المنسرح كن أول من يقيّم
وأخيرا يصل التنوخي إلى آخر البحور في نظامه العروضي، ذلك هو المنسرح الذي يتخذ عنده التقطيع التالي: مستفعلاتن مستفعلن فاعلن *** مستفعلاتن مستفعلن فاعلن وهو لم يكن قد اطلع على منهاج البلغاء للقرطاجني لنقول إنه تأثر بتقطيعه لهذا البحر على هذا النحو الذي وجدناه فيه يبتكر تفعيلة تساعية، وإنما كان جل اهتمامه أن يحاول إقناعنا بضرورة قبول ترفيل مستفعلن الأولى في كلا شطري السريع ليتسنى له أن ينسب الولد المنسرح إلى أبيه السريع، وكان الشيخ عبد الفتاح بدوي يحاول أن ينسب المنسرح إلى الرجز فيخالفه التنوخي لتشبثه بفكرة أن الرجز هو جد المنسرح وليس والده، لأن والد المنسرح عنده هو السريع الذي هو بدوره ابن الرجز. وهكذا يمكن لنا القول بحق إن التنوخي يعد رائد علم الاجتماع العروضي بلا جدال. وقد أقر التنوخي البدوي على أحقية الرجز في الاحتفاظ بأبوة الصغيرين، منهوكي المنسرح: مفعولن ومفعولان، وأطلق على الأول لقب (منهوك الرجز المقطوع) وعلى الآخر لقب ( المقطوع المذيل من منهوك الرجز) وهكذا أبقى على شيء من ذرية المنسرح في حضانة الجد الحنون. ولا يسعنا في ختام عرض هذا الكتاب إلا القول بأن التنوخي ، رحمه الله ، ظل يحرص طوال تأليفه له على تذليل كل صعوبة فيه ، وتقريب هذا العلم إلى أذهان طلبته لطول ما عاناه من تدريس هذا العلم في الشام والعراق كما ذكر. وهو لم يخرج عن الفكر الخليلي في شرحه لمادة هذا الكتاب، بل إنه توسع في شرح جميع مصطلحاته العروضية التي يحاول الكثير من الباحثين اليوم التخلص منها، محاولا تيسير عسيرها، غير أنه في الوقت ذاته ظل محتفظا بآرائه الخاصة التي أبقى عليها في ختام عرض كل باب من أبواب العروض تحت مسمى : النظرات. وعلى هذه النظرات انصب اهتمامنا في استعراض الكتاب ، وكانت فرصة ثمينة لنا أن نتعرف من خلال هذه النظرات على استداركات الشيخ عبد الفتاح بدوي الذي لم يتسن لنا الوصول إلى كتابه بعد. ولم نشأ أن نذكر شيئا عن حياة العلامة عز الدين التنوخي وجهوده الطيبة في علوم اللغة العربية تأليفا وتحقيقا وإدارة لمحفل جامع هو مجمع اللغة العربية بدمشق، فقد كفانا القول في هذا الجانب أخونا الأستاذ زهير ظاظا ، وهو ما تجده متاحا على هذا الموقع. وللأخ زهير، حفظه الله ، فضل تيسير حصولي على نسخة من هذا الكتاب. وكنت ذكرت في خطاب الشكر الذي أرسلته إلى دار الكتب الوطنية ممثلة بمديرها سعادة الأستاذ جمعة عبد الله القيسي، أني آمل أن يثير عرضي لهذا الكتاب مزيدا من النقاش على هذا الموقع ، وهو ما بدت بوادره بمداخلات أخي الدكتور عمر خلوف ، ولا زلت آمل في إثارة الكثير من هذا النقاش من قبل بقية المهتمين بعلوم اللغة العربية وآفاق تيسيرها. |