البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : مدارس النثر العباسي    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
5 - فبراير - 2008
يعد عهد الخلافة العباسية[132- 656 هـ ] العصر الذهبي للإبداع العربي؛ إذ بلغ ذروة التطور والازدهار، ولاسيما في العلوم والآداب .. وذلك لأسباب، منها:
_  الانفتاح الثقافي على ميراث الأمم [اليوناني والفارسي والهندي] عن طريق الترجمة والاندماج مع الآخرين؛ ومن ثَمَّ حرص العلماء والكتاب على الاطلاع على بلاغة الأمم الأخرى.     
_  تأثير علم الكلام وتطور مذاهبه وأفكاره؛ فقد عرف العصر حركات ثقافية مهمة وتيارات فكرية متنوعة بفضل الجدال الديني المحتدم في العصر الأموي، و التداخل العجيب بين الأمم ...
_      كون الدواوين مدارس بيانية يتنافس فيها الكتاب من حيث شكل النثر ومضمونه.
_  كانت العربية قد أصبحت اللغة الرسمية في البلدان الخاضعة لسيطرة المسلمين، وكانت لغة العلم والأدب والفلسفة والدين لدى جميع الشعوب. وقد كتب النتاج بمجمله في اللغة العربية مع أن قسماً كبيراً من أصحابه ليسوا من العرب !!
_  انتشرت المعارف في العصر العباسي ، وكثر الاقبال على البحث والتدوين، وأنشئت المكتبات وراجت أسواق الكتب وقد وضعت المؤلفات في مختلف فروع المعرفة، في التاريخ والجغرافيا، والفلك والرياضيات، والطب والكيمياء والصيدلة، والصرف والنحو، واللغة والنقد، والشعر، والقصص والدين، والفللسفة والسياسة، والأخلاق والاجتماع وغير ذلك .. ويكفي أن نقرأ كتاب الفهرست لابن النديم لنعرف إلى أي مدى كانت حركة التأليف مزدهرة .. وأقبل الأدباء على الثقافات الجديدة يكتسبون منها معطيات عقلية، وقدرة على التعليل والاستنباط وتوليد المعاني، والمقارنة والاستنتاج .. فالأدب العباسي جاء أغنى مما سبقه.
_      تشجيع الخلفاء والأمراء والولاة، وإقبال العرب على الثقافات المتنوعة.
وهذا كله كان له -بلا جدالٍ -أبعد الأثر في جعل الزمن العباسي عصرًا ذهبيًّا في الحياة الفكرية، والأدبية. " 
حقًّا تركت الثقافات الدخيلة أثراً عميقاً في علوم العرب وفلسفتهم، ولكن آداب الأعاجم لم يكن لها مثل هذا الأثر فالعرب لم ينقلوا إلا جزءاً ضئيلاً من الآداب الأعجمية، لأنهم لم يشعروا بحاجتهم إليها ولم يكن أدباء العرب وشهراؤهم يتقنون لغات غربية، فظل أدبهم في مجمله صافياً بعيداً عن التيارات الأجنبية.
وقد غلب الطابع العربي على الأعاجم الذين نظموا وكتبوا بالعربية، فتأثروا بالاتجاهات الأدبية العربية وانحصر تجديدهم ضمن القوالب التقليدية فالعصر العباسي حمل الأدب كثيراً من التجديد، ولكن ضمن الأطر التقليدية.
ومن ثم كثرأعلام النثر عصرئذٍ، و تعددت مدارسه وتباينت أساليبه، ويمكننا إجمال ذلك في التصنيف الآتي:
مدرسة الطبع:
تلك التي يعتمد أصحابها على الموهبة في الإبداع، ويكون أسلوبهم سهلاً ممتنعًا، ولا يظهر فيه الهفوات اللغوية أو النحوية أو البلاغية التي نراها عند فاقدي الموهبة!!!
ورائد هذه المدرسة في نظري هو ابن المقفع، ومعه سهل بن هارون.
مدرسة الصنعة:
تلك التي يعتمد أصحابها على الموهبة في الإبداع ثم يحوك وينقح ويحكك إبداعه بثقافات عدة بعضها ذاتي عن طريق قراءاته ومحفوظاته أو غيري عن طريق عرض غبداعه على الفحول من أهل الثقافة العربية الأصيلة. وكذلك لا يظهر في إبداع أصحاب هذه الدرسة  الهفوات اللغوية أو النحوية أو البلاغية التي نراها عند فاقدي الموهبة، أو الثقافة، أو هما معًا!!!
ورائد هذه المدرسة في نظري هو الجاحظ وأبوحيان التوحيدي.
والمدرستان متساويتان متوازيتان، لا يمكن تفضيل واحدة على الأخرى؛ لأن الحكم بينهما هو الذوق، والأذواق -كما نعلم- مختلفة.
مدرسة النصنع:
تلك التي يغلب على أصحابها الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، ويكون مبدعها فاقدًا للموهبة والثقافة، أو معتمدًا على الثقافة وحدها؛ ويكون الدافع على الإبداع عنده ضعيفًا، غير بارز في شخصيته أو ثنايا نصه؛ ومن ثَمَّ يظهر في إبداع أصحاب هذه الدرسة  الهفوات اللغوية أو النحوية أو البلاغية بسبب فقدان الموهبة، أو الثقافة، أو هما معًا!!! 
والتصنُّع قد يكون إيجابيًّا إذا خلا الإبداع من تلك الهفوات، لكنه يندرج في الأدب الوسَط. ورائد هذه المذهب ابن العميد وأبوالعلاء المعري والهمذاني والحريري والقاضي الفاضل، والعماد الأصفهاني...
وقد يكون سلبيًّا ذاخرًا بهذه الهفوات والأغاليط، وبالتالي يندرج في الأدب المنحدر الهاوي الهابط. ومن هؤلاء ابن إياس في تاريخه، ونُثَّار القرن الأخير من العصر العثماني.
 وفي قادم التعاليق مزيد تحليل لفنون النثر العباسي من خلال جهد طالباتي بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.
د/صبري أبوحسين
 
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فنون النثر في العصر العباسي    كن أول من يقيّم
 
خطا النثر العباسي خطوات كبيرة، فواكب نهضة العصر وأصبح قادراً على استيعاب المظاهر العلمية والفلسفية والفنية كما أن الموضوعات النثرية تنوعت فشملت مختلف مناحي الحياة ..
فـالكتابة الفنية توزعت على ديوان الرسائل والتوقيعات وغيرها .. وكان المسؤولون يختارون خيرة الكتاب لغة وبلاغة وعلماً لتسلم الدواوين، ولاسيما ديوان الرسائل الذي كان يقتضي أكثر من غيره إتقان البلاغة والتفنن في الإبداع، و مستوى رفيعًا من الثقافة.
 إضافة إلى النثر الفني المتمثل في القصص و المقامات و النقد الأدبي، و النوادر، و الأمثال و الحكم ، و التدوين، و الرحلات، و التاريخ، و العلوم.وكلها فنون لها نصوص رائعة دالة على تمكن عالٍ من أدوات الإبداع النثري. 
وظهرت الرسائل الأدبية التي تضمنت الحكم و جوامع الكلم و الأمثال و الفكاهات و كانت موضوعات الرسائل تتراوح بين الأخبار و الأخوانيات ، والاعتذار وغير ذلك وراجت الرسائل الطويلة في العصر العباسي فتناولت السياسة والأخلاق والإجتماع، كرسالة الصاحبة لابن المقفع، ورسالة القيان ورسالة التربيع والدوير للجاحظ، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري. 

وعظم شأن القصص في العصر العباسي، فاتسع نطاقه وأصبح مادة أدبية غزيرة، وتنوعت المؤلفات القصصية فأقبل الناس على مطالعتها وتناقلها ومنها ما اهتم بالحقل الديني ككتاب قصص الأنبياء المسنى بالعرائس للثعلبي، وقصص الأنبياء للكسائي، وقصة يوسف الصديق، وقصة أهل الكهف، وقصة الإسراء والمعراج ومنها القصص الاجتماعية والغرامية والبطولية ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، وقصص العذريين، وسيرة عنتر، وحمزة البلوان، وسواها ومنها القصص التاريخية التي تناولت سير الخلفاء والملوك والأمراء كما عرف العصر العباسي القصص الدخيلة المنقولة، نذكر منها كليلة ودمنة، وكتاب مزدك، وكتاب السندباد، وبعضاً من ألف ليلة وليلة، وأكثره خيالي خرافي يدور بعضه على ألسنة الحيوان.
وإلى جانب القصة ازدهر أدب الأقصوصة، وكتاب البخلاء للجاحظ خير مثال على هذا النوع من الأدب وقد امتاز الأدب القصصي العبسي بدقة الوصف والتصوير وبراعة الحوار، والقدرة على استنباط الحقائق وتصوير مرافق الحياة، وتسقط العجائب والغرائب، والكشف عن العقليات والعادات والتقاليد. 
وفي العصر العباسي ظهر فن المقامة، وضعه بديع الزمان الهمذاني، ولقي كثيراً من الرواج في العصر العباسي وما بعده .. وهو سرد قصصي يتناول الأخلاق والعادات والأدب واللغة، ويمتاز بألأسلوبه المسجع وأغراقه في الصناعة وكثرة الزخارف والمحسنات المتنوعة .. وفضلاً عما ذكرنا اهتم النثر العباسي بتدوين العلوم على أنواعها وهذه العلوم كانت إما عربية إسلامية كعلوم الشريعة والفقه والتفسير والحديث والقراءات والكلام والنحو والصرف والبيان وغير ذلك، وإما أجنبية التأثير كالمنطق والفلسفة والرياضيات والطب والكيمياء والفلك وعلم النبات والحيوان وغير ذلك. بهذا حاولنا أن نلقي نظرة على الأدب العباسي، شعره ونثره، وأن توضح أهم ما تناوله من موضوعات وما امتاز به من خصائص عامة. http://www.alshamsi.net/man/omam/abbasiah7.html
د/صبري أبوحسين
 
*صبري أبوحسين
6 - فبراير - 2008
منهج في دراسة أعلام الأدب    كن أول من يقيّم
 
أرى أن الطريقة المدرسية التاريخية التقليدية الجافة!! في عرض أعلام الأدب للمتلقين تحتاج إلى معاوة نظر، وإلى تطوير وتحديث، ويمكنني أن أعرض تجربتي في شرح أعلام الأدب وتقديمها إلى طلابي بالجامعة في العناصر الآتية:
*تلقيب العَلَم المدروس:
يتيح إعطاء لقب مثير للعلَم المدروس تشويق المتلقي إلى متابعة الدرس والتحصيل. ويمهد للعنصر التالي. وهو:
* المؤثرات في العلَم المدروس:
كثيرًا ما أرى كتابات مدرسية تقدم معلومات تاريخية جافة عن العلَم المدروس دون ربطها بالأديب وأدبه، وهذا مما ينفر المتلقي، ويُحدث بينه وبين العلَم هوة . وأرى أن خير علاج لذلك أن نحول هذه المعلومات الجافة إلى مؤثرات في تكوين شخصية العلم، ونربطها بنصوص من إبداع هذه الشخصية، على النحو الذي صنعه العقاد في تجربته مع ابن الرومي وأبي نواس.
*تعديد آثار العلم العلمية والإبداعية:
لابد للمتلقي أن يعرف حصرًا أوليًّا بآثار الشخصية المدروسة، حتى ننتقل من الرؤية الكلية العامة له إلى الرؤية الجزئية المفصلة.
* تحليل الآثار الأدبية:
هنا يأتي الجهد المشترك بين المعلِّم والمتعلم في تذوق هذه الآثار وبيان ما فيها من إيجابيات أو سلبيات، وتأثير وتأثر.
*بيان مكانة العلَم:
بعد المفاتشة في آثار الشخصية المبحوثة نبين مكانته في عصره، وفي ديوان الأدب العربي على مر العصور، وذلك من خلال كتابات المؤرخين القدامى والمحدثين حوله، ومن خلال معايشتنا له عبر هذه المراحل. د/صبري أبوحسين 
*صبري أبوحسين
6 - فبراير - 2008
المقامات: قراءة في المفهوم والقيمة     كن أول من يقيّم
 
المقامات: نشأةً وتطورًا
المفهوم
للمقامة تعريفات كثيرة ،تختلف تعبيرًا وتتفق تفكيرًا، يمكن الخلوص إلى مفهوم شامل لها نصه: هي حكاية قصيرة، قد تكون في صفحتين أو أكثر قليلاً، بحيث تُلقَى في مجلس واحد، وأسلوبها متصنِّع بيانيًّا وبديعيًّا،   وتشتمل على عِظَة أو مُلحَة أو نادرة أو مغامرة، وتنتهي عادة بمفاجأة غير متوقعة، لها راوٍ، وبطل يعتمد على الحيلة ووسائل الخداع والتلون ليحقق غرضه، وهو الكدية( الشحاذة) غالبًا.
وهذا المفهوم جمع بين متطلبات شكل المقامة ومضمونها، ويمكن تفكيكه إلى الأركان الآتية حسب ورودها في النص المقامي:
1-الراوي    2- المجلس    3- الحكاية    4- اللغة المتصنعة   5- الحوار   6- البطل  7- النُّكتة أو الفكرة أو العظة أو المفاجأة (المغزى).
 
نشأة المقامة ورائدها
والمقامة فن عربي أصيل في بيئته ومخترعه وشكله. وليس كما يزعم أحد الباحثين من أنه فارسي !! ذلك لأن أول نص مقامي عُرِف عند الأعاجم كان بعد ترجمة مقامات الحريري إلى السريانية، كما أن رائد المقامة الفارسية القاضي حميد الدين البلخي (ت 559هـ) اعترف بتقليده للحريري في إبداعه، كما اعترف كثير من مؤرخي الأب المحدثين : مستشرقين وعربًا، بعروبة هذا الفن النثري الحكائي الرائع . وقد جاءت المقامة مزيجًا رائعًا من تيارين مُسَيْطِرَيْنِ في القرن الرابع الهجري: تيار اجتماعي حيث شيوعُ الحِرْمان والفقر والتسوُّل في الطبقات الوسطى والدنيا، وتيار فني حيث شيوعُ مذهب التصنُّع والتكلف الأسلوبي في طبقة النُّخْبة المثقفة المبدعة أدبيًّا . وقد اختلفت كلمة المؤرخين في رائدها على النحو التالي :
v أرجع ابن عبد ربه (ت 382هـ) المقامات إلى عهد أبعد من القرن الرابع الهجري معددًا نصوصًا ذُكِرتْ فيها لفظة المقامة، ويمكن تأويلها على المدلول اللغوي لا الاصطلاحي .
v يذهب الحصري ( ت نحو 413هـ) صاحب (( زهر الآداب )) إلى أن بديع الزمان الهمذاني  تأثر بأبي بكر بن دريد الأزدي في أحاديث الأربعين، ويؤيد ذلك د/زكي مبارك، ود/شوقي ضيف ـ رحمهما الله تعالىـ لأن من معاني المقامة الحديث، كما أن أحاديث ابن دريد مصوغة في شكل رواية وسنَد يتقدمها، ثم هي غالبًا مسجوعة، وتمتلئ باللفظ الغريب، وهي أحاديث أُلِّفت لغرض تعليم الناشئة اللغة، بالضبط كما حاول بديع الزمان في أحاديثه، وان كانت خفيفة رشيقة . 
v يذهب الحريري والقلقشندي (ت831هـ)إلى أن الهمذاني له فضل السبق في ابتداعها وعملها، فهو سبّاق غاياتٍ وصاحب آيات، وان المتصدي بعده لإنشاء مقامه، ولو أُوتِي بلاغة قدامة، لا يغترف إلا من فُضالَته، ولا يسري ذلك المسرى إلا بدلالته .
v أما المحدثون من مؤرخي الأدب فقد اختلفوا أيضًا، فقد ذهب كارل بروكلمان مذهب ابن عبد ربه إلى أن المقامات ـ كلفظ ـ موجودة في التراث العربي منذ وجوده، ففي الجاهلية كانت تعني "مجتمع القبيلة"، وفي العصر الأموي كانت تدور حول مفهوم ديني خصوصًا لدى طبقة الزُّهَّاد والمتصوِّفة، ثم تطورت إلى المدلول الأدبي في القرن الثالث الهجري وما بعده.
v ويذهب جرجي زيدان إلى أن أحمد بن فارس ( ت 395 هـ ) شيخ الهمذاني هو رائد المقامات ومخترعها، ولا دليل له على ذلك!!!
والرأي الراجح 
والرأي الراجح، المقبول تاريخيًّا وعقليًّا أن الهمذاني هو رائد المقامات، اخترعها مصطلحًا ونصًّا، متأثرًا في ذلك بثلاثة أدباء أعلام، هم :
*ابن دريد الذي وجَّه الهمذاني وجهةً شكليةً تعليمية بأحاديثه .
* الجاحظ الذي ألهم الهمذاني المضمون الأساسي لمقاماته وهو الكُدْيَة، وذلك عن طريق رسالته التي تحدث فيها عن الكُدْيَة والمُكْدِين من حيث وسائلُها وأقاصيصُها .
* الشاعر أبو دُلَف الخزرجي، المعاصر لبديع الهمذاني، والذي قدم له نموذجًا واقعيًّا لبطل مقاماته (أبي الفتح الإسكندري) فهو جوَّال جوَّاب محتالٌ في كسب الرزق بالأدب والشعر...
 وقد تبع الهمذاني وقلده في هذا الفن جمهور غفير من أدباء العصر العباسي والمملوكي والعثماني والحديث . من أشهرهم: الحريري، وصلاح الدين الصفدي، والسيوطي، وشهاب الدين التلمساني، وحافظ إبراهيم، ... و غيرهم.  مع تطور ـ إلى درجه كبيرة ـ في طريقة بنائها تعبيريًّا وتفكيريًّا.
ورغم هذا الحضور الإبداعي لفن المقامة إلا أنه لم يحظَ  باهتمام نقدي تراثي، فقد تجاهله كبار النقاد، ولم يشيروا إليه أية إشارة ايجابية على الإطلاق، ويُستَثْنَى من ذلك عبارة أو عبارات موجزة خاطفة عند ترجمة الهمذاني أو الحريري، على النحو الذي نجده عند القلقشندي في موسوعته "صبح الأعشى" الذي وصف المقامات بأنها "في الغاية من البلاغة وعلوِّ الرتبة في الصنعة"!!
بل إن ناقدًا كابن الأثير ازدرى المقامة، وفضّل فنَّ الكتابة عليها، متجنيًا على الحريري وناقمًا عليه !! ولم يُعرَف فضل المقامة نقديًّا إلا في العصر الحديث على يد د/ زكي مبارك، ود/ شوقي ضيف، والباحثين في الأدب المقارن مثل الدكتور محمد غنيمي هلال، والدكتور عبدالحكيم حسان، والدكتور الطاهر مكي... وغيرهم ممن ألفوا في فن المقامة من حيث تاريخه وأعلامه وقيمته .
قيمة المقامة
رغم أن هذا الفن متكلف الأسلوب، يتجاهله الكثيرون بسبب ذلك إلا أن هنا نجد له آثارًا طيبة اجتماعيًّا وثقافيًّا ونقديًّا، على النحو التالي:
·  المقامة مُعَلِّّمةٌ : المقامة بين أجناس النثر كالمنظومات العلمية في أجناس الشعر، تُعلّم متذوقها وحافظها غريبَ اللغة، وجليل العبارات، وكيفية بناء الأسلوب المسجَّع المتصنِّع، فهي تقدم رصيدًا معجميًّا رائعًا، ووسيلة للتمرن على الإنشاء المتأنق بيانيًّا وبديعيًّا، ومستودعًا للحِكَم والتجارب الإنسانية المؤثرة.
·  المقامة مُثَقِّفةٌ: كانت في البداية مُوسعةً لغوية أو جمهرة أدبية، ثم تطورت إلى مُوسِعة علمية متخصصة، منها الطبية، والتاريخية، والجغرافية، والدينية، والفكرية . وتتبُّع أسماء مقامات الهمذاني والحريري ـ فقط ـ يدل على ذلك .
·  المقامة مُصَوِّرة:تعد المقامة وثيقة تاريخيةـ إلى حد ما- تسجل جزءًا من عالمنا الإسلامي زمانيًّا ومكانيًّا وحياتيًّا، فهي وصف للعادات والأحداث والتقاليد البارزة في الطبقات الوسطى والدنيا .
·  المقامة مُمْتِعةٌ: جاءت المقامة في أطار قصصي فكاهي غالبًا، وعقلي أحيانًا كإطار ترغيبي مُشَوِّق، ينتهي بمفاجأة هزلية . وقد وصلت بعض المقامات إلى درجة عالية من الحَبْكة بين أجزائها، وإحداث عقدة مثيرة ومؤثرة .
·  المقامة مشرِّفةٌ نقديًّا : شرّفت المقامة الأدب العربي القديم، إذ كانت دليلًا نصيًّا على إدراك العرب للفن القصصي، بل إن بعض المقامات وصلت إلى مستوى عالٍ من الفن، يجعلها قصة عصرية – بكل تِقْنِيَاتِها – تنوء عن مضارعتها اليوم (القرن الحادي والعشرون) أية قصة في تحليل الشخصيات ودرس النفسيات. وتعد المقامة الأسدية، والمقامة البشرية من الأقاصيص ذوات العُقَد . ولو استدعى نظر الأدباء قديمًا في المقامة من خيال أكثر من الصياغة، لكان يمكن أن تكون أساسًا لفن القصة القصيرة . وكان يمكن أن تكون أخصب جنس أدبي عربي لو لم  تنحرف عن النقد الاجتماعي في مضمونها، إلى ميدان المُماحكات اللفظية والألغاز اللغوية والتصنُّع التعبيري الذي لا طائل وراءه . وتعد ـ كذلك ـ نواة للمسرحية  العربية الفُكاهية[الملهاة]، إنها في هذا الميدان تحتاج ـ فقط ـ إلى سيناريست  مبدع أصيل .
كذلك للمقامة تشريف للعرب بتأثرها في الآداب الشرقية من فرس وسريان وعبرانيين، وفي الآداب الأوروبية، إذ هي المؤثر الحقيقي في وجود قصص الشُّطَّار عند الأسبانيين وغيرهم من الأوروبيين. كما يقرر دارسو الآداب دراسة مقارنة .
 
صياغة وتنسيق الطالبة :زينب بنت حمود بن عبدالله الراشدي
 
الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
2007-2008م
فكرة ومراجعة د/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
11 - فبراير - 2008
زندقة ابن المقفع بين الحقيقة والاتهام    كن أول من يقيّم
 
 
ما تميزت شخصيةٌ في أي عصر من العصور إلا ولها موافقوها و معارضوها، فها نحن الآن نقف عند شخصية فذة، جمعت بين  أنواع شتى من الثقافات التي قلّما نجدها تجتمع في شخصية واحدة، وها نحن نرى هذه الصفات قد اجتمعت في ابن المقفع.
ولو وقفنا برهة عند حياته لوجدناه عاشر أسرة عربية عرفت  بالفصاحة والخطابة، أثرت تأثيرًا واضحًا في بناء هيكله الثقافي والأدبي، كما أنه اعتنق الإسلام تاركًا المجوسية، وعرف بالخصال الكريمة والأخلاق النبيلة.
 وعلى الرغم من ذلك إلا أنه رمي بشباك الاتهام بالزندقة من قبل كثير من معاصريه وممن جاءوا من بعده. ومن المتهمين له بذلك الخليفة المهدي الذي كان يرى أن كل كتاب زندقة راجع لابن المقفع، وأنا أجد أن هذه الشهادة مرفوضة بسبب العداوة التي يكنُّها المنصور لابن المقفع والتي اتخذها ذريعة لقتله. والمنصور -كما نعلم- والد المهدي. والولد لابد أن تكون شهادته في صف والده. إن المهدي بهذا الاتهام أراد أن يبرئ ساحة والده، وأن يفتريَ دليلاً ينقذ والده من قتل نفس مسلمة بغير حق.
كما أن للمسعودي رأيًا في عقيدة ابن المقفع، وذلك حين ذكر ابن المقفع ضمن من نقلوا كتب اليونان والفرس إلى العربية. وأرد على على هذا الدليل بأن ترجمة الكفر ليست كفرًا، ونقل الفسق ليس فسقًا، بل إن من أوجب الواجبات أن نطلع على الآخرين في كل ما يشعرون ويفكرون، حتى نستطيع محاورتهم. ويستدل المتهمون لابن المقفع بالزندقة بما روي من أن ابن المقفع أنشد هذين البيتين حين مر على بيت نار للمجوس، وهما من شعر الأحوص:
يا بيت عاتكة التي أتعـــزل      حذر العدا وبك الفؤادُ موكلُ
إني لأمنحك الصدود وإنني         قسماً إليكِ مع الصدود لأميلُ
حيث فُسّر هذان البيتان على أنَّ ابن المقفع قد حنَّ قلبه ومال إلى المجوسية، أي أنه يظهر الإسلام ويضمر المانوية أو المجوسية في قلبه.
وأرد على ذلك بأن البيتين لا يوجد فيهما ما يدل على الحنين إلى الدين القديم بل هو حنين فطري لمرحلة الطفولة، كما أن هذين البيتين ذُكرا في رواية أخرى تخرج ابن المقفع من قفص الاتهام بالزندقة. كما أن البيتين لا يصرحان بالزندقة، والحكم على عقيدة الإنسان تكون بما صرح به وعمله، لا ما نواه، فنيته راجعة إلى ربه الذي يعلم السر وما أخفى.
ولْنقف أمام ادعاءات الباقلاني وابن طباطبا، فالأول يذكر أن ابن المقفع قد أورد نصوصًا عارض فيها كتاب الله، وقد استند في قوله إلى كتاب " الدرة اليتيمة " لابن المقفع، ولو التفتنا إلى ابن طباطبا لوجدناه الآخر قد ألف كتاباً سماه  " كتاب الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع عليه لعنة الله "، وأرد على هؤلاء بأنه لم يصل إلينا نص في رسالته الدرة لابن المقفع يدل على معارضته للقرآن الكريم، والكتاب الذي نسبه ابن طباطبا لابن المقفع يشك في صحته.
وأما رأيي حول الموضوع برمته والذي أرد فيه على ادعاءات هؤلاء _ المغرضين _ وغيرهم، وأبريء ابن المقفع من هذه التهمة الشنيعة التي نسبت إليه بهتانًا وظلمًا، أن اتهامه كان اتهامًا سياسيًّاً بالدرجة الأولى، وذلك لتفسير الإقدام على قتله من قبل أعدائه لذلك قاموا بطعنه في دينه، فلا يمكن للعقل أن يقبل ويصدق هذا الأمر من أديب بارز- غزير الثقافة والنتاج الأدبي، وإنسان ذكي عاقل نبيل، شهد له كثير من العلماء العدول كالخليل بن أحمد وعبدالحميد الكاتب والجهشياري وغيرهم- كابن المقفع !
 
                                              
مقال لـِ : أفراح عبدالرحمن عبدالله الربيعي
كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
فكرة ومراجعة د/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
13 - فبراير - 2008
ابن المقفع مُثَقِّفُ العرب    كن أول من يقيّم
 
ابن المقفع مُثقِّفُ العرب
 
عندما ترتوي الأذهان وتستطرب الجوارح بأدب كليلة ودِمنة لا يسعُ الأفكار والأقلام والأوراق حينها فضاءٌ شاسع من الشكر والامتنان لهذا الأديب العبقري ، كيف لا وهو من نقل إلينا تحفة الأدب الفارسي: كليلة ودمنة، وكتب لنا الدرة اليتيمة والأدب الصغير والكبير ورسالة الصحابة، وغيرها من الدرر المفقودة بفعل فاعل!
والغريبُ في الأمر أن هذا الناثر الجميل والكاتب المثقف لم تكن أصوله عربية بتاتًا بل إن أصله كان فارسيًّا ولكنَّ نشأته كانت عربية، حيث نقله أبوه إلى البادية وسكن عند مواليه من آل الأهتم من بني تميم، والذين يعدون من أفصح العرب لساناً وأجودهم لغةً، وهذه النشأة كوّنت له ملامح التعرُّب التي جعلت منه واحدًا من أشهر العلماء في عصره بل هو عميد النُّثار المطبوعين، والفضل بعد الله يعود لأبيه الذي ما انفك لحظةً عن إشراكه في الدواوين في العراق، والتي كانت معمورةً بالكُتَّاب والنُثَّار، بل إن هذه الدواوين تعد مارس بيانية يتنافس فيها العلماء والكُتَّاب وغيرهم . وفي جو الدواوين هذا كان لابد له أن يتبادل المعارف والعلوم وغيرها عن العلماء والكُتَّاب المعنيين بالثقافة والفنون.ونجد بأن ابن المقفع قد احتك بعلماء وأدباء معروفين كعبد الحميد بن يحيى الكاتب  والخليل بن أحمد الفراهيدي ، وبالتالي لا نستغرب على ابن المقفع حنكته وذكاءه الذي أوردهُ لنا من خلال درر ثمينة كانت نَتاجًا لهذا الاحتكاك والثقافة المأخوذة من مهد العلم في تلك الدواوين ،أضف إلى ذلك إسلامه الذي ترك جرَّاءهُ المجوسية، فاصطبغت نصوصه بصبغة الإسلام والآيات القرآنية البهيَّة .
و في ظل كل تلك المؤثرات صُقلت الموهبة وترعرعت حتى أنتجت لنا أثرًا ثريًّا مازالت المكتبات العربية تزدان به وتفخر بما قدمه هذا الكاتب المُحنَّك. و بالتالي فابن المقفع هو مُثقِّفُ العرب، وهو الذي نحى لهم المنحى الجماليَّ المطبوع المتفرد، وترجم لنا ونقل ما تزخر به المكتبات الفارسية واليونانية من جمال، فثقف العرب بثقافات الفرس وغيرهم، فهنيئًا للعقول العربية بدرر ابن المقفع.  
           
                                 مقال لـِ : ناعمة الكعبي
                            كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
*صبري أبوحسين
6 - مارس - 2008
تعليقي على مقال الطالبة:ناعمة    كن أول من يقيّم
 
كان هذا المقال إجابة سؤال طرحته على الطالبات نصه:اكتبي مقالاً أدبيًّا موجزًا تحت عنوان(ابن المقفع مثقف العرب) فجاءت إجابة الطالبة بهذا التفنن، والعمق في الرؤية، إذا ما قيس بعمرها الجامعي(الفرقة الثالثة).
*صبري أبوحسين
6 - مارس - 2008
قراءة في أقصوصة( الحمامة والثعلب ومالك الحزين )     كن أول من يقيّم
 
النثـــر العبــــاسي
تحليل قصة ( الحمامة والثعلب ومالك الحزين ) من كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع .
 
 يمكننا أن نجمل هذه الأقصوصة في الأحداث الآتية:
* مقدمـــــة الأقصوصة:
حادث الحمامة مع الثعلب .
* العقــــــــدة :
صراع الثعلب مع مالك الحزين .
* الحـــــــــل :
سذاجة الحمامة تسببت في انتصار الثعلب .
 
* تطبيق أبرز مقاييس النقد القصصي  على الأقصوصة:
1ـ العنوان :
غير مثير ولاجذاب بل هو مجرد تعديد لأبطال الأقصوصة الرئيسة فقط .
العنوان المناسب للأقصوصة :
ـ سلاح الكتمان أو ـ البقاء للأخبث .
 
2ـ أحداث القصــــة :
ـ نقل الحمامة العشَّ إلى رأس النخلة .
ـ موقف الحمامة من الثعلب بتلبية طلبه الشرير .
ـ موقف مالك الحزين من الحمامة وتلقينها الحل .
ـ موقف الثعلب من الحمامة بردها لطلبه الشرير .
ـ وقوع مالك الحزين في الفخ .
 
3ـ الشخصيات :
الرئيسة :
( الحمامة ، الثعلب ، مالك الحزين ) .
 
الثانوية :
( الفراخ ) .
 
 
وصف الشخصيات :
ـ الحمامـــــــة :
رمز للخيِّر الساذج .
ـ مالك الحزين :
مُحسن مُبْتَلًى .
ـ الثعــــلـــــب :
خادع ، مكار ، ذكي ، غير يائس، عنده أسلحة البقاء والانتصار .
 
4ـ المكــــــان :
رأس النخلة ، العش ، شاطئ النهر .
انتقل ابن المقفع في وصفه للمكان ، من مكان عال إلى ضيق إلى واسع لاحدود له ، وجعل المكان العالي والضيق خاصًّا بتعامل الثعلب بذكاء محدود مع الحمامة ، وجعل المكان المتسع الذي لاحدود له للصراع باستخدام الثعلب ذكاءه الواسع مع مالك الحزين .
 
5ـ الزمــــان :
جاءت القصة غير محددة الزمان ولامفصلة، وذلك لأن الزمان غير مهم عند المبدع[ابن المقفع] فهو يقصد إلى إيصال حكمة عامة تسير على مدى الأزمان .
 
6ـ الحبكـــة :
يوجد ترابط بين أحداث الأقصوصة تنتقل بنا من حدث إلى آخر مناسب له ومتصل به، لا نحس بأية مفاجأة أو طفرة بين أحداثها؛ فقد ربط بينها فكريًّا عن طريق الحبكة بين مقدمة الحكاية وعقدتها وحلها، ونحويًّا عن طريق أداة العطف الفاء، واستخدام الفاء يدل على تتالي الأحداث بلا فاصل زمني كبير .
 
اللغــــــة :
من الأساليب البارزة في الحكاية:
الاعتماد على الفعل الماضي .
الاعتماد على أسلوب الحوار .
بدؤه بلفظة ( زعموا ) ليدل على أنها خرافة من الخيال وليست من الواقع .
 
الغاية من القصــة :
1ـ نتعلم من كل شخصية في هذه الأقصوصة حكمة معينة :
من الحمامة : هجاء الجبن والجبناء ورفض السذاجة .
من مالك الحزين : حب الخير للغير وتقديم النصيحة ومحاولة تغيير السلبيات ، ورفض الانخداع بالمظاهر الخداعة والحذر كل الحذر من المعروفين بالمكر والخداع .
من الثعلب : المكر والخداع سبب من أسباب الانتصار الدنيوي .
2ـ قيمة الخيال في تصوير الواقع .
 
إشراف الدكتور الفاضل : صبري .
إعداد الطالبة : خلود سعيد الغيثي .
السنة الثالثة ( 5 ) .
 
*صبري أبوحسين
10 - مارس - 2008
زندقة ابن المقفع ... تهمة سياسية    كن أول من يقيّم
 
زندقة ابن المقفع ... تهمة سياسية
كما هي عدة محاربي النجاح وأعداءه في كل عصر ومصر، ما رأوا أحدهم يحاول الصعود على هرم التميز إلا صوبوا نحوه أصابعهم يتهمونه في دينه أو عقله أو حتى عرضه.
وكان ابن المقفع أحد هؤلاء الصاعدين على ذاك الهرم، والذي أراد أن يثبت وجوده وحضوره في ساحة الأدب العربي، ولو لم يكن فعل ذلك لكان لُغِي اسمه من قائمة أدباء عصره.
وكانت أخطر تهمة رُمِي بها هذا الأديب هي الزندقة، وأتوا لتبرير اتهامهم بعدة أسباب، لا يخفى ضعفها على ذوي الألباب، وما قصدوا بها إلا السباب؛ فقالوا: "إن المهدي أتى بشهادة، وهي أنه ما عُرِف كتاب زندقة إلا إلى ابن المقفع عاد.
وأن المسعودي رأى لابن المقفع تراجم، فيها للعلوم تزاحم وللكفر تلاحم، وأن أحدهم رآه قد مر على بيت للمجوس فثارت لذلك النفوس وحن لما كان عليه من سابق عهده، وأنشد قول الأحوص:
   يا بيت عاتكة الذي أتغزل   حذر العدا وبك الفؤاد موكل      
إني لأمنحك الصدود وإنني     قسما إليك مع الصدود لأميل
وأن ابن طباطبا قال بزندقته وأطنب واتهمه بأنه ألف كتابًا في الزندقة.
وقد رُدَّ على تلك الأسباب، بما ينقضها ويفضها، وإليك الردود:
فما قيل من شهادة المهدي فهو باطل وافتراء، وهو والهواء سواء، لأن شهادته مردودة لكونه ابن المنصور قاتل ابن المقفع وعدوه، والمعروف أن ابن العدو عدو، وما قال شهادته إلا ليعلل قتل والده لابن المقفع.
وما قيل عن شهادة المسعودي فهو إلى غير شيء يهدي؛ فهو لم يعاصر ابن المقفع، كما أنه مشكوك في شخصيته وفيما يرويه من أخبار، كما أن قوله عن التراجم لا يبرر اتهامه، فناقل الكفر-غالبًا- ليس بكافر.
وأما عن البيتين فلهما رواية أخرى وهي أن ابن المقفع كان يحاول اجتناب متهميه بالزندقة فأنشد هذين البيتين.
وأما الرد على ابن طباطبا فهو أن ذلك الكتاب لم يصل إلينا أبدًا. ما وصل إلينا من تراث ابن المقفع ليس فيه للاتهامات مسلك. كما يمكن أن يقال: إنه قد ألفه قبل إسلامه، كما أن شهادات عقلاء عصره له بالعقلانية والذكاء تنفي عنه هذه التهمة وما عرف عنه من أخلاق كريمة ونبيلة يصرف عنه الردة. وما شوهد في كتاباته يرى أن التدين له خلة.
وفي الختام نستنتج أن ما قيل عن زندقة ابن المقفع إنما هو تهمة سياسية أريد بها قتل النجاح والمواهب ووأد الياسمين وتشويه الورود من قبل السوداويين المتربصين بكل مبدع متميز .
بقلم الطالبة/عواطف الشبلي
*صبري أبوحسين
17 - مارس - 2008
تحليل أقصوصة:( الحمامة والثعلب ومالك الحزين )    كن أول من يقيّم
 
 
تحليل قصة ( الحمامة والثعلب ومالك الحزين ) من كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع .
اشراف الدكتور الفاضل : صبري أبوحسين .
اعداد الطالبة : خلود سعيد الغيثي .
السنة الثالثة ( 5 ) .
1ـ تفكيك العنوان :
العنوان غير مثير ولاجذاب بل هو مجرد تعديد لأبطال الأقصوصة الرئيسة فقط .
العنوان المناسب للأقصوصة :
سلاح الكتمان أو ـ البقاء للأخبث .
 2ـ أحداث القصــــة :
ـ نقل الحمامة العش إلى رأس النخلة .
ـ موقف الحمامة من الثعلب بتلبية طلبه الشرير .
ـ موقف مالك الحزين من الحمامة وتلقينها الحل .
ـ موقف الثعلب من الحمامة بردها لطلبه الشرير .
ـ وقوع مالك الحزين في الفخ .
 
3ـ الشخصيات :
الرئيسة :
( الحمامة ، الثعلب ، مالك الحزين ) .
 الثانوية :
( الفراخ ) .
 وصف الشخصيات :
ـ الحمامـــــــة :
رمز للخيِّر الساذج .
ـ مالك الحزين :
محسن مُبْتلًى .
ـ الثعــــلـــــب :
خادع ، مكار ، ذكي ، غير يائس عنده أسلحة البقاء والانتصار .
 4ـ المكــــــان :
رأس النخلة ، العش ، شاطئ النهر .
انتقل ابن المقفع في وصفه للمكان، من مكان عال إلى ضيق إلى واسع لاحدود له، وجعل المكان العالي والضيق خاصا باستخدام الثعلب بذكاء محدود مع الحمامة، وجعل المكان المتسع الذي لاحدود له للصراع باستخدام الثعلب ذكاءه الواسع مع مالك الحزين .
5ـ الزمــــان :
جاءت الأقصوصة غير محددة الزمان ولامفصلة، وذلك لأن الزمان غير مهم عند المبدع فهو يقصد إلى ايصال حكمة عامة تسير على مدى الأزمان .
 6ـ الحبكـــة :
جاءت الأقصوصة مكونة من مقدمة وعقدة وحل،على النحو التالي:
* المقدمـــــة :
وفيها تصوير لمشهد: الحمامة مع الثعلب .
* العقــــــــدة :
وفيها تصوير لمشهد: صراع الثعلب مع مالك الحزين .
* الحـــــــــل :
وفيها تصوير لمشهد: سذاجة الحمامة، وانتصار الثعلب .
 وقد جاءت هذه المكونات الثلاثة مترابطة، متسلسلة؛ إذ يوجد ترابط بين أحداث الأقصوصة تنتقل بنا من حدث إلى آخر مناسب له ومتصل به لانحس بأية مفاجاءة أو طفرة بين أحداثها فقد ربط بينها فكريًّا ونحويًّا عن طريق أداة العطف الفاء ، واستخدام الفاء يدل على تتالي الأحداث بلا فاصل زمني كبير .
 اللغــــــة :
من الأساليب البارزة في الأقصوصة:
 الاعتماد على الفعل الماضي .
الاعتماد على أسلوب الحوار .
بدؤه بلفظة ( زعموا ) ليدل على أنها خرافة من الخيال وليست من الواقع المعاش .
 الغاية من القصــة :
1ـ نتعلم من كل شخصية حكمة معينة :
من الحمامة : هجاء الجبن والجبناء ورفض السذاجة .
من المالك الحزين : حب الخير للغير وتقديم النصيحة ومحاولة تغيير السلبيات، ورفض الانخداع بالمظاهر الخداعة والحذر كل الحذر من المعروفين بالمكر والخداع .
من الثعلب : المكر والخداع سبب من أسباب الانتصار الدنيوي .
2ـ قيمة الخيال في تصوير الواقع .
 مراجعة د/صبري
*صبري أبوحسين
17 - مارس - 2008
زندقة ابن المقفع تهمة سياسية.    كن أول من يقيّم
 
زندقة ابن المقفع تهمة سياسية.
 
"لاتقذف بالحجارة إلاالشجرة المثمرة"من هذه المقولة سأنطلق أوسأشرع في كتابة هذا المقال.ولكن قبل أن أفصل القول لابد لي أن أعرف الزندقة فما مفهومها؟
للزندقة مفهومان:
هي العبادة المانوية وهي اتخاذ إلهين إله للنوروإله للظلمة.
أوهي كل ماخالف أهل السنة والجماعة.
 
وقد اتهم ابن المقفع بالزندقة وكان وراء اتهامة أقلام أعملت وآراء فندت على هوى أصحابها فأول هذه الآراء والاتهامات قول المهدي:"ما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع".
وقال المسعودي:"امعن المهدي في قتل الملحدين لما انتشر من كتب ماني وابن ديصان ومرقيون مما نقله عبدالله بن المقفع وغيره ،وترجم من الفارسية والفهلوية إلى العرابية.
والقول الثاني أوالاتهام الثاني هو عندما مر ابن المقفع ببيت نارالمجوس ارتجل بيتي الاحوص قائلا:
يابيت عاتكة الذي أتعزل           حذرالعدا وبك الفواد موكل
لاإني لامنحك الصدود وإنني      قسما إليك مع الصدودلأميل
 
فقيل إن ابن المقفع إنما اضمر المانوية وأظهر الإسلام .
وأما الرأي الثالث فهوقولهم بأن ما ترجمه ابن المقفع وما نقله إنما كان يريدمعارضة الذكرالحكيم.
والرأي الرابع :هوما ألفه القاسم بن ابراهيم بن طباطباسنة 246هـ في نقض زندقتة من كتاب سماه"كتاب الرد على الزندقة اللعين ابن المقفع عليه لعنه الله".
هذه آراء المثبتين شاخصة أمام أعيننا،أجهدواالأذهان واعملواالأقلام وتبين لهم حسب زعمهم البيان فكيف نرد عليهم؟وندحض آراءهم.!
أولا:نبدأبالمهدي وماقاله.المهدي يكون ابن المنصوروالمنصور كان معاديا لابن المقفع وقاتله فكيف لنا أن نأخذ برأي ابن قاتل الرجل فشهادته مدحوضه مرفوضه لايقبلها عقل ولادين.
أماقول المسعودي فنقول أن المسعودي مؤرخ غيرمعاصر لابن المقفع وهومتهم في شخصيته وفيما ينقل ويأتي من أخبار ،ثم إن نصه ليس فيه دليل على الزندقة ولا تصريح بها لابن المقفع فهو ناقل مترجم والناقل غير المؤلف.
ثانيا:عندما ارتجل ابن المقفع ببيتي الأحوص كان يريدأ،يسلم على أصدقائه وأصحابه وطبيعي أن يكون لابن المقفع أصدقاء مجوس لأنه حديث عهد بالاسلام.والمرء لايجدالصديق بين يوم وليلة كمالا يبدله بين يوم وليلة.
ثالثا:ماقيل عنه أنه يضمر المانويه ومذهبه المجوسي ويظهر الإسلام وإنما جاء بترجمته ونقله لكتب ابن ديصان ومرقيون ليعارض الذكرالحكيم فهذا مردود إلى قائله حيث قال الباقلاني:"ادعى قوم أن ابن المقفع عارض القرآن وإنما هم عمدوا إلى الدرة اليتيمة وهي كتابان أحدهما في تضمن حكما منقلة والآخرفي شيء من الديانات ولم يصلنا شيء من تراث ابن المقفع.وناقل الكفرليس بكافر.
رابعا:رأي القاسم وكتابه وقولهم أن لابن المقفع كتاب فهذا منحل ولا صحة له وإن وجد له كتابا فلعله عندما كان على دينه القديم.
ومن يعرف سيرة ابن المقفع ويقرأأدبه يعرف أن هذه تهمة سياسية نسبها أعداء حزب النجاح المخططين دائما لتحطيم الرموز وقتل الياسمين.وقد شهد كثير من معاصريه والمترجمين له بحسن سلوكه،وطيب سيرته وجميل خلاله.
 
نورة  محمد الهماسي
طالبة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي
*صبري أبوحسين
24 - مارس - 2008
 1  2