البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : مشاهدات في زمن العولمة    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 فاطمة 
5 - فبراير - 2008
هذه الخواطر هي ثمرة تجربتي الخاصة ومشاهداتي لطبيعة البشر والبلدان التي تنقلت فيها وقمت بزيارتها طوعاً أو نظراً لظروف تستدعي تلك الزيارة . هي لا تشبه أدب الرحلة ولا المذكرات الشخصية بل هي تسجيل جاء عفو الخاطر لكل ما أثار انتباهي وتعجبي واستيائي أو استحساني في تلك الأمكنة التي زرتها ، وكنت قد احتفظت به مكتوباً وفاء للذاكرة وخشية نسيانه . ولقد قررت اليوم أن أشارك زوار هذا الموقع المميز بعض هذه الخواطر والمشاهدات والتي أريد من خلالها أيضاً توجيه التحية لرواد هذا الموقع الرصين والجاد ولدوره الرائد في خدمة الثقافة العربية بصفته حلقة وصل تجمع  بين الجاليات العربية المنتشرة في أصقاع العالم ولغتها الأم . 
  أنا فاطمة بنت البلد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
الأستاذة فاطمة : أهلاً وسهلاً بك في الوراق ويسعدنا أنك قبلت أخيراً الانضمام إلى مجالسنا فمرحباً وأهلاً بك مجدداً وشكراً لك لتلبيتك الدعوة ( ضياء )
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مشاهدات من أميركا (3)    كن أول من يقيّم
 
نعم أستاذ هشام فالشعب الأميركي ودود بغالبيته العظمى لكن الأجواء تغيرت كثيراً بعد حادثة 11 أيلول وحرب العراق وقبل هذا لم يكن الأميركي العادي يتعاطى السياسة مطلقاً ويظن بأن العراق في أفريقيا وكان من الصعب لو التقيت بأحد الجيران بالصدفة أن تسبقه بالسلام . لكن الإعلام موجه اليوم بطريقة مختلفة وهم اليوم يخافون منا .
أشكر الأستاذ عبد الحفيظ على مقالة محمد عابد الجابري كما أشكر الأستاذ زهير ظاظا على قصيدة المفدي زكرياء شاعر النشيد الوطني الجزائري الذي كنا نحفظ نشيده عن ظهر قلب ، وسأتابع اليوم سرد بعض المشاهدات : 
 
إكتشاف أميركا
 
تركت لبنان في الشهر العاشر من العام 2000 إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث يعيش أهلي هناك في ولاية تكساس الجنوبية الواقعة مباشرة على الحدود مع المكسيك وهي من أكبر ولايات أميركا الإثنين وخمسين .
أهلي يقيمون في مدينة دالاس وهي ثاني المدن التكساسية بعد العاصمة أوستن .
تكساس بالأساس هي منطقة صحراوية ولكن اليد الأميركية الماهرة حولتها إلى أرض خضراء عن طريق إقامة السدود الضخمة وتجميع المياه في بحيرات كبيرة يستفاد منها بالري في أيام القحط . لذلك أنت ترى دائماً وعلى امتداد الولاية مساحات شاسعة من الغابات الخضراء التي تساهم بشكل فعال في ترطيب الأجواء وحفظ التربة .
والميزة الثانية في تكساس هي امتدادها طولاً وعرضاً على شكل سهل منقطع النظير . والمسافر في الطائرة يستطيع أن يلاحظ هذا بسهولة فالطائرة تحلق لزمن كبير فوق المنطقة وفوق بيوت مرصوصة بجنب بعضها البعض . وهذه البيوت كلها مؤلفة من طابق أو طابقين فقط وعلى امتداد البصر ولساعات طويلة . مما يحوّل المشهد إلى روتين رتيب فيما بعد .
أميركا بلد غني ومنظم جيداً ويستطيع الإنسان العيش فيه براحة تامة . وهي بلد حديث المنشأ . عمره لا يتعدى الثلاثمئة سنة لذلك هو جديد أو حديث بكل ما تعنيه الكلمة .والأرض الأميركية الشاسعة تستوعب وبحاجة للكثير من الناس ليقيموا أو يعملوا فيها لذلك ترى حولك عدداً هائلاً متنوعاً من الأجانب يعملون ويعيشون جنباً إلى جنب في تلك القارة الشمالية .
في الحقيقة أنا لم أقرر الذهاب لتكساس بالصدفة بل ذهبت إلى هناك بسبب وجود عائلتي في تلك الولاية . وعائلتي كذلك قصدتها بسبب وجود خالتي فيها وخالتي هي الأخرى كانت تعيش في ولاية إنديانا الشمالية الشديدة البرودة ثم قررت النزوح إلى تكساس لأنها كانت تحلم بأن تشتري قطعة أرض هناك ومن ثم وعندما يكتشفون فيها النفط فإنها ستصبح غنية بطريقة سهلة على الطريقة الأميركية وهذا ما لم يحدث حتى وقتنا الحالي . على كل تكساس غنية بالنفط وغنية كذلك بمصانع التكنولوجيا المتطورة والمعلوماتية لذلك جذبت إليها العديد من الناس الذين يفتشون عن عمل في هذا المجال وكان إخوتي من بينهم . فمعظمهم يعمل في مجال المعلوماتية وهم ناجحون في اختصاصاتهم .
 الرحلة إلى أميركا طويلة جداً ومملة فهي تستغرق حوالي 22 ساعة من الطيران وفترات الإنتظار ( الإسكال ) . وقد وصلت أول مرة إليها في تاريخ 16/10/2000 . وأول انطباع تركته لدي كان سلبياً وأنا شخصياً أعتقد بأن المدن والبلدان كما الأشخاص تترك لدينا انطباعاً أولياً بالقبول أو عدمه من المرة الأولى .
سفري إلى أميركا لم يكن أول سفر لي فقد كنت قد زرت النمسا عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري ومن ثم أقمت لمدة سنة كاملة في فرنسا وفي باريس بالذات أثناء دراستي الجامعية . ولم تترك البلدين لدي ذات الإنطباع . على العكس من ذلك أنا أحن إلى فرنسا عموماً وإلى باريس خصوصاً .
أميركا بلد واسع وكبير جداً وهذا يؤثر برأيي على أشخاص مثلي قادمين من بلدان صغيرة المساحة وقليلة عدد السكان نسبياً . هذا بالإضافة لضخامة كل شيء هناك ابتداءً من المطار, إلى الشوارع, إلى الجسور, إلى المباني , إلى السيارات إلخ .. كل شيء كبير وضخم حتى البشر هناك من ذوي القامات الضخمة بمعظمهم . وأعتقد أن كل هذا لا يشعرك بالأمان ولا بالحميمية .
ثاني مشكلة يعاني منها القادمون من بلدان صغيرة مثلي هي بعد المسافات أثناء التنقل . فهناك دائماً مساحات كبيرة عليك أن تقطعها عندما تريد الإنتقال من مكان إلى آخر . وهذا عائد إلى أنهم يعتمدون مبدأ السكن الأفقي وليس العمودي . وإذا ما علمت أن دالاس فيها حوالي 12 مليون نسمة . فعندها نستطيع تقدير حجم المساحة المنتشرين عليها بكل بساطة .
عند وصولي لأميركا كان أهلي ( والدتي وأخي وأختي الصغرى فقط ) يسكنون في منزل مستأجر من ثلاث غرف نوم وصالون وسفرة وهو يقع في منطقة متوسطة المستوى وقديمة نسبياً . الجيران كان بعضهم لطيفاً وودوداً والآخر غير مكترث على الطريقة الغربية !! ولكن الشعب الأميركي بمجمله ودود وهذا عائد لكونه مؤلف من أقوام وأعراق وجنسيات مختلفة . وهذا ينطبق على الكل باستثناء الهنود الحمر أو السكان الأصليين الذين لا يختلطون بالوافدين الجدد أبداً . الشيء الوحيد الذي يزعج : هو الشعب المتحدر من أصول أوروبية ( أنغلو_ساكسونية ) فهو الأكثر عجرفة . وبما أنه لا يستطيع أن يحتكر ملكية الأرض لنفسه فهو يحتكر حق القيادة المتأتي عن حق الأقدمية فقط وفقط لا غير . وهم أي البيض يصنفون الأقوام الأخرى على طريقتهم الخاصة .
لم أمكث في الزيارة الأولى سوى شهرين قمت أثناءها بالتعرف على خالتي وأولادها السبعة المنتشرين في دالاس وجوارها . وكذلك تسجلت في الجامعة في الدراسات العليا لعلم النفس وقمت بالإجراءات القانونية التي تسمح لي فيما بعد بالحصول على الجنسية ( من ضمان صحي وبطاقة الهوية وبطاقة الإقامة ) ومن ثم عدت إلى لبنان مصطحبة معي شقيقتي الصغرى زينة شهر ونصف بالضبط ( من كانون الثاني إلى منتصف شباط ) وكان الطقس جميلاً لحسن الحظ وتمكنا من أن نريها بعض الأماكن المحدودة متأملين بأن تتمكن من العودة ثانية في الصيف , ولكنها لم تتمكن  من ذلك حتى الوقت الحاضر .
 
 
*فاطمة
20 - فبراير - 2008
مشاهدات من أميركا (4)    كن أول من يقيّم
 
 
الحلم الأميركي
 
ثم عدنا إلى دالاس مرة ثانية .
وقد زرت في أثناء إقامتي هذه المرة ولاية أوكلاهوما وولاية أركنساس وولاية كاليفورنيا ونيويورك . كذلك قمت بزيارة إلى شمال الولايات المتحدة إلى ديترويت ميشيغن حيث قضيت هناك حوالي الشهرين والنصف بضيافة زميلتي نوف .
وأميركا ليست مسلية أبداً لمن يمكث فيها فترة طويلة من الزمن فأينما ذهبت تجد نفس المطاعم ونفس الفنادق ونفس الملاهي ونفس المنتجعات ونفس " المولات " الاسم الذي يطلقونه على المخازن الكبرى ونفس الأسماء . فهم يعتمدون على نظام السلسلة التي تقوم بفتح فروع لها في كل المدن . والمضحك بالأمر أنهم حتى يستأجرون المحلات بنفس الترتيب في كل مكان .
المهم عندما تسأل أميركياً عن ماذا يفعل في أوقات فراغه فهو لا يتردد بأن يجيبك على الفور : أكل وتسوق وهذا هو شعارهم الأول . وهذه هي الهواية التي يمارسها 90 بالمئة من الشعب الأميركي . أما الباقي فيمارسون الهوايات المكلفة الأخرى كلعب الغولف والتنس وقيادة الزوارق المائية واقتنائها أو ركوب الخيل واقتنائها كذلك وهذا ما تراه كثيراً في تكساس .
وإذا أردت التفصيل أكثر حول أميركا والأميركيين فإنني أستطيع البدء بأول شعور يتكون لديك عن البلد والشعب ( لأنني أعتقد بأن طبيعة الأرض تؤثر في طبيعة البشر , وكذلك طبيعة النظام السياسي السائد ) . بلد غني بكل شيء بالموارد الطبيعية المتنوعة وكذلك بطبيعة متنوعة فهو ممتد جغرافياً على مسافة واسعة من الأرض ويمكنك أن تختار هناك بين الطبيعة الجبلية أو السهلية أو المتوسطة الإرتفاع . أو بين المناخ الحار جداً والبارد جداً أو المعتدل . أو يمكنك أن تعيش قرب البحر أو في الصحراء أو في الغابات الشاسعة والتي لا تزال بكراً في أكثر المناطق .
وإذا أردنا التكلم عن السكن فهو متوفر وبسهولة في هذه البلد كذلك العمل متوفر وبكثرة وحتى المتقاعدين والطاعنين في السن يمكنهم من إيجاد عمل مريح يسليهم ويجعلهم على احتكاك مباشر بالناس إذا أرادوا ذلك .
وفي أميركا تسهيلات مالية كبيرة لمن أراد ذلك وعلى كافة الأصعدة . فحتى وأنت طالب تستطيع أن تحصل على قروض ميسرة من البنوك تستردها منك عندما تبدأ بالعمل وعلى دفعات . كذلك تستطيع الحصول على قروض للعمل والإستثمارات الصغيرة والكبيرة كذلك أنت تستطيع في تلك البلاد أن تشتري من أغلى المحلات وأن تدخل إلى أغلى المطاعم وأن ترتاد أفخم الأندية . وأن تدفع ثمن كل ذلك بواسطة بطاقات الدين التي تمنحك مبالغ معينة وتستطيع أن تسددها بطريقة مريحة .
باختصار شديد الحياة سهلة مسهلة جداً في أميركا . وكل من يعيش في تلك البلاد يستطيع أن يلمس هذا بسرعة وأن يتمتع بنظام الحياة . هذه إذا شاء ذلك !! أو إذا شاءت له الأقدار والظروف ذلك !! فهناك دائماً ولكن مخفية في مكان ما من ذلك النظام .
ولكن ... لنظام الحياة هذا ثمناً وثمناً باهظاً أيضاً !! فهو ككل شيء سهل .. يوصل إلى الحائط المسدود .
فالأميركي ( أياً تكن هويته ) لا يستطيع أن يحيا حياته على مهله فهو مضطر لأن يسابق الزمن دائماً لكي يشعر بأنه مسيطر على جزء من حياته . فعندما يدخل الشخص في نطام الإقتراض السهل هذا ( وخصوصاً في الفترة الأولى ) لا يدري إلا وهو مكبّل بكميات كبيرة من الدين الذي يجب عليه سداده : فمن قسط التعليم إلى قسط الهاتف , إلى قسط السيارة , إلى قسط المنزل , إلى قسط الأثاث , إلى قسط الطبابة والأدوية , إلى قسط الإجازات والترفيه إلى قسط بعض المصاريف النثرية المتفرقة من ماء وكهرباء وخلوي . كل هذا يجعله مكبلاً . وتصبح الحياة عملية حسابية معقدة بين ما تنتجه وما تستهلكه من أموال . والأمور تبقى صمن المعقول إذا ما كنت تعمل بشكل دائم ومنتظم ولديك دخل مقبول . ولكن !! وهنا الكارثة إذا ما طرأ أي خلل على واحد من هذه السلسلة فستنكسر على الفور وتقع تحت العجز وتبدأ هنا المشاكل التي تتوالى ساعتها مثل لعبة الدومينو. وهنا يكمن الخطر في هذا النظام فهو كالمطحنة لا يحمي الأفراد بل يجعلهم أرقاماً تتوالى وتتتابع. العروض كثيرة ولكن المنافسة كبيرة كذلك وطريقة العمل تتم على شكل حلقات في سلسلة طويلة ومتصلة وعندما تنكسر إحداها يتم استبدالها على الفور فالبديل جاهز دوماً .
وفي نظام يعتمد على القدرات الفردية ويعززها فإن المنافسة التي تخلقها الوضعية السائدة تحول الجميع إلى أعداء وتشجع على التناحر والتنابذ وإبعاد الآخر .
والشخصانية والفردية من مميزات معظم الشعوب الأوروبية ولكنها تبقى الأقوى في النظام الأميركي الذي مع الأسف تحاول كل الأنظمة الأخرى في العالم تقليده . ليس لأنه الأنسب إنسانياً بل على العكس لأنه الأنسب مردوداً اقتصادياً ومادياً وبما أن الحرب الكونية الحالية هي حرب إقتصادية فالكل يلهث لكي يلحق بالركب الأميركي واضعاً راحة وسعادة أفراده على جنب .
وبالرغم من عمليات غسل الدماغ المستمرة التي يتعرض لها المواطن الفرد هناك فإن عمليات الغسل هذه والتي تتم بواسطة الإعلام بكل أدواته وبواسطة طريقة التربية والتعليم المعتمدة والتي تعزز سلماً للقيم لا علاقة له بالقيم أصلاً . بالرغم من كل هذا وبالرغم من نفخ الروح المعنوية لدرجة الغرور المبالغ فيه . فإن المواطن الأميركي قلق وغير مستقر . لأنه يشعر بالغريزة وبالحدس بأن وضعه غير ثابت وبأن مصيره ومصير من حوله دائماً مهدد .
وهذا الأمر نفسه ينسحب على السياسة . فالأميركي يثق بساسته ( بشكل عام ) ثقة عمياء . وهو يصدق معظم ما ينقل له عبر الإعلام من أكاذيب : بكل بساطة هو لا يهتم بالتفاصيل من حوله . المهم أنه " مرتاح " يأكل ويشرب ويقتني منزلاً وسيارة إلخ .. حتى لا يتورط في أي عمل آخر . وأكثر الأميركيين لا يتدخلون في ما يحيط بهم من باب أنهم لا يتدخلون في شؤون الآخرين . وكأن كل واحد منهم يعيش في جزيرته الخاصة منعزلاً ووحيداً . لذلك أنت تجدهم مربكين ومحتارين عند أول مشكلة تصادفهم وينهارون بأسرع مما تتخيل لأنهم غير معدين تربوياً وقيمياً لمواجهة الصعاب . وإذا واجهوها فهم يواجهونها منفردين . فيسهل عندها انكسارهم وتحولهم مرضى نفسيين ( وهذا يفسر أسباب كثرة المعالجين النفسيين في تلك البلاد ) .
وهناك مشكلة كبيرة في ذلك المجتمع تبرز للعيان فوراً وهي التمييز العنصري الواضح والجلي في كل مرافق الحياة .
وبالرغم من النفي المتكرر للك وبالرغم من القوانين التي تمنع التمييز وتعاقب عليه وخصوصاً تجاه السود والملونين . إلا أن كل هؤلاء لا يزالون يعانون الأمرّين في ذلك البلد . بالإضافة إلى أنهم متهمون بكل الجرائم : الصغير منها والكبير . لذلك يعمد البيض منهم إلى مغادرة أي منطقة يسكن فيها الملونون حتى لا يضطروا للإختلاط بهم . وهذا ما يؤدي لنشوء الكانتونات . فهناك مناطق خاصة بالسود , ومناطق خاصة بالمكسيك , ومناطق خاصة بالصفر ( أي الصين والفيتنام واليابان إلخ .. ) . كذلك يظهر التمييز جلياً في توزيع الأعمال . فالقيادة هي دائماً للبيض ( في غالب الأحيان ) والجامعات المهمة التي تخرج القادة هي حكر على طبقة معينة من الشعب (أوكسفورد , هارفرد , يال إلخ ..) ولا يمكن لعامة الشعب من ارتيادها بسبب أقساطها الباهظة.
والولايات المتحدة تستورد مئات آلاف العمال من كافة أنحاء العالم ( الثالث والعاشر منه حتى ) الذين يعملون بأجور زهيدة تبدأ من ثلاثة دولارات بالساعة وتصل في أقصاها إلى ثمانية دولارات بالساعة مما يضطرهم للعمل ليل نهار لكي يتمكنوا من جمع قوتهم . بينما لا يقبل الأميركي أن يقوم بهذه المهام حتى لو بقي عاطلاً عن العمل . ويبقى الجميع يحيا ويعيش على أساس أنه واحد من مجموعة ضخمة وكبيرة وفخورة ببلدها من ضمن وهم كبير اسمه : الحلم الأميركي .
 
 
*فاطمة
20 - فبراير - 2008
قراءة في السياسة الأميركية (5)    كن أول من يقيّم
 
 
قراءة في السياسة الأميركية
 
كلما أقرأ أو أسمع أو أشاهد ما يجري حالياً في العالم بأجمعه من مشاكل سياسية وأقتصادية وعسكرية يتبادر إلى ذهني وعلى الفور السؤال البديهي :
ما هو دور الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها فيما يجري ؟؟ ولا أمتلك إلا أن أعجب لهذا التحول الرهيب الذي طرأ على هذا النظام الذي يمتلك القوة الكافية للسيطرة على العالم , ولا أقصد السيطرة العسكرية فقط بل السيطرة السياسية عبر خطوط وشبكات منظمة تعمل بشكل حثيث على استيعاب كل المستجدات الحديثة مدعومة بأكثر التقنيات تقدماً وكماً لا يستهان به من العلماء والمختصين والبحّاثة في كافة المجالات بالإضافة لثروات مادية وطبيعية كبيرة . أعجب كيف تحول نظام كهذا كان من المفترض به أن يكون رمزاً للعالم الرأسمالي الحرّ إلى نظام يعتمد شيئاً فشيئاً على العقائد والأيديولوجيات الدينية وفي نفس الوقت يحارب الأيديولوجيات الأخرى سياسية كانت أم دينية , فيحرّم على غيره ما يحلله لنفسه . والأنكى من هذا إنه يحاول فرض وجهة نظره على باقي العالم بالقوة . لا أحد ينكر هنا تدخّل المصالح الاستراتيجية عبر محاولات السيطرة الحثيثة على الثروات المادية وإبقائها في متناول اليد ولكننا لا نستطيع أن ننكر أيضاً أنه يجري توظيف كمّ كبير من الجهد والمال والدبلوماسية للدفاع عن هذه الأيديولوجيا المتبناة حديثاً والتي إبتدأت تهدد هذا التوجه المؤدلج بامتياز .
فالإستمرار بسياسة الكيل بمكيالين والفهم الخاطئ للأمور وبناء سياسة الدولة المقبلة على أساسها سيجعل من أميركا تدفع ثمناً غالياً لذلك , وهي ابتدأت فعلاً بالتورط في مشاكل كثيرة لا حصر لها على صعيد العالم كله وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط الكبير وأسيا .
 إن التصنيفات الأيديولوجية التي تطلق من قبل الساسة الأميركيين على كل من يقف بوجههم كمعسكر الخير والشر والمنظمات الإرهابية والأنظمة التي تدعم الإرهاب . كل هذا ورّط وسيورّط الإدارة الأميركية إذا لم تحتكم من جديد إلى العقل وحسن الرؤية في المزيد من المشاكل التي ستنعكس سلباً على أدائها الداخلي كما الخارجي . والشعب الأميركي الذي لا زال حتى الآن يراقب بحذر ما يجري على الساحتين الداخلية والخارجية لا بد وبالرغم من كل حملات التضليل التي تمرر على مسامعه من أن يعي الحقيقة التي لا تصل مسامعه حالياً , وأن يرفض كل ما يروّج في العالم باسمه عبر من فوّضهم القيادة عنه . أنت تستطيع أن تمنع عن الناس معرفة الأسباب الحقيقية للمشاكل ولكنك لا تستطيع أن تحجب عنهم النتائج أو حتى تزويرها لفترة طويلة .
إن المصالح الأميركية إبتدأت تتضرر من ما يجري والخسائر البشرية والمادية كبيرة جداً وقصة التخويف من خطر خارجي محتمل أصبحت واضحة ومفضوحة وأصبح الخوف من أن نفقد أبناءنا وأعمالنا وكل الامتيازات التي جاهد الجميع لأجل الحصول عليها أكبر من الخوف الأول أو التخويف إن صح التعبير .
فلا أعتقد أن الدول والحكومات من الممكن أن تستمر في خداع شعوبها لفترة طويلة وخصوصاً إذا كانت هذه الشعوب تمتلك سبل المعرفة بالإضافة إلى بعد الرؤية عند بعض أبنائها الذين لم تطمس أعينهم الأكاذيب والأضاليل فيقومون بحملات توعية حول حقيقة ما يجري لأن العقل والمنطق السليم يقولان بأن ما من أحد يريد أن يضحّي بنفسه وبأمانه وبمستقبله ( فكل هذه مكتسبات قد حصل عليها ) في سبيل أهداف وهمية وخيالية ستكلفه الكثير على المدى الطويل وأهمها وأولها ضياع مكتسباته ولا تقدم له بالمقابل سوى حلماً بالسيطرة والتفوق من أناس ذوي رؤية سياسية ضيقة وعقيمة يبحثون عن مصالحهم الهاصة ويريدون تنفيذ رؤياهم الخاصة .
 أخيراً وليس آخراً يجب على هؤلاء أن يتذكروا أن من غيّر وجه العالم والتاريخ نحو الأفضل كانوا بالنسبة لمجتمعاتهم التي عاشوا فيها هم الأضعف والأكثر فقراً ولكن الأكثر عزيمة وإرادة .
كذلك ( وإذا اعتمدنا على الأيديولوجيا والعقائد التي يتبناها القادة الأميركيون ) لا زالت أفكارهم وشخصياتهم هي المحرّك الأول لمعظم أمم وشعوب هذه الأرض ,
فحذار ...... من اللعب بالنار فهي ستأكل الجميع في النهاية .
 
*فاطمة
20 - فبراير - 2008
قراءة في السياسة الأميركية (6)    كن أول من يقيّم
 
صراع قديم حديث
 
في الصراع الذي يدور حالياً في العالم, جرى تصنيف للقوى المتقاتلة تحت عنوانين عريضين : صراع الحضارات وصراع الخير والشر. طبعاً ليكون هناك صراع بين الخير والشر, يجب أن يكون هناك أخيار وأشرار !!
 
والمفارقة تكمن في أن هذا المفهوم الأيديولوجي المأخوذ من المثولوجيات القديمة والذي تمّ إدخاله كمفهوم في الأديان التي تحمل اسم أديان الكتاب وخصوصاٍ الرئيسية منها : اليهودية والمسيحية والإسلام , هو مستند على ما نقل وذكر في الأساطير المعروفة لمعظم شعوب العالم القديم , وكنا اعتقدنا بأننا تخطيناه مع التقدم العلمي الكبير ونشوء مفاهيم جديدة في علم نفس الإنسان .ولكنه عاد يطفو على السطح من جديد وعلى ألسنة كبار الساسة في العالم الذي نطلق عليه لقب متمدن وحضاري, بعد أن كنا نسمعه يتردد كثيراً على ألسنة السياسيين في العالم الثالث والذي "يطلق" عليه لقب متخلّف.
 
وبعد أحداث وخضّات تعرّض لها هذا "العالم المتمدن" تطورت هذه التسمية وتحولت إلى لقب جديد: الإرهاب . والإرهاب يتبعه حكماً الإرهابيون و... مكافحي الإرهاب والإرهابيين , وهؤلاء هم أبطال العصر الحديث بامتياز وبلا منازع. تلك فئة ضالة وشريرة , وتلك فئة شريفة وخيّرة ومؤمنة , تتلقى تبعات أخطاء الفئة الأولى بصبر وأناة , يدفعها لذلك إيمانها القوي بالحق والخير والعدالة , وتكليف إلهي طبعاً ( للمناسبة هذه التصنيفات متّبعة من الفئتين مع الأخذ بالاعتبار موازين القوى ) .
وهذه الأوصاف والنعوت التي أصبحت تتردد دائماً ونسمعها باستمرار في كل وسائل الإعلام والفنون ( حتى السينمائية منها ) المسيطر عليها من هذه الفئة أو تلك , كما أصبحت عبارات مثل عبارة الشيطان الأكبر , والشر المطلق تصدر من كلا الجانبين لتصف العدو اللدود والمتواجد دائماً في الجانب الآخر !!
 
وغني عن القول إنه توجد فئة ثالثة بين الفئتين متأرجحة بين الشياطين والملائكة ودفع ثمن هذا غالياً . فالصراع قوي و"من ليس معنا فهو ضدنا" وعليها أن تختار عاجلاً أم آجلاً!!!
والمفارقة التي تكمن في هذه المسألة , أننا وبكل بساطة نستطيع تبديل المواقع فيصبح الإرهابي بطلاً والعكس صحيح . وتبقى اللعبة على حالها ويبقى الصراع قائماً. وكلما زادت حدة الضغط والتعبئة من طرف زادت حكماً ردة الطرف الآخر. وقد أدى هذا لاستقطاب كبير في العالم كله وأصبح الوقوف على الحياد مستحيلاً أو على الأقل صعباً. ومن سيخالف سيدفع ثمناً باهظاً من الطرفين.
 
ويحق لنا هنا كمراقبين لما يجري أن نتساءل ؟ لماذا اخذ هذا الصراع هذه الدرجة من الحدة ؟ ولماذا عاد وأخذ شكلاً دينياً وعقائدياً من جديد؟ وهل هي الصدفة وحدها التي جعلته ينحصر بالإسلام والمسلمين من جهة وبالمسيحية-اليهودية من جهة أخرى؟
 
كذلك يحق لنا أن نسأل: كيف استطاعت عقائد وأفكار عمرها آلاف السنين أن تلتف من وراء ظهر كل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي(بل ومستخدمة أياه في عملية الصراع هذه ) لإعادة إحياء أيديولوجيات قديمة كنا قد بدأنا لفترة من الزمن نطلق عليها أساطير الشعوب الفديمة , وخطابات ذات بنية أسطورية ؟
 
وكيف يمكن لنا ونحن أبناء هذا العصر أن نفهم ونتفهم أن تتهم شعوب بأكملها بالجهل والتخلف لمجرد انتمائها الديني والعقائدي في نظام هو يتّبع في نفس الوقت عقيدة ليست بعيدة بحوهرها عن العقيدة الأخرى المتّهمة. كذلك أن يتم الحكم على هذا كله من خلال ممارسات بعض المعتنقين والتي هي تتفاوت حكماً تبعاً لمعطيات كثيرة ابتداءً من الموقع الجغرافي مروراً بالوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي .. ويتم تصنيف البشر على هذا الأساس ويتساوى الجميع بدون استثناء!!
 
ويحق لنا التساؤل هنا كيف استطاع البشر أن يصلوا بالصراع إلى هذه النقطة الخطيرة والتي أدت لإشعال حروب صغيرة ومتفرقة ( كما يحصل حالياً في مناطق الشرق الأوسط وآسيا ) ومن الممكن أن تهدد بإشعال حرب كونية ثالثة لاتبقي ولا تذر.
 
كل ذلك لإرواء الغرائز التملكية والتوسعية وإلغاء الآخر . هذا الصراع القديم-الحديث والذي عمره من عمر أول بشري على سطح الأرض. وللمضي في هذا أعطى لهذا الصراع صبغة دينية لتضفي عليه المشروعية اللازمة ولإيهام الآخرين ممن انقادوا للعبته بأنه يمثل الحق ويحمي العدالة والقيم الإنسانية بتكليف إلهي صرف.
 
ما هي الأسباب والدوافع النفسية التي حدت بالإنسان المتحضر للوصول بالصراع إلى هذا المستوى من الخطر ؟ وإذا قمنا بدراسة معمقة لحضارتنا الراهنة , هل ستكون النتيجة لصالح النوع ككل أم لصالح جزء من غرائزه ؟ وما كان الهدف من بناء هذه الحضارة المتقدمة إذا لم تؤمن لنا الحد الأدنى من الأمان والاستقرار ؟
 
*فاطمة
21 - فبراير - 2008
 1  2