكل القات فلو ضربنا 8 في 100.000 شخص لحصل لنا ثماني مئة ألف ساعة فهذه الساعات تذهب كل يوم سدى نخسرها في لا شيء فأين العقول التي تعي هذا وتعلم أنها مسئولة عن هذه الساعات أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية وقد ثبت عن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم أنه قال " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه " والعمر هو الساعات والدقائق والأيام والليالي والأشهر والسنوات التي يبقاها العبد على هذه الدنيا مكلفا عاقلاً يعي ما ينفعه فيأتيه وما يضره فيتقيه فإن صرفها في خير نفع وانتفع وإن صرفها في شر خاب وخسر وندم حين لا ينفع الندم فالسؤال لابد حاصل عن العمر الذي أتلفته والمال الذي أنفقته والعلم الذي علمته ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد .
كنت أرى أقواماً أعرفهم ويعرفهم المجتمع مولعون بالقات يرتادون الأماكن التي يشتبه فيها أنها تبيعه فإذا رأوا أحداً ممن يستحون منهم أسدل أحدهم غترته على وجهه ظاناً أنه يخفى على الناس ، ولا يهمه أن يخفى على الناس ويبارز الله بالمعصية فكنت أرى أحدهم فأرحمه وآسف لهذا الصنيع فجرى على لساني هذا البيت :
مساكين أسرى القات رق نفوسهم= لنوع من الأشجار رتع البهائم
ثم أكملت عليه عدة أبيات فصارت قصيدة في وصف حالهم تبلغ 28 بيتاً أسئل الله أن يتقبلها في صالح عملي وهذه هي :

مساكين أسرى القات رق نفوسهم = لنوع من الأشجار رتع البهائم
يظلون مشدودين في جل يومهم = بملفوفه خضر كسوق الحمائم
فإن حصلت كانت هي الذخر والمنى = وإن فقدت باتوا بشر العظائم
فيضرب أطفالاً ويشتم زوجة = وجيرانه يرمي بشتى الجرائم
وشيطان يمسي به الليل لاعباً = يؤرقه إن نام يبلى بحاطم
متى حصلوا تخزينة طاب عيشهم = بحل أتتهم أم بقبح المآثم
فحيناً تجيء من بائع القات رشوة = وأخرى تجئ من بعض أهل الجرائم
وإن كان ذاكم تاجراً فليكن أتى = بذلك من ربح وفير المغانم
وإن كان هذا عاطلاً باع ماله = وجوع أطفاله له كالبراعم
أليس سؤال المرء عن كسب ماله = وتصريفه قد جاء عن خير حاكم
فيطرحها في الثوب علفاً أمامه = كما يعطف النبطي ربى السوائم
ويمضغها ظهراً وعصراً ومغرباً = ووقت عشاء موغلاً في العتائم
ولم يك في هذا مبال بدينه = ولا عابى فيما أتى من محارم
فإن قيل يا هذا اتق الله وادكر= فترك صلاة صنو كفر الأشائم
تولى بركن قائلاً إنني أنا = أصلى لمعبود رحيم ودائم
متى ما بذلت القات صليت كلها= لرب غفور يغفر الذنب راحم
فقلنا له وقت الصلاة محدد= وترك أداء فيه كبرى المآثم
وربي رحيم للمنيبين أنه= شديد عقاب للعتات الألائم
وفي القات تخدير لمن كان أكلا= بأولى وتفتير لأهل العزائم
تراه عظيم شدقه من مضيغه= ومشدود أعصاب وفي الفكر هائم
ويبدو أن قد حاز إقدام خالد= وملك رشيد أو فقل جود حاتم
فينعم في تفكيره بعض ليلة= وفي سحر ينكب كالثور نائم
ويأتي عليه الصبح وهو مجدل= ويقضيها وقت الضحى غير نادم
ولو يعلم المحروم ماذا أضاعه= من الخير أو ما قد أتى من محارم
لكان جديراً أن بعض أناملاً= وينصب من حزن عظيم المآتم
فيصبح كسلاناً ومطموس معدة= ومنهوك أعضاء بعي ملازم
فتلك صفات القات في وصف أهله= ومن كان عوفي حاز رحمة راحم
وصلى إله العالمين مسلما= على خير خلق الله صفوة هاشم
وقد ذم القات وبين أضراره وعيوبه كثر من العلماء والأدباء وأخذ شيخنا حافظ أحمد الحكمي رحمه الله قصب السبق في ذلك فقد أنشأ القصيدة القاتية 1363/ أو 1364 ولما رد عليه مفتون من المفتونين بالقات رد عليه الشيخ حافظ بقصيدة طويلة شديدة اللهجة قوية الحجة عظيمة السبك وكذلك الحق يعلو إن أعطي القوس باريها والسهم راميها ولما صدر أمر إمام المسلمين الملك عبد العزيز رحمه الله في عام 1367 / أو 1368 بمنع القات من المملكة المحمية نبتا وبيعاً وشراءً واستعمالاً .
أنشأ الشيخ حافظ رحمه الله عليه هذه القصيدة :
بإقبال شهر الصوم أشرف ميقاتي
وقلع جراثيم له من أصولها
بأمر الإمام المصلح احتاط غيرة
ونفذه في الحال عماله كما
فسر بذا أهل المروءة والنهى
وقالوا جزى الرحمن خير جزائه
إمام الهدى عبد العزيز الذي له
وذلك أن القات بان بأكله
وفي منعه خير وبشرى ونعمة
دراها أولى التميز من كل عاقل
أتى النبأ المرسوم بالمنع للقات
وتهديد جلاب له بالعقوبات
وحجر على أموال أهل الإضاعات
سيجرونه حسب الأوامر في الآتي
وأهل النفوس الزاكيات الأبيات
وأعلاه في الدارين أعلى المقامات
مآثر في الإصلاح غير خفيات
خصال رذيلات ونبذ فضيلات
ودفع شرور قد حوى وبليات
وإن يعش عنها سائم في البطلات
إلخ ما قاله رحمه الله ؟
وقد ذمه نظماً أيضاً الشيخ أحمد محمد البحر قرض منظومة الشيخ حافظ وقال ضمن قصيدة
يا أيها الناس هبوا من مراقدكم
لأنه فاعل في العقل ما فعلت
فالقات من أخبث الأشياء الخبيثات
خمر الدنان وسل أهل الحقائق
وذمه آخرون نظماً ونثراً ضمن مؤلفات ألفت في المخدرات وهو واحد منها وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
حرر هذه الفتوى
أحمد بن يحيى النجمي


 

*د يحيى
14 - مارس - 2008
Bouarafa    كن أول من يقيّم
 
يا سلام يا أوربة!
قال Bouarafa:
"...والعاقل يقول هل كان موسى في حاجة إلى كل هذا التعقيد ليبرهن الله على أنه سليم معافى من جسده .كما أن ضرب الحجر أكثر من ستين ضربة يُعد ضرب من الجنون. فما الفائدة من ضرب الجماد ؟؟ وهل يبكي الجماد ، وهل يفر الجماد ؟؟ لقد كان الله أيسر عليه أن يرسل ريحا خفيفا تلقى بثياب موسى أمام بني إسرائيل .. فيكون الحديث معقولا وعلميا...".
 
1-حشرك الله مع زمرة القرآنيين .
2-  معنى ذلك أنك تنكر حديث:" حنين الجذع"
3- معنى ذلك أنك تنكر حديث " اُثبُتْ أُحُد فإنّ عليك نبياً وصِدٍّيقاً وشهيدَيْن "
4- معنى ذلك أنّ لك فهماً ( باعَرَفياً ) لهذه الآية الكريمة :
" وإن مِن شيء إلا يُسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " .
 ( شيء) : نكرة سُبقت بنفي : ( إن).
  
**وعتبي على أستاذنا زهير ، حين وصف هراء Bouarafa بأنه شجاع ، ثم جاء بما تحار به العقول ؛ لينبّه الأعداء إلى دليل استهزاءٍ بالدِّين .
 
*د يحيى
14 - مارس - 2008
أشم من وراء هذا البحث رائحة التشيع البغيضة !!!    كن أول من يقيّم
 
وتلك " شنشنة أعرفها من أخزم " !!!
 
وهي مبثوثة في كتب الشيعة بكافة أشكالها :
قديمها وحديثها !!
 
 وهنا نقطة مهمة جدا ينبغي مناقشتها، يغفل عنها كثير من الباحثين.
وذلك أنك تراه يأتي مثلا إلى كتاب مشهور جدا مثل  صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتاب سيبويه أو كتاب الأم للشافعي أو نحو ذلك من أمات الكتب التي تحتل مكانة عاية في ضمير الأمة ويريد أن يطعن في نسبتها، ويستدل على ذلك بمرويات غير مشهورة موجودة في بعض الكتب المهجورة!!!

فكيف تريد يا خبير البحث أن تستدل بالمهجور على المشهور!!؟
وكيف يا عاقل العقلاء تريد أن تستدل بالمتأخر على المتقدم !!؟
وما أدراك أن هذه الكتب نفسها التي تنقل منها ليست منحولة أو مكذوبة !!؟

هل لديك من الأدلة على صحة ما في هذه الكتب أقوى من الأدلة التي تثبت صحة هذه الكتب !!؟

هذا يشبه حال الذي يريد أن يثبت أن يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل ضعيف الرواية استنادا إلى خبر رواه أحد الضعفاء !!

ويشبه أيضا حال الذي يريد أن يطعن في القراءات السبع استنادا إلى بعض القراءات الشاذة !!

ماالطريقة عند هؤلاء الحاقدين الأغفال إلا الهدم والإفتراء !!
وكيف يهدم هؤلاء هذا الصرح الشامخ الذي بناه الأئمة على مدى قرون !!؟

الجواب سهل ؛ أن تذهب إلى أصل هذا الصرح وأساسه لتهدمه، وبذلك تستطيع أن تهدم كل ما بني عليه بعد ذلك.
*الدكتور مروان
14 - مارس - 2008
للأهمية : الجواب عن طعون في صحيح البخاري (للشيخ د. حاتم الشريف)     كن أول من يقيّم
 
 
العنوان الجواب عن طعون في صحيح البخاري
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 26/08/1427هـ

الســــــــــــــــؤال : 
أنا لا اعتقد أن صحيح البخاري كله صحيح للأسباب التالية:

1-
توجد مصادر عديدة تؤيد العدد الذي وجب على الإمام البخاري أن يتصفحه من الأحاديث قبل حذف معظمها وهو حوالي (000و300) حديث.
والآن إذا أجرينا حساب الأحاديث التي درست في (40) سنة وهي (300.000) وهذا ينتج عنه حوالي (20) حديث تم فحصه وتحليله في اليوم، كما نحسب في ذلك مجموع الرحلات التي وجب أن يقوم بها الإمام البخاري في حياته (من أوزبكستان إلى إيران وإلى سوريا والشرق الأوسط) ليجمع الأحاديث والمرات التي كان فيها مريضا إلخ هذه كانت مهمة ضخمة ليحقق ويوثق بدقة.

2- أنه من البشر. وعمل الإنسان لا يمكن أن يكون متقنا خالياً من الأخطاء. كما إنه ليس معصوما من الأخطاء كالقرآن.
3- لماذا لم يتخذ الخلفاء الراشدون الأربعة قراراً بجمع سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حياتهم إذا كان الأمر مهما؟ لماذا كان يجب علينا أن ننتظر البخاري ليجمع السنة ؟
4- وفقا له لنتحقق أن أي حديث يكون صحيحا فيجب أن نرجع للقرآن.
5-
إذا كان البخاري صحيحاً فلماذا تتعارض فيه بعض الأحاديث؟ فمثلاً المجلد (4) الكتاب (52) رقم (74) روى أبو هريرة أن رسول الله قال: "قال سليمان بن داود ذات مرة: أقسم بالله سأجامع الليلة مائة (أو تسعا وتسعين) امرأة كل منهن ستنجب فارساً سيقاتل في سبيل الله. يعني بذلك إن شاء الله ولكنه لم يقل بمشيئة الله لذا واحدة فقط من أولئك النسوة حملت وأنجبت طفلا".
في المجلد (4) من الكتاب (55) روى أبو هريرة أن النبي قال: "قال سليمان بن داود سأنام الليلة مع سبعين امرأة ستحمل كل منهن بطفل سيكون فارساً يقاتل في سبيل الله قال له صاحبه: (قل إن شاء الله) ولكن سليمان لم يقل ذلك لذا لم تحمل من أولئك النسوة إلا واحدة فقط والتي أنجبت نصف طفل". فوفقا له لماذا تكون هناك أعداد مختلفة مادام أنها من رواية أبي هريرة نفس الراوية؟
6- ما دام تلك الأحاديث قد رويت بعد مئات قليلة من السنين من وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم فقد لفقت مثل الإنجيل والتوراة والزبور فأضاف الناس آراءهم ليشبعوا رغباتهم.
7- أنا قرأت كثيرا من الكتب وهي تؤيد ما سبق.

ستقدمون لي مساعدة عظيمة جدا إذا أرسلتم لي بآرائكم
جزاكم الله خيراً.
*الدكتور مروان
14 - مارس - 2008
الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواب     كن أول من يقيّم
 
الجـــــــــــــــواب :

الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على النبيّ وأزواجه والآل، أما بعد:

فأقول (وبالله التوفيق) جواباً على السؤال:

أشكر الأخ السائل على حرصه على معرفة الحقيقة بكل تجرُّد، وعلى صراحته في إبداء الشكوك التي لديه حول السنة النبويّة، لكي يجد الجوابَ المقنعَ عليها.
وقبل الدخول في الأسباب التي ساقها للشك في (صحيح البخاري)، أبدأ بمقدّمة مهمّة: وهي أن القرآنَ الكريم نَفْسَه دلّ على أن السنة محفوظة، وأنها ستبقى ظاهرةً معروفةً متميّزةً عن الخطأ الذي وقع للرواة والكذب الذي تعمّده بعضهم، ليُمكن بهذا الحفظ لنقائها، وبهذا الضمان لحمايتها أن يبقى الدينُ محفوظاً، والقرآن مفهوماً، وأوامرُ الله تعالى الكثيرةُ بطاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- وتحذيرُهُ سبحانه في القرآن الكريم من مخالفته –صلى الله عليه وسلم- تكاليفَ مقدورًا على القيام بها مُسْتَطاعًا تحمُّلُ أمانتها. وبغير حفظ السنة سيضيع الدينُ الذي تعهّد الله بحفظه، وسيستغلقُ علينا فهمُ القرآن كما أراد الله تعالى من إنزاله علينا، وستكون تلك الأوامر الكثيرة في القرآن الكريم بطاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- المُحَذِّرَةُ من معصيته أوامرَ وتحذيراتٍ مُلْغاةً لا يُمكن تطبيقها والعمل بها؛ إذ كيف يُؤْتمر بأمرٍ ويُحْذَر من معصية من لا نعرف له أمرًا ولا يَثْبُتُ لدينا عنه نهيٌ؟!
هذا كله قد بيّنت أدلّته في فتوى سابقةٍ لي (برقم 25208). عنوانها (إنكار السنة بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها)
وعلى هذا فليعلم كل مسلم أن التشكيك في السنة تشكيكٌ في القرآن، وبالتالي فهو شكٌ في دين الإسلام جملةً وتفصيلاً!
فإن بلغ بالمرء الشك إلى هذا الحدّ، فعليه أن يحرص على مداواة نفسه، بالنظر في الأدلّة العقليّة على نبوّة النبي –صلى الله عليه وسلم-، والتي يأتي على رأسها القرآن الكريم، المتضمّن لأهمّ دلائل نبوّته –صلى الله عليه وسلم-: من إعجاز بلاغي، وإعجاز تشريعي، وإعجاز غيبـي، وإعجاز علمي، وغيرها. مضافًا إليها بقيّة الأدلة؛ كسيرة النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، وسنته الثابتة الصحيحة.
وبشارات الأنبياء السابقين به –صلى الله عليه وسلم- والموجودة في كتب اليهود والنصارى إلى اليوم!
فإن النظر في أدّلة النبوّة هو الكفيل في أن يعود المرء، إلى نداء فطرته، وإلى الحق الذي تتعّطش النفوس إلى معرفته: وهو أن دين الإسلام هو دين الله تعالى الذي لا دين له سواه "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران: 85].
فإذا ما تيقن المرء بنبوّة النبي –صلى الله عليه وسلم- وأيقن بناءً على ذلك بأن القرآن كلامُ الله المنزَّل على محمد –صلى الله عليه وسلم- فإنه سوف يُوقنُ أيضاً بأنّ السنة النبويّة محفوظة من الزيادة والنقصان، ومن اختلاطٍ يؤدي إلى عدم تمييز الثابت منها بغير الثابت؛ لأن القرآن الكريم قد دلَّ على وجوب حفظ السنة، كما سبقت الإشارة إليه.
فإذا وَصَلَ المسلمُ إلى هذه الحقيقة: وهي أن السنة محفوظة، وأنها ستبقى محفوظةً ما بقي دينُ الإسلام، إلى قيام الساعة= فقد وصل إلى الحقيقة الهادية له في هذا الموضوع، وقد حصل على الضمان الذي سيحميه من الشكوك المهلكة لدينه. وعندها سنسأل هذا المسلم الذي أيقن بحفظ الله للسنة، ما هو أولى كتب السنة أن يكون قد حفظ لنا السنة المحفوظة بدلالة القرآن على حفظها؟ ما هو ذلك الكتاب الذي يمكن أن يكون قد تحقّق فيه موعود الله تعالى بحفظ دينه القائم على الكتاب والسنة؟ لن يجد المسلمُ (ولا غيرُ المسلمِ العارفُ بتاريخ علوم السنة) إلا جواباً واحداً: وهو أن أوْلى كتاب بجواب السؤالين السابقين: هو كتاب (الصحيح) للإمام البخاري عليه رحمة الله، ويليه كتاب (الصحيح) للإمام مسلم، فهما أصحّ كتب السنة بإجماع أهل السنة!!
ولذلك كان التشكيك في جُملة ما في الصحيحين، وعامّة ما في هذين الكتابين الجليلين تشكيكاً في السنة كلّهَا. وبالتالي فإنه يعود على الطعن في القرآن الكريم نفسه.. ليكون هذا السبيلُ هو سبيل الخروج عن الدين، والذي سبق ذكر دوائه آنفاً.
إلى هذا الحدّ تبلغُ خطورة الطعن في جملة أحاديث الصحيحين وعامة السنن الواردة فيهما، ممّا سيدلّ الأخ السائل على وجوب مراجعة نفسه أشدّ المراجعة، ومحاسبتها أدقّ المحاسبة، قبل أن يصل إلى هذا الحدّ البالغ الخطورة!
ومن أوّليّات مراجعة النفس الصادقة، ومن الأمانة في محاسبة النفس: أن لا يخوضَ المرءُ في علم يجهله، وأن لا يتكلَّم فيما لا يحسنه. فكما لا يحق لي أن أشكّك في علم الجينات الوراثيّة، لمجّرد أني التقطتُ معلومة من هنا وهناك، دون دراسة متعمّقة متخصّصة، وكما لا يصح أن أُجَادل علماء الآثار والحفريّات في النتائج التي توصّلوا إليها، ما دمت غير مشارك لهم في التخصُّص الذي دقّقوا وتعمّقوا فيه= فكذلك لا يحق لي أن أخالف علماءَ السنّة، ولا يصح أن أعارضهم، ما دمتُ غير عالمٍ بعملهم، ولا معرفة لي بدقائقه الكثيرة وبأعماق علومه العديدة.
إن علوم السنة النبويّة التي وضَعها علماء السنة لنقد المرويّات قد بلغت في كثرتها ودقّتها مبلغاً أدهش كل من تعرّف عليها، حتى من غير المسلمين الذين اطّلعوا على بعض جوانب عظمتها، وبالغ موضوعيّة منهجها النقديّ، وقوّة وسائله في التحرّي والاحتياط للسنة.
*الدكتور مروان
14 - مارس - 2008
الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواب / ثانيا ...    كن أول من يقيّم
 
وإنّي إذ أتحدّث عن علوم السنة بهذا الحديث، والذي أعلنُ من خلاله أن دقّة علوم السنة وعمقَها وصدقَ نتائجها لهو وحده دليلٌ كافٍ (لمن عرفها) أن السنة محفوظةٌ مصونة من النقص أو الزيادة ومن الاختلاط غير المتميِّز.
ولا أعلن هذه الحقيقة التي أرى أدلّتها في علوم السنة أمامي كما أرى المُحَسّاتِ التي أمامي تماماً؛ لأني أريد من الناس أن يقلدوني في هذا الإيمان الذي استفدتُه من علوم السنة؛ فإني أعلم أن هذا ليس منهجاً صحيحًا في الجدل وإقامة الحجّة. ولكني إنما أعلنُ هذه الحقيقة؛ لأني أتمنَّى ممّن كان في قلبه شك في هذه العلوم، أن يتعلّمها التعلُّم الصحيح، على يد العلماء بها، كما يتعلّم أيّ علم عميق من العلوم الكونيّة = لكي يعلم من علوم السنة ما علمتُه منها، ولكي لا يسمح لنفسه أن تخوضَ فيما لا تعلم، وأن لا يظلم الحقيقة العلميّة عندما يتحدّث عمّا يجهل!
ومن هنا أدخل في الجواب عن الإشكالات التي ذكرها:

أولاً: الجواب عن الإحصائية التي ذكرها.
والجواب الأوّل: أن السائل لم يعرف مقصود العلماء من تلك الأعداد للأحاديث، وما هو مرادهم من (الحديث) في ذلك السياق.. حيث إنهم يقصدون بذلك (أوّلاً): أحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين، ولذلك لمّا قال الإمام أحمد "صحّ من الحديث سبعمائة ألف، وكسر" فسّره البيهقي بقوله: "أراد ما صحّ من: الأحاديث، وأقاويل الصحابة وفتاوى من أخذ عنهم من التابعين". تهذيب الكمال للمزّي 19/96-97)، وانظر بمعناه في البحر الذي زخر للسيوطي (2/743).
ويقصدون ثانياً: الأسانيد المكرّرة والطرق المتعدّدة للحديث الواحد، فيعدّون كل إسنادٍ حديثاً، فتتعدّد الأحاديث (بمعنى الأسانيد) للمتن الواحد. وهذا ما فسّر به جماعةٌ من العلماء كلام البخاري وغيره؛ لأن هذا هو اصطلاحهم بالحديث. فانظر علوم الحديث لابن الصلاح (20-21)، والنكت للزركشي (1/181-182)، والنكت لابن حجر (1/297)، والبحر الذي زخر للسيوطي (2/743-748).
ومن ثَمَّ يكون العَدَدُ الذي ذكره السائل ليس المقصود به متون الأحاديث، حتى يتصّور ذلك التصوّر الذي جعله يستكثر تمكّن البخاري من نقدها؛ لأنّ ذلك العدد أكثره ممّا يُروى عن غير النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، فهو لا يدخل في شرط البخاري في صحيحه، الذي اشترط أن يذكر فيه ما صحّ عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- دون غيره.
ثم إن هذا العدد سيتضاءل جدًّا أيضًا، إذا فهمناه كما كان المحدّثون يستعملونه، وهو أنهم أرادوا به الأسانيد، لا المتون. وإذا كان حديث "إنما الأعمال بالنيات..." قد رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري أكثر من ثلاثمائة راوٍ (كما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح البارى 1/11)، فكم رواه عن كل واحدٍ من هؤلاء الثلاثمائة؟! فهذه مئات الأحاديث لمتن واحد. والبخاري ليس مضطرًّا للنظر في كل تلك الأسانيد للحكم على الحديث بالصحّة، بل يكفيه منها ما يدلّ على عدم الوقوع في الكذب والخطأ، ليحكم بناءً على أدلّة موافقة ذلك الحديث للواقع أنه حديثٌ صحيح.
وقد أجاب الحافظ ابن حجر (ت851هـ=1447م) عن مسألة أخرى، فجاء جوابه كأنه جوابٌ على السائل، فقال في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح (1/297-298): "قد يطلقون هذه العبارة على الموقوفات والمقطوعات، والمكرّرات... ويزيد ذلك وضوحاً: أن الحافظ الجوزقي ذكر أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثًا حديثًا، فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقاً. فإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملةُ كتابيهما بالمكرّر هذا القدر، فما لم يخرجاه من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر أيضًا [أي يبلغ العددان خمسين ألفاً]. وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر أيضًا أو يقرب منه [أي تبلغ الأعداد الثلاثة 50 ألفًا + 50 ألفًا = مائة ألف]. فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء من الصحابة والتابعين، تمّت العدّة التي ذكر البخاري أنه يحفظها". يعني: من الحديث الصحيح، وأمّا غير الصحيح، فإنه إذا بلغ الصحيح أكثر من مائة ألف إسناد، فالضعيف سيبلغ أضعاف هذا العدد.
وهذا الخطأ في فهم السائل لاصطلاحات العلماء بالحديث، وهو إصلاح من أوائل إصلاحات علوم الحديث، يدلُّهُ هو نفسه على أنه بعيدٌ كل البعد عن أن يكون له الحق في الخوض في علم لا يعرف عنه إلا تلك المعلومات السطحيّة. ولا أقصد بذلك جرح هذا السائل (وفقه الله)، وإنما أعتمد في خطابي له بذلك على أن العاقل لا يتوهّم أنه عالمٌ بكل علم، والعاقل أيضاً لا يتوهّم أنه يحق له الكلام في العلم الذي يجهله. ولا أشك أن السائل إذا ما نُبّه إلى قِلّة علمه يعلم أنه لن يرضى لنفسه أن يتكلّم بغير علم.
والذي جعلني أيضًا أَنْقُلُ النقول السابقة عن علماء تُوفُّوا من قرون طويلة، ليتأكّد السائل من صحّة تفسيري، وأنني لم أفسّر الكلام بذلك التفسير هروبًا من الاعتراف بحق، بل لأن هذا هو فَهْمُ العلماء من قرون، دون أن تنقدح تلك الشُّبهة في أذهانهم من خلال سؤال صاحب السؤال، وسياق كلامهم بعيدٌ عن شُبهة السائل.
ولولا حرصي على هداية السائل لما أتعبتُ نفسي بنقول هي من أوّليّات علوم الحديث ومبادئه الصغرى لدى صغار طلبة الحديث!!

*الدكتور مروان
14 - مارس - 2008
والجواب الثاني     كن أول من يقيّم
 
والجواب الثاني :
أن السائل لا يعرف منهج المحدّثين في التصحيح والتضعيف، وتمييز المقبول من غير المقبول، ولذلك كان تصوُّره خاطئاً.. فمِمّا ينبغي له علمه: أن المحدّثين ونقَّاد الحديث (كالبخاري) كانوا يسيرون في نقدهم للحديث الواحد ضمن خطوات دقيقة جدَّا، منها أنهم يحرصون كل الحرص على مشاورة أهل العلم سواهم، وسماع آرائهم حول ذلك الحديث، ومناقشتهم حول تلك الآراء. فليس (صحيح البخاري) جهدًا لشخص واحد دون أي إعانة من علماء عصره من شيوخه وأقرانه، بل يكاد يكون جهدًا جماعيَّا.
وقد نصَّ أحد قدماء المحدّثين على هذا المنهج الذي كان يتّبعه المحدثون لنقْدِ السنة، فقد قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405هـ =1014م) في أثناء كلامه عن شروط الحكم على الحديث بالصحّة: "وليس لهذا النوع من العلم عونٌ أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يَخْفَى من علّة الحديث". معرفة علوم الحديث للحاكم (238).
وقد قال أبو جعفر العقيلي (ت 322هـ =934م): "لمّا ألّف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيي بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحّة إلا في أربعة أحاديث، والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة" هدي الساري لابن حجر (9).
وبمثل هذا التعاون لا يُستكثر على أحد عباقرة الأمّة الإسلاميّة، بل على أحد عباقرة البشر: أن يخرج عملاً عظيمًا كـ (صحيح البخاري)، إذا ما توفّرت له أسبابُ الإتقانِ التي توفّرت له.
ثانياً: الجواب عن قوله: "إنه من البشر، وعمل الإنسان لا يُمكن أن يكون مُتْقَنًا خاليًا من الأخطاء؛ لأنه ليس معصومًا من الأخطاء كالقرآن".
والجواب الأوّل: أن قوله: "إن عمل الإنسان لا يمكن أن يكون متقنًا خالياً من الأخطاء"، لا أدري كيف أفهمه؟ لأن الإنسان قد يتقن عملاً ما إتقاناً لا ترى فيه خطأً، ولا أظن السائل سيفقد كثيراً جدًّا من الأعمال البشرية حوله، ومن الصنائع المتقنة غاية الإتقان، وتؤدّي الغرض منها على صورة بالغة الدقّة. فكيف ينكر أن يكون عملُ البخاري متقناً؟
أظن السائل قد استقرّ في ذهنه أن الإنسان عمومًا غير معصوم، فظنّ أن عدم عصمة الإنسان يستلزم أن يخطئ في كل عمل! وهذا غير صحيح؛ فإن غير المعصوم لا يكون غير معصوم في كل عمل، بمعنى أنه لن يخطئ في كل عمل، بل شأن الإنسان أن يصيب وأن يخطئ. فما الذي يمنع (عقلاً) أن يكون البخاري قد أصاب في صحيحه ولم يخطئ فيه، وإن كان يخطئ في مؤلفاته وأعماله الأخرى؟!!
إذن فمسألة العصمة لا علاقة لها بإتقان البخاري لصحيحه.
الجواب الثاني: ولو افترضنا أنّ العمل البشري كلّه لابدّ أن يكون فيه خطأ، وأنه لا يصحُّ العمل البشريّ مطلقًا= فإن للخطأ وجوهاً عديدةً. فقد يكون كل ما في كتاب البخاري صحيحًا ثابتًا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لكنّ خطأ البخاري الذي سيلزم عملَه البشري قد يكون في ترتيب كتابه، أو في فهمه –للأحاديث- الذي ذكره في عناوين أبوابه.
فما الذي يُوجب أن يكون خطأ البخاري الذي سلّمنا (تنزُّلاً) بوجوب وقوعه في تصحيحه، دون ترتيبه أو تبويبه؟!! أو لا يكفي أن يقع الخطأ في الترتيب أو التبويب ليثبت وَصْفُ البشريّة على عمل البخاري؟!!
الجواب الثالث: من قال للسائل إن أهل السنّة يعتقدون أن كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟ فهذا أحد العلماء الكبار في علوم السنة، وهو أبو عَمرو ابن الصلاح (ت 643هـ = 1245م)، يقول في كتابه (علوم الحديث): "إن ما انفرد به البخاري ومسلم مُنْدرجٌ في قبيل ما يُقطع بصحّته، لتلقّي الأمّة كل واحد من كتابيهما بالقبول، على الوجه الذي فصّلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلّم عليها بعضُ أهل النقد الحفّاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن". علوم الحديث لابن الصلاح (29).
ومعنى هذا الكلام: أن غالب وعامة ما في صحيح البخاري صحيحٌ مقطوعٌ به، لا من جهة أنه جُهْدُ البخاري وحده، ولكن لأن علماء السنّة على مرّ العصور قد درسوا هذا الكتاب أعمق دراسة، وفحصوا أحاديثه أشد الفحص، فخرجوا بتأييد البخاري في أكثر الكتاب والأعمّ الأغلب منه. ومن دلائل إنصافهم وموضوعيتهم في تلك الدراسة وذلك الفحص الذي سبق ذكره أنهم خالفوا البخاري في بعض الأحاديث، كما فعل الإمام الدارقطني (ت 385هـ =995م)، حيث ألّف كتاباً فيما ينتقده على الصحيحين، وهو كتاب (التتبّع)، وهو كتاب مطبوع مشهور.
لكنيّ أنبِّه السائل إلى أنّ مخالفة بعض كبار النقّاد للبخاري في عدد قليل جدًّا من أحاديث كتابه، لا يبيح لمن لم يتعمّق في علم الحديث تعمُّق أولئك النقِّاد أن ينتقد أحاديث أخرى لم ينتقدوها، ولا يجعل تضعيف أحاديث البخاري حقًّا مُشَاعًا لكل من أحب ذلك، بل لا شك أنه ليس من حقِّ غير العالم بالسنّة أن يُدخل نفسه في مناقشة الحديث الذي وقع فيه الاختلاف بين البخاري والإمام الآخر الذي خالفه؛ لأن هذه المناقشة تستلزم أن يُنصِّب نَفْسَه حَكَمًا بين علماء وأئمة السنّة، ومَنْ هو الذي يَتَصَوّر أن هذه المنزلة مُمكنةٌ لكل أحد؟!
فانتقاد الدارقطني (وهو النَّقَّادُ الكبير) لقليل من أحاديث البخاري لا يجيزُ لمن لم يبلغ نحواً من منزلته في العلم بالسنة أن يفعل فعله؛ وذلك لسببين كبيرين:
الأول: أن كل علم من العلوم له أعماق سحيقةٌ وقمِمٌ رفيعة، لا يغوص ولا يسمو إليها إلا كبار علماء ذلك العلم، فإن خاض فيها غيرهم أتى بالجهالات والعجائب؛ بسبب أنه يتكلم فيما يجهل، والكلام بجهل لا يقبله عاقل لنفسه ولا من غيره.
ومَثَلُ من يحتجّ بنقد الدارقطني وأمثاله من النقَّاد لبعض أحاديث البخاري ليمارس هو هذا النقد، مع عدم بلوغه قريبًا من منزلتهم في علمهم الذي مارسوه= مَثَلُ من يريد أن يُجْري عمليّةً جراحيّةً خطيرة لأحد الناس؛ بحجّة أن الطبيب العالمي فلان قد أجرى هذه العمليّة! هل يحق لأكبر مهندس أو أجل فيزيائي أن يفعل ذلك؟! بل هل يحق لطبيب غير جرّاح أن يفعل ذلك؟! بل هل يحق لجرّاح لا يصل إلى قريب من مهارة ذلك الطبيب العالمي أن يمارس عمليّةً تفوق مهاراته؟!!! هذه حقيقةُ ما يُريدُهُ أولئك القوم، الذين يُبيحون لأنفسهم الخوض في علوم السنة، بل في أعمق علوم السنة!!!
الثاني: أن إجماع علماء الأمة على تلقِّي الصحيحين بالقبول لا يمكن أن لا يكون له أثر، ولا يصحّ أن يتساوى كتابٌ لقي تلك العناية (كصحيح البخاري وصحيح مسلم) وكتابٌ آخر لم يَلْقَها، ولا يمكن أن يقبل منصفٌ أن يجعل المُتَلَقّى بالقبول من علماء الأمّة كالذي لم يَنَلْ هذه المكانة السامية. ونَقْدُ بعض أحاديث الصحيحين لا يُلْغي تلك الحقوق؛ لأنه ما من كتاب (حاشا كتاب الله) إلا وقد وُجِّه إليه نقد. فماذا يمتاز به الكتاب الذي وُجه إلى قدر يسير منه نقد، مع اتّفاق الأمة على صحّة غير هذا القَدْر اليسير المُنْتَقَد؟
الجواب هو ما ذكره ابن الصلاح أن كل ما لم ينتقده الأئمةُ الحفّاظ الذين كانت لديهم أهليّة الخوض في أعمق مسائل علم الحديث، أنه داخلٌ ضمن إجماع الأمة على صحّته، وأن نجاته من نقد الناقدين يدل على قبوله عند هؤلاء الناقدين؛ ولذلك كان كل مالم ينتقده أولئك النقَّاد من أحاديث الصحيحين مفيدًا لليقين بصحّته عند علماء السنة، كما سبق عن ابن الصلاح. فما لم يُنْتَقد من أحاديثهما ليس فقط صحيحًا، ولا خرج عن أن يحق لغير كبار النقَّاد أن ينتقدوه فَحَسْب، بل تجاوز ذلك: إلى أن يكون مقطوعًا بصحّته مجزومًا بثُبوته عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بدليل ذلك التلقّي بالقبول من علماء السنة لهذين الكتابين، بمن فيهم أولئك العلماء الذين انتقدوا، ممّا يدل على أن ذلك التلقّي لم يكن تقليدًا من علماء الأمة للبخاري ومسلم، بل هو موافقةٌ لصحّة النتائج التي توصَّلا إليها بناءً على النظر في الأدلّة والبراهين التي أوصلتهم إلى تلك النتائج، ولذلك خالف أولئك العلماء في قليل من تلك الأحاديث، وبقي الجزء الأكبر من أحاديث الصحيحين عندهم صحيحًا لا يخالفون في ثبوت وصف الصحّة له.
وبهذا يصبح انتقادُ أولئك النقّاد لبعض أحاديث الصحيحين سببًا لمنع من لم يصل إلى درجتهم في العلم أن يلج هذه الساحة؛ وصار دليلاً ضِدّ هؤلاء المتجرئين!!
لكني أعود وأذكر السائل أنه نسب إلى علماء السنة أنهم لم ينتقدوا صحيح البخاري، وكأنّهم اعتقدوا فيه العصمة، مع أنّهم قد مارسوا النقد العلمي لصحيح البخاري، وخالفوه في أحاديث قليلة، ولهم في ذلك مؤلفات شهيرة، وهي مؤلفات طُبع عددٌ منها، ويعرفها عامة المشتغلين بالسنة أدنى اشتغال.
وهذا خطأ ثانٍ وقع فيه السائل، يدل على بعده الكبير عن علوم السنّة، ممّا يدلّه على أنه عليه أن يُنْصِفَ هذا العلمَ من نفسه، فلا يخوض فيما لا يعلم!
ثالثاً: الجواب عن استشكال السائل عن سبب عدم جمع الخلفاء الراشدين للسنّة ما دام جمعُها مُهِمًّا، ولماذا لم يفعل ذلك أحدٌ حتى جاء البخاري؟!
والجواب الأول: أن المهمّ هو الحفاظ على السنّة، وليست الكتابة إلا وسيلة لهذه الغاية. فالغاية هي الحفاظ على السنة، وليست كتابتها. ولمّا كان أصحاب النبيّ –صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدوُن منهم خاصة وفقهاء الصحابة وعلماؤهم قد لازموا النبيّ –صلى الله عليه وسلم- وأخذوا عنه السنّة مباشرة، دون أسانيد يخشون نسيانها، ودون رواة وسائط فيهم من يُحتمل فيه الخطأ والكذب= كان حِفْظُ السنة في صدورهم كفيلاً بحفظ السنة، ولم تكن الكتابة في زمنهم حَلاَّ وحيدًا لحفظها، بل ليست الحلّ الأمثل أيضًا؛ لأن حفظ الصدر ما دام ممكنًا، وحصل لهم بسهولة لمعايشتهم للنبيّ –صلى الله عليه وسلم- ولارتباط سننه –صلى الله عليه وسلم- بحوادث ومشاهد حضروها ورأوها وشاركوا فيها، فقد أدّى ذلك إلى رسوخ تلك السنن في أذهانهم مع أسباب عديدة توفّرت في الصحابة، أعانتهم على إتقان حفظ السنة وعلى تيسُّره عليهم. كما أن حفظ الصدر أدعى لاستحضار النصّ النبوي عند التفقّه والاستنباط، وعند العمل والتطبيق، فكان الحفظ في عهد الصحابة مقدَّمًا على الكتابة لذلك ولغيره مما أشرتُ إليه.
ولا يعني ذلك أن الصحابة لم يكتبوا، بل من الصحابة من كتب: كعبد الله بن عَمرو ابن العاص، وعلي بن أبي طالب، وسمرة بن جندب، وعَمرو بن حزم، وغيرهم رضي الله عنهم.
وهناك بحوث عديدة، ومنها بحوث أكاديمية في جامعات عالميّة، أثبتت كتابة الصحابة والتابعين وتابعيهم للسنة، مثل رسالة الدكتوراه (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المقدّمة إلى جامعة كمبردج في أكتوبر سنة (1966م)، ورسالة الدكتوراه الأخرى (إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة للحافظ السرمري الحنبلي، مع دراسة لمراحل تدوين السنة) للدكتور حاكم عبيسان المطيري. والمقدّمة إلى جامعة برمنغهام، وإلى قسم الدراسات الإسلامية بالجامعة.
وأدلّة ذلك كثيرة جدًّا، ويكفي وجود عدد كبير جدًّا من دواوين السنة قبل البخاري، مثل موطأ مالك، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، ومسند الإمام أحمد، وغيرها من الكتب التي تفوق صحيح البخاري حجمًا (باستثناء الموطأ الذي هو أصغر حجمًا من صحيح البخاري).
*الدكتور مروان
14 - مارس - 2008
والجواب الثالث    كن أول من يقيّم
 
وعلى هذا فتصوُّر السائل أن البخاري أوّل من كتب السنة خطأ كبير، وهو أكبر أخطائه؛ لأن كتب السنة قبل البخاري المطبوعة مشهورة جدًّا لدى عامة طلاب العلم ومتداولة بينهم. وإنما ميّز صحيح البخاري أنه أنقى هذه الكتب وأصحّها. ولم يميّزه أنه أول من كتب، أو من أوائل من كتب.
وبذلك أكون قد ذكرت جوابًا ثانياً على السائل، وهو أن الأمّة لم تنتظر البخاري حتى يجمع السنة، بل جمعتها بين حفظ في الصدور وحفظ في السطور من الجيل الأول (جيل الصحابة)، وما زالت الكتابة تزداد انتشارًا وبقوّة كلّما ازدادت الحاجة إليها، مع امتداد العصر الإسلامي، وتولّى هذا الجمع كبار الأمة في جميع أقطار العالم الإسلامي، من طبقة شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخه، وشيوخ شيوخ شيوخ البخاري (وهم التابعون غالبًا أو من الصحابة).
والجواب الثالث: أن البخاري لمّا أن ألّف هذا الكتاب، كان زمنه مليئًا بملايين المسلمين، وألوف العلماء والمعتنين بالعلوم الإسلاميّة وعلوم السنة خاصّة. فلو كان ما كتبه اختلاقًا أو خطأ، لتسارع الناس إلى إنكاره، وإلى محاسبة الفاعل، بل كان للبخاري حُسّاد ومنافسون له، كما هو متوقّع لكل عالم يتميز على أقرانه، وقد اشتهر في سيرته ما واجهوه به من الأذى المتكرّر، إلى وفاته رحمه الله. ومع ذلك كُلّه: لم يطعن أحدٌ في كتابه، ولا شكك أحدٌ في زمنه ولا بعد زمنه فيه، بل تلقّته الأمةُ بالقبول، دون منازع أو منكر، هل يمكن أن يحصل ذلك، مع عدم قداسة البخاري عند المسلمين، بل مع وجود المشاركين له في علمه، بل مع وجود المنافسين له وأصحاب الغيرة الذين لم يتأخروا عن إيذائه؛ فلماذا لم يطعنوا في كتابه، وما بالهم آذوه في أمور عديدة دون أن يتجرؤوا على الطعن في كتابه؟!!
رابعًا: قال السائل: "وَفْقًا له لنتحقق أن أي حديث يكون صحيحًا فيجب أن ترجع للقرآن".
الجواب الأول: وَفْقًا لماذا؟ بعد أن رأى السائلُ نفسُه أن تصوّراته السابقة كلّها كانت خاطئة، وأن خطأه فيها يدل على بُعْد كبير جدًّا عن علوم السنة، وبالتالي فما بُني على خطأ كبير فهو خطأٌ كبير، بل هو الخطأ الأكبر!!
الجواب الثاني: ماذا يقصد السائل بالرجوع إلى القرآن لمعرفة الصحيح من السنة؟ لأن للمروي عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- مقابل القرآن الكريم حالات أربعًا، لنفصّلها الآن لنعرف كيف نَنْقُدُ السنة المرويّة بالقرآن الكريم:
الحالة الأولى: أن يكون الوارد في السنة موافقًا تماماً ما جاء في القرآن، دون زيادة أو نقص، ودون معارضة في الظاهر أو في الباطن، ومثال ذلك: توحيد الله تعالى، ووجوب الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، والحج. فتوحيد الله تعالى ووجوب هذه الأركان (دون صفاتها) قد ورد في القرآن وورد أيضاً في السنة.
وهذه الحالة لا أظنّ السائل يعارض في قبولها من السنة، إذا صحَّ الإسنادُ إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
الحالة الثانية: أن يأتي أمرٌ في القرآن مجملاً، ولا يُمكن الائتمار بأمر الله في القرآن بسبب عدم وضوح طريقة التطبيق في القرآن، فتأتي السنة مفسّرةً للقرآن، موضحةً طريقة أداء تلك الأوامر القرآنيّة. ومثال ذلك: أداء الصلاة، وأحكام الزكاة تفصيلاً، وأحكام الصيام، وهيئة الحج وأركانه وواجباته وسننه، وعامة مسائل الدين كهذه الأركان الأربعة من أركان الإسلام.
فما هو موقف السائل من هذه الحالة للسنة النبويّة؟ فهي غير معارضة للقرآن، بل هي مفسّرة له ومبيّنة لمعانيه.
إن قال: لا أقبلها، قلنا: فكيف تصلي وكيف تزكي...، لقد أبطلتَ أحكام الدين وأركان الإسلام بذلك، بل لقد أبطلتَ القرآن أيضًا؛ لأن أوامر القرآن أصبحت لغوًا بلا أي معنى!!! كما أن هذا خلاف إجماع المسلمين من جميع الطوائف، فهم جيلاً بعد جيل، عامتهم وعلماؤهم، يصلون صلاةً واحدةً إجمالاً في عدد الفرائض وعموم الصلاة، وهكذا بقيّة الأحكام، مع أنها لم ترد في القرآن، مما يدل على إجماع الأمّة كلها على تلقّي هذه الأحكام من السنة النبويّة، ومن هذه الحالة لحالات السنة مقابل القرآن، وهي السنة المبيّنة والمفسّرة.
فإن قال السائل: بل أقبل السنة من هذا القسم؛ لأنها غير معارضة للقرآن، وهذا هو الحق الذي لا يُقال غيره؛ لأن القول الآخر يُبطل الدين والقرآن الذي جعله السائل مقياسًا لمعرفة الحق. فإننا بعد هذا القبول من السائل: نقول له: قبولك لتلك التفاصيل والأحكام الواردة في السنة دون القرآن، يدلّك على أن السنة قد تنفرد بأحكام دينيّة، ويلزمك الأخذ بها، مع عدم ورودها في القرآن الكريم.
الحالة الثالثة: أن تنفرد السنة بأحكام لا يوجد في القرآن ما يدلّ على أصلها، ولا ما يعارضها. فهذه الأحكام التي انفردت بها السنة لا يوافقها القرآن ولا يعارضها.
فإن ردّها السائل، فإنّنا نسأله: لماذا تردّها؟ والقرآن لا يدل على ردّها؛ لأنها لا تُعارضُه. ثم كيف تردّها؟! وقد سبق أن قبلتَ ما لا يعارض القرآن، كما في الحالة الماضية، هذه ازدواجيّة غير عادلة.
أضف إلى هذين الجوابين جوابًا ثالثًا: لا شك أن السائل يعلم أن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- كان في حياته يوجّه أصحابه والمسلمين في زمنه بتوجيهات كثيرة، وأنه كان يتحدّث معهم بغير القرآن، ويأمرهم بأوامر عديدة، هي في كثرتها تفوق القرآن الكريم عددًا ولاشك. هذا هو الذي لا يشك عاقلٌ فيه، خلال ثلاثة وعشرين عامًا عاشها النبيّ –صلى الله عليه وسلم-بعد بعثته بين أصحابه. وأحاديث السنة النبويّة الواردة عنه –صلى الله عليه وسلم- وإن شكّك السائل في أفرادها وبعض آحادها، إلا أنه لا يمكن أن يشك في أن بعضها صحيح يقينًا، ولو على وجه الإجمال دون تعيين؛ لأن هذه الأحاديث البالغة الكثرة لا يمكن أن يُتصوّر في جميعها أن تكون اختلاقًا، كما أنّ تصوّر أن يكون النبيّ –صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتكلم إلا بالقرآن لا يقوله عاقل.
فخرجنا من هذا التقرير بأن الصحابة –رضي الله عنهم- قد تلقَّوا عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة سوى القرآن، وهي كانت بالنسبة لهم دينٌ يجب أن يطاع، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" [النساء:59].
وغيرها من الآيات التي أحلنا القارئ إلى الفتوى التي ذكرناها فيها في أوّل هذا الجواب.
فإن كانت تلك الأوامر دينًا في زمن الصحابة، فلابُدّ أن تبقى دينًا إلى قيام الساعة؛ لأن ضياع شيءٍ من الدين يعني وقوع الخلل والنقص فيه، ممّا ينافي إيجاب اتّباعه على العالمين إلى يوم القيامة. وبقاءُ أوامر النبيّ –صلى الله عليه وسلم- التي كانت في زمن الصحابة لا يتمّ مع فقدانها، ولا يتمّ مع اختلاطها بما لا يصح عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- اختلاطًا لا يمكن معه تمييز الصحيح من الضعيف، ولا يتمّ مع عدم قيامها بالحجّة ومع عدم الالتزام بها. ولذلك وجب قبول هذا النوع من السنن، ووجب الاحتجاج بها. وإلا لزم من ذلك اعتقاد نقصان الدين، وبالتالي نخالف القرآن الذي أوجب على العالمين الدخول في الإسلام، وأنه لا دين إلا الإسلام "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران:19]
فَرَدُّ هذا النوع من السنن هو الذي يخالف القرآن، فكيف نردّ سنة ليس في القرآن ما يخالفها، لنخالف بهذا الردّ القرآن ونبطل حكمه؟!! والغريب أن نفعل ذلك تحت شعار تعظيم القرآن، وعدم قبول ما يعارضه!!!
الحالة الرابعة: أن تُعارض السنة المروية القرآن الكريم، وهذه المعارضة قسمان: معارضة لفظيّة غير حقيقيّة، ومعارضة حقيقيّة.
أمّا القسم الأول: وهو المعارضة اللفظية غير الحقيقية، وهي أن يأتي في السنة ما يُعارض القرآن لدى النظرة العَجْلَى وعند قليل الفقه ناقصِ العلم بلغة العرب وأساليب بيانها. فهذه المعارضة معارضةٌ موهومة، وهي في الحقيقة ليست معارضة للقرآن.
مثال ذلك: قوله تعالى: "حُرمت عليكم الميتة والدم" [المائدة:3]. وقال –صلى الله عليه وسلم-: "أحلّت لنا ميتتان ودمان، الميتتان: السمك والجراد، والدمان: الكبد والطحال". أخرجه أحمد (2/97)، وابن ماجه (3314).
فظاهر هذا الحديث يعارض العموم -في قوله تعالى السابق- الذي يحرم الميتة والدم، لكن هذا الظاهر لا يخفى على عاقل أنه لا يعارض الآية معارضةً حقيقيّة؛ لأنه تضمّن استثناءً لبعض ما دلّت الآية على تحريمه، ولم يُبطل الحديثُ دلالةَ الآية كلَّها.
وهذا التعامل مع الكلام يفهمه عامة العقلاء، فلو قال صاحبُ متجر لعامل لديه: لاتبع هذه البضاعة إلا بألف، ثم بعد مُدّة قال لذلك العامل: إذا جاءك، فلان فبعه تلك البضاعة بتسعمائة، هل سيعدُّ ذلك العامل هذا تناقضًا؟ أم الفهم المتبادر إلى الذهن: أن فلاناً المذكور مستثنى دون بقية الزبائن بذلك السعر المخفّض.
أقصد من ذلك أن محاولة الجمع بين النصّين المتعارضين في الظاهر منهجٌ يتّبعه الناس في فهم كلام الناس؛ لأنهم ينزّهون العقلاء عن التناقض.

*الدكتور مروان
14 - مارس - 2008
 1  2  3