من محاضرات المرحوم الدكتور محمد صبري الأشتر( ابن عمة د/ عبد الكريم الأشتر). كن أول من يقيّم
المعلّقات وقصة تعليقها
*يذكر المرحوم مصطفى صادق الرافعي (ت 1937) تسمية القصائد بالسبع الطوال والمعلقات ، ثم يذكر أصحابها
وسببَ تسميتِها ، ويورد ما رواه البغدادي في " خزانة الأدب" من أنّ بعض أمراء بني أمية أمر مَن اختار له سبعة
أشعار فسمّاها " المعلقات" أو " فسمّاها المعلقات الثواني " في غير رواية الخزانة ، وهي غير المعلقات الأولى.
ويورد أقوال ابن قتيبة في ترجمة نفَرٍ من أصحاب المعلقات أمثال طَرَفة وعَمرو بن كُلثوم وعنترة وعبيد.
ثم يذكر الأسماء التي وردت بها تلك القصائدُ في كتب الأدب والبيان واللغة ، وهي السبع الطوال، والسموط ،
والسبعيات ، فالسبع الطوال هي تسمية( حمّاد) الذي نقلها من الحديث الشريف : " أعطِيتُ مكانَ التوراة السبعَ الطوال"، وهي سُوَر بعينها من القرآن الكريم ، و" السموط" هي تسمية( المفضّل) التي أوردها صاحب "الجمهرة "، ويلاحظ الرافعي أن صاحب " العُمدة" ينقل هذه التسميةَ بالسمط إلى أصلها، ويعتمد في هذا على بعض أخبار( حمّاد)، و"السبعيات"وقف عليها في كتاب " إعجاز القرآن " للباقلاني في حديثه عن امرىء القيس، والموازنة بين شعره وشعر غيره.
ويخلُص إلى أنّ حمّاداً هو أوّل مَن اختار السبع الطوال، وأنّ جملة كلام الرواة الإخباريين على القصائد لم تَخرُج عن سبيل ما يُختار من الشعر، وأنّ المتأخّرين هم الذين بنَوا على خبر تعليق القصائد بالكعبة أمْرَ الكتابة بالذهب أو بِمائِه في الحرير أو القباطيّ ، وأنّ القصائد سُمِّيتْ لذلك بالمعلقات أو المذهبات ؛ مع أنّ " المذهبات" في رواية المفضَّل في الجمهرة هي قصائدُ لِشعراءَ من الأوس والخزرَج غيرِ أصحاب " السبع الطوال" [ تاريخ آداب العرب3/187-192].
*إنّ المعلّقات اسمٌ أطلِق على قصائدَ طِوالٍ مختاراتٍ من الشعر الجاهلي ، وسبب تسميتها بهذا الاسم ما رواه
ابن الكلبي (ت عام ت204، سنة819م) مِنْ أنّ : " أوّلَ شعر عُلِّقَ في الجاهلية على ركن من أركان الكعبة أيامَ الموسم حتى نُظر إليه ، ثم أحدِرَ، فعلَّقتْ الشعراءُ ذلك بعدَه ، وكان ذلك فخراً للعرب في الجاهلية"[إعجاز القرآن للرافعي ،ص242].
وربما كان هذا النص أقدم نص في خبر التعليق ، وهو يتّسم بالغموض ، ويحمل على التساؤل......
ومع أنّ حمّاداً الراوية ( ت عام185،سنة801م) جمع القصائد السبع وأذاعها بين الناس ، فإنه لم يَرْوِ خبر التعليق، كذلك لم يرْوِهِ خلف الأحمر (تعام180،سنة796م) ولم يذكره ابن سلّام الجُمَحي (ت231=845) في كتابه " طبقات فحول الشعراء" وأغفله الجاحظ (ت255=868) في كتبه ، وأوّل مَنْ رواه ابنُ الكلبي- كما رأينا- ثم ينقطع الخبرعند أبي زيد القرشي (ت230=844) في كتابه " جمهرة الشعراء" على عنايته بتصنيف مجموعات القصائد، وتسميتها، وتسمية أصحابها ، كذلك ينقطع عند ابن قتيبة (ت276=889) في كتابه " الشعر والشعراء" ، وعند المبرّد(ت286=899) في كتابه " الكامل".
- والعجيب أنّ ابن عبد ربه(ت327/938م) في " العِقد الفريد5/269" يذكر خبر كتابتها بماء الذهب وتعليقها بين أستار الكعبة، وينكره معاصره : أبو جعفر النحاس العالِم النّحْوي، وأحد شُرّاح المعلقات.....
- وابن خلدون يستقي من ابن عبد ربه ومن النحّاس، لكنه يؤيّد الأول في إثبات خبر التعليق ، ويُخالف الآخَرَ
في إنكاره له .
· وينقطع خبر التعليق حتى نسمعه من عبد القادر البغدادي(ت1093/1682م). [ خزانة الأدب 1/125-126].
· ثم ينقطع خبر التعليق حتى نصل إلى العصر الحديث ، فينقسم الناس فريقيَيْن : فريقاً يُثبته، وفريقاً يُنكره.
· ويلاحظ أن جمهور المستشرقين يعتمد على معاني الألفاظ المجازية في تفسير القصائد بالمعلقات،فالمعلقات شبيهة بالقلائد التي تعلّق بالنّحور، ومن هذا التفسيرردُّ المعلقات إلى العِلْق ،وهو ما يُضَنُّ به من الأشياء الثمينة ، فالمعلقات إذن عِلْقٌ نفيس ، أو هي أحجار وعقود نفيسة.
** أمّا أنّ العرب لم يكونوا في جاهليتهم أمّة كاتبة تسجّل شعرها وتكتبه ، وأنّ للكعبة من القُدْسية مالا يُبيح تعليقَ المُدوَّنات فيها ، فإنّ هذا الزعم مردود، ذلك بأنّ العرب في الجاهلية عرَفتْ الكتابة ، واستخدمتْها فجُلّ شؤونها ، وكتبتْ بعضَ شعرِها وأخبارها وأنسابها في صُحُفٍ ودواوينَ ، كذلك عَلّق العرب في الجاهلية عهودهم ووثائقَهم وصُحُفَهم في الكعبة ؛ إظهاراً لعلوّ شأنها ، وبياناً لقيمتها وخطرها ؛ ومِن هذا ما قاله محمد بن حبيب عن حِلْف خُزاعة لعبد المطَّلِب : " كتبوا بينهم كتاباً كتبه لهم أبو قيس ابنُ عبد مَناف بنِ زُهرة ثم علّقوا الكتاب في الكعبة ، ومنه الصحيفة التي كتبتها قريش حين اجتمعت على بني هاشم وبني عبد المطّلب ، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ،علّقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم ، وقد بقيت هذه الصحيفة في الكعبة دهراً فلمّا أخرجوها بعد ذلك ، وجدوا أنّ الأرَضَة لم تَدَعْ في الصحيفة إلا أسماء الله .
[ مصادر الشعر الجاهلي للعلامة ناصر الدين الأسد ،ص169-171].
تنبيه مهم جداً : ( العالِم محمد علي حمد الله ، الذي نشر شرح المعلقات للزَّوزَني : قد ذكر آراء القدماء والمُحْدَثين في خبر التعليق وناقشها رأياً رأياً ، وانتهى إلى الأخذ بالخبر).
|