نحن نعدّ الموج(3) كن أول من يقيّم
*السيد الأستاذ محمد رضا الشبيبي: لاحظت في مجرى النقاش أن كثرة الآراء تميل إلى أن دراسة اللهجات لا تخلو من فائدة، ولكن المسألة المهمة هي: أهذه الدراسات من صميم أعمال المجمع أم هناك أعمال ومواضيع أهم من هذا يجب أن يشتغل بها المجمع؟ وأنا أوافق أكثرية الآراء على أن هذه الدراسة لا تخلو من فائدة للفصحى نفسها، ولكني أرى أن يتركها المؤتمر للأشخاص الذين توفروا عليها في كل قطر عربي . ومن هؤلاء عدد من اللغويين في العراق عنوا بمفردات العامية العراقية وقواعدها وأمثالها، وقد رأيت محاولات كهذه في مصر. أما المجمع فعنده أعمال أهم من هذا تستغرق وقته وجهده. *الأستاذ عباس محمود العقاد: المثل الظريف الذي ساقه الدكتور عزام يؤدي بنا إلى تقرير فائدة للعلم ولو عن غير قصد، فوظيفة العلم دائما كما قال الدكتور طه حسين هي أن يعد الموج ولا وظيفة لعالم من العلماء إلا عد الموج. وإذا سئلنا مع هذا عن فائدة عد الموج لم يمكن أن تقطع بجواب. فقد لا ينتهي بنا البحث إلى عد الموج حقًّا، بل إلى أشياء أخرى مفيدة كأن يعرف اختلاف حال الموج في الشاطئ عنه في عرض البحر، واختلافه عند هدوء الجو عنه في الجو العاصف، فقد نستخلص من محاولة عد الموج قوانين ملاحية ذات نفع مادي قريب. *الأستاذ أحمد العوامري: سمعت من الدكتور خليل عساكر أن دراسة اللهجات تفيد في درس التاريخ، وقد سبق أن سمعت مثل هذا القول من المرحوم الأستاذ نللينو، فلعل أحدًا من حضراتكم يوضح لي هذا القول: ( وكان الدكتور خليل عساكر قد غادر الجلسة، فتولى الأستاذ محمد فريد أبو حديد الرد على استفسار الأستاذ أحمد العوامري بوصفه مقررًا للجنة اللهجات). *الأستاذ محمد فريد أبو حديد: اللغة وثيقة الاتصال بالقوم الذين يتكلمونها، فدراسة اللهجات بما تكشفه من اتصال بين هذه اللهجات تدل على صلات كانت بين الأقوام الذين يتكلمونها فقلب اللام ميمًا كما في لهجة فلسطين كما قال الأستاذ السكاكيني وقلب الميم باء في لهجة أسوان كما قال الأستاذ العقاد يصح معه أن نستنبط انتقال بعض القبائل التي تميزت لهجتها بهذا القلب إلى فلسطين أو إلى أسوان. وفي الإنجليزية مثلا كلمة ( Mutten ) تدل على لحم الضأن مع أن أصلها الفرنسي ( Mouton ) يدل على الغنم نفسها. وقد سمعت في تفسير ذلك طرفة من الطرائف لها دلالتها عند كتاب التاريخ، وهي أن النورمانديين أهل فرنسا حين ذهبوا إلى إنجلترا وكانوا السادة هناك كانوا يتحدثون بالفرنسية فإذا جلسوا إلى موائدهم وذكروا أن اللحم الذي أمامهم لحم ( Mouton ) أي لحم أغنام، حسب من حولهم من الإنجليز الذين لا يعرفون لغتهم أن هذه الكلمة اسم للحم نفسه فقالوا ( Mutton ) يريدون بها لحم الضأن. وفي العربية القديمة نفسها أمثلة لدلالة الدراسة اللغوية على التاريخ الاجتماعي، كوجود بعض الكلمات الفارسية وغيرها في اللغة العربية القديمة، ودلالة ذلك على اتصال العرب بالفرس من قديم الأزمان. هذا وأود أن أرد على ما قيل من خلو دراسة اللهجات من الفائدة لدراسة الفصحى. فالاستفتاء الذي بين أيدينا مثلاً قد نصل منه إلى جملة فوائد عملية، فيمكن أن نعرف منه مثلاً أي اللهجات الحديثة أقرب إلى الفصحى. وإذا وجد لفظ صحيح في إقليم ، محرف في إقليم آخر، عرفنا أن من السهل رده إلى أصله، وهذا ييسر لنا تقريب الفصحى من العامية. كذلك إذا وجدنا أن اللهجات الحديثة كلها أو جلَّها أجمعت على كلمة لم توجد في المعاجم القديمة، جاز لنا أن نفترض أن هذا اللفظ عربي فصيح، وإن ندَّ عن أصحاب القواميس. أما الخشية من أن تشغل هذه الدراسة وقت المجمع وجهده فيرد عليها بأن سوابق عمل اللجنة لا تدل على هذا، فقد جهدت اللجنة سنة أو تزيد لتقدم إلى حضراتكم هذا العمل الذي قدمته، فلن تزيد اللجنة عن الزاوية المقسومة لها، ولن يلح عليكم أعضاؤها بأبحاث لا تجدون فيها فائدة. *الدكتور منصور فهمي: طالب الحقيقة كما أعلم وكما أشار كثير من حضرات الزملاء لا يقصد إلى المنفعة قصدًا، بل يبحث عن كل ما غمض عليه، وهدفه الوصول إلى الحقيقة. وكل العلوم يساعد بعضها بعضًا؛ لأن كل العلوم تنتهي إلى الوصول إلى الحقيقة. هذا وكل هيئة مهما ائتلفت لأداء غرض من الأغراض فلكل فرد منها ميول خاصة، ولذلك قسم المجمع لجانًا، فإن كان من بين أعضاء المجمع من تدعوهم ميولهم إلى البحث في اللهجات، فلا ينبغي أن نقول لهم ونحن هيئة علمية تريد الوصول إلى الحقيقة من كل باب: لا تسيروا في اتجاهكم الذي هيأتكم له الطبيعة. هذا من جهة، وأعتقد من جهة أخرى أنه كما يساعد درس الجسم المريض أو المشوه في دراسة الجسم السليم، فكذلك دراسة اللهجات العامية – إذا عددناها لغات مريضة – تساعد على دراسة اللغة الفصيحة. وليس لدينا عمل يغمرنا لأن عملنا خالد، وقد تمضي لجنة اللهجات في درسها سنوات لتكتب لنا تقريرًا في صفحات. فمسألة الأهم والمهم، كمسألة الفائدة، لا ينبغي أن تدخل في حساب المجمعيين . *الدكتور طه حسين: أوافق على المنهج الذي وضعته اللجنة؛ لأنه هو المنهج الذي يعمل به المختصون في كل البلاد. وأستطيع أن أقول إنه منهج دولي أقرته كافة المؤتمرات الغوية. وأرجو أن يأخذ الأستاذ الرئيس الرأي على هذا التقرير. فاعترض الأستاذ علي الجارم وطلب أن يبحث المنهج فقرة فقرة، وأيده الدكتور عبد الوهاب عزام. ثم دارت مناقشة بين حضرات الأعضاء موضوعها: أيقر المؤتمر لجنة اللهجات على الخطة التي وضعتها بفقراتها الخمس أو يكتفي بإقرارها على البحث في اللهجات وإقرارها على أن تمضي فيه؟ وانتهى حضرات الأعضاء إلى الموافقة بالأغلبية على القرار التالي(1): " قرر المؤتمر الموافقة على الخطة التي تقدمت بها لجنة اللهجات، وتيسير الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق الأغراض التي تقدمت ببيانها في تقريرها الذي عرض على المؤتمر". |