شعر شمس الدين الكوفي كن أول من يقيّم
وللشاعر شمس الدين الكوفي أربع بكائيات، تنهج نهجًا واحدًا، وينتظمها فكر واحد وشعور واحد من مطلعها إلى خاتمتها، يقول من قصيدة كافية: بانوا ولي أدمع في الخد تشتبك ولـوعة في مجال الصبـر تعترك بالرغم لا بالرضا مني فراقهم ساروا ولم أدرِأيَّ الأرض قد سلكوا يا صاحبي ما احتياجي اليوم بعدهم أشـر عـليَّ فإن الرأي مشـترك عز اللقاء وحالت دونه خِيَلي فالقلب فـي أمـره حيـرانُ مرتبك يَعُوقُني عن مُرادي ما بُلِيت به كما يعوق جنـاحي طائـر شـرك أروم صبرًا وقلبي لا يطاوعني وكيف ينـهض مَن خـانه الورك إن كنت فاقد إلف نُحْ عليه معي وإنـنـا كلنـا فـي ذاك نـشتـرك فهذا المقطع البكائي سار فيه شاعرنا سير الشعراء الغَزِلين في تصويرهم رحيل الأحباب، وتعبيرهم عن أثر هذا الرحيل عليهم، وتحس فيه بأنه بكاء شاعر هادئ النفس، بكاء خارجي، لا أثر فيه، ولا دليل، على أنه نابع من نفسه على بغداد بسبب هذه النكبة التي صورها في شكل الشرَك المقيِّد أو المعوِّق للطائر الذي وقع فيه . إنه يحاور صاحبه ويصف حالته النفسية السيئة بسبب رحيل الأحباب. وعدم نيله مراده، فبكاؤه بكاء إنسان عاشق غَزِل، لا بكاء إنسان ابتُلي وطنه متفجع عليه . ودليل ذلك مفردات المقطع وتراكيبه. ونجد النهج نفسه في بكائياته الثلاثة الأخرى.. ويقول في قصيدة نونية على بحر الرمل يشكو فيها فراق أحبته وفقد ديارهم وحنينه إلى الوطن، في قوالب هادئة الجرس، راعشة العاطفة: حنت النفس إلى أوطانه وإلـى مَن بان مِن خلانها تلك دار كان فيها منشئي مـن غريبها إلى كوفانها ليس بي شوق إلى أطلالها إنـما شوقي إلى جيرانها شقيت نفسي بالحزن فمَن يسعد النفس على أحزانها وهناك قصيدة أخرى نظمها الشاعر الكوفي في بغداد وأهلها، ولكنه أضاف فيها قصده إلى رسم لوحة فنية تتلألأ بألوان من المحسنات البديعية الرائعة فيقول فيها: إن كنت مثلي للأحبة فاقدًا أو في فؤادك لوعة وغرام قف في ديار الظـاعنين ونادها: "يا دار ما صنعت بك الأيام" أعرضت عنك لأنهم مذ أعرضوا "لم يبق فيك بشاشة تُستام" يا دار أين الساكنون وأين ذيـَّ ـاك البهاء وذلك الإعظام يا دار أين زمان ربعك مونقًا وشعـارك الإجلال والإكرام فلبعدهم قرب الردى ولفقدهم فقد الهدى وتزلزل الإسـلام فمتى قبلت من الأعادي ساكنًا بـعد الأحـبة لا سقاك غمام يا سـادتي أما الفؤاد فشيق قـلق وأمـا أدمعي فسجام والدار مذ عدمت جمال وجوهكــم لم يبق في ذاك المقام مقام لا حظ فيها للعيون وليس للـ أقـدام في عـرصاتها إقدام وحياتكم إني على عهد الهوى بـاقٍ ولم يخفـر لديَّ ذمام فدمي حلال أن أردت سواكم والـعيش بعـدكم عليَّ حرام يقف الشاعر الكوفي على عتبات لوحة الرسم المشتملة من ألوان فنية رائعة وهذه الألوان عبارة عن بكاء الشاعر وهيمنته عندما رأى خراب بغداد. وعلى الرغم من أن الشاعر الكوفي يذكر قصيدته هذه في خراب بغداد على يد التتار إلا أنه لم يبين في النص اجتياح التتار إلى بغداد، وإنما ظل يرثي أحبابه وأصحابه، ولعل ذلك بسبب خوفه من بطش التتار وقسوتهم.... أو لعله رجل وجداني النزعة، رومانسي الرؤية والاتجاه، ودلائل هذا التعليل واضحة في مفردات النصوص السابقة وتعابيرها. وتزداد وضوحًا في المبحث التالي: إعداد الطالبة/فاطمة البراشدي |