البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : معالم الأدب العربي في العصر المملوكي    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
17 - يناير - 2008
مدخل:
تعاقبت على دراسة الأدب العربي ـ بكمه وكيفه الكبيرين المجيدين ـ نظريات متنوعة واتجاهات مختلفة ومدارس متباينة؛ كلها تتغيا تسهيل دراسة ذلك الأدب العريق في عمره وبيئته، وفي أعلامه ومعالمه، وفي ثراء نصوصه ونماذجه.
      وتعد النظرية المدرسية ـ التي اعتمدت على المنهج التاريخي وبنت عليه دراساتها ـ  من أشيع النظريات في الدرس الأدبي لدينا الآن حتى غدت تقليدً جرى عليه معظم المؤلفين ومعظم الجامعات العربية في تدريسها للأدب العربي.
         وقد نال الأدب العربي ـ عن طريق هذه النظرية ـ في عصر الجاهلية، وعصر صدر الإسلام، وعصر بني أمية، وعصر بني العباس، حظوة بالغة من قبل الدراسيين قديمًا، وإلى يومنا هذا.
وهوـ فعلاًـ أدب جيد جذاب يستحق هذه الحظوة؛ إذ بلغ القمة الفنية والفكرية في غالب نصوصه، فلم يسقط أو يضعف منه إلا شذرات من الأعمال الأدبية المتكلفة الصادرة عن أناس لا صلة لهم بالإبداع، ولا موهبة لديهم ولا صدق فيما ينشئون أو ينظمون.
        ولكن ـ وما أمرَّ لكن هذه ـ لم توجد ـ أو تُوجَّه ـ جهود متماثلة إلى الأدب العربي في عصر ما بعد سقوط بغداد 656هـ، من قبل الدارسين؛ وذلك راجع إلى اعتقاد ترسخ لدى كثير منهم بأن ذلك السقوط كان حدًّا فاصلاً صارمًا مميزًا بين قوة الدولة العربية الإسلامية ممثلة في الدولة العباسية، وبين ضعفها وانحلالها وانهيارها ممثلة في عصر الدول والإمارات حيث الأيوبيون والفاطميون والمماليك والعثمانيون.
ومن ثمَّ كان ـ كذلك ـ الحد الفاصل ـ في زعم الكثيرين ـ بين مرحلتي قوة الأدبالعربي وضعفه.
         وتلك رؤية استشراقية، غير موضوعية، بدأها كارل بروكلمان وتبعه فيها جرجي زيدان وطه حسين وشوقي ضيف وجودت الركابي... وآخرون.
 وقد واجهها عدد من الباحثين الجادين الموضوعيين، منهم: العلامة محمود شاكر، و الدكتور محمود رزق سليم،والدكتور محمد مصطفى هدارة، والدكتور ناظم رشيد، والدكتور بكري شيخ أمين!!!، والدكتور عمر موسى باشا، والدكتور محمد زغلول سلام ... وآخرون 
وفي قادم التعاليق مزيد توضيح لهذه الاراء، من خلال جهد طالباتي بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، بإذن الله تعالى. د/صبري أبوحسين
 
 
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
العثمانيون    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
لقد لقي أدب العهد أو العصر العثماني من الإهمال والظلم والتشويه ما لقيه أدب عصور الدول المتتابعة ، ولأسباب متقاربة .إن اتهام العثمانيين بكل تلك السيئات لا ينطبق إلا على القرن الأخير من حكمهم ، وذلك عندما استشرى نفوذ الدونمة والاتحاد والترقي وتركيا الفتاة وأمثالها من المنظمات اليهودية المتسترة ، فهم الذين قضوا على الحكم العثماني وهم الذين وصموه بكل قبيح ، ولم تكن المقابح إلا في عصرهم عصر ( يهود الدونمة ) فالسلطان عبد الحميد الذي رفض أن يبيع فلسطين لليهود ، ثم رفض هجرتهم إليها عندما فهم الغرض ، أطاح به اليهود ، وكتبوا عنه أنه لم ينتشر نفوذ اليهود في تركيا إلا في عهده ، ولم تكثر هجرة اليهود إلى فلسطين إلا في عهده ، وكأنه هو الذي فعل ذلك ، لقد خلعوه وشوهوا سمعته ..نحن نعلم أن أبشع ما فعلته تركيا ، أي تركيا الفتاة ، والاتحاد والترقي ؛ لأنني من هنا لا أسمي الدولة عثمانية بل أسميها تركية ، أبشع ما نذكره نحن العرب إعدام شهداء 6 أيار .. فمن ذا الذي أعدمهم?. أهو السلطان عبد الحميد?. إنه جمال السفاح الذي يسمونه جمال باشا ، وهو يهودي ..ثم ألصقت كل سيئات الاتحاد والترقي اليهودية بالدولة العثمانية ، كما ألصقت كل سيئات العثمانيين بالسلطان عبد الحميد ، ولقد اتهموه بأشرف ما فعله وهو عدم التفريط بفلسطين .. هذا أحد أسرار إهمال وتشويه هذه الفترة ..
ثمة كتاب للشيخ مصطفى صبري وهو آخر شيخ إسلام في الدولة العثمانية  اسمه ( موقف العقل والعلم والدين ..) فيه حقائق مفيدة  عن هذه المرحلة ، وإن لم يتطرق إلى الأدب نفسه ( الأخ الأستاذ داوود من موقع الوراق31 مايو 2006).
*د يحيى
19 - يناير - 2008
المستقبل للإسلام .    كن أول من يقيّم
 
                                مَن هم العثمانيون؟
 أتى الله بهم من جنوب الصين، ووجّههم غرباً؛ ليمكن لهم في الأرض؛ وليؤسس دولة قوامها التوحيد والتقوى والعدل على يد قائدهم عثمان بن أرطغرل بن سليمان الذي أراه الله في المنام -عندما أراد أن يتزوج ابنة الشيخ الصالح- ما يدل على أن الذي سيجري على ذريته المعجزة التي وعد بها النبي ،صلى الله عليه وسلم، بقوله :"ستفتح القسطنطينية فنعم القائد قائدها ونعم الجيش ذلك الجيش" (رواه أحمد4/273). وتحققت بشارة النبي ،صلى الله و عليه و سلم، على يد حفيده السادس أبي الفتح محمد الفاتح ؛ وليبنيَ على أياديهم أعظم حضارة ظهرت على وجه الأرض بعد حضارة الإسلام الأولى؛ ولتتسع دولة الإسلام وتحكم أكثر من ثلثي الأرض بالعدل في ذلك الحين من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، ومن روسيا شمالاً إلى أقاصي الجنوب في آسيا وإفريقيَّة ،ولتصبح ملكة البحار أجمع دون منازع ،و تصبح القوة العظمى الوحيدة في ذلك الحين، وما كان للعثمانيين ذلك إلا بعدما أخذوا على عاتقهم نداء الله الاستخلاف في الأرض ، الذي كان على منهاج الله،عز وجل، وسنة رسوله ،صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذت تبني الإنسان أولاً، تسلحه بالعلم و المعرفة، وتربطه بخالقه سبحانه وتعالى، وأنشأت لأجل ذلك المعاهد و المصانع والمختبرات، وقامت على صناعة السلاح الناري، وهي أول من صنع المتفجرات والمنجنيقات والمدافع ؛ لتدك بها أسوار القُسطنطينية المنيعة التي ما كان فتحها مصادفة، بل كان عن تخطيط وإرادة وعزيمة وتوكل على الله ،حتى تحقق على يديها الوعد الإلهي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"ستفتح القسطنطينية فنعم القائد قائدها ونعم الجيش ذلك الجيش".
هذا ، وقد كان  هناك ست حملات سابقة لفتح القسطنطينية، وكان أخرها على عهد هارون الرشيد ، ولكن لم يكتب لهم التوفيق وشاء الله -سبحانه -أن يمنح شرف هذا الفتح المُبين لهذه الثلة المؤمنة ، التي استمرت تنشرالعلم والمعرفة في الأرض على مدار ستة قرون ثمّ أصابها الإعياء بعد امتداد الأمد والتآمرعليها من غير المسلمين عامة ، ومن بعض حكامها خاصةً، فقد انبهروا بالغرب،متّبعين حيناً ومقلّدين حيناً آخر ، وبدأت تتأرجح ما بين هبوط وصعود حتى كُتبت نهايتها نتيجة غفلتها وابتعادها عن منهج الله عز وجل . وهي إلى وقت قريب كانت عملاق الإسلام العظيم، وإحدى الدول الثماني الكبرى التي تحكم هذا العالم ، فتفرقت قوتها وذهبت ريحها ، وجاء إليها زعماء طغاة  بقوة السلاح ، فرقوا بين الأمم ومزقوا أواصرها فأصبحت شعوبنا وأوطاننا بعدها أقزامًا وأتباعاً وأزلاماً لهذا وذاك، للشرق حيناً وللغرب أحياناً، ولا وجود لنا، ولا كيان ولا راحة، وأصبحنا عالة على غيرنا ننتظر مؤونتهم ومساعداتهم،ونتسابق إلى إرضائهم ...ولكنّ الله سيستبدل بنا قوماً غيرنا ، وسينهمر الغيث ، وستفتح ( رومية) كما فتحت بالأمس ( القسطنطينية) ؛ لأنه سئل، صلى الله عليه وسلم :" أيّ المدينتين تُفتَح أولاً أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال : مدينة هرقل تُفتح أولاً؛ يعني قُسطنطينية".( سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني1/8). و( رومية) هي ( روما) كما في معجم البلدان.
لقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني ، وسيتحقق الفتح الآخَر بإذن الله تعالى القائل:" ولَتعلمُنّ نبأه بعد حين" ، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:" إن الله زوى(أي جمع وضمّ) لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإنّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها".( رواه مسلم8/171، وأبو داود(4252)، وأحمد(4/123)، وصدق الله: " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودِين الحق لِيُظهرَه على الدين كله ولو كرِه المشركون".
 
*د يحيى
20 - يناير - 2008
مجمل رأي المنصفين    كن أول من يقيّم
 
مؤدَّى رأي الباحثين المنصفين لأدب العصرين، أنه مهما يكن من أمر الأدب في هذا العهد، فإننا لا نستطيع أن نضرب عنه صفحًا أو نهمله. وذلك للأسباب الآتية:
*أننا بذلك الجحود لأدب العصرين نهمل جانبًا من حياتنا، ونقتطع حلقةً من حلقات تطورنا الفكري والفني، بل والاجتماعي أيضًا؛ ذلك أن حياتنا المعاصرة متصلة ـ دون شك ـ بآصرة شديدة بحياتنا في عصر المماليك ـ وغيرهم ـ بل ربما خلَّف عصر المماليك والعثمانيين الذي امتد لأكثر من ستة قرون في حياتنا المعاصرة ما لم تخلفه العصور العربية الإسلامية السابقة مجتمعة. وعلى هذا فلا ينبغي لنا حين نعرض لآدابنا المعاصرة ـ فصيحة أو شعبية ـ أن نهمل عصور المماليك والعثمانيين، بل ينبغي أن نعيها وعيًا صحيحًا، وأن ندرسها درسًا منهجيًّا، نحلل عناصرها ونبرز جوهرها، ونعرض عن خبثها، إذا كان ثمَّة جوهر وخبث في الحياة والأدب .
        فهؤلاء يتجهون في حرصهم على الأدب العربي إبان المماليك والعثمانيين من قيمة إنسانية خالدة تتمثل في احترام الماضي وتقديره ـ لا تقديسه ـ باعتبار الماضي عنصرًا فعالًا يسهم في تكوين الحاضر، وفي التهيئة للمستقبل؛ فهو حبل غير منقطع يشد حاضرنا، ويعيننا على الاتصال بمستقبلنا؛ فيربطنا ـ هذا الأدب ـ بما سبق وما سلف مهما كانت درجته أو قيمته: علوًّا أو تسفلًا، تحضرًا أو تخلفًا، تقدمًا أو رجعية، التزامًا أو إسفافًا، فوقيةً أو دونيةً .
        *و ينحو آخرون منحًى منهجيًّا في تفسير دعوتهم إلى الاهتمام بدرس الأدب العربي في العصرين  المملوكي والعثماني، إذ لم تكتمل الدراسات في الأدب العربي المتعلقة بهذين العصرين، على الرغم من تعدد الباحثين والدارسين في تاريخ الأدب لدى العرب والمستشرقين، بل وكثرتهم!!!
وما زال  هذان العصران المظلومان يشكوان ندرة الدراسات وقلة الأبحاث، بلهَ الجور الذي لحقهما في الأحكام النقدية والتقويمية، وحتى بعض هذه الدراسات التي صدرت أخيرًا ليست إلا لمحات خاطفة، أو نظرات عابرة من المهتمين عامة بتاريخ الأدب العربي، لم تعطِ الصورة الحقيقية لهذا العصر من طرف قريب أو بعيد.
        حقًّا لقد وقع الأدب العربي في هذين العصرين ضحية لأحكام سابقة وآراء سالفة، أطلقها المستشرقون وتابعوهم العرب المستغربون، إذ نعتوه بأنه أدب العقم والجمود والانحطاط وأدب الماضي والذكرى، وأدب الجهل والظلام والانحلال والانحدار والانهيار....إلخ
 وهي نعوت ظالمة، قائمة على أحكام مبتسرة وآراء هشة، إذ لم يعتمد أصحابها على مصادر أصلية أساسية من دواوين أو مجاميع أدبية أُلفت في هذين العصرين، ولم يكونوا متخصصين تخصصًا دقيقًا في البحث في مدونات هذه الفترة ـ المخطوط منها و هو كثير جدًّا، والمطبوع وهو قليل جدًّا!!! ـ ومن ثم كان استقراؤهم ناقصًا، واطلاعهم قاصرًا، و نماذجهم معدودة  مكرورة في كل دراساتهم، وهي نماذج لا تعبر عن الحالة العامة للإبداع الأدبي في هذه الفترة، وإنما تعبر عن تيار واحد فقط من الإبداع، وهو التيار الشعبي العامي، والتيار الفكري الجاف.
*كما أن في دراسة أدب هذين العصرين، دراسة مفصلة عميقة، ما يساعد على فقه وسائل مواجهة أسلافنا لهاتين الهجمتين الشرستين الآتيتين من الشرق حيث المغول، والغرب حيث الصليبيون. فقد صور أدب العصرين آلام الأمة وآمالها، وجهادها وكفاحها حتى تخلصت من الهجمتين، بل وسعت رقعة الدولة الإسلامية، وأوصلت كلمة الإسلام في بقاع جديدة بأوروبا، لم تكن تعرف عن العروبة والإسلام شيئًا.
 [راجع في ذلك تاريخ الأدب العربي في العصر المملوكي، للأستاذ الدكتور عمر موسى باشا، بارك الله فيه].  
 
*صبري أبوحسين
21 - يناير - 2008
مجمل رأي ظالمي العصرين    كن أول من يقيّم
 
من خلال قراءاتي في مراجع تاريخ الأدب العربي الحديثة، يمكنني أن أوجز التهم التي وجهها الظالمون إلى أدب العصرين في الآتي:
*أنه أدب متكلف، اهتم مبدعوه بأعشاب البديع في كل نص شعريًّا كان أو نثريًّا.
*أنه أدب سطحي المضمون، فلا عمق في التفكير أو جدَّة في الرؤية، بل يكاد يكون اجترارًا لما سبق من معانٍ.
*أنه أدب تقريري جاف مباشر فلا خيال فيه، ولا تحليق في تصوير المشاعر والأفكار، وإن وجد من خيال فهو تقليدي جزئي مبتذل.
*أنه أدب شكلي في المقام الأول، مبدعوه يهتمون باللفظ على حساب المعنى.
* أن العصرين لم ينجبا أعلامًا فذة تشبه أعلام العصور السابقة أو اللاحقة.
* لايوجد في أدب العصرين نصوص بارعة ساطعة، يمكن أن يشار إليها بالبنان، فتجذب النقاد والمتذوقين، كما في العصور السابقة واللاحقة. 
* هيمنت العجمة وسيطرت على لغة الإبداع، وشاع اللحن فيها شيوعًا فاضحًا، وصار للعامية سلطان وباع، وعشاق وفنون ومنظرون!!!
* أنه أدب افتقر إلى حركة نقدية فاعلة تقيِّمه، وتوجِّهه.
 د/صبري أبوحسين 
*صبري أبوحسين
21 - يناير - 2008
اختلاف الباحثين في تسمية العصرين    كن أول من يقيّم
 
كما نرى الباحثين يتخبطون في الأحكام و الاستقراءات والاختيارات الأدبية من هذين العصرين، نجدهم –أيضًا- يتخبطون في المصطلحات أو التسميات التي استحدثوها أو أطلقوها في تسمية هذين العصرين، فيطرق آذاننا مصطلح عصر الانحطاط، ومصطلح عصر الانحلال، ومصطلح عصر الأتراك، ومصطلح عصر الأعاجم، ومصطلح عصر المغول، ومصطلح عصر الدول المتتابعة، ومصطلح عصر الدول والإمارات ومصطلح العصر المملوكي والعصر العثماني....
وكلها اصطلاحات يقصد منها تقديم حكم مسبق على العصر، أو جعله منسوبًا إلى غير العرب بقصد إثارة العصبية العرقية، أو منسوبًا إلى حكام الفترة.
 ومن الأنسب استحداث مصطلح أدبي بعيد عن التاريخ وما يتصل به من صراعات ومنافسات، وعن الحكم النقدي الجائر المعمم.
وأستحسن في هذا المقام مصطلح عصر التماسك أو الثبات الأدبي- وهو مصطلح أطلقه الدكتور أبوسعدة في كتابه(الأدب العربي بين التماسك والانحدار)، أو مصطلح الأدب العربي الوسيط أو الوسَط، فمثل هذه الاصطلاحات قائمة على رؤية عقلية ونظرة بحثية وسطية وموضوعية، لا تتعصب للعصر أو عليه.
إن من الظلم البين لهذين العصرين ـ الذَين شهدا وقائع عزتنا وانتصارنا على أعتى قوتين غارتا علينا قديمًا، وهما المغول والصليبيون، وتدميرنا لهما تدميرًا ـ أن يوصفا في ديارنا العربية الإسلامية، بأنه فترة الضعف والانحطاط والعقم والانهيار وما إلى ذلك من إطلاقات لا تدل إلا على انهزام نفسي وانكسار روحي وتبعية بغيضة، ليس الوقت وقتَها، فالوقت وقت علم وحضارة ودقة في كل شيء في حياتنا، وزمن الرؤى الموضوعية العقلانية المنصفة.د/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
21 - يناير - 2008
منهجي في دراسة أدب العصرين    كن أول من يقيّم
 
منهجي في دراسة الأدب المملوكي والعثماني:
خلاصة رأيي أن الأدب العربي في عصري المماليك والعثمانيين لم يلق بعدُ حقَّه العلميَّ الأكاديميَّ من البحث والدراسة تحت طائلة وهم فارغ، هو أنه أدب ينتمي إلى عصر الركود السياسي.  وكأن الركود الفكري والأدبي والفني مرهون بالركود السياسي وتبَع له، وتلك رؤية قابلة للأخذ والرد، وليست ثابتةً أو مسلمة منطقية معقولة أو مقبولة.   ولو سلَّمْنا جدلاً بأن الأدب الرسمي قد أصابه شيء من العقم والجمود، فهو ـ شئنا أو أبينا ـ جزء ضخم من تراثنا الفني وتاريخنا الأدبي، يجب أن يخضع للدراسة الأكاديمية أو المنهجية؛ وذلك لسبر غوره والوقوف على ملامحه ومعرفة مؤثراته وتأثيراته، هذا التراث الذي ما زال مخطوطاً قابعًا وضائعًا أو تائهًا في مكتبات شتى بأنحاء العالم.
        والحق أن أدب هذه الفترة لم يكن ضعيفًا أو راكدًا أو خامدًا أو معطلًا، وإنما كان ثابتًا مستقرًّا محافظًا على حاله التي ورثها من أخريات العصر العباسي. وبالتحديد بعد عصر أبي العلاء المعري (ت449هـ) وأمثاله ممَّن كان سببًا في اهتمام خالفيه بالشكل على حساب المضمون اهتمامًا واضحًا، ظهر في زخارفهم و أشكالهم الهندسية اللفظية التي لجأ إليها بعضهم ممَّن حاولوا تقليد المعري بالجمع بين العلم والأدب جمعًا مقصودًا لذاته، لم يعد على الإبداع الأدبي بفائدة كبيرة.
        إنه عصر المحافظة على الموروث العباسي وتقليده، وذلك بدافع الاحتفاظ بالشخصية العربية وما تملك من فكر وإبداع أمام أعدائها المغيرين من التتار الوحشيين أو الصليبيين الحاقدين، وذلك حتى لا تضعف هذه الشخصية أو تضمحلّ أو يصيبها وهن من شأنه أن يؤثر على قوانا أو ينال من روحنا.
 إنه عصر فكري وأدبي جاء ردَّ فعلٍ إيجابي محمود ضد الغزاة المعتدين لم يتغير، وينتقل من دور المحافظة والتقليد إلى دور التجديد والإبداع إلا بزوال هؤلاء الغزاة المعتدين.   وذلك كان عند رحيل الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من المستعمرين ـ بل المستدمرين ـ الغربيين عن بلاد العرب والإسلام في العصر الحديث، حيث كانت النهضة الفكرية والأدبية في القرن العشرين الميلادي.
إن من الواجب علينا ـ كباحثين و دارسين وطلاب علم ـ أن نقرر أن أدب هذه الفترة محتاج إلى جهود جمعية مؤسسية جبارة؛ لأنه لا يزال في الأغلب الأعم مخطوطًا بِكْرًا، لم يُحَقَّق تحقيقًا علميًّا في صورته المقبولة، ولم يُنظَر فيه بنظرة موضوعية تقيسه بمقاييس ملائمة له زمانًا ومكانًا، رؤية وتعبيرًا، ولذلك فهو مجال واسع لدراسات كثيرة متنوعة في كمِّها وكيفها، حتى نصل إلى الرؤية المنطقية الصائبة عن حال الأدب العربي في هذه الفترة .
        وذلك يكون بدرس الحَيَوَات السياسية والاجتماعية والثقافية دراسة موجزة مكثفة، تركز على مدى تأثير هذه الحيوات في مسيرة الأدباء واتجاهاتهم، ومدى تصوير الأدباء لأهم معالمها.   ثم بدرس معالم الحياة الأدبية في العصرين دراسة مفصلة، ناهلة من المصادر الأصلية من مجاميع الأدب ودواوين الشعراء.  وبذلك نقتحم نتاجًا يمثل فرصة عظيمة لشباب الباحثين والدارسين للتعمق في أدب عربي بكر لم تمسه نظرة الناظرين إلا لمامًا و شذرًا . د/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
22 - يناير - 2008
تعديد إيجابيات أدب العصرين    كن أول من يقيّم
 
تعديد إيجابيات أدب العصرين:
وأرى أن أفضل ردٍّ على متهمي أدب العصرين بالجمود والتخلف هو أن نعدد إيجابيات أدبهما وتحليل ما فيهما من جماليات شكلية ومضمونية تضاهي –إن لم تَفُق- ما في العصور السابقة واللاحقة.  وهذه الإيجابيات تتمثل في الآتي:
* تصوير الأدب للحياة العربية: سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، عصرَئذٍ.
*الاتجاه الشمولي في التأليف، أو ما يسمى مملوكيًّا بالموسوعات، وعثمانيًّا بالشروح والحواشي.
*ازدهار التيار الصوفي في الإبداع الأدبي شعرًا ونثرًا، فكرًا وتأليفًا.
*ازدهار التيار الشعبي في الإبداع، والانتقال من الاتجاه الغنائي الذاتي المتصل غالبًا بالحكام وذوي السلطة إلى الاتجاه الموضوعي العام المعبر عن هموم العامة.
*ازدهار فن المديح النبوي الشريف بنوعيه المصنوع[الذي لم يتكلف البديع في كل بيت من أبيات القصيدة]، والبديعي[ الذي التزم رواده الإتيان بالبديع في كل بيت من أبيات القصيدة]
*فرائد شعرية محلِّقة، مثل ورائية سعدى الشيرازي في رثاء بغداد، وقصيدة البردة للبوصيري، وقصيدة ابن نباتة في غرض الجمع بين التهنئة والتعزية، وقصيدة صفِيِّ الدين الحِلِّي في غرض وصف الربيع، وقصيدته التي عارض فيها بائية للمتنبي، وغرض الإحماض عند الحلي أيضًا. . . .
*خرائد نثرية رائعة مثل: (مقامة في قواعد بغداد في الدولة العباسية)، لابن الكازروني(ت697هـ)، ورسالة (مفاخرة بين السيف والقلم) لابن نباتة، ورسالة(حلية الفضل والكرم في المفاضلة بين السيف والقلم) لأبوالعباس القَلْقَشنْدي، وترجمان الأشواق لابن عربي، ومقدمة ابن خُلْدون، فن مقدمات الكتب مثل مقدمة ابن منظور المصري في لسان العرب، وفي أدب الرحلة نجد عددًا كبيرًا من الرحلات التي أبدعها أبناء العصرين لم تبحث أو تعرض العرض الأدبي الصحيح، منها:(الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية) لعبدالغني النابلسي. . . إلخ
*سطوع أعلام بارزة في فنون النثر المختلفة مثل:ابن فضل الله العمري(ت749هـ)، وخليل بن أيبك الصفدي(ت764هـ)، والقلقْشنْدي(ت821هـ)، والسيوطي(ت911هـ)، والشهاب الخفاجي(ت1069هـ)، ويوسف البديعي(ت1073هـ)، وعبدالقادر البغدادي(ت1093هـ). . . إلخ
*حضور أعلام بارزة في فنون الشعر المختلفة مثل شمس الدين الكوفي(ت675هـ)، وشرف الدين البوصيري(ت695هـ)، وصفي الدين الحِلِّي(ت750هـ)، وابن نُباتة المصري(ت768هـ) وتقي الدين بن حجة الحموي(ت837هـ)، وبهاء الدين العاملي(ت1031هـ)، وابن النحاس الحلبي(ت1052هـ)، ومحمد أمين المحبي(ت1111هـ)،  وعبدالغني النابلسي(ت1143هـ)، وابن معتوق الموسوي(ت1087هـ)، والأمير منجك الجركسي. .. وآخرين.
وذلك جهد بحثي ودراسي قدمه عدد محدود من الدارسين الجادين في كتاباتهم، نعرض لها في التعاليق الآتية.   
د/صبري أبوحسين
*صبري أبوحسين
22 - يناير - 2008
الحياة السياسية في مرآة أدب العصرين    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

الحياة السياسية في مرآة أدب العصر المملوكي

        تعد حادثة سقوط الخلافة كارثة عظمى لم يعرف التاريخ القديم مثيلاً لها في شناعتها وسرعة تقويضها دعائم مدنية أشرقت على بلاد واسعة الأرجاء ممتدة من الصين شرقًا إلى بحر الروم غربًا. قال عن بداياتها ابن الأثير(ت632 هـ(:"لقد بقيتُ عدةَ سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدم إليها رِجْلاً  وأؤخِّر أخرى. فمَن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها، وكنت نسْيًا منسيًّا" .
 لقد جرح العرب والمسلمون جرحًا لا يندمل ولا يمكن وصف ما ألمَّ بالعرب؛ لأنه ـ كما يقول السيوطي(911هـ) في تأريخه للخلفاء ـ "حديث يأكل الأحاديث وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ ينسي التواريخ، ونازلة تصغر كل نازلة" .
      شاءت إرادة الله ولا رادَّ لمشيئته أن تسقط بغداد على أيدي المغول(التتار)عام 656هـ وأن ينتهي عهد الخلافة العباسية وسلطانهم، وتتحول دولتهم إلى ذكرى مرددة وتاريخًا مرويًّا وأحاديث مأثورة وعبرًا ماثلة، يذكرها المسلمون باللوعة وبالأسى والحسرة على ذهاب دولة إسلامية كبرى كان لها من النفوذ الروحي والسياسي في بقاع الإسلام المختلفة.
وقد كانت نكبة بغداد هذه مؤثرة تأثيرًا واضحًا في الشعراء، نظرًا لما أحدثه التتار من فظائع مرعبة في بغداد وأهلها:
فهذا شاعر يفسر السقوط البغدادي بضعف شخصية الخليفة العباسي، قائلاً:
خليفة في قفصٍ    بين وصيف وبُغا
يقول ما قالا له     كما يقول البَبَّغا([1])
  ومن ثَم كان السقوط الذي وصفه الشاعر تقي الدين ابن أبى اليسر(ت672هـ)،  برائية دامعة، يقول في مقدمتها:
لسائل الـدمع عـن بغداد أخـبـار                 فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا                 فـما بـذاك الحـمـى والـدار ديـَّار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت                 بـه الـمـعـالـم قـد عـفَّـاه  إقــفـار
أضـحى لعطف البـلى في ربعه أثر               ولـلـدمــوع عــلـى الآثــار آثــار
يا نار قلبيَ من نارٍ لحرب وغًى               شُبَّتْ عليه ووافى الربعَ إعصار([2])
 
فمكان الخلافة صار قفرًا بلقعًا يبابًا، ورسمًا دارسًا، ومن ثم فسيلان الدموع أمر طبيعي لتلك النار التي في قلبه من جراء مظاهر الخراب والدمار التي أحدثها التتار في دار الخلافة، وقد جاء بكاء ابن أبي اليُسر ذاتيًّا صادقًا، ممزوجًا بصور خيالية معبرة، خصوصًا في البيت الخامس.
وهذا الشاعر الإيراني سعد الدين الشيرازي (ت691هـ)([3]) يقدم دمعة حرى على بغداد قائلاً:
حبست بجفنيَ المدامع لا تجرى       فلما طغى الماء استطال على السكر
نـسيـمُ صبَـا بـغـدادَ بعـد هـلاكِها         تَمـنَّيـتُ لـو كـانـتْ تمـرُّ عـلى قبري
لأن هلاكَ النفس عند أُولى النُّهى        أحـبُّ لـه مـن عيشِ مُنقبِض الصـدر
زجرتُ طبيبًا جسَّ نبضي مداويًا          إليـكَ فـما شكـوايَ مـن مرضٍ تُبرى
لزمتُ اصطبارًا حيث كنتُ مفارقًا        وهـذا فـراق لا يـعـالـج بـالصــبر([4])
فالشيرازي متفجع حزين على بغداد بسبب هذه النكبة، وذلك بكثرة دموعه، وتمنيه الموتَ وتكلفه الصبرَ، ولكن كل ذلك لا ينفع ولا ينجع؛ لأن المُصاب جَلَل والخسائر فادحة، يقول:
تـسائلني عما جرى يوم حـصرهم    وذلك  مـمَّا ليـس يـدخـل في الحصر
بكت جدر المستنصرية([5]) ندبة          على العلماء الراسخين ذوى الحجر([6])
 
 
نوائـب دهـر ليـتنـي مـتُّ قبلها        ولــم أر عـدوان السفـيه على الحبر
محـابر تبـكي بـعدهـم بسوادها       وبعـض قـلوب الناس أحلك من حبر
لحى الله من يسدى إليه بنعمـة       وعنـد هـجوم النـاس يـألف بـالـغـدر
مـررت بصـم الراسيات أجوبهـا      كخنساء من فرط البكاء على صخر
أيا ناصحي بالصبر دعني وزفرتي        أمـوضع صـبر والكبـود على الجمر
تهدم شخصي من مداومة البكا           وينهدم الجرف الدوارس بالمخر([7])
 
فما جرى يوم حصار التتار لبغداد يفوق الحصر والخيال، فالخسائر كثيرة وفادحة، والجميع متفجع:العلماء، ومعاهد العلم، والمحابر، والجبال الصماء، والكبود المحترقة. ومما يزيد الجميع حزنا وبكاء وجود طائفة من المنافقين أوالخونة، ذوى القلوب الحالكة، والنفوس الخائنة الغدارة.
يتبع، إن شاء الله تعالى د/صبري أبوحسين


[1])) راجع الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي ص38، نقلاً عن مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني ص16. ووصيف وبغا غلامان تركيان جلبهما المعتصم، وتوليا مناصب رفيعة في عهده وعهد مَن بعده من ضعاف الخلفاء.!!!
([2]) النجوم الزاهرة 7/ 52، وشذرات الذهب 5/ 271 ـ 272 والزوراء: بغداد .
([3]) راجع ترجمته في معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 6/ 151 .
([4]) السكر: ما يوضع على مجرى الماء لمنع جريانه كالسد ونحوه.
([5]) المستنصرية: مدرسة تقع في جانب الرصافة ببغداد، شيدها الخليفة المستنصر بالله سنة 625هـ .
([6]) الحجر: العقل .
([7]) راجع ديوان الشيرازى ص 61، وأوراق بغداد صـ 364 والمخر: الشق .
*صبري أبوحسين
22 - يناير - 2008
تابع تصوير الحالة السياسية    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
منهج خاص في بكاء بغداد:
وللشاعر شمس الدين الكوفى (ت675هـ) أربع بكائيات، تنهج نهجًا واحدًا، و ينتظمها فكر واحد وشعور واحد من مطلعها إلى خاتمتها، يقول من قصيدة كافية:
بانـوا ولى أدمع في الخد تشتبك          ولـوعـة فـي مـجال الصـدر تعتركُ
 بالرغم لا بالرضا منـى فراقـهمُ              ساروا ولم أدر أي الأرض قد سلكوا
 يا صاحبي ما احتيالي اليوم بعدهم       أشـــرْ عـلـيَّ فـإن الـرأي مـشتـرك
عـز اللـقاء وحـالت دونـه خيَلي             فـالقـلب فـي أمـره حيـران مـرتبـك
يعُوقُني عـن مرادي ما بُلِيتُ به             كـمـا يـعـوق جـناحَـي طـائـر شـركُ
أروم صـبرًا وقلبـي لا يطاوعني             و كـيـف يـنـهـض مَن خانَه الوركُ
إن كنت فاقدَ إلفٍ نحْ عليه معي            فـإنـنـا  كـلنـا فـي ذاك نـشـتـرك([1])

 
 
فهذا المقطع البكائي سار فيه شاعرنا سير الشعراء الغزلين في تصويرهم رحيل الأحباب، وتعبيرهم عن أثر هذا الرحيل عليهم، وتحس فيه بأنه بكاء شاعر هادئ النفس، بكاء خارجي، لا أثر فيه، ولا دليل، على أنه نابع من نفسه على بغداد بسبب هذه النكبة التي صورها في شكل الشرك المقيد أو المعوق للطائر الذي وقع فيه. إنه يحاور صاحبه ويصف حالته النفسية السيئة بسبب رحيل الأحباب، وعدم نيله مراده، فبكاؤه بكاء إنسان عاشق غزل، لا بكاء إنسان ابتُلي وطنه، متفجع عليه. ودليل ذلك مفردات المقطع وتراكيبه، إضافة إلى ختامه هذه القصيدة بقوله:
لا تحسبوا الدمع ماء في الخدود جرى        وإنـمـا هـي روح الصـب تنسـبك
وتجد النهج نفسه في بكائياته الثلاثة الأخرى([2])، وإن أضاف فيها قصده إلى صبِّ تجربته في قالب فني مصنوع، مزدحم بأصباغ البديع المتعددة، كما في قوله:
عــنـدي  لأجــل فراقـكــم آلام               فـإلام أعــذل فـيـكمُ وألام
من كن مثـلى للحبيب مـفـارقًا               لا تـعـذلـوه  فللكلام كِلام
نعم المساعد دمعي الجاري على          خـدي  إلا([3]) أنــه نـــمَّــام
ويذيب روحي نـوح كـل حمامة            فـكـأنما نوح الحمام حمام
إن كـنـت مـثـلي للأحبـة فـاقـدًا             أوفى فؤادك لوعة وغرام
قف في ديار الظاعنين ونادها:           يا دار ما فعلت بك الأيام([4])
 
فهذا بكاء شاعر هائم محب على رحيل أحبابه ونواهم عنه. وقد استعان في التعبير عنه بأصباغ البديع من جناس وطباق وتضمين الشطر من مطلع قصيدة لأبى نواس ـ وهو الشطر الأخير. ومن أجل ذلك التضمين البلاغي وقع في تضمين عروضي حيث ربط البيتين الأخيرين عن طريق فعل الشرط وجوابه. وقد جاء تفجعه في صورة دمع جار، وحمام نائح، ومخاطبة للطلل. ولا أثر في النص لاجتياح التتار لبغداد، على الشاعر في تعبيره وتفكيره. وذلك ديدنه في بقية أشعار القصيدة، يحزن و يتفجع على فراق الأحبة حزنًا عاطفيًّا، وتفجعًا رومانسيًّا، رغم أن ابن شاكر الكتبي (ت764هـ)، قدم لهذه القصيدة بما نصه : "قال شمس الدين محمد بن عبيدالله الكوفي الواعظ، يرثى بغداد بعد وقعة التتار"([5]).
ولعل الكوفي لجأ إلى هذا المذهب الفني في رثاء المدن في بكائياته الأربعة، تقية وتسترًا، وحفظًا لنفسه، ورعبًا من التتار وأتباعهم المنتشرين حينئذ في كل مكان، فما الطلل الذي يخاطبه إلا بغداد، وما بها من أماكن تاريخية، وما الأحباب الراحلون إلا أهل بغداد الذين نشأ بينهم وعاشرهم فأحبهم وأحبوه.
أو لعل ذلك الصنيع من الكوفي راجع إلى قصده إلى تطبيق توجيه أبى العتاهية في قوله :
لا يصلح النفس إذ كانتْ مُصرَّفةً      إلا التنقلَ من حال إلى حال([6])
 
 
وهذا ما يصطلح عليه في علم النفس بالتحول النفسي([7])، إذ يستعين به الإنسان في مواجهة المصائب الشديدة، فيغير مشاعره عن مصيبته الكبرى ـ وهى السقوط البغدادي على أيدي التتار ـ بموضوع آخر، وهو تلك التجربة الغزلية الهروبية المتخيلة. وهذا منزع فني يكاد يتميز به شمس الدين الكوفي بين رادة فن رثاء المدن في تراثنا الشعري.
لقد جاء التفجع على بغداد في شعر ظاهر الندب، بين الحسرة، مخلوطًا بالأسى والتلهف، شاجي الأقوال، مبكي المعاني، مثير التباريح، صادق العاطفة؛ لأنه صادر من نفوس مكلومة، لما حل بتلك المدينة المجيدة من هلاك وخراب وتقتيل وتشريد على أيدي المفسدين والمعتدين. وفى تلك الرثائيات سير على نهج رثائيات المدن والممالك الزائلة في شعرنا العربي قبل السقوط البغدادي وبعده، خصوصا لدى الأندلسيين([8]).
فقد أشجى الشعراء أن يروا هذه المآسي التي تلحق ببغداد على أيدي المعتدين فبكوها بكاء من يبكى على فراق وطنه الذي أحبه، وفتن بجمال طبيعته ورخاء أيامه، ويتصل بالبكاء والشكوى إظهار الجزع والفزع، لكثرة ما نال بغداد من محن ونكبات، إذ ذلت بعد عز، وهبطت بعد رفعة، ومن ثم كان أبرز مدار فكرى شاع في بكائيات بغداد هو التفجع عليها، والتباكي على ماضيها السعيد، وفردوسها المفقود... وتفصيل هذا الغرض[رثاء بغداد إبان نكبة التتار] فيه دراسات وبحوث عدة، تكفي الإشارة إليها هنا([9]).  


([1]) القصيدة في كتاب: الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابقة صـ334 ـ 335 لابن الفوطي، طبع المكتبة العربية ببغداد سنة 1932م، وأوراق بغداد صـ397  .
([2]) راجع فوات الوفيات 2/ 232 ـ 235، وأوراق بغداد صـ397 ـ 422 ـ 423، 430، 431  .
[3])) هكذا في المصدر التراثي، وهو مكسور، ولعل صحته[خدي ولكن شأنه نمام]
([4]) فوات الوفيات 2/ 232  .
([5]) السابق ذاته .
([6]) مروج الذهب 4/ 17  .
([7]) راجع: دراسات في علم النفس الأدبى صـ39، أ/ حامد عبدالقادر، طبع لجنة البيان العربى، ومعلقة عنترة في ضوء النقد الأدبى الحديث صـ175، د/ فرج السيد راغب مندور.
([8]) راجع في بيان المقاييس النقدية لفن الرثاء العمدة لابن رشيق 2/147، ومنهاج البلغاء للقرطاجنى صـ351، والتوجيه الأدبى صـ178 وما بعدها، والأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه صـ512 وما بعدها، د/ مصطفى الشكعة، ورثاء المدن والممالك الزائلة صـ52 وما بعدها، د/ عبدالرحمن حسين محمد .
([9]) راجع في ذلك: الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة لابن الفوطي(ت723هـ)، طبع المكتبة العربية ببغداد سنة 1932م، وأصداء الغزو المغولي في الشعر العربي، للدكتور مأمون فريز جرار، طبع مكتبة الأقصى بعمان ، الأردن، سنة 1983م، رثاء المدن والممالك الزائلة، د/ عبدالرحمن حسين محمد، مطبعة: الجبلاوي سنة 1983م، و التيارات الأدبية إبان الزحف المغولي،للدكتور محمد التونجي، طبع دار طلاس بدمشق سنة 1987م، و أوراق بغداد، إعداد د/عبدالحكيم راضي ود/محمد فؤاد، ود/جمال العسكري ،طبع الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2003م، ومسرحية(عودة هولاكو) ضمن [ ثلاث مسرحيات قصيرة ] ، لسمو الدكتور سلطان بن محمد القاسمي –بارك الله فيه- طبع الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، سلسلة آفاق عربية عدد 39 طبع سنة 2003م، وبحث(سقوط بغداد في مرآة الشعر العباسي) للدكتور صبري أبوحسين، المنشور في مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق...إلخ
*صبري أبوحسين
22 - يناير - 2008
الحكم المملوكي في مرآة الشعر    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
هذا، وقد شهد عصر المماليك أحداثًا جسامًا حيث غزا التتار بلاد الشام فاستولى تيمورلنك على حلب الشهباء، ثم توجه بجموعه الكثيرة إلى جنوب بلاد الشام فدخل مدينة حماه، ثم دخل مدينة حمص سلمًا، ولم يلاق بها أية مقاومة، وإنما تركها تقديرًا لقبر الصحابي الجليل خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ!!! وقد أثارت هذه الحادثة قريحة المؤرخ ابن عربشاة فقال:
ألا لا تجاورْ سوى الخير يـ           ـن أحيا وكن جارَهم في القبورْ
ألم تر حمصَ وسـكانـها              نجوْا مـن بحار بلايـا تمـور
لأنهمُ  جـاوروا  خـالدًا               ومن جاور الأتـقيـا لا يبـور
        وقد استطاع سلاطين المماليك أن يدحروا التتار وأن ينهوا بقايا الاستدمار الصليبي في بعض الثغور الساحلية.  وانطلقت حناجر الشعراء تنشد فرحة المسلمين، وأخذ الأدباء يدونون الانتصارات بدءًا من معركة عين جالوت سنة 658هـ ، فكانت هذه الحروب والأحداث معين الأدباء أجمعين ومبعث إلهامهم الثرِّ.  ولا يطلق الحناجر مثلُ الانتصار أو الانكسار حيث الرهبة أو الرغبة.
 فعلى سبيل المثال نجد شاعرًا يسجل انتصار السلطان المملوكي سيف الدين قطز، قائلاً:
هلك الكفر بالشآم جميعًا     واستجدَّ الإسلام بعد دحوضه
بالمليك المظفر البطل الأر   وع سيف الإسلام عند نهوضه
ملك جاءنا بعـزم وحـزم    فاعتززنا بسـُمْـره وببيضه
أوجب الله شكر ذاك علينا    دائمًا مثل واجبات فروضه([1])
 
وفي المقابل نجد ابن إياس الشاعر المؤرخ (ت نحو 930هـ)يسجل زوال مُلك المَلِك الأشرف الغوري بعد معركة ضارية مع العثمانيين قائلًا:
اعجبوا للأشرفِ الغوري الذي                        مـذ تناهى ظلمه في القاهرةْ
زال عـنه مُلكه في سـاعةٍ                        خسـر الدنيا إذنْ والآخــرةْ
ونجد الشعر ـ أيضا ـ ينتقد السياسة الداخلية للمماليك حيث الاعتماد على تولية نواب الأقطار بسرعة وعزلهم بسرعة بقصد عدم إطالة مدة ولايتهم .
  يقول الشاعر:
هـذي أمـور عــظــامٌ         مـن بعضـها القلبُ ذائـبْ
مــا حـالُ قـطـرٍ يـليه         في كلِّ شهرين نائــــبْ
ولاشك في أن هذه حال مضطربة لا استقرار فيها وتكون دائمًا على حساب الرعية ومصالحهم، فهم الذين يَصْلَوْن نارها، ففي كل يوم نائب جديد وسياسة جديدة وأهواء جديدة وأطماع وأعوان.  
وهذا الشاعر سبط بن الظاهر(649ـ 733 هـ ) يصبُّ جامَّ غضبه على الطبقة الحاكمة وحاشيتها المستبدة، بقوله:
لقد فاز بالأموال قومٌ تحكموا            وكان لهم مأمورها وأميرُها 
ويفصل هذا البيت المجمل قول القائل:
ذو الحمقِ يُكرَه ثم يُقضَى حقُّـــه       و أخـو الكيـاسة يسـتطابُ فيُـحرَمُ
وبـضـد ذا كـان القياسُ وإنـما       هـذا الزمـانُ يجورُ فيما يحكــــمُ


([1]) مطالعات في الشعر المملوكي والعثماني ص92 نقلاً عن المختصر2/206. وروي صدر البيت الثاني بدون لفظة(البطل) ومن ثم ينكسر البيت!!!
*صبري أبوحسين
23 - يناير - 2008
 1  2  3