نجد في كتب النحو موضوعا مستقلا ، هو : أسلوب الاختصاص ، وهو من المنصوبات ؛ ولذلك نجده مباشرة في كتب النحو بقضها وقضيضها بعد بحث النداء مباشرة ، وبعض النحاة يدخله أحيانا ضمن بحث النداء ؛ كما فعل ابن يعيش النحوي في شرح المفصل 2 / 17 ، فقد تناول ابن يعيش " أسلوب الاختصاص " ، بعد حذف النداء ، وقبل "الترخيم" ، وكما هو معلوم فإن الترخيم هو من مواضيع النداء !! وهنا يقف الباحث متسائلا : ماالسر في هذا الترتيب ، مع أن الاختصاص يدخل في بحث المفعول به ؛ لما يترتب عليه من حذف عامله ، وبقائه منصوبا على الاختصاص ، وذلك باعتباره مفعولا به لفعل محذوف وجوبا تقديره : (أخص ، أو أعني )!! كما أنه في كتب النحو يأتي في التصنيف ، بعد (أسلوب الإغراء والتحذير) ، وهو بحث يتبع نصب المفعول به ، كما يعلم الجميع .. والنحاة يعللون ويدللون على أن الاختصاص غير منادى ؛ لأنه لايجوز دخول حرف النداء عليه ، فلا تقول : أنا أفعل كذا ياأيها الرجل ، وذلك إذا قصدت بذلك نفسك . والنحويون إنما يفعلون ذلك ؛ لأنهم يبحثون موضوع الاختصاص مع موضوع النداء ، أو بعده ؛ وذلك لأن الاختصاص عندهم يجري مجرى طريقة النداء وأسلوبه ، بسبب اشتراكهما في أداء الاختصاص ، ومن هنا استعير لفظ أحدهما للآخر ـ ويقصدون بذلك (أي) ، فجاء الاختصاص بلفظ النداء ، وإن لم يكن منادى !! ونجدهم أيضا في بحث الاختصاص يذهبون في الإغراب مذاهب أخرى أكثر عسرا ومشقة ، مما ذهبوا فيه فيه في مجاهل النداء وأساليبه ،ولذلك نجد عندهم : (أي) ؛ هنا في هذا المبحث مبنية على الضم في محل نصب مفعول به لفعل محذوف وجوبا ، تقديره : (أخص ، أو أعني )!! والهاء للتنبيه ، والاسم بعد ذلك نعت منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة الاتباع والمشاكلة ، تماما مثلما أعربوا الأسلوب ذاته في مبحث النداء !! ومن ثمة يضيفون إشكالية أخرى ، فنجدهم يعربون "أي وصفتها" مبتدأ مرفوع وخبره محذوف ، أو أنها خبر مبتدؤه محذوف ، ولذلك يقدرون في الأول : الرجل المذكور من أريد ,, وفي الثاني نجدهم يعكسون الأية : من أريد الرجل المذكور !!؟ ولا يقدر فيها حرف النداء ؛ بل هي جملة في موضع الحال ، وذلك بتقدير : أنا أفعل كذا متخصصا من بين الرجال (انظر شرح المفصل ؛ لابن يعيش 2 /17 ـ 18 ). إن أسلوب النداء وأسلوب الاختصاص واحد في إرادة تعبيرهما ، وفي أسلوبهما ، فكل منهما يفيد معنى الفخر والتواضع والتوكيد وزيادة بيان المقصود( انظر : شرح التصريح على التوضيح 2 / 190 ، وابن يعيش 2 / 18 ) . وكل منهما جار في الأسلوب مجرى الآخر سواء في استعمال "أي" أو في غيرها .. و"أيها" هذه سواء أستعملت مع "يا" أو بدونها ؛ فهي للنداء على الحقيقة ، وهي أولى من أن تخرج عن بابتها الذي استعملت له . أما ما جرى من حذف أداة النداء في الأسلوبين الآخرين مما أسموه "الاختصاص" ، فلا عبرة به ، إذا عرفنا أن أداة النداء تحذف كثيرا في أسلوب النداء . إن كلا من المنادى والاسم المختص منصوب بفعل مضمر غير مستعمل إظهاره ، ولا يكونان إلا للمتكلم أو للمخاطب (انظر: ابن يعيش 2 / 18 ) . ولعل سائلا يسأل : كيف التوجيه الإعرابي للاختصاص ، ليكون قريبا في إعرابه إلى إعراب المنادى ، فنقول له : ــ بالنسبة إلى أسلوب الاختصاص الأول في استعمال "أيها" ، مثل قولك : أنا أفعل كذا أيها الرجل !! فقد اتفق النحاة على أن الإعراب هنا يشبه كل الشبه إعراب الأسلوب في النداء نفسه ؛ إلا أن " أي" المبنية على الضم في محل نصب على المفعولية في أسلوب الاختصاص ، وذلك بتقدير : (أخص ، أو أعني ) ، حيث تصبح في محل نصب منادى في بحث (النداء) ، (وعلى المفعولية أيضا) ، أو أن "أيها" أداة نداء ، لنداء مافيه (ال) ؛ فنقول : يأيها الرجل .. وياأيتها المرأة ، وهي لاتثنى ، ولا تحمع . ونحن نجد القرابة بينهما شديدة لاصقة ، ولا اختلاف بين الأسلوبين معنى ، أو إعرابا .. ونستطيع أن نقيس على ذلك أيضا : أسلوب المعرف بأل وأسلوب المضاف ولي عودة إلى هذا الموضوع ؛ لتوضيح المبهم ، وجلاء بعض الأمور الأخرى المستغلقة حول هذا الموضوع .. هل من داع ٍ لأن نفرد لهذا الموضوع بحثا خاصا في موضوعات النحو ؛ ليزيد من موضوعات النحو العديدة المتشعبة !! أما آن الأوان ؛ لكي نعيد هذا الموضوع الصغير في بابته إلى أحضان أمه (النداء) ؛ لينعم بالأصالة والأمومة والدفء ، بعد هذه القرون الطويلة من الانفصال والنكران والتيه !!!؟ أرجو أن نجد أسبابا كافية لتدارك ذلك ، ونعود بالفرع إلى أرومته واصله .. وأنتظر من الأحبة أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع وجزى الله الجميع خيرا |