محاضرات العالم العلامة الحبر البحر الفهامة ( اليوسي) رحمة الله عليه وعلى أبويه38 كن أول من يقيّم
وللشعراء قديماً وحديثاً في هذا ما يحسن ترداده، ويطول إيراده، فمن ذلك لأبي بكر بن حجة الحموي يتشوق إلى بلده قوله: بوادي حماةِ الشامِ عن أيمن الشـط وحقك تطوى شُقّة الهمّ بالبسـط بلاد إذا ما ذقت كـوثـر مـائِهـا أهيم كأني قد ثمِلْتُ بإسـفِـنْـطِ فمن يجتهد في أن في الأرض بقعة تماثلها قل: أنت مجتهد مـخـط وصوّبْ حديثَيْ مائِهـا وهـوائِهـا فإن أحاديث الصحيحين ما تُخطي وللآخر في تلسمان مثل هذا: بلد الجدار ما أمـرّ نـواهـا كلِفَ الفؤاد بحبها وهواهـا يا عاذلي في حبها كن عاذري يكفيك منها ماؤها وهواهـا ولابن حمديس الصقلي في بلده: ذكرت صقيلية والأسـى يهيج للنّفسِ تذكـارهـا فإن كنتَ أخرجت من جنة فإني أحدِّثَ أخبـارهـا ولولا ملوحة ماء البـكـا حسبت دموعي أنهارها وللأعرابي: أقول لصاحبي والعيس تخدي بنا بين المُنيفةِ فالضـمـار تمتع من شميم عرّار نـجـد فما بعد العشيّة من عَـرّار ألا يا حبَّذا نفـحـات نـجـد وَرَيّا روضه بعد القِطـار وأهلك إذ يحلّ الحي نـجـداً وأنت على زمانك غير زار شهور ينقضين وما شعـرنـا بأنصاف لهـنّ ولا سِـرار وللآخر في تونس: لَتونِسُ تونسُ من جـاءهـا وتودعه لوعة حيث سـار فيغدو ولو حلَّ أرض العراق يحن إليها حنين الـحُـوار ويأمل عوداً ويشتـاقـه اش تياق الفرزدق عَوْد النَّوار وللآخر في مدينة فاس: يا فاس حيا الله أرضك من ثـرى وسقاك من صوب الغمام المسبل يا جنة الدنيا التي أربـت عـلـى عَدْن بمنظرها البهيّ الأجـمـل غُرَفٌ على غُرَفٍ ويجري تحتها ماء ألذ من الرحيق السلـسـل وكثيراً ما يقع الحنين إلى المنازل والبلدان، من أجل من فيها من الإخوان والأخدان، كما قال القائل: أحب الحِمى من أجل من سكن الحِمى ومن أجل من فيها تحب المـنـازل وقال المجنون: وما حب الديار شغفن قلبـي ولكن حب من سكن الديارا وهي خصوصية في البقعة عارضة من سكانها كالذي في البيت، فإن الميل إليها يقتضي فضلها على غيرها بالنسبة إليه، ومن هذا المعنى أكثر العرَب ذكر الحِمى كقوله: فإن كان لم يغرّض، فإني وناقتي بحجر إلى أهل الحِمى غَرِضان تحنّ فتبدي ما بها مـن صـبـابة وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني الغرض المشتاق، وكقول الآخر: وإن الكئيب الفرد من جانب الحِمى إليَّ وإن لـم آتـهِ لـحـبـيب وكقول الآخر: وكنت أذود العين أن ترد البكا فقد وردت ما كنت أذودهـا خليليّ ما بالعيش عتب لَو أنّنـا وحدنا لأيام الحِمى من يعيدها وكقول الآخر: ألا أيها الركب المجِدّون هل لـكـم بساكن أجزاع الحمى بعدنا خُبْـر؟ فقالوا: قطعنـا ذاك لـيلاً وإن يكـن به بعض من تهوى فما شعر السَّفْر وكقول الآخر: بكت عيني اليسرى فلما زجرتها عن الغيّ بعد الشيب أسبلتا معا فليست عشيات الحمى برواجـع إليك ولكن خِلّ عينيك تدمعـا إلى غير ذلك. ويكثرون أيضاً ذكر كقوله: شيب أيام الفـراق مـفـارقـي وأنشزن نفسي فوق حيث تكون وقد لانَ أيام اللوى ثمَّ لـم يكـد من العيش شيء بعدهنّ يلـين وكقول جرير: لولا مراقبة العيون أرَيْنَـنـا مُقل المها وسوالف الآرام هل يَنْهَيَنَك أن قتلنَ مرقشـاً أو ما فعلن بعروة بن حزام ذُمَّ المنازل بعدَ منزلةِ اللّوى والعيشَ بعد أولـئك الأيامِ إلى غير ذلك. وأما نجد وهو ما ارتفع من الأرض من بلادهم وأكثر من ذلك كلّه كقوله: سقى الله نجداً والسلام على نجد ويا حبذا نجد على النأي والبعد وقول الآخر: أشـاقـتـك الـبـــوارق والـــجـــنـــوب ومـن عـلـوي الـرياح لـهــا هـــبـــوب أتـتـك بـنـفـحة مـــن شـــيح نـــجـــد تصـوب والـعـرار بــهـــا مـــشـــوب وشمت البارقات فقلت: جيدَتْ جبال البتر أو مطر القليب ومن بستان إبراهيم غنّت حمـائم بـينـــهـــا فـــنـــن رطـــيب فقـلـت لــهـــا: وقـــيتِ ســـهـــامَ رامٍ ورُقْـط الـريش مـطـعـمـهـا الـجــنـــوب كمـا هـــيجـــت ذا حُـــزْنٍ غـــريبـــاً علـى أشـجـانـهِ فـبـكـــى الـــغـــريب ومـا وجـد أعـرابـية قـــذفـــت بـــهـــا ..................الأبــــــــــــــــيات وتقدم شيء من ذلك، وهو كثير، وذلك في الغالب لحسنه في نفسه هواء وماء ومنابت ومسارح، والناس كلهم مجمعون على ذكر ديار الأحباب ومعاهد الشباب، ولا خصوصية للعرب، وإن كان لهم مزيد رقة. |