البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : قراءة عصرية في قصيدة لقيط الجاهلية    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
9 - يناير - 2008
تعد عينية لقيط بن يعمر الإيادي رسالة شعرية قيلت في زمان معين وظرف خاص, لكنها تجاوزت الزمان والمكان، جمع فيها لقيط أطراف ملَكته وتخيَّر مفتاح التعبير في الوزن والقافية, ومدَّ بنات فكرة إلى شتى قطوف المعاني, صاعدًا بالنفس الخطابي إلى مراقٍ من الإفصاح الرحب المدى, المستمر الخالد خلودًا غريبًا عجيبًا دفعنا: مبدعين ومتلقين, دفعًا إلى استدعائها, استدعاءً متنوعًا في ميادين الكلمة الشاعرة وقاعات الدرس الأولي التربوي والأكاديمي, إذ المطالع لها, والمتفحص فيها يجد أنه منذ ما يقرب من سبعة عشر قرنًا بعث هذا الشاعر رسالة إلى قبيلته, يخبرهم بأن كسرى الفرس يخطط لاستئصالهم ويعد العدة لذلك الهدف، وينصحهم باتخاذ السبل العملية لمواجهة هذا المخطط العدائي الحاقد. مبرزا قوة العدو وتهاوي القبيلة أو أدوائها ومقدمًا الرؤية المثالية لما ينبغي أن يكونوا عليه. كأني به فيلسوف من أبناء هذا الزمن, يخاطب الأمة وسط هذه الأحداث المخزية والمآسي المبكية التي نمر بها على مستوى القاع والقمة.وإليك بعض معالم هذه الرؤية العصرية للعينية من خلال نماذج منها:
 ففي المقدمة الغزلية انصراف خاطف وانتقال مفاجئ من الموضوع الغزلي التقليدي غير الملائم إلى الموضوع الجدي المقصود؛ حيث يبدأ في بيان المرسل إليه مخاطبا سائق القافلة الراحلة:
أبلغْ إيادًا وخلِّلْ في سَراتِهمُ     إني أرى الرأيَ إن لم أُعصَ قد نَصَعا
فرسالته موجهة إلى القبيلة عامة والكبراء ذوي السلطة والقيادة خاصة، ثم يوضح المفارقة البارزة بين حالى الفريسة/ القبيلة قديمًا/ الأمة آنيًا, والحيوان المفترس/ الفرس قديمًا/ العدو الحاقد آنيًا, قائلًا:
يا لهفَ نفسيَ إن كانتْ أمورُكمُ           شتَّـى وأُحكمَ أمرُ الناسِ فاجتمعا
ألا تخـافونَ قـومًا لا أبا لَكُمُ           أمـسَوْا إليكم كأمثال الدَّبا سُرُعا
أبناء قوم تأوَّوْكمْ عـلى حنَـقٍ        لا يـشعرون: أ ضـرَّ اللهُ أم نفعا
أحرار فارسَ أبناءُ الملوكِ لَهُمْ          مـن الجموعِ جموعٌ تزدهي القِلَعا
ويظل يعدد قوة الفرس/ العدو, إلى أن ينتقل إلى مظاهر ضعف القبيلة/ الأمة، قائلا:
وأنتم تحرثون الأرض عن سفـه      فـي كل معتمل تبـغون مزدرعا
وتلقحـون حـِيالَ الشوْل آونةً        وتُـنْتِـجونَ بـدارِ القُلْعة الرُّبُعا
وتَلبسون ثيـابَ الأمـنِ ضاحِيَةً     لا تجمـعونَ وهذا الليثُ قد جمعا
أنـتم فريقان: هذا لا يـقوم له        هصر اللـيوث وهذا هالكٌ صُقُعا
فاللهو بالحرث والضعف والفرقة مرفوضة من القبيلة/ الأمة في هذا الظرف الصعب؛ حيث الناس/ العدو يجتمعون ويجدون ويحكمون أمورهم.
وهذه الحالة العجيبة التي عليها العدو والضحية تستدعي قلق ذلكم الشاعر ذي النزعة القبلية  المخلصة، ورغبته ـ أو دعوته ـ في أن تكون كلمة قبيلته/ أمته واحدة، ومن ثم أخذ لقيط في تعديد وسائل خلاص القبيلة/ الأمة، قائلا:
مـا لي أراكـم نِـيامًا فـي بُلَـهْنِيَةٍ             وقَـدْ تروْنَ شِهابَ الحرْب قد سطعا
صــونوا جِيـادَكمُ واجلـوا سُيُوفَكمُ            وجــدِّدوا للـقِـسِيِّ النَّبْل والشِّرَعا
 أُذكُوا العيونَ وراءَ السرْح واحترسوا          حتـى تُرى الخيـلُ مـن تَعْدائِها رُجُعا
لا تـُثمـروا المـالَ للأعـداءِ إنَّهـمُ          إن يـظفروا يَحـتووكُمْ و الـتِّلادَ معا
يا قوم لا تأمـنوا إن كـنتـمُ غُيُـرًا          عـلى نســائكمُ كسـرى ومـا جَمَعا
هـو الفـناءُ الـذي يجتثُّ أصلَكـمُ           فـمَنْ رأى مثـلَ ذا رأيًا ومـَن سـمعا
فالتسليح الجيد والكامل وعدم الانشغال بالمال أو الماضي والاستنفار العام والتأهب التام والوعي الناضج، من أهم وسائل المواجهة الحقة لمؤامرة العدو في نظر الشاعر الجاهلي زمنا، وفكرا!!! وقد أضاف ديننا الحنيف إلى هذه الوسائل وسيلة الإيمان بالله والتوكل عليه ـ عز وجل حق التوكل ـ وجعلها قبل ذلك كله. ومن ثم تعيش القبيلة/ الأمة في أمن وسلام للأرض والعرض أو تموت بشرف وعزة.
 ولا ينبغي أن نخدع بمعسول الكلام؛ لأننا أمام حقيقة سافرة واضحة، وهي أن العدو المتربص لا يريد لنا- ولا يفعل بنا- إلا الفناء ومحاولة اجتثاث أصولنا وتطهير الأرض منا, ألا ساء ما يريدون ويدبرون ويفعلون.فمن يرى مثل هذا الرأي الحكيم ومن يسمع به سماعا حقيقا فعليا واقعيا لا خطابيا أو سياسيا للاستهلاك الإعلامي فقط!!! ويخص لقيط قضية "القيادة الصالحة" جل اهتمامه وتفكيره فيقول:
قوموا قيامًا على أمشاطِ أرجُلِكمْ         ثم افزعوا قد ينالُ الأمنَ مَنْ فَزِعَا
وقلِّـدوا أمـركـُم لله درُّكـمُ        رحبَ الذِّراعِ بأمرِ الحربِ مُضطلعَا

لا مُتْرفًا إنْ رخاءُ العيشِ ساعَدَهُ         ولا إذا عـضَّ مكروهٌ به خشـعَا
لا يطعمُ النَّـومَ إلاَّ ريثَ يبعثُهُ           همٌّ يكادُ شَبَـاهُ يَقْصـِمُ الضِّلعَـا
مسهَّد النَّومِ تعنـيهِ ثغـورُكُمُ            يرومُ منـها إلى الأعـداءِ مُطَّلعَا
ما زالَ يحلبُ درَّ الدَّهرِ أشطرهُ          يكونُ متّـَبـعًا يـومًا ومـتَّبـعَا
وليسَ يشغلهُ مالٌ يُثَمِّرهُ                  عنكم ولا ولـدٌ يبغي لـه الرِّفـعَا
فلا بد من إعداد العدة لتغيير القيادة التي تترأس القبيلة/ الأمة، عند مواجهتها للعدو حتى تكون مالكه آلات النجاح في تلك المهمة الخطيرة. وقد تمثلت في شمول الرؤية وسعة الصدر والقوة والجد والخبرة العسكرية والحذر واليقظة الدائمة والقدرة على قراءة أحداث الماضي وفقه الحاضر، والإيمان بالشورى "الديمقراطية" حيث الرأي والرأي الآخر، وعدم اللهو بالمال أو العيال الذين يريد لهم أن يرثوا منصبه الرفيع، وما أخلد هذه الصفة الأخيرة في تاريخ الحكام منذ وجد الملك العضوضي حتى الآن!!
تلك كانت صيحة لقيط وصرخته. فهل يوجد ذلك القائد ـ الذي يصوره ذلكم الجاهلي ـ في إحدى بقاع الأرض الآن؟!! أترك الإجابة ـ كما تركها لقيط ـ تركا دالا، يقوم به العقلاء في كل عصر ومصر، تعبيرًا عن حيرتهم ودهشتهم، من المفارقة الماثلة دائما بين ما يراه العقل، ويحدث في الواقع!!!
يقول الدكتور عبدالعزيز الفيصل: وإذا كانت رسالة لقيط بن يعمر موجهة إلى عرب إياد في آخر العصر الجاهلي، فإن مادتها لا تزال حية متجددة فكأنه يوجهها من جديد إلى عرب اليوم، الذين يجتمعون لتدارس أمورهم، وحماية أنفسهم، ومقدساتهم من كيد الأعداء الذين يملكون القوة والسلاح، إننا نطلب من العرب الاجتماع وعدم التفرق، ففي الاجتماع القوة وفي التفرق الضعف، فإجماعهم على أمر هو الذي سيوصلهم إلى نتيجة مشرفة، واستمرار الخلاف سيفرقهم، وعاقبة الفرقة التشرذم ([1]).
إن رسالة لقيط الجاهلي بمثابة نذير مدو ونداء عميق صادع في أرجاء أمتنا لكي يواجهوا من ثَمَّ أعداء الأمس واليوم وغدًا، مواجهة حقيقية بلا تزييف أو تسويف أو غرور أو خنوع؛ فالأمة – في ظل هذه الهجمة الشرسة- لا تجد إلا الفقر و الفرقة و الذلة والهلاك في الأرض والعرض، بل والدين!!إن رسالة لقيط الجاهلي تحتاج منا سرعة التطبيق الصادق والمخلص حتى نعود خير أمة ونعمر الكون بالسلام والإيمان والرخاء، بدلا من هذه الجاهلية والهمجية في ظل قطب عالمي أوحد، له أذناب لا يعرفون في الإسلام والمسلمين إلا ولا ذمة...([2])
هكذا عاش لقيط موضوعه ولم يقف بالتعبير عنه عند حد الرؤية المحدودة المقيدة بظروف تجربته مكانيًّا وزمانيًّا بل قدم عطاء فنيًّا متغورًا في أعماقها البعيدة، مقدمًا نتاجًا إنسانيًّا رائعًا خالدًا يكاد يُستَدعى اليوم بقوة في حالة العرب والمسلمين الآن وغدًا، وما تلك القراءة إلا دليل ذلك.د/صبري أبوحسين


([1]) راجع مقاله"رؤى وآفاق:رسالة لقيط بن يعمر إلى العرب، المنشور على الموقع الإنترنتي: chief@al-jazirah.com
([2]) راجع مقالي:"قراءة عصرية في قصيدة جاهلية"، المنشور بجريدة آفاق عربية عدد654 للسنة التاسعة, 2من ربيع الأول سنة 1425هـ = 22من أبريل سنة 2004 صفحة دوحة الأدب.
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
نص العينية مشكولاً    كن أول من يقيّم
 
يـا دارَ عمرةَ من مُحْتلِّها الجَرَعا          هاجتْ ليَ الهمَّ والأحزانَ والوجَعَا
تـامتْ فؤادي بذاتِ الجِزعِ خرْعبةٌ         مـرَّت تريـدُ بـذاتِ العذْبةِ البِيَعَا
بـمقلَتي خاذلٍ أدمـاءَ طاعَ لـها         نـبتُ الرِّياضِ تزجِّي وسْطهُ ذَرَعَا
وواضـحٍ أشنـبِ الأنيابِ ذي أُشُرٍ         كـالأقـحوانِ إذا مـا نَوْرُهُ لمـعَا
جـرَّتْ لمـا بيننا حبلَ الشُّموسِ فلا       يأسًا مُبينـًا أرى  منها ولا طـمعَا
فـما أزالُ عـلـى شحْـطٍ يؤرِّقني        طـيفٌ تعمـَّدَ رحلي حيثُـما وضعَا
إنِّـي بعينــيَ إذ أمّـَتْ حُمـولُهمُ        بـطنَ السَّلـوطحِ لا ينظرْنَ مَنْ تبعَا
طورًا أراهــمْ وطـورًا لا أُبـَيِّنهمْ        إذا تـواضـعَ خِـدْرٌ سـاعةً لمـعَا
بل أيُّها الرَّاكـبُ المُزجي على عجَلٍ       نـحوَ الجـزيرةِ مُـرتادًا ومُنتـجعَا
أبلـغْ إيـادًا وخـلِّلْ فـي سَـراتِهمُ       إنِّي أرى الرأيَ إنْ لم أُعصَ قد نصعَا
إِنّي أَراكُـم وَأَرضـًا تُعـجَبـونَ بِها       مَثل السَفينَةِ تَغـشى  الوَعْثَ وَالطَّبَعا
يا لهـفَ نفسيَ إنْ كـانـتْ أموركمُ       شـتَّى وأُحـكمَ أمـرُ النَّاسِ فاجتمعَا
ألا تخـافـونَ قـومًا لا أبـا لَـكُـمُ      أمـسَوا إليـكم كأمثـالِ الدَّبا  سُرُعَا
أبنـاء قـومٍ تـآووْكمْ عـلى حـنَقٍ       لا يـشعـرونَ: أضـرَّ اللهُ أمْ  نـفعَا
أحرار فـارسَ أبنـاءُ المـلوكِ لهمْ        مـن الجمـوعِ جموعٌ تزدهي  القِلَعَا
فـهـمْ سـراعٌ إليـكم بينَ ملتقـطٍ        شـوكًا وآخرَ يجني الصَّابَ  والسَّلعَا
لـو أنَّ جـمـعهمُ رامـوا بهـدَّتهِ        شمَّ الشَّمـاريخِ من ثهلانَ  لانْصدعَا
فـي كـلِّ يـومٍ يسنُّونَ الحِرابَ لكمْ       لا يـهجعـونَ إذا مـا غـافلٌ هجعَا
خـزرٌ عيـونُـهـمُ كـأنَّ لحـظهمُ       حـريقُ نـارٍ تـرى منهُ السَّنا قِطعَا
لا الحرثُ يشغلـهمْ بـل لا يروْنَ لهمْ      مـن دون بيـضتِـكمْ  رِيًّا ولا شِبَعَا
وأنتمُ تحرثـونَ الأرضَ عن سَفَـهٍ         فـي كـلِّ مُعتَمـلٍ تبغـونَ  مُزْدَرعَا
وتُلقحـونَ حِـيـالَ الشـَّوْلِ آونـةَ       وتُنتـجونَ بـذاتِ  القُلْـعةِ  الرُّبُـعَا
وتَلْبَسونَ ثيـابَ الأمـنِ ضـاحيـةً        لا تَـفْزعونَ، وهـذا اللَّيثُ  قد جمعَا
أنتـمْ فـريقانِ: هـذا لا يـقـومُ لهُ       هُـصْرُ اللّيوثِ وهـذا هالكٌ صُقُـعَا
وقـد أظلَّـكمُ من شَـطْـرِ ثَـغْرِكمُ        هـولٌ لـه ظـُلَـمٌ تغشـاكمُ قِطـعَا
مالي أراكمْ نيـامًا فـي بُـلَهْنِـيَةٍ         وقـد تَرَوْنَ شهـابَ الحربِ قد سطعَا
فاشفوا غليلي برأيٍ منكـمُ حَسَنٍ          يُضـحي فـؤادي لـه ريَّانَ قـد نقعَا
ولا تـكـونوا كمـَنْ قد باتَ مكتنعًا        إذا يـقالُ له: افـرُجْ غـمَّةً كنـعَـا
يَسعى وَيَحسِـبُ أَنَّ المـالَ مُخلِدُهُ         إِذا  اِستَـفادَ طَـريـفًا زادَهُ طَـمَـعا
فَاِقنَوا جِيادَكُمُ وَاِحموا ذِمـارَكُمُ          و َاِستَشعِروا الصَبرَ لا تَستَشعِروا الجَزَعا
قوموا قيامًا عـلى أمشاطِ أرجُلِكمْ          ثـم افـزعوا قـد ينالُ الأمنَ مَنْ فَزِعَا
صونوا خيولَكـمُ واجْلوا سيوفَكمُ           وجـدِّدوا للقِـسِيِّ النَّبـلَ والشّـِرَعَـا
واشـروا تـلادَكُمُ في حِرْزِِ أنفسِكمْ         وحـرْزِ نسـوتـكمْ لا تـهلكوا هلَـعَا
ولا يـدعُ بعضـُكمْ بعـضًا لنائبةٍ           كـمـا تركتُـمْ بأعـلى بيشـةَ النَّخعَا
أَذْكُوا العيـونَ وراءَ السَّرحِ واحـترسوا   حتَّى تُرَى الخيـلُ من تَعْـدائِهـا رُجُعَا
فإنْ غُلِبْتُمْ على ضِـنٍّ بداركـمُ             فقـد لقيـتُـمْ بـأمـرِ حـازمٍ فَـزَعَا

لا تُلـهِـكمْ إبـلٌ، ليسـتْ لكم إبلٌ         إنَّ الـعـدوَّ بـعـظْمٍ منـكـمُ قَـرعَا
هيـهاتَ لا مالَ مـن زرعٍ ولا إبلٍ         يُـرجَـى لغـابرِكمْ إنْ أنـفُكم جُـدِعَا
لا تُثمِروا المالَ للأعداءِ إنَّهمُ                إنْ يظـفـروا يحتـووكمْ والتِّـلادَ معَا
واللهِ ما انفكَّتِ الأموالُ مذْ أبدٍ               لأهـلـها، إنْ أُصيـبـوا مـرةً،  تبعَا
يا قوم إنَّ لكمْ من إرثِ أوَّلكمْ                عـزّاً قد اشْفـقتُ أن يُودي فينـقطعَا
وما يردُّ علـيكمْ عـزُّ أوَّلكمْ                إنْ ضـاعَ آخـرهُ أو ذلَّ واتّـَضـعَا
فلا تَغُرَّنكمْ دنـيا ولا طمـعٌ                 لـنْ تُنعـشـوا بزماعٍ ذلك الطَّمـعَا
يا قوم بيضتَكمْ لا تُفْجَعُنَّ بها                إنِّي أخـافُ عليهـا الأزلـمَ الجذعَـا
يا قوم لا تـأمنوا إن كنتمُ غُيُرًا            عـلى نسائـكمُ كسـرى وما جـمعَا
هو الـجلاءُ الـذي تبقى مذلَّتُهُ             إنْ طـارَ طائـرُكمْ يـومًا وإنْ وقـعَا
هو الفناءُ الذي يجـتثُّ أصلَكمُ              فشمِّروا واستـعدُّوا للـحروبِ مـعَا
وقـلِّـدوا أمـركُـم لله درُّكـمُ            رحـبَ الذِّراعِ بأمـرِ الحربِ مُضطلعَا

لا مُتْرفًا إنْ رخاءُ العيشِ ساعَدَهُ            ولا إذا عـضَّ مكـروهٌ بـه خشـعَا
لا يطعمُ النَّومَ إلاَّ ريثَ يبـعثُـهُ              هـمٌّ يـكادُ شَبـَاهُ يَقْصـِمُ الضّـِلعَا
مسهَّد النَّومِ تعنـيهِ ثـغورُكُـمُ             يـرومُ منـها إلى الأعـداءِ مُطَّلعَـا
ما زالَ يـحلبُ درَّ الدَّهرِ أشطرهُ           يـكـونُ متَّبـعًا يـومـًا ومتَّبـعَـا
وليـسَ يـشغلهُ مـالٌ يُثَـمِّرهُ           عـنكـم ولا ولـدٌ يـبغي له الرِّفعَـا
حتَّى استمرَّتْ على شزْرٍ مريرتُهُ           مـُستَحْكمَ السِّنِّ لا قَحْـمًا ولا ضَرَعَا
كمالكِ بن قنـانٍ أو كـصاحبِه             زيـدِ القنـا يومَ لاقـى الحارِثَينِ معَا
إذ عابهُ عائبٌ يوماً فقـالَ لهُ:              "دمّـِثْ لنفسكَ قبـلَ اليـومِ مضطجعَا"
          فساوروهُ فألـفوهُ أخـا عَلَـلٍِ              فـي الحربِ يختبلُ الرِّئبـالَ والسَّبُعَا
         مُسـتَنْجدًا يتحدَّى النَّاسَ كلَّهمُ                لـو قارعَ النَّاسَ عن أحسابِهِمْ قَرَعَا
        هذا كـتابي إليـكمْ والنَّذيرُ لكمْ                 فـمَنْ رأى مثلَ ذا رأيًا ومـَنْ سَمِعَا
        لقد بذلـتُ لكم نُصحي بلا دَخَلٍ                فـاستيقظوا، إنَّ خيرَ القـولِ ما نفعَا
ضبط د/صبري أبوحسين، نقلاً عن:
مقدمة محقق الديوان(الدكتور خليل إبراهيم العطية) ص11. هذا، وقد حقق ديوان لقيط ـ فيما أعلم ـ ثلاث مرات: مرة أولى بتحقيق الدكتور/خليل إبراهيم العطية، طبع مديرية الثقافة العامة بوزارة الإعلام ببغداد، سنة 1968م. وطبع طبعة أخرى في مؤسسة عالم الكتب ببيروت سنة 1997م. وهذه هي النسخة المعتمدة؛ لأنها مزيدة ومنقحة، و لما فيها من دقة علمية، وخبرة طويلة في فن تحقيق المخطوطات. ومرة ثانية بتحقيق الدكتور عبد المعين خان، طبع دار الأمانة ببيروت سنة 1971م، ومؤسسة الرسالة ببيروت سنة 1987م. ومرة ثالثة بتحقيق الدكتور/ محمد التونجي، طبع دار صادر للطباعة والنشر سنة 1998م. وقد صدر عن العينية كتاب للأستاذ أحمد الربيعي، عنوانه"شاعر التحريض والفداء لقيط بن يعمر الإيادي"، طبع مطبعة الأمة ببغداد سنة 1978م. وبحث للدكتور/خالد محمد الجديع، عنوانه: "البنية اللغوية والإيقاعية في عينية لقيط بن يعمر"، منشور في الجزء الثامن والثلاثين من مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود، صــ390، وما بعدها، طبع سنة 1423هـ. ولي بحث علمي محكًَّم عن القصيدة، بعنوان(البناء الشكلي والرسالي في عينية لقيط بن يعمر الإيادي: استنطاق نقدي معاصر".
 
*صبري أبوحسين
9 - يناير - 2008