الحكم المملوكي في مرآة الشعر ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
هذا، وقد شهد عصر المماليك أحداثًا جسامًا حيث غزا التتار بلاد الشام فاستولى تيمورلنك على حلب الشهباء، ثم توجه بجموعه الكثيرة إلى جنوب بلاد الشام فدخل مدينة حماه، ثم دخل مدينة حمص سلمًا، ولم يلاق بها أية مقاومة، وإنما تركها تقديرًا لقبر الصحابي الجليل خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ!!! وقد أثارت هذه الحادثة قريحة المؤرخ ابن عربشاة فقال:
ألا لا تجاورْ سوى الخير يـ ـن أحيا وكن جارَهم في القبورْ
ألم تر حمصَ وسـكانـها نجوْا مـن بحار بلايـا تمـور
لأنهمُ جـاوروا خـالدًا ومن جاور الأتـقيـا لا يبـور
وقد استطاع سلاطين المماليك أن يدحروا التتار وأن ينهوا بقايا الاستدمار الصليبي في بعض الثغور الساحلية. وانطلقت حناجر الشعراء تنشد فرحة المسلمين، وأخذ الأدباء يدونون الانتصارات بدءًا من معركة عين جالوت سنة 658هـ ، فكانت هذه الحروب والأحداث معين الأدباء أجمعين ومبعث إلهامهم الثرِّ. ولا يطلق الحناجر مثلُ الانتصار أو الانكسار حيث الرهبة أو الرغبة.
فعلى سبيل المثال نجد شاعرًا يسجل انتصار السلطان المملوكي سيف الدين قطز، قائلاً:
هلك الكفر بالشآم جميعًا واستجدَّ الإسلام بعد دحوضه
بالمليك المظفر البطل الأر وع سيف الإسلام عند نهوضه
ملك جاءنا بعـزم وحـزم فاعتززنا بسـُمْـره وببيضه
أوجب الله شكر ذاك علينا دائمًا مثل واجبات فروضه()
وفي المقابل نجد ابن إياس الشاعر المؤرخ (ت نحو 930هـ)يسجل زوال مُلك المَلِك الأشرف الغوري بعد معركة ضارية مع العثمانيين قائلًا:
اعجبوا للأشرفِ الغوري الذي مـذ تناهى ظلمه في القاهرةْ
زال عـنه مُلكه في سـاعةٍ خسـر الدنيا إذنْ والآخــرةْ
ونجد الشعر ـ أيضا ـ ينتقد السياسة الداخلية للمماليك حيث الاعتماد على تولية نواب الأقطار بسرعة وعزلهم بسرعة بقصد عدم إطالة مدة ولايتهم .
يقول الشاعر:
هـذي أمـور عــظــامٌ مـن بعضـها القلبُ ذائـبْ
مــا حـالُ قـطـرٍ يـليه في كلِّ شهرين نائــــبْ
ولاشك في أن هذه حال مضطربة لا استقرار فيها وتكون دائمًا على حساب الرعية ومصالحهم، فهم الذين يَصْلَوْن نارها، ففي كل يوم نائب جديد وسياسة جديدة وأهواء جديدة وأطماع وأعوان.
وهذا الشاعر سبط بن الظاهر(649ـ 733 هـ ) يصبُّ جامَّ غضبه على الطبقة الحاكمة وحاشيتها المستبدة، بقوله:
لقد فاز بالأموال قومٌ تحكموا وكان لهم مأمورها وأميرُها
ويفصل هذا البيت المجمل قول القائل:
ذو الحمقِ يُكرَه ثم يُقضَى حقُّـــه و أخـو الكيـاسة يسـتطابُ فيُـحرَمُ
وبـضـد ذا كـان القياسُ وإنـما هـذا الزمـانُ يجورُ فيما يحكــــمُ
|