| النجم المتدين أبو تريكة | خرج اللاعب العالمي الشهير مارادونا من مسرح الأضواء والشهرة والتألق وهو يجر أثواب الخيبة، بعدما تورط في مسلسل الإدمان والمخدرات وتدنت أخلاقه، بحيث لم يعد في مقدور معجبيه في كل مكان أن يفصلوا بين أخلاقه وموهبته. وقد أثبت الواقع أن تدين اللاعب يسهم في تنمية موهبته، وأن موهبته مدعاة لمزيد من التواضع وشكر الله على آلائه، ومساعدة الناس، ونيل احترام زملاء المهنة وحصد مزيد من قلوب المشجعين. وهكذا أجمع المشجعون لكرة القدم العربية والمصرية على حب واحترام شخصية وموهبة النجم الخلوق محمد أبو تريكة -لاعب النادي الأهلي المصري والمنتخب الوطني- حتى إنه فاز الثلاثاء قبل الماضي 28-11-2006 بلقب أفضل لاعب عربي في الاستفتاء الذي طرحه موقع "العربية نت" لاختيار أفضل لاعب عربي في هذا العام. تُرى ما الأسباب الحقيقية وراء اعتلاء أبو تريكة قمة الحب الجماهيري؟ وما تأثير التزامه الديني والأخلاقي على سلوكه مع زملائه ومدربيه؟.. هذا ما سيعرفه محبو هذا اللاعب من داخل بيت والديه، وعلى لسان زملائه ومدربيه ونجوم الكرة المصرية. بار بوالديه | أبو تريكة مع والده | في البداية، يقول الحاج محمد محمد أبو تريكة (71 عاما) -والد نجم الأهلي- "كان محمد وما زال مثالا للولد التقي الذي يخاف المولى عز وجل؛ فهو منذ طفولته محافظ على صلاته وبار بوالديه، ورغم انشغاله وكثرة ترحاله فإنه يداوم على زيارتنا كل أسبوع تقريبا". ويضيف والده: "كما أنه يلوم نفسه كثيرًا عندما يخطئ في حق زميل أو جار له، ولا يتحرج مطلقا -رغم نجوميته- من طلب العفو ممن أخطأ في حقه، بل ولا ينام ولا يستريح حتى يعتذر له، ويطمئن إلى أنه قبل اعتذاره". ويشير أسامه أبو تريكة –الشقيق الأكبر لمحمد إلى تواضع أخيه فيقول: "لم تنل الشهرة من تواضعه بل على العكس، وأذكر أنه بعد أداء صلاه عيد الفطر الأخير، وكان معنا، جاءني رجل أعرفه وقال لي إنه يتمنى أن يصافح محمدا، ولكنه يخشى أن يتكبر عليه؛ فناديت على محمد وأخبرته بالأمر؛ فمشى إلى الرجل وعانقه معاتبا: كيف أتكبر على أهلي وأحبابي؟!". ويضيف أسامة عندما عوتب المدير الفني للأهلي مانويل جوزيه على تدليله لـ"أبو تريكة"، وحذروه من أن ذلك قد يفسده، قال لهم إنه ليس من نوعية اللاعبين الذين يفسدهم التدليل، وإنه لاعب من طراز "أوروبي"، يعرف حقوقه وواجباته. سر الرقم (22) ويحكي أسامة قصة الفانلة رقم (22) التي يرتديها أبو تريكة؛ فيقول إنه عندما وقَّع العقد مع النادي الأهلي قبل 3 سنوات، سافر إلى السعودية لأداء العمرة، وذهب للمسجد النبوي وفي أثناء خروجه من باب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم نظر أعلى الباب فوجد مكتوبا عليه رقم 22، فعندما عاد طلب من إدارة النادي إعطاءه الفانلة رقم 22. أما الكابتن حسن الشاذلي -أحد نجوم الكرة في الستينيات- فيشير إلى أن أبو تريكة يعطي أولوياته لدينه، وتفوق معاملته لزملائه معاملة الشقيق لأشقائه. ويضيف: "رغم علمه بحبنا له- قبل انتقاله للنادي الأهلي- فإنه لم ينتهز الفرصة لإملاء شروطه علينا؛ لأن النواحي الإنسانية عنده عالية جدا". ولأنه لاعب أصيل، فإنه -والكلام ما زال للشاذلي- ما زال مرتبطا روحيًّا ووجدانيًّا بنادي الترسانة؛ فهو لا يترك أسبوعا يمر دون الحضور للنادي والالتقاء بزملائه ورؤسائه ومدربيه القدامى. كما أن له "مندوبين" يقومون -كل شهر- بتوصيل "أموال" لبعض الفقراء الذين يستحقون الإعانات، وهذه مكرمة لا تأتي إلا من لاعب ذي خلق. ويستطرد الشاذلي قائلا: كان لـ"أبو تريكة" موقف نادر، حيث تحضرني واقعة حدثت بينه وبين زميل له في الفريق وقتها يدعى أحمد زغلول؛ فعندما طالبت الكابتن حسن فريد -رئيس نادي الترسانة- بضرورة وضع عقدين مختلفين للاعبين أحدهما لأبو تريكة يقضي بحصوله على مبلغ 60 ألف جنيه مصري (11 ألف دولار أمريكي) عن الموسم الواحد ولمدة 5 مواسم يزاد بمقدار 10 آلاف جنيه كل عام، بينما ينال زميله زغلول نصف المبلغ سنويا مع وجود نفس الزيادة؛ إلا أن حب أبو تريكة لزميله جعله يرفض التوقيع على هذا العقد بهذه الصيغة، وطالب بمساواته مع زميله ليصبح عقدهما بـ30 ألفا مع الزيادة، وعندما أرشدته إلى وجود فارق بين رأس الحربة والمدافع، رفض وأصر على المساواة!!. ويضيف: "وفي مرة ثانية، أعطانا الكابتن حسن فريد سلفة 10 آلاف جنيه لتوزيعها على اللاعبين، ونظرا لكثرتهم لم تكف إلا ثلاثة منهم فقط، فما كان من أبو تريكة -رغم ظروفه المادية المتعثرة وقتها- إلا أن رفض أخذ السلفة وتركها لزملائه؛ لأنه رأى أنهم يستحقونها أكثر منه.. هذا هو سر نجاحه وحب الناس له". قدوة حسنة | أحمد شوبير | الكابتن أحمد شوبير، نائب رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم المعلق الرياضي، يصف أبو تريكة بأنه "قدوة حسنة للاعبين"، ويقول: "أعتقد أن أبو تريكة من اللاعبين الذين أسهموا في تغيير المفاهيم الأخلاقية، من خلال إرسائهم مجموعة من التقاليد والمُثل العليا التي استطاع بأخلاقه أن يجعل الجميع يعترف بها". ويضيف شوبير، النائب بالبرلمان المصري: "في مباراتي الأهلي -هذا الموسم- أمام بتروجيت وطلائع الجيش ظل جالسا على دكة الاحتياط في المباراة الأولى ولم يلعب، وبقي حتى الدقيقة 35 من الشوط الأول، ولم يتذمر أو يعترض ولم يلوح بعروض وهمية من أجل إجبار المدير الفني على الدفع به، بل على العكس استسلم لقرارات جوزيه، واعتبر أن للمدير الفني وجهة نظر يجب احترامها؛ لأنه المسئول في النهاية أمام مجلس الإدارة؛ وهو ما يجعلنا نؤكد أنه بحق نجم من نجوم الزمن الجميل، أيام محمود الخطيب وإبراهيم يوسف وحمدي نوح". ويشير شوبير إلى أن "من أهم مزايا أبو تريكة إنكاره لذاته، حتى عندما يوفقه الله عز وجل في ترجيح كفة بلاده أو فريقه، فإنه يتوارى خلف الأضواء، معلنا أن ما أثمر عنه مجهوده إنما هو حصاد زملائه؛ وهو ما تحقق في كأس الأمم الإفريقية الأخيرة التي استضافتها مصر بداية عام 2006م، عندما تصدى لضربة الجزاء الأخيرة أمام منتخب كوت ديفوار، وعندما وفقه الله في إحرازها وحاول الإعلام أن ينسب له فضل الحصول على الكأس الغائبة منذ 8 سنوات، قال: هذا الفوز هو ثمرة كفاح حسن شحاتة (المدير الفني) وشوقي غريب (المدرب العام) ومجموعة الــ22 لاعبا بالفريق!". سبّاق إلى الخير | حازم إمام | أما الموهوب حازم إمام، لاعب المنتخب الوطني، قائد الفريق الأول بنادي الزمالك، فيصف أبو تريكة بأنه "من اللاعبين أصحاب الأعصاب الفولاذية؛ فهو يتمالك أعصابه عند الغضب والعنف الذي يلقاه من المدافعين؛ لدرجة أنك قد تجده يبتسم إن لم يقم الحكم بإنذار الخصم، ولا تجد للاعتراض مكانا في قاموسه". ويضيف حازم: "هذا فضلاً عن أنه حريص على إقامة شعائر دينه، وقد شاهدت ذلك بنفسي خلال انضمامنا للمنتخب الأول، وكيف كان يؤثر غيره على نفسه بإمامة الصلاة، رغم أنه من حافظي القرآن الكريم". ويختتم حازم كلامه قائلاً: "هو دائما سباق إلى الخير، حيث يزور جمعيات الأيتام باستمرار ويداوم على الالتحام بالأطفال ويداعبهم ويتقرب إليهم، إضافة إلى قيامه من آن لآخر بزيارة مستشفى السرطان الجديد، ومشاركته في الإعلان عندما طلبوا منه، بل الأكثر من ذلك هو قيامه بالتبرع المادي من إحدى مكافآته التي حصل عليها لصالح المستشفى". نجم خلوق ويرد جمال الغندور، رئيس لجنة الحكام المصرية الحكم الدولي السابق، كل ما وصل إليه أبو تريكة إلى توفيق الله ورضائه عنه، ويدلل على رقيّ أخلاقه قائلا: "إنه لاعب كرة من طراز فريد؛ فهو ليس جزارًا في الملعب، ولا يمثل دور الضحية لتحسب لفريقه قرارات غير صحيحة ضد الفريق المنافس؛ ولذلك فإنه يستحق لقب اللاعب النظيف". أما شوقي غريب -المدرب العام للمنتخب المصري الأول لكرة القدم- فيقول عنه: "هو مثال يحتذى به ولاعب قدوة، يجب أن تُدرس أخلاقه داخل ملاعبنا، بحيث يتعلم كل شاب وشبل من الرياضيين كيف يكون نجما خلوقا؛ فلم نسمع عنه يوما ما نسمعه عن بعض اللاعبين من سهر في المقاهي وشرب الدخان أو تناول المخدرات!!". ويشير غريب إلى أن أبو تريكة يفرح لزملائه عندما يحرزون أهدافًا وكأنه هو الذي أحرزها، ولا يبدي اعتراضا ولا تذمرًا من تبديله في أثناء اللعب أو حتى عدم إشراكه في المباراة من بدايتها، ويجلس على دكة البدلاء بمنتهى الرضا والأدب، بل إنه يشجع زملاءه ويدعو لهم بالتوفيق. راجع الرابط: |