"فاستغلظ" 1 كن أول من يقيّم
قال تعالى : تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) " محمد رسول الله والذين معه " من المؤمنين " أشداء " غلاظٌ "على الكفار رحماء بينهم " متوادُّون متعاطفون " تراهم ركعاً سجداً " في صلواتهم " يبتغون فضلاً من الله "؛ أي يدخلهم الجنَّة " ورضواناً " أن يرضى عنهم " سيماهم " علامتهم " في وجوههم من أثر السجود " يعني: نوراً وبياضاً في وجوههم يوم القيامة، يُعرفون بذلك النُّور أنَّهم سجدوا في دار الدُّنيا لله تعالى. " ذلك مثلهم " صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه " في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه " فراخه ونباته " فآزره " قوَّاه وأعانه؛ أيْ: قوَّى الشَّطأ الزَّرع، كما قوَّى أمر محمَّد وأصحابه، والمعنى: أنَّهم يكونون قليلاً ثمَّ يكثرون، وهذا مثل ضربه الله تعالى لنبيِّه عليه السَّلام إذ خرج وحده، فأيَّده بأصحابه كما قوَّى الطَّاقة من الزرع بما ينبت حوله " فاستغلظ " فَغَلُظَ وقوِيَ. " فاستوى " ثمَّ تلاحق نباته وقام على " سوقه "جمع ساق " يعجب الزراع " بحسن نباته واستوائه " ليغيظ بهم الكفار " فعل الله تعالى ذلك بمحمد وأصحابه ليغيظ بهم أهل الكفر. " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم "؛ أَيْ: من أصحاب عليه السَّلام" مغفرة وأجراً عظيماً" تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) قوله تعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ". قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى: " فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ "(المائدة/ 54). قوله تعالى: " مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاع ". وهذه الآية الكريمة قد بين الله فيها أنه ضرب المثل في الإنجيل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم كالزرع يظهر في أول نباته رقيقاً ضعيفاً متفرقاً، ثم ينبت بعضه حول بعض، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد وتعجب جودته أصحاب الزراعة، العارفين بها، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في أول الإسلام في قلة وضعف ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة حتى بلغوا ما بلغوا. وقوله تعالى: " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه "؛ أي فراخه فنبت في جوانبه. وقوله " فَآزَرَه " على قراءة الجمهور من المؤازرة، بمعنى المعاونة والتقوية، وقال بعض العلماء: "فَآزَرَه"؛ أي ساواه في الطول، وبكل واحد من المعنيين فسر قول امرئ القيس: بمحنية قد آزر الصال نبتها ** مجر جيوش غانمين وخيب وأما على قراءة ابن ذكوان { فَآزَرَه } بلا ألف، فالمعنى شد أزره أي قواه. ومنه قوله تعالى عن موسى:" وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي "(طه/ 29-31). وقوله: "فَٱسْتَغْلَظَ "؛ أي صار ذلك الزرع غليظاً بعد أن كان رقيقاً، وقوله: " فَٱسْتَوَى "؛ أي استتم وتكامل على سوقه؛ أي على قصبه. وما تضمنته الآية الكريمة من المثل المذكور في الإنجيل المضروب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم يكونون في مبدأ أمرهم في قلة وضعف، ثم بعد ذلك يكثرون ويقوون. جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى كقوله: " وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ "(الأنفال/ 26). وقوله تعالى" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (آل عمران/ 123)، وقوله تعالى" ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ "(المائدة/ 3). إلى غير ذلك من الآيات. تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) قوله عز وجل: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ " يعني: متوادّين. " تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا " يعني :يقيمون الصلوات الخمس " يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا "؛ أي: بالصلاة والصوم والدين كله " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ " قال بعضهم: يعرف الخشوع في وجوههم من أثر الصلاة. وقال بعضهم: " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ": في الآخرة يقومون غُرّاً محجّلين من أثر الوضوء. ذكروا عن أبي هريرة قال: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك؟ قال: " يقومون غُرّاً محجّلين من أثر الوضوء ". قال: " ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ "؛ أي: نعتهم في التوراة ." وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ "؛ أي: ونعتهم في الإنجيل؛ النعت الأول في التوراة، والنعت الآخَر في الإنجيل: " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ "؛ أي: فراخه " فَآزَرَهُ "؛ أي فشدَّهُ " فَاسْتَغْلَظَ "؛ أي: فاشتد، " فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ " أي: على قصبه، وقال بعضهم: على أصوله " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " أي: كثرته وكمامه ونباته. " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ "؛ أي يخرجون فيكونون قليلاً كالزرع حين يخرج ضعيفاً فيكثرون ويقوون، فشبههم بالزرع؛ قال: يعجب الزراع بهم؛ يعجبون رسول الله كما يعجب ذلك الزرع الزراع ليغيظ بهم الكفار؛ أي ليغيظ بهم ربهم مَن كفر به؛ إنما يفعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار. " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً "؛ أي مغفرة الذنوب " وَأَجْرًا عَظِيمًا " يعني: الجنة. تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) ..ووجه ضَرْبِ هذا المثل بالزرع الذي أخرج شطأه هو أن النبي، صلى الله عليه وآله، حين ناداهم إلى دينه كان ضعيفاً فأجابه الواحد بعد الواحد حتى كثر جمعه وقوي أمره كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ ساقه وفراخه، وكان هذا من أصح مثل وأوضح بيان، وقال البلخي: هو كقوله" كمثل غيث أعجب الكفار نباته " يريد بالكفار - هٰهنا - الزراع واحدهم كافر؛ لأنه يغطي البذر، وكل شيء غطيته فقد كفرته. ومنه قولهم: تكفر بالسلاح. وقيل: ليل كافر؛ لأنه يستر بظل. تفسير تفسير القرآن/ علي بن إبراهيم القُمي (ت القرن 4 هـ) قال: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " يعني: يقتلون الكفار وهم أشداء عليهم وفيما بينهم رحماء. تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) وقوله: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِين مَعَهُ أشِدَّاءُ على الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ " يقول تعالى ذكره: محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه، أشدّاء على الكفار، غليظةٌ عليهم قلوبُهم، قليلةٌ بهم رحمتُهم " رُحَماءُ بَيْنَهُمْ " يقول: رقيقة قلوب بعضهم لبعض، لينة أنفسهم لهم، هينة عليهم لهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ألقى الله في قلوبهم الرحمة، بعضهم لبعض " تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً " يقول: تراهم ركعاً أحياناً لله في صلاتهم سجداً أحياناً " يبتغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ " يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدّتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً، فضلاً من الله، وذلك رحمته إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيُدخلهم جنته " وَرِضْوَاناً " يقول: وأن يرضى عنهم ربهم. وقوله: " سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ أثَرِ السُّجُودِ " يقول: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم. ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدينا. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس "سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ " قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: مثلهم في التوراة، غير مَثَلهم في الإنجيل، وإن الخبر عن مَثلهم في التوراة متناهٍ عند قوله: " ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ " وذلك أن القول لو كان كما قال مجاهد من أن مثلهم في التوراة والإنجيل واحد، لكان التنزيل: ومثلهم في الإنجيل، وكزرع أخرج شطأه، فكان تمثيلهم بالزرع معطوفاً على قوله: " سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ " حتى يكون ذلك خبراً عن أن ذلك مَثلهم في التوراة والإنجيل، وفي مجيء الكلام بغير واو في قوله: { كَزَرْعٍ } دليل بَيِّن على صحة ما قُلنا، وأن قولهم " وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ " خبر مبتدأ عن صفتهم التي هي في الإنجيل دون ما في التوراة منها. |