النثر الفني في العصر المملوكي كن أول من يقيّم
وجدت مدارس ثلاث في الإبداع النثري بهذا العصر،هي: *مدرسة الأسلوب الزينة: سار أصحابها على طريقة القاضي الفاضل(596ه)،حيث القدرة على استخدام البديع والسيطرة على السجع،وتطويع الصنعة الأسلوبية،والإغراق في استتباع الصور الجميلة المنمقة والاعتماد الكلي على الاستعارات والتشابيه،واقتباس الكثير من التراث القديم الدال على عمق الثقافة.وقد تبنى زعامة هذه المدرسة ابن عبد الظاهر أول كاتب للنثر في العصر المملوكي،وابن الوردي،وابن حبيب الجلي،وغيرهم كثير. وهذا التكلف ليس وليد العصر المملوكي،بل إنه حادث قبل سقوط الدولة العباسية بزمن غير يسير عن أبي بكر الخوارزمي،والهمذاني والحريري وابن العميد. من نماذج هذه المدرسة قول ابن الوردي موظفا أسماء بعض الكتب والحروف الهجائية: "أما بعد حمدالله المقدمة رحمته،الكافية نعمته،حمدا يبلغ به المقرب خلاصة التسهيل،ويمسي به مفصل المجمل،وهو بإيضاح العمدة كفيل،والصلاة على نبيه محمد الذي ألف التقوى،ولام أهل العدوى،ووال على كاف من أهل العناد...". وقول ابن عبدالظاهر موظفا الصور الخيالية في خطبته عن زواج ابن بيبرس على بنت قلاوون: "...لكن ليتشرف بيت يحل به القمر،ونبت يزوره المطر،ولسان يتعوذ بالآيات والسور،ونثار يتجمل باللآلئ والدرر..." وقول ابن حبيب الحلبي يعظ:"التقوى أفضل حلة،والمروءة أجل خلة،سيف الحق قاطع،والحلم درع مانع،ألزم الحجا فهو ألطف سائس،ولا تعدل عن العدل فهو أفضل حارس..."(1) *مدرسة الأسلوب المرسل: ورواد هذه المدرسة هم جملة النقاد الثائرين على التقليد من أمثال ابن خلدون والقلقشندي والنوير وسواهم.ومذهبهم في الكتابة التحرر من قيود الصناعات،والسير مع الطبع والجزالة والإطناب،والتعبير عن النفس،ومحاربة التكلف الممقوت. وهؤلاء هم الذين حفظوا على العربية بعض روائها،وعلى الكتابة الفنية بهجتها وازدهارها. ولم يستخدم هذا الأسلوب في المراسلات الديوانية،والمقامات ومقدمات الكتب بل مال إليه الكتاب في التأليف العلمية والموسوعات الفكرية والتاريخية كما عند النوير وابن الأثير وابن خلكان وابن كثير وابن منظور،وعدد من الفقهاء والمفسرين. *مدرسة الأسلوب العلمي: استخدمه العلماء في كتاباتهم العلمية الجافة الدائرة حول العلوم الطبية والطبيعية وهو أسلوب مطبوع،لا صنعة فيه ولا جزالة؛لأنه صادر عن أصحاب فركلا أدباء قلم.وكان تقديم المعلومات واضحة،وإن اضطرهم الأمير إلى الركاكة أو المعربات.والبارعون منهم قليلون. ومن نماذج ذلك الأسلوب قول نصير الدين الطوسي من رسالته "بقاء النفس بعد فناء الجسد": "...ليجوز أن يكون البدن ولا مزاجه شرطا في بقاء النفس؛لأن النفس هي الحافظة والمتبقية للبدن ولمزاجه بتدبيرها،وإيراد الغذاء عليه بدلا عما يتحلل منه،فإن كان البدن أو المزاج شرطا في بقاء النفس لزم الدور..." وقول القز ويني في كتابه"عجائب المخلوقات":"القمر جرم كثيف مظلم،قابل للضياء إلا القليل منه على ما يرى في ظاهرة، فالوجه الذي يواجه الشمس مضيء أبدا،فإذا كان قريبا من الشمس كان الوجه المظلم مواجها للأرض..." وقول ابن أبي أصيبعة من كتابه"عيون الأدباء"عيون الأنباء في طبقات الأطباء:"...فأما معالجة أبقراط ومداواته للأمراض فإنه أبدا كانت له العناية البالغة في نفع المرضى وفي مداواتهم.ويقال إنه أول من جدد البيمارستان واخترعه وأوجده؛وذلك أنه عمل،بالقرب من داره في موضع من بستان له،موضعا مفردا للمرضى،وجعل فيه خدما يقومون بمداواتهم،وسماه" أحسندوكين"أي مجمع المرضى.وكذلك ـ أيضاـ معنى لفظة البيمارستان،وهو فارس،وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى،وستان هو الموضع أي موضع المرضى.ولم يكن لأبقراط دأب على هذه الوتيرة في مدة حياته وطول بقائه الإستطز في صناعة الطب وإيجاد قوانينها،ومداواة المرضى،وإيصال الراحة إليهم..."(1) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من بحث محطوط للدكتور صبري أبوحسين |