البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : هل كان الرسول-صلى الله عليه وسلم- ناقدًا أدبيًّا؟    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
8 - يناير - 2008
في السنة النبوية الشريفة دلائل نصية عديدة ومتنوعة على أنه كانت للرسول-e- وقفات عميقة مع مثلث الإبداع الأدبي: [نصًّا، وناصًّا، ومتلقيًّا] تعليمًا وتوجيهًا وتقويمًا، بما يضمن لهذا المثلث طهارة فكرية وشكلية، تكفل للجميع راحة وسعادة دينًا ودنيا. لكن معظم الباحثين  درسوا هذه النصوص تحت عناوين أراها هروبية، مثل:"الإسلام والشعر"،"النبي والشعر"،"موقف الرسول من الشعر"، " الشعر في ميزان الرسول"،"النظرة النبوية في نقد الشعر"،"موقف السنة المطهرة من الشعر"... وغير ذلك مما نراه في كثير من الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة والمعاصرة، المتناولة لتلك القضية الشائكة. إنها عناوين مكرورة معهودة في ساحة الدرس الأدبي والنقدي، بعيدة عن إشكالية أساسية تتمثل في هذا السؤال الشائك:
هل في إطلاق مصطلح النقد الأدبي على الذات النبوية ما يشين أو ينال- معاذ الله -من مكانة نبينا الخاتم، e؟
 
 إنه سؤال يفرض نفسه بقوة على أي باحث موضوعي يجول في واحة عصر فجر الإسلام، محاولاً تدبُّر النص الأدبي وما دار حوله – عصرئذ-من حركة نقدية تحاول أن تكون مرشدة، تأخذ بيده إلى الكمال الفني، وتجنِّبه معاطب الطريق. د/صبري أبوحسين
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رأي الدكتور محمود حسن زيني    كن أول من يقيّم
 
أجاب الدكتور محمود حسن زيني - الأستاذ بجامعة أم القرى-عن هذا السؤال إجابة تستفز أي باحث، وتدفعه دفعًا إلى محاورتها، يقول:

"يجب علينا، بعد استعراض الموقفين المتميزين للرسول e من الشعر:[موقف المشجِّع للشعر الملتزم، وموقف المقوِّم للشعر المعوج] أن نكون على حذر فيما يصدر عنا من قول أو حكم في هذا الصدد، فلا نسرف في القول ونزعم أن رسول الله - e- كان فيما صدر عنه من تعليقات وملحوظات، ومن تقويم وتشجيع وحض وثناء وتحذير للشعر والشعراء المسلمين، ناقدًا للشعر من الطراز العالي. وحاشا وكلا، بل كان خاتم الأنبياء والمرسلين، عليه أفضل الصلاة والسلام، لقد بعثه الله للعالمين بشيرًا ونذيرًا، ولم يبعثه ناقدًا أدبيًّا، أو حكَمًا بين الشعراء والناس. و لقد أحسن الأديب العقاد - رحمه الله - في دفاعه عن الرسول -e- باعتبار تعقيباته وتوجيهاته وتشجيعه الشعر من قبيل كلام الأنبياء، وليس من قبيل كلام" النقاد".
عن كتابه "دراسات في أدب الدعوة الإسلامية" ص113، د/صبري أبوحسين
 
*صبري أبوحسين
8 - يناير - 2008
رأي الأستاذ العقاد    كن أول من يقيّم
 
يقول:" وقد نقلت إلينا تعقيبات معدودة عن رأي النبي[e] في الشعر والشعراء، لا تدخل في النقد الفني، وتدخل في كلام الأنبياء، الذين يقيسون الكلام بقياس الخير والصلاح، والمطابقة لشعائر الدين وسنن الصدق والفضيلة... وقد استحسن ما قيل من الشعر في النضح عن الإسلام والذود عنه وعن أهله، فكانت آراؤه هذه وشبيهاتها آراء الأنبياء فيما يحمدون من كلام؛ لأنهم قد بُعثوا لتعليم الناس دروس الخير والصلاح، ولم يبعثوا ليلقِّنوهم دروسًا في قواعد النقد والإنشاء"([1]).


([1]) عبقرية محمد - e- صـ117، طبع المكتبة العصرية ببيروت، ودار الكتاب العربي سنة 1969م. ودراسات في أدب الدعوة الإسلامية : صـ113.
*صبري أبوحسين
8 - يناير - 2008
الرسول صلى الله عليه وسلم والنقد الأدبي 1    كن أول من يقيّم
 
الرسول صلى الله عليه وسلم والنقد الأدبي:
الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذا الدين الجديد، وحامل لواء الدعوة إليه، ولذا فمن المهم أن نتعرف إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر، وإلى موقفه من النقد الأدبي، ودوره فيه، وأن نستعرض جوانب من نقداته صلى الله عليه وسلم، لنتعرف من خلالها إلى الأسس والأصول التي كان بمقتضاها ينقد الرسول صلى الله عليه وسلم الشعر ويحكم عليه.
على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل الشعر ولم يعلمه الله إياه، إلا أنه لم يكن يتحرج منه ويتألم بالقدر الذي يظنه كثير من الناس، بل كان يعجب له ويطرب له إعجاب وطرب العربي صاحب الذوق السليم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عربي، وقد وهبه الله من صفاء الذهن، وسلامة الذوق، والقدرة على تمييز الحسن من القبيح من الكلام - ما فاق العرب جميعاً، وهو ذو بصر بصناعة الكلام، فيعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بشعر النابغة الجعدي، ويقول له: "لا يفضُض الله فاك"، وبلغ من استحسانه لقصيدة (بانت سعاد) أن صفح عن كعب وأعطاه بردته، واستمع إلى الخنساء واستزادها مما تقول، وتأثر تأثراً رقيقاً لشعر قُتيلة بنت النضر..[1].
بل إن الأمر ليتعدى حد الإعجاب إلى الدعوة إليه؛ إذ دعا الرسول صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وإلى هجاء المشركين الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، فالشعر ما زال سلاحاً ماضياً من الأسلحة العربية التي لا يستغني عنها صاحب دعوة.
إننا نعلم من التاريخ الإسلامي أن معركة كلامية دارت بين المسلمين والمشركين بجانب المعركة الحربية، وأن شعراء المسلمين كانوا يقفون في صف واحد أمام شعراء المشركين، كي يردوا عليهم افتراءاتهم وأباطيلهم التي كانوا يرمون بها الإسلام والمسلمين، لا سيما أن الدعوة الإسلامية كانت بحاجة إلى من يدافع عنها ويرد عنها أعداءها؛ لذلك لا نعجب إذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين من أمثال حسان بن ثابت[2]، وكعب بن مالك[3]،  وعبد الله بن رواحة[4] - إلى الدفاع عن الإسلام، وإلى الدعوة إليه، والإشادة بذكره وبمبادئه، وهجاء الكفر والكفار، ولا عجب - لكل هذا - إذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن الشعر، ويستنشده أصحابه ويمدح به، ويثيب عليه، بل ينقده ويصلح منه.
أما دعوته صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وهجاء المشركين فيدل عليها ما روي أنه: لما كان عام الأحزاب، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من يحمي أعراض المسلمين؟" فقال كعب بن مالك: أنا يا رسول الله! وقال عبد الله بن رواحة: أنا يا رسول الله! وقال حسان: أنا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: "نعم اهجهم أنا (يعني حساناً) فإنه سيعينك روح القدس".
وروي أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى"[5].
وأما نقد الرسول الكريم للشعر، وإصلاحه منه، فسوف نورد الأمثلة والشواهد ما يدل عليه، ولكن قبل أن نورد هذه الأمثلة وتلك الشواهد ينبغي أن نقرر الأساس الذي قام عليه نقد الرسول للشعر، ليسهل بعد ذلك تطبيق هذا الأساس على ما سنورده من الأمثلة.


[1]  راجع: تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص28 للدكتور طه أحمد  إبراهيم، ط دار الحكمة بيروت.
[2]  هو: حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري، شاعر جاهلي إسلامي، اختص بعد الإسلام بمدح النبي والدفاع عنه، توفي عام 54هـ.
[3]  هو: كعب بن مالك الأنصاري، من الشعراء الذين كانوا ينافحون عن الإسلام والمسلمين، ويقفون أما شعراء المشركين ويهجونهم.
[4]  هو: عبد الله بن رواحة، صحابي جليل، وشاعر مخضرم، كان - مع حسان بن ثابت وكعب بن مالك - أحد المنافحين عن الإسلام والرسول والمسلمين، استشهد في غزوة مؤتة العام الثامن للهجرة.
[5]  حسان بن ثابت: 47، للدكتور سيد حنفي حسنين - (من سلسلة أعلام العرب).
*د يحيى
9 - يناير - 2008
الرسول صلى الله عليه وسلم والنقد الأدبي 2    كن أول من يقيّم
 
المقاييس النقدية عند الرسول صلى الله عليه وسلم:
ينبغي أن نلاحظ أن الرسول الكريم قد جاء بدين قويم يدعو إلى الفضائل، وينهى عن الرذائل، ويدعو - قبل ذلك وبعده - إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وإذا لاحظنا ذلك علمنا أن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له - هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس هي أسس تتصل بالمعاني التي يجب يدور حولها الشعر، وإذا كان الرسول الكريم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياساً وأساساً ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه - فإنه صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من القرآن الكريم - أيضاً - أسلوباًولفظا ونظماً أساساً له ومنهاجاً؛ لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو.
ولا نعجب إذا رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم - على اختلاف فنونه وأغراضه - يتمثلونه معنى وموضوعاً، وأسلوباً ونظماً، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم.. على أسس من المبادئ الإسلامية، والقيم الأخلاقية الرفيعة التي استحدثها الدين الإسلامي، في هذا المجتمع الجديد، وعلى دعامة من الفضائل العربية التي أقرها الإسلام، كما كانوا يتخذون من بلاغة القرآن وسحر بيانه أساساً لنظمهم ودعامة لبيانهم...
ولعلنا نلاحظ - من خلال ما تقدم - أن هناك أساسين أو مقياسين كان على أساسهما يحكم الرسول على الشعر وينقده، هذان الأساسان أو المقياسان هما: المقياس الديني الإسلامي، والمقياس البياني.
1- المقياس الديني الإسلامي:
حينما نستعرض نقدات الرسول الكريم التي وجهها إلى الشعر والشعراء، نلاحظ أن الجوانب الدينية والمعاني الإسلامية كانت المحور الأساسي، لنقد الرسول الكريم، ولعلنا نستطيع أن نرى هذا المقياس بوضوح في النقدات الآتية:
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق كلمةٍ قالها شاعر قول لبيد[1]:
ألا كل شيء - ما خلا الله - باطل ** وكل نعيم - لا مَحالة - زائلُ "
ونلاحظ من هذا الحكم الذي حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم على قولة لبيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى فيها ما يتسق مع الروح الإسلامية، ويترجم عن وحي الإسلام.
وحينما ينشده النابغة الجَعدي[2] قصيدته التي مطلعها:
خليلَيّ عُوجا ساعة وتهجَّرا  **   ولُوما على ما أحدَث الدهر أو ذرا1
يُعجب الرسول هذا الشعر، وحينما يبلغ قوله:
بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا  **  وإنا لنرجو فوقَ ذلك مَظهرا
يظهر الغضب في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول للنابغة: "إلى أين أبا ليلى؟" فقال: إلى الجنة، فيقول الرسول - وقد اطمأن إلى أنه حين عبّر بمجد جدوده المتطاول قد انتهى إلى التطلع في ظل الإسلام إلى ما هو أعظم -: "نعم إن شاء الله".
ويمضي النابغة قائلاً:
ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له  **  بوادرُ تحمي صَفوَه أن يُكدَّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له  **   حليمٌ إذا ما أورد الأمر أصدرا
فيزداد ارتياح الرسول الكريم إلى ما يسمع من وحي الروح الدينية، ومن التوجيه الخلقي الرشيد، ويقول له: "لا يَفضُض الله فاك"[3].
ويطرب الرسول لشعر كعب بن زهير حين يمدحه بقصيدته التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول  **   متيم إثرها لم يفد مكبول
وحين يبلغ كعب قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به  **   مهند من سيوف الهند مسلول
يصلح له الرسول قوله هذا ويجعله:
................................  **   مهند من سيوف الله مسلول
ونلمح من خلال هذا النقد النبوي ما انطوى عليه من تعديل وجّه كعباً إليه، حيث الرأي الصائب والقول السديد، وهو أن سيوف الله هي التي لا تفل، ولا تنبو ظباتها، ولا تحيد عن مواطن الحق، أما غيرها من السيوف فهي تفل وتنبو وتتلثم، وهذا معنى إسلامي جميل.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على كعب بن مالك، وهو ينشد، فلما رآه كعب بدا كأنه انقبض، فقال الرسول: "ما كنتم فيه؟" قال: كنت أنشد، فقال له: "أنشد"، فأنشد حتى أتى على قوله:
مَجالِدنا عن جِذْمِنا[4] كل فخمة
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيصِحّ أن تقول:
مَجالِدنا عن ديننا كل فخمة؟
قال: نعم، فقال له: "فهو أحسن".
وواضح من هذا التوجيه الذي أسداه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كعب أن الجلاد والقتال إنما ينبغي أن يكون عن الدين، لا عن الأصل والنسب.


[1]  هو: لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء الجاهلية وفرسانهم، أدرك الإسلام وأسلم مع وفد بلاده إلى الرسول، توفي في أول خلافة معاوية.
[2]  هو: عبد الله بن قيس، من جعدة بن كعب بن ربيعة، وكان يكنى أبا ليلى، وعمّر كثيرا، ومات وهو ابن مئتين وعشرين سنة.
[3]  الشعر والشعراء 1/295 تحقيق الأستاذ أحمد شاكر.
 
[4]  الجذم: الأصل.
*د يحيى
9 - يناير - 2008
الرسول صلى الله عليه وسلم والنقد الأدبي 3    كن أول من يقيّم
 
2- المقياس البياني:
ونعني به قياس النتاج الأدبي، وتقويمه على أساس ما ينبغي أن يكون عليه النظم أو الكلام من جمال الأسلوب وروعة الأداء، وحسن النظم، وهو ما نسميه بالبيان والبلاغة، ويتصل بهذا المقياس، سلامة القول وسلامة التعبير والتزام الصدق، والبعد عن التكلف.
وحينما نتصفح نقدات الرسول الآتية، نجدها قائمة على هذا الأساس واضحة خير ما يكون الوضوح.
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان ابن بدر، فقال عمرو: مانع لحوزته مطاع في عشيرته، فقال الزبرقان: أما إنه قد علم أكثر مما قال، لكنه حسدني شرفي، فقال عمرو: أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق العَطَن، زَمِن المروءة، لئيم الخال، حديث الغِنى، فلما رأى الإنكار في عيني الرسول بعد أن خالف قوله الآخر قوله الأول، قال: يا رسول الله! رضيتُ فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمتُ، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة".
وقد انطلق حكم الرسول الكريم هذا على قول عمرو بن الأهتم لما يحويه هذا القول من أسلوب جميل وأداء رائع، يأسر النفس ويفعل بها فعل السحر، ولما فيه من حكمة ومعنى حسن.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن قول طرفة بن العبد ويتمثل به، وهو قوله:
ستُبدي الأيام ما كنت جاهلا  **   ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد[1]
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في دية الجنين بغُرّة[2]، فقال أحدهم: يا رسول الله! أأدي[3] من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يُطل[4]، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم جانبا، واتجه إلى المتكلم، فأنكر عليه أسلوبه ومنطقه، وقال له: "أسجعاً كسجع الكهان"؟!.
وما أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول إلا لأن صاحبه آثر السجع المتكلف وابتعد عن سهولة الأسلوب وسلاسته، وانطلاقا من مبدأ السلامة في التعبير والسلاسة في القول، والبعد عن التكلف والغلو والتشدق، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون[5]، المتشدقون[6]، المتفيهقون[7]"، ويقول: "إياكم والتشادق"، ويقول: "إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها".
ولم يقف نفقد الرسول للشعر والنثر عند حدّ النقد العلمي الذي أوردناه منه آنفا بعض الأمثلة، بل كان الرسول كثيراً ما يتعدى ذلك إلى لون آخر من النقد، وهو النقد التوجيهي، الذي يتمثل في إرشاد الأدباء والشعراء وتوجيههم إلى ما يحسن به أدبهم، ويرتفع باتباعه شعرهم، من تلك الأقوال والنصائح، حتى يُعينهم اتباعها على تحسين أعمالهم، وبلوغها حدّ الكمال والجمال الأدبي، من ذلك ما أوردنا آنفاً من نصائح، يضاف إليها قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله وجه رجل أوجزَ في الكلام، واقتصر على حاجته".
وقوله صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي[8]: "يا جرير إذا قلت فأوجز، وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف".
ومنها قول صلى الله عليه وسلم: "لا تكّلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوهم أصلها فتظلموهم".
وفي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم السابقة - بما تحمل من توجيهات وإرشادات - نقدات أدبية غاية في الأهمية، فهي تدعو إلى الصدق في القول، وعدم التكلف والغلو فيه كما تدعو إلى ترك التظاهر بالبلاغة والتشادق بالفصاحة، وترك السجع المتكلف؛ لأن هذه الأمور الأخيرة المنهي عنها، قد تبهم المعنى، وتضيع الحقيقة، وقد تلبس الباطل ثوب الحق.


[1]  يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينطق الشطر الأخير من البيت هكذا: ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
[2]  الغرة: العبد أو الأمة.
[3]  أي: أدفع الدية.
[4]  يطل: يهدر ويبطل.
[5]  الثرثارون: هم الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق.
[6]  المتشدقون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط ولا احتراز، وقيل: إنهم المستهزئون بالناس يلوون أشداقهم بهم وعليهم.
[7]  المتفيهقون: وهم المتوسعون في الكلام والمتنطعون.
[8] هو: جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر في رمضان، وبايعه وأسلم، توفي سنة 54هـ
*د يحيى
9 - يناير - 2008
الرسول صلى الله عليه وسلم والنقد الأدبي 4    كن أول من يقيّم
 
هذه النقدات الأدبية بشقيها: الفعلي والتوجيهي، التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعراء والأدباء، والتي وقفنا على طرف منها فيما أوردنا من أمثلة - هذه النقدات تمثل تطوراً لتلك المحاولات النقدية التي بدأت منذ العصر الجاهلي، وهي محاولات تعتمد على الذوق والفطرة والطبع وصِحة الفهم وسَعة الرواية، والخِبرة المستفادة من المعارف العامة، مستظلة بروح الدين وتعالميه وآدابه، متجهة إلى اللفظ والمعنى والأسلوب والغرض.
كما يلاحظ - أيضاً - من نقد الرسول الكريم استعمال المصطلحات النقدية؛ فلأول مرة تستعمل في محيط النقد الأدبي ألفاظ تتصل بهذا الفن، لتدل على سير هذا الفن خطوات إلى الأمام، فاستعمل لأول مرة لفظ (البيان) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً"، ولفظ البلاغة مشتقاً منه لفظ (البليغ) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها"[1]، والرسول يعني بالبليغ: الذي يتقن الصنعة بقصد تزوير القول.
ونظرة إلى الأحكام النقدية التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعر والشعراء  نرى أنها أحكام اتسمت بالعموم والإيجاز، كإعجابه بقول لبيد، وطربه لشعر النابغة الجعدي، واستحسانه لبيان عمرو بن الأهتم، وتعديله للمعاني التي أتى بها كل من كعب بن زهير، وكعب بن مالك، من تلك النقدات التي عرضناها من قبل.
كما يلاحظ القارئ أنها أحكام اتسمت بالجزئية، فنقده صلى الله عليه وسلم كان متجهاً إلى اللفظ أو المعنى دون غيرهما من الجوانب النقدية الأخرى، فإعجابه بقول لبيد كان متجهاً للمعنى، فالمعنى عند لبيد جميل وشريف لانسجامه مع الروح الإسلامية، وكذلك طربه لمعنى النابغة يجري مع غاية ما يطمح إليه المؤمن، حينما جعل نهاية مطمحه الجنة.
واستحسان الرسول لبيان عمرو بن الأهتم في قوله عن الزبرقان بن بدر راجع إلى ما يحويه من رائع اللفظ وحسن البيان، وتعديله لشعر كعب بن زهير وشعر كعب بن مالك منصرف إلى المعنى، حيث وجههما الرسول إلى ما ينبغي أن يكون عليه المعنى من تلاق مع الروح الإسلامية، فسيوف الله أكثر اتساقاً مع روح الإسلام من سيوف الهند، والمجالدة عن الدين أحسن وأفضل من المجالدة عن الأصل والنسب.
كما أن استهجان الرسول لقول بعضهم وقد غلب عليه السجع المتكلف راجع إلى اللفظ، حيث وجهه الرسول إلى ما ينبغي أن يكون عليه النظم من سلاسة في التعبير، وسلامة في المنطق، بعيداً عن السجع المتكلف، والتشادق المقصود، وهكذا.
جزى الله خيراً كاتبها وقارئها وموصلها


[1]  الباقرة: البقرة، والمعنى: أن الله يبغض البليغ الذي يفخم لسانه بالكلام ويلفه كما يلف البقرة الكلأ بلسانها لفا.
*د يحيى
9 - يناير - 2008
إجابتي عن السؤال    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أرى أن في إطلاق هذا الاصطلاح الحديث على تعليقا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الشعر والشعراء مبالغة وخروجًا على المألوف في الدرس النقدي الحديث، ولم يطلقه أحد من أسلافنا القدماء من لدن الأصمعي حتى ابن خلدون، فلا مسوغ من النقل على ذلك الإطلاق، والعقل يقرر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر من هذه الإصطلاحات التي يطلقها المحدثون عليه من مصلح أو موجه أو ثائر أو عبقري... إلخ 
دعبدالفتاح نور منصور
11 - يناير - 2008
" إنما بُعِثتُ معلّماً" صلى الله عليه وسلم.    كن أول من يقيّم
 
              "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، ورضعت في بني سعد بن بكر"
                                                                                                    (المزهر، ج1، ص209)
يجدر بنا أن ننبه إلى اللغة العربية تتعدد علومها وتتنوع، ويحتاج إليها أهل الإسلام حاجة أكيدة، لعلاقة تلك العلوم بفهم كتاب الله، الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، ولعلاقتها بفهم نصوص الحديث النبوي الشريف، الذي نطق به أفصحُ مَن نطق بالضاد، وأبلغ من قال أنا عربي من العباد.
قال ابن خلدون رحمه الله في المقدمة: [الفصل الخامس والأربعون] في علوم اللسان العربي، أركانه أربعة: وهي اللغة والنحو والبيان والأدب، ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغتهم، فلابد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة.
وإنما احتجنا إلى هذه المقدمة البسيطة، بين يدي حديثنا عن علوم اللغة العربية، لبيان وثيق الصلة بين العلوم الإسلامية الدينية المحضة وبين العلوم العربية التي تُعَدُّ  ـ على حد قول العلماء ـ علومَ الآلة والوسيلة، ولندفع وَهَمَ مَن دخله الوهم، فظن أنه يستطيع فهم الدين بدون واسطة علوم اللغة، أو يستطيع أن يتفقه في الشريعة دون تضلع من العربية... وكفى بذلك وهماً وضياعاً، وصدق مَن قال:
      حِفظُ اللغاتِ علينا           فرْضٌ كفرضِ الصّلاةِ
    فليس يُحفَظُ دِيـنٌ           إلا بِحِفــظ اللُّغـاتِ
وأتساءل وفؤادي يتقطع حزناً : كيف يليق لمن حمل لفظة الدال أن يلقي الكلام جزافاً ، ويدين
نفسه عندما ينتقد محيط الأدب " العقاد" غير راضٍ عن مصطلح ( العبقرية) التي نسبها إلى حبيبنا وقدوتنا محمد بأبي هو وأمي : صلوات ربي وسلامه عليه...
النبي - صلى الله عليه وسلم - أصدق من نطق بالضاد ، وقد أوتي جوامع الكلم ، ولذا كان كلامه - صلى الله عليه وسلم – في بعض الأحيان قواعد نقدية في الشعر- كما رأينا آنفاً-وفي كثير من الأحاديث قواعد فقهية باقية إلى قيام الساعة ، انظر مثلاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : "العجماء جرحها جبار"(  أخرجه البخاري ، كتاب الديات ، باب : المعدن جبار والبئر جبار (6/2533) ترقيم البنا.)، أو قوله: "لا ضرر ولا ضرار"( أخرجه الحاكم في المستدرك 2/57 وقال : صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) ،أو قوله : "البيّنة على المدَّعي واليمين على من أنكر"  (أخرجه مسلم 13/3 بشرح النووي ، والترمذي كتاب الأحكام والبيهقي وابن عساكر ، كما أخرجه الدار قطني .)، أو قوله: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على مَن سواهم" (أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب الديات ، باب إيقاء المسلم من الكافر ، والنسائي 8/18 وابن الحلبي)، أو قوله : "ما أسكر كثيره فقليله حرام" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان ، قال الترمذي : حسن غريب ، قال ابن حجر : رواته ثقات وصححه الألباني .) وكثير من الأحاديث التي هي قواعد ثابتة تجمع فروعاً شتى في أبواب الفقه ...
لقد جاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ربط حجر المجاعة على بطنه. وقد حدثنا الله سبحانه عن حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضيقه وهو يخفف عنه ذلك: "ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون"(النحل/127)، "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر"(المائدة/41)، "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"(فاطر/8)، إلى غير ذلك من الآيات التي تتحدث عن بشَريّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم....
*إنني أخاطب أولي الألباب الذين يعقلون ويفقهون : إنّ أيّ صفة رفيعة ننسبها إلى سيدنا رسول الله ،صلى الله عليه وسلم ،تتعلق ببشريته وإنسانيته مع الإتيان بالصحيح من المثال إنما هوشرف لنا ،وإننا نترحّم على عالمنا الجليل عباس محمود العقاد وهو يتكلم على عبقرية سيّدنا محمد ، صلى الله عليه وسلم. ولحبيبنا وسعادتنا، عليه الصلاة والسلام، حقٌّ علينا أن نبيّن للناس قاطبةً أنّه صاحب الذوق الرفيع في الشعر....ولا غرابة في ذلك ، فقد أوتِيَ ، صلى الله عليه وآله وسلّم جوامع الكلِم....
 
 
*د يحيى
13 - يناير - 2008
رأي الدكتور مريسي الحارثي    كن أول من يقيّم
 
يقول في كتابه الاتجاه الأخلاقي في النقد العربي:
" والمتتبع لمواقف الرسول e في مدح الشعر وذمه يلمس لأول وهلة أنه أمام معيار أخلاقي جديد نظر إلى الشعر من خلاله، وقد استمد هذا المعيار مقوماته من مفهوم الدعوة إلى الله0 غير أن الذي ينعم النظر في مواقفه صلى الله عليه وسلم- يدرك أنها لا تهدف إلى تكوين معيار نقدي أخلاقي محدد يحكم على الشعر من خلال الجودة أو الرداءة، أو بتقدم شاعر أو تأخره أو بإبراز قيم أدبية، وإنما كانت تهدف أساسا إلى توجيه الشعر والشعراء توجيها أخلاقيا مع زمن الدعوة الإسلامية ولا يخرج عنها، ويلائم الفطر السليمة ولا يؤذيها[1]. وقد سار السير نفسه الدكتور السيد عويضة في كتابه أثر الإسلام في الشعر.


[1]- الاتجاه الأخلاقي في النقد العربي  61، أثر الإسلام في الشعر د/ السيد عبد القادر عويضة  38 وما بعدها0
*صبري أبوحسين
13 - يناير - 2008