البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.    قيّم
التقييم :
( من قبل 18 أعضاء )
 د يحيى 
23 - ديسمبر - 2007
الفرق بين تفسير الصوفية ، وتفسير الباطنية
الصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر ، بل يحضون عليه، ويقولون لا بد منه أولاً ؛ إذ مَن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يحكّم الظاهر كمن ادّعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب . وأما الباطنية فإنهم يقولون : إن الظاهر غير مراد أصلاً ، وإنما المراد الباطن . وقصدهم : نفي الشريعة . هذا، وأهم كتب التفسير الإشاري ( الصوفي) أربعة : تفسير النيسابوري ،وتفسير الألوسي ، وتفسير التستري ، وتفسير محيي الدين بن العربي.
* سئل أبو محمد سهل بن عبد الله التستري ( متوفَّى عام283هجري ، كما في ترجمته في تاريخ ابن خلكان):  عن معنى : بسم الله ...فقال :( الباء) بهاء الله عز وجل ، و  (السين) سناء الله عز وجل ، و ( الميم) مجد الله  عز وجل. و( الله) :هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها...وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الرحمن الرحيم : اسمان رفيقان ، أحدهما أرق من الآخَر، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده.
 
أحسن طرق التفسير
1- تفسير القرآن بالقرآن : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " : العدل : " فَمَن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمِثْل ما اعتدى عليكم " . الإحسان : " فَمَن عفا وأصلح فأجرُهُ على الله " . إذن : الإحسان أعلى رتبة من العدل، وأنعِمْ نظرك في قوله تعالى : " وبالوالدَيْنِ إحساناً " : مفعول مطلق مؤكد للفعل المضمر، ولاتنس ظاهرة العفووالصفح، فضلاً عن دوام المصاحبة : " وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً" : يفترض أن يعيشا معك، وتقبّل أقدامهما " رضا الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين"(حديث شريف)، لا أن تضعهما في دار العجزة ، ثم تضجَر (أف): اسم فعل مضارع ، بمعنى : أتضجّرُ. وتنهرهما " فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما"، ومَن الذي ينهر ؟ ، والله عز وجل كرّم الإنسان أياً كانت ديانته : " ولقد كرّمنا بني آدم"[ الاشتغال بفهم القرآن ، ص7، د/ يحيى مصري].
2- تفسير السُّنّة ؛ فإنها شارحة للقرآن وموضّحة له ؛وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو بما فيه من القرآن : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"، " وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون". ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه"؛ يعني : السنّة. والسنّة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل عليه القرآن ؛ لأنها تتلى كما يتلى.
3- إذا لم نجد التفسير في القرآن ، ولا في السنة ، رَجَعنا في ذلك إلى أقوال أهل البيت ، فأقوال الصحابة المجتبين الأخيار؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح ، ولا سيما الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين؛ من مثل : ترجمان القرآن ابن عباس، وابن مسعود، رضوان الله عليهم أجمعين.
4- تفسير التابعين ، وعلى رأسهم مجاهد ، وسعيدبن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع ،وسعيد بن المسيّب،وأبي العالية ، والربيع بن أنس، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومَن بعدَهم.
فأما تفسير القرآن بمجرّد الرأي فحرام ، فعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار". فأما مَن تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه. ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة ؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه. وهذا هو الواجب على كل أحد.
 
 
 3  4  5  6  7 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
إيهام مدفوع    كن أول من يقيّم
 
              [  قوله تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا"
 هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم لم يؤمروا بقتال الكفار إلا إذا قاتلوهم، وقد جاءت آيات أخر تدل على وجوب قتال الكفار مطلقاً؛ قاتلوا أم لا، كقوله تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ"، قوله: "فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ"، وقوله تعالى: "تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ".
والجواب عن هذه بأمور:
الأول: - وهو من أحسنها وأقربها - أنّ المراد بقوله: "الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" تهييج المسلمين، وتحريضهم على قتال الكفار، فكأنه يقول لهم: هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً"، وخير ما يفسر به القرآن القرآن .
الوجه الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ"، وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جداً، وإيضاح ذلك أنّ من حكمة الله البالغة في التشريع أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجياً لتخف صعوبته بالتدريج، فالخمر مثلاً لما كان تركها شاقاً على النفوس التي اعتادتها ذكر أولاً بعض معائبها بقوله: "قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ"،ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت كما دل عليه قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى"، ثم لما استأنست النفوس بتحريمها في الجملة حرّمها تحريماً باتاً بقوله: "رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، وكذلك الصوم لما كان شاقاً على النفوس شرعه أولاً على سبيل التخيير بينه وبين الإطعام، ثم رغب في الصوم مع التخيير بقوله: "وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ"، ثم لما استأنست به النفوس أوجبه إيجاباً حتماً بقوله تعالى: " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"، وكذلك القتال على هذا القول لما كان شاقاً على النفوس أذن فيه أولاً من غير إيجاب بقوله: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا" ، ثم أوجب عليهم قتال من قاتلهم بقوله: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ"، ثم لما استأنست نفوسهم بالقتال أوجبه عليهم إيجاباً عاماً بقوله: " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ" .
الوجه الثالث: وهو اختيار بن جرير، ويظهر لي أنه الصواب: أن الآية محكمة، وأن معناها: قاتلوا الذين يقاتلونكم؛ أي من شأنهم أن يقاتلوكم. أما الكافر الذي ليس من شأنه القتال كالنساء، والذراري، والشيوخ الفانية، والرهبان، وأصحاب الصوامع، ومن ألقى إليكم السَّلَم، فلا تعتدوا بقتالهم؛ لأنهم لا يقاتلونكم، ويدل لهذا الأحاديث المصرّحة بالنهي عن قتال الصبي، وأصحاب الصوامع، والمرأة، والشيخ الهرم إذا لم يستعن برأيه، أما صاحب الرأي فيقتل كدريد بن الصمة، وقد فسر هذه الآية بهذا المعنى عمر بن العزيز رضي الله عنه وابن عباس والحسن البصري .]
 المرحوم العلامة محمد الأمين الشنقيطي
*د يحيى
6 - يناير - 2008
ابن سينا ومعاني الحروف المقطَّعة.    كن أول من يقيّم
 
 ( الرسائل التسع /ابن سينا: ت  427 هـ )
ضمن الموضوع ( الرسالة النيروزية )، ضمن العنوان ( الدَّلالة على كيفية دَلالة الحروف عليه)
 
هذه رسالة طريفة  تنتسب إلى النيروز، هي الرسالة "النيروزية" أو "النوروزية" للرئيس ابن سينا، يغوص فيها الشيخ الرئيس على المعانى الكامنة في فواتح عدة من سور القرآن الكريم، وهي الفواتح المركبة من حروف هجائية مثل "ألم" و "ألر" و "حم". وقد ساق ذلك كلّه في أسلوب فلسفى مبني على مبادئ رياضية منطقية. وقد ألف ابن سينا هذه الرسالة، ورسمها باسم السيد الأمير "أبي بكر محمد بن عبد الله"، لتكون هدية في يوم النيروز.
                        في الدلالة على كيفية دلالة الحروف عليها
من الضرورة أنه إذا أريد الدلالة على هذه المراتب من الحروف أن يكون الأول منها في الترتيب القديم ـ وهو ترتيب أبْجد هوّز ـ دالاً على الأول، وما يتلوه على ما يتلوه. وأن يكون الدالّ على هذه المعاني بما هو ذات من الحروف مقدَّماً على الدال عليها من جهة ما هي مضافة. وأن يكون المعنى الذي يرتسم من إضافة بين اثنين منها مدلولاً عليه بالحرف الذي يرتسم من ضرب الحرفين الأولين أحدهما في الآخر، أعني مما يكون من ضرب عددي الحرفين أحدهما في الآخر. وأن يكون ما يحصل من العدد الضربي مدلولاً عليه بحرف واحد، مستعملاً في هذه الدلالة، مثل: (ي) الذي من ضرب (ب) في (هـ). وما يصير مدلولاً عليه بحرفين، مثل : (بـ) الذي هو من ضرب (ج) في (هـ) مُطَّرَحاً لأنه مشكِّك، يوهم دلالة كل من (ي) و (هـ) بنفسه. ويقع هذا الاشتباه في كل حرفين مجتمعين لكل واحد منهما خاصُّ دلالةٍ في حدّ نفسه. وأن يكون الحرف الدال على مرتبة من جهاتها بوساطة مرتبة قبلها، هو ما يكون من جمع حرفَي المرتبتين.
فإذا تقرَّر هذا فإنه ينبغي أن يدلَّ بالألف على البارىء جلَّ وعلا، وبالباء على العقل، وبالجيم على النفس، وبالدال على الطبيعة. هذا إذا أُخِذت بما هي ذوات. ثم بالهاء على البارىء تعالى، وبالواو على العقل، وبالزاء على النفس، وبالحاء على الطبيعة. هذا إذا أُخِذت بما هي مضافةٌ إلى ما دُونَها.
ويبقى الطاء للهَيولى وعالمه، ليس له وجود بالإضافة إلى شيء تحته.
وينفَد رتبة الآحاد. ويكون (الإبداع) ـ وهو من إضافة الأول إلى العقل والعقل ذات لا يضاف ـ بَعدُ مدلولاً عليه بالياء؛ لأنه من ضرب (هـ) في (ب). ولا يصِحّ لإضافة البارىء إلى النفس، أو العقل إلى النفس عدد يُدَلُّ عليه بحرف واحد؛ لأن (هـ) في (ج) (بـ) و (و) في (ج) (ح)، ويكون (الأمر) وهو من إضافة الأول إلى العقل مضافاً مدلولاً عليه باللام ؛لأنه من ضرب (هـ) في (و).
ويكون (الخلق) ـ وهو من إضافة الأول إلى الطبيعة مضافةً ـ مدلولاً عليه بالميم لأنه من ضرب (هـ) في (ح)؛ لأن الحاء دلالة على الطبيعة مضافة.
ويكون (التكوين) ـ وهو من إضافة البارىء إلى الطبيعة وهي ذات ـ مدلولاً عليه بالكاف؛ لأنه من ضرب (هـ) في (د).
ويكون جميع نسبتي (الأمر والخلق) أعني ترتيب الخلق بواسطة الأمر ـ أعني اللام والميم ـ مدلولاً عليه بحرف (ع).
وجميع نسبتي (الخلق والتكوين) كذلك ـ أعني الميم والكاف ـ مدلولاً عليه بالسين.
ويكون جميع نسبتي طرفي الوجود ـ أعني اللام والكاف ـ مدلولاً عليه بالنون.
ويكون جميع نسب الأمر والخلق والتكوين ـ أعني: (ل ، م ، ك) ـ مدلولاً عليه بـ (ص).
ويكون اشتمال الجملة في الإبداع ـ أعني (ي) في نفسه ـ (ق). وهو أيضاً من جمع (ص) و (ي).
ويكون ردُّها إلى الأول الذي هو مبدأ الكل ومنتهاه على أنه أوّل وآخِر ـ أعني فاعل وغاية، كما بُيِّن في الإلهيَّات ـ مدلولاً عليه بالراء ضعف (ق).
 
*يرجى التكرم من ذوي الاختصاص في الفلسفة وعلم المنطق بشرح لوحة الرئيس ابن سينا مع تقديري وامتناني .
*د يحيى
6 - يناير - 2008
بين السطحية والعمق.    كن أول من يقيّم
 
                    قوله تعالى: "وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ" (لقمان31/34).
 لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وإنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة، فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً، فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً، فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في الأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه وحياته وعمله ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى قبل أن يخلَّق، أما بعد أن يخلّق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاث التي لو أزيلت لتبين أمره . ولا يبعد أن يكون في خلق الله من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى، وليس في الآية تصريحٌ بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة بذلك .
فالرأي المختار عند العلماء المعاصرين القول بعموم معنى الآية الكريمة، ولذلك لا يفسرون علم ما في الأرحام بمجرد معرفة جنس الجنين قبل ولادته .
يقول الشيخ ابن عاشور: " ويعلم ما في الأرحام "؛ أي ينفرد بعلم جميع أطواره من نطفة وعلقة ومضغة ثم من كونه ذكراً أو أنثى وإبان وضعه بالتدقيق. وجيء بالمضارع لإفادة تكرر العلم بتبدل تلك الأطوار والأحوال. والمعنى: ينفرد بعلم جميع تلك الأطوار التي لا يعلمها الناس .لهذا فإننا نجد كثيراً من المفسرين القدامى قبل المحدثين قد فسروا الآية الكريمة بأعم مما هو من علم جنس الجنين ومنهم:
ابن عطية فإنه عند تفسيره لهذه الآية قد أطلق علم البارىء سبحانه وتعالى بأمر الأجنة وعلم ما في الأرحام ولم يقيّده بالذكورة أو الأنوثة .
وقد فسر الإمام ابن كثير هذه الآية في سورة الرعد بقوله: " ويعلم ما في الأرحام "؛ أي ما حملت من ذكر أو أنثى أو حسن أو قبيح أو شقي أو سعيد أو طويل العمر أو قصيره ...
 
*د يحيى
6 - يناير - 2008
خلقنا ربنا - سبحانه -من ماء واحد ، ما عدا أبانا آدم...    كن أول من يقيّم
 
قوله تعالى ‏:‏

"وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير"(النور/45).

‏*‏ ذكر ابن كثيرما مختصره‏:‏ يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات‏،‏ على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد،" فمنهم من يمشي علي بطنه‏"‏ كالحية وماشاكلها،‏ ومنهم من يمشي علي رِجلين كالإنسان والطير،‏ ومنهم من يمشي علي أربع كالأنعام وسائر الحيوانات‏. ولهذا قال‏:"‏ يخلق الله مايشاء‏"؛ أي بقدرته‏؛ لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‏، ولهذا قال‏:‏ "إن الله علي كل شيء قدير"‏.‏
*‏ وجاء في الظلال ما مختصره‏:‏ وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة،حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء‏،قد تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعاً، وهو الماء،‏ فهي ذات أصل واحد‏.‏ ثم هي ـ كما ترى العين ـ متنوعة الأشكال‏؛ منها الزواحف تمشي على بطنها،‏ ومنها الإنسان والطير يمشي على قدمين‏،ومنها الحيوان يدب على أربع‏.‏ كل أولئك وَفق سنّة الله ومشيئته‏، لا عن فلتة ولا مصادفة‏:"‏ يخلق الله ما يشاء‏"غير مقيد بشكل ولا هيئة‏.‏ فالنواميس والسنن التي تعمل في الكون قد اقتضتها مشيئته الطليقة وارتضتها‏"‏ إن الله علي كل شيء قدير‏".‏
والماء في الآية الكريمة هو ماء التناسل‏....,‏ والآية الكريمة لم تسبق ركب العلم فقط في بيان نشوء الإنسان من النطفة‏،‏بل سبقته كذلك في بيان أن كل دابة تدب على الأرض خلقت كذلك بطريق التناسل‏،‏ ومما تحتمله الآية من معان علمية أن الماء قوام تكوين كل كائن حي‏،‏ فمثلاً يحتوي جسم الإنسان على نحو‏70%‏ من وزنه ماء‏...‏ ولم يكن تكوين الجسم واحتواؤه هذه الكميةَ الكبيرة من الماء معروفاً مطلقاً قبل نزول القرآن‏.‏ والماء أكثر ضرورة للإنسان من الغذاء‏،‏ ففي الوقت الذي يمكن للإنسان أن يعيش‏60‏ يوماً بدون غذاء‏،‏ فإنه لايمكنه أن يعيش بدون الماء إلا لفترة قصيرة تتراوح بين‏3‏ و‏10‏ أيام على أقصى تقدير‏.‏ والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوي والسائل النخاعي‏، وإفرازات الجسم كالبول والعرق والدموع واللعاب والصفراء واللبن والمخاط والسوائل الموجودة في المفاصل‏، وهو سبب رخاوة الجسم وليونته‏. ولو فقد الجسم‏20%‏ من مائه، فإن الإنسان يكون معرّضاً للموت‏.‏ والماء يذيب المواد الغذائية بعد هضمها فيمكن امتصاصها،‏ وهو كذلك يذيب الفضلات من عضوية ومعدنية في البول والعرق‏.‏ وهكذا يكون الماء الجزء الأكبر والأهم من الجسم‏، وذلك يمكن القول: إنّ كل كائن حي مخلوق من الماء‏.

من الدلالات العلمية للآية الكريمة

أولاً‏:‏ في قوله تعالى ‏:‏
"والله خلق كل دابة من ماء‏":‏

‏(‏الدابة‏)‏ في اللغة هي كل ما يدب على الأرض؛ أي يمشي عليها بخفة،‏ وجمعها: دواب‏،‏ وإن كان من اللغويين من يعدّ لفظة‏(‏ دابة‏)‏ جمعاً لكل شيء يدب على الأرض قياساً على خائنة جمع خائن‏.‏ ولذلك يقال‏: دب، يدب‏،‏ دباً‏ و‏ دبيباً‏‏ لكل مَن مشى بخفة على الأرض‏.‏
وقد قيل إن الفعل يستعمل للتعبير عن حركة الحيوان أكثر من استعماله للإنسان‏،‏ وللحيوان الذي يحيا على اليابسة بالذات دون الحيوان الذي يحيا في الماء‏، ولكن الأولى إطلاقه على عموم مَن مشى على الأرض وذلك لقول الله‏،‏عز وجل:

"وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ "(‏ النحل‏:61).‏

ومن الدلالات العلمية لقول الحق‏-‏ سبحانه و تعالى ‏-: "‏والله خلق كل دابة من ماء‏" ‏ (النور‏:45)‏:

(1)‏ أن خلق الماء سابق لخلق جميع الأحياء،‏ وهو ما أثبتته الدراسات الأرضية‏.‏
(2)‏ أن الله ‏سبحانه و‏ تعالى خلق كل صور الحياة الباكرة في الماء‏. والدراسات لبقايا الحياة في صخور قشرة الأرض تشير إلى أن الحياة ظلت مقصورة على الماء لمدة تصل إلى نحو‏3400‏ مليون سنة‏(‏ من‏3800‏ مليون سنة مضت إلى نحو‏400‏ مليون سنة مضت حين خلقت أول نباتات أرضية على اليابسة‏)، وأن خلق النبات كان سابقاً لخلق الحيوان في الوسطين المائي واليابس‏؛ لأن الحياة الحيوانية على اليابسة لم تعرف قبل‏365‏ مليون سنة مضت‏(‏ في نهاية العصر الديفوني‏).‏
(3)‏ أن كل صور الحياة‏(‏ الإنسية‏،‏ والحيوانية‏،والنباتية‏)‏ لايمكنها أن تقوم في غيبة الماء؛ لأنه أعظم مذيب علي الأرض‏، وبذلك يشكل الوسيط الناقل لعناصر ومركبات الأرض إلى مختلف أجزاء النبات‏،‏ ومنها إلي أجساد كل من الإنسان والحيوان‏، وذلك بما للماء من صفات طبيعية وكيميائية خاصة؛ من مثل اللزوجة العالية‏،والتوتر السطحي الشديد‏، والخاصية الشعرية الفائقة‏.‏
(4)‏ أن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الأحياء‏،‏ فيكون ما بين‏71%‏ من جسم الإنسان البالغ‏،‏ و‏93%‏ من جسم الجنين ذي الأشهر المعدودة‏، ويكون أكثر من‏80%‏ من تركيب دم الإنسان‏، وأكثر من‏90%‏ من تركيب أجساد العديد من النباتات والحيوانات‏.‏
(5)‏ أن جميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها المتعددة لاتتِم في غيبة الماء،‏ من التغذية إلى الهضم‏ والتمثيل الغذائي‏ والإخراج والتخلص من سموم الجسم وفضلات الغذاء‏، ومن التنفس إلي التعرق والنتح‏،‏ إلى التمثيل الضوئي في النباتات الخضراء‏، ومن النمو إلى التكاثر،‏ وإلى غير ذلك من الأنشطة الحياتية ومن أهمها حفظ درجتي حرارة الجسم ورطوبته‏.‏
(6)‏ أن وحدة مادة خلق الأحياء ـ وهي هنا الماء ـ تؤكد وحدانية الخالق‏ سبحانه و تعالى ، الذي أشرك به كثيرٌ من الجهّال الضالين في القديم والحديث‏.‏
(7)‏ أن في البناء المعقد لأجساد الكائنات الحية من الماء شهادةً لله‏سبحانه و‏ تعالى بطلاقة القدرة المبدعة في الخلق‏، وشهادة بقدرته‏ سبحانه و تعالى ‏‏ على إفناء خلقه وعلى إعادة بعثه‏.‏

ثانياً‏:‏ في قوله تعالى ‏:"...‏ فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع‏..":
يوضح هذا النص الكريم أن طرائق تحرك الدواب هي وسيلة من وسائل تصنيفها الجيدة، وحركة الدابة هي انتقالها من مكان إلى آخر؛ سعياً وراء طلب الطعام والشراب‏، أو للهرب من الأعداء‏، أو للارتحال عند التغيرات البيئية إلى مكان أنسب‏.‏
والطريقة الأولى التي حددتها الآية الكريمة في حركة الدواب هي المشي على البطن كما هو شائع في الديدان وهي من اللافقاريات عادمة الأطراف التي تتبع قبائل عدة‏، وفي العديد من طائفة الزواحف‏(
ClassReptilia)، وهذه الطائفة الزاحفة زودها الله‏‏ سبحانه و تعالى ‏‏ بجلد سميك‏ خال من الغدد‏‏ ومغطى عادة بالعديد من القشور والحراشيف القرنية الجافة والصلبة‏‏ التي تحمي جسمها من المؤثرات الخارجية‏ وتحفظه من الجفاف‏.‏ وتنتشر هذه الحراشيف على جميع أجزاء جسم الزاحف بما في ذلك الأطراف والذنب‏.‏
وتختلف هذه الحراشيف والقشور في أشكالها وأحجامها من نوع إلى آخر فقد تكون صغيرة الحجم ومحببة كالدرنات‏،‏ أو كبيرة الحجم بيضية الشكل‏،‏ أو مربعة،‏ أو مستطيلة‏، أو مثلثة كما هو الحال في السحالي،‏ أو على هيئة صندوق يحيط بجميع الجسم كما هو الحال في السلاحف‏.‏ والزواحف عامة من ذوات الدم البارد‏؛ أي المتغير في درجة حرارته‏،‏ وغالبيتها تبيض بيضاً ذا قشور صلبة‏،يلقح في بطن الأنثى، وينمو الجنين في داخل البيضة على اليابسة أو في داخل جسم الأنثى حتى تفقس البيضة ويخرج منها‏.‏
والجنين في داخل البيضة يعيش وسط سائل خاص موجود داخل غشاءين‏،‏ ويتصل الجنين في منطقته البطنية بكيس ، به الغذاء اللازم له في أثناء مراحل نموه الجنيني حتى تكتمل‏.‏ كما أنه مرتبط بكيس آخر لتخزين المواد الإخراجية‏.‏ وعلى الرغم من سمك قشرة البيضة، إلا أنه يسمح بمرور الغازات اللازمة لتنفس الجنين وهو بداخلها‏،‏ ولكنه لا يسمح بدخول الماء‏.....
 
جزى الله خير الجزاء كاتبها وقارئها وموصلها. آمين.
*د يحيى
7 - يناير - 2008
الكيد والمكر والخداع .    كن أول من يقيّم
 
                                              الكيد والمكر والخداع
قوله تعالى :
1-  " إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً " .
 
2-  " ويمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين ".
 
3-  " يخادعون الله وهو خادعهم " .
 
إنّ هذه الآيات من باب المقابلة الذي هو في غاية العلم والحكمة والقدرة . ولا ينسب الكيد والمكر والخداع إلى لله سبحانه وتعالى ، ولا يجوز أن يُشتقّ له اسم .أمّا ( الكيد ) فأصله المعالجة للشيء بقوة . قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : " والعرب قد تطلق الكيد على المكر ، والعرب قد يسمون المكر كيداً ، قال تعالى : " أم يريدون كيداً " . وعليه فالكيد هنا لم يبين ، فإذا كان بمعنى المكر ، فإن الله تعالى يقول : " ومكروا ومَكَرَ اللهُ والله خير الماكرين " : بأنّ مكرَهم مُحاولتُهم قَتْلَ  (عيسى) ، عليه السلام ، ومَكْر الله إلقاء الشّبَه ؛ أي شبه عيسى على غير عيسى . قال تعالى : " قد مَكَرَ الذين مِن قبلهم فأتى اللهُ بُنيانَهم من القواعد فَخَرَّ عليهم السّقفُ مِن فوقِهم وأتاهم العذابُ مِن حيثُ لا يشعرون " .
وهذا في قصة ( النمرود ) ، فكان مكرُهم بنيانَ الصرح ؛ لِيصعد إلى السماء ، وكان مكرُ الله بهم أن تركهم حتى تصاعدوا بالبناء ، فأتى اللهُ بنيانَهم من القواعد فهدَّمَه عليهم . وهكذا الكيد هنا ، إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين لِيُطفِئوا نُورَ اللهِ بأفواههم واللهُ سبحانه يكيد لهم بالاستدراج حتى يأتيَ موعد إهلاكهم ، وقد وقع تحقيقه في ( بدر ) ، إذ خرجوا مُحادّاة ً لله ولرسوله ، وفي خُيلائهم ومُفاخرتهم وكيدِ الله لهم أنْ قلَّلَ المؤمنين في أعينهم حتى طمِعوا في القتال وأمطَرَ أرضَ المعركة وهم في أرض سَبْخةٍ، والمسلمون في أرض رمليّة ، فكان زَلَقاً عليهم وثباتاً للمؤمنين ، ثم أنزل ملائكتَه لقتالهم ، والله تعالى أعلم .
*د يحيى
7 - يناير - 2008
إعراب شبه الجمل في سورة البقرة.( تكملة).    كن أول من يقيّم
 
"من البينات": متعلقان بحال من "ما"، أو من العائد المحذوف : الهاء من " أنزلْنا"
 
"عليهم": متعلقان بصفة محذوفة لـِ "حسرات".
 
 
"لكم": متعلقان بحال محذوفة من "عدو".( نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالاً ).
 
"من الكتاب": متعلقان بحال محذوفة من "ما".
177 "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ".
"إذا ": ظرف مجرد من معنى الشرط متعلق بـ "الموفون".
"حين": ظرف متعلق بِ"الصابرين".
"إذا": ظرف مجرد من الشرط متعلق بـِ "كتب".
"أياماً": ظرف زمان متعلق بفعل مقدر ؛ أي: صوموا. ولا ينتصب بالصيام السابق؛ لوجود فاصل أجنبي بين المصدر ومعموله، وهو قوله "كما كتب. "على سفر": متعلقان بمعطوف على "مريضاً" مقدر؛ أي: أو كائناً عازماً على إتمامِِ سفرٍ.
 
"ولتكملوا": المصدر المؤول مجرور باللام، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: شرع. ( في البيان رأي وجيه 1/145).
"إذا" من قوله "إذا دعانِ": ظرف مجرد من الشرط متعلق بـِ "أُجيب".
 
 
"بالإثم": متعلقان بحال محذوفة من الضمير: ( الفاعل) في "تأكلوا"؛ أي: ملتبسين بالإثم.
 
*د يحيى
9 - يناير - 2008
"فاستغلظ" 1    كن أول من يقيّم
 
قال تعالى :
تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ)
" محمد رسول الله والذين معه " من المؤمنين " أشداء " غلاظٌ "على الكفار رحماء بينهم " متوادُّون متعاطفون " تراهم ركعاً سجداً " في صلواتهم " يبتغون فضلاً من الله "؛ أي يدخلهم الجنَّة " ورضواناً " أن يرضى عنهم " سيماهم " علامتهم " في وجوههم من أثر السجود " يعني: نوراً وبياضاً في وجوههم يوم القيامة، يُعرفون بذلك النُّور أنَّهم سجدوا في دار الدُّنيا لله تعالى. " ذلك مثلهم " صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه " في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه " فراخه ونباته " فآزره " قوَّاه وأعانه؛ أيْ: قوَّى الشَّطأ الزَّرع، كما قوَّى أمر محمَّد وأصحابه، والمعنى: أنَّهم يكونون قليلاً ثمَّ يكثرون، وهذا مثل ضربه الله تعالى لنبيِّه عليه السَّلام إذ خرج وحده، فأيَّده بأصحابه كما قوَّى الطَّاقة من الزرع بما ينبت حوله " فاستغلظ " فَغَلُظَ وقوِيَ. " فاستوى " ثمَّ تلاحق نباته وقام على " سوقه "جمع ساق " يعجب الزراع " بحسن نباته واستوائه " ليغيظ بهم الكفار " فعل الله تعالى ذلك بمحمد وأصحابه ليغيظ بهم أهل الكفر. " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم "؛ أَيْ: من أصحاب عليه السَّلام" مغفرة وأجراً عظيماً"
تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ)
قوله تعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ".
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى:

فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ "(المائدة/ 54).
قوله تعالى: " مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاع ". وهذه الآية الكريمة قد بين الله فيها أنه ضرب المثل في الإنجيل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم كالزرع يظهر في أول نباته رقيقاً ضعيفاً متفرقاً، ثم ينبت بعضه حول بعض، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد وتعجب جودته أصحاب الزراعة، العارفين بها، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في أول الإسلام في قلة وضعف ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة حتى بلغوا ما بلغوا. وقوله تعالى: " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه "؛ أي فراخه فنبت في جوانبه. وقوله " فَآزَرَه " على قراءة الجمهور من المؤازرة، بمعنى المعاونة والتقوية، وقال بعض العلماء: "فَآزَرَه"؛ أي ساواه في الطول، وبكل واحد من المعنيين فسر قول امرئ القيس:
بمحنية قد آزر الصال نبتها  **  مجر جيوش غانمين وخيب
وأما على قراءة ابن ذكوان { فَآزَرَه } بلا ألف، فالمعنى شد أزره أي قواه. ومنه قوله تعالى عن موسى:وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي "(طه/ 29-31). وقوله: "فَٱسْتَغْلَظَ "؛ أي صار ذلك الزرع غليظاً بعد أن كان رقيقاً، وقوله: " فَٱسْتَوَى "؛ أي استتم وتكامل على سوقه؛ أي على قصبه.
وما تضمنته الآية الكريمة من المثل المذكور في الإنجيل المضروب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم يكونون في مبدأ أمرهم في قلة وضعف، ثم بعد ذلك يكثرون ويقوون. جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى كقوله:

وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ "(الأنفال/ 26). وقوله تعالىوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (آل عمران/ 123)، وقوله تعالىٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ "(المائدة/ 3). إلى غير ذلك من الآيات.
 
تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ)
قوله عز وجل: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ " يعني: متوادّين. " تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا " يعني :يقيمون الصلوات الخمس " يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا "؛ أي: بالصلاة والصوم والدين كله " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ " قال بعضهم: يعرف الخشوع في وجوههم من أثر الصلاة. وقال بعضهم: " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ": في الآخرة يقومون غُرّاً محجّلين من أثر الوضوء.
ذكروا عن أبي هريرة قال: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك؟ قال: " يقومون غُرّاً محجّلين من أثر الوضوء ". قال: " ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ "؛ أي: نعتهم في التوراة ." وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ "؛ أي: ونعتهم في الإنجيل؛ النعت الأول في التوراة، والنعت الآخَر في الإنجيل: " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ "؛ أي: فراخه " فَآزَرَهُ "؛ أي فشدَّهُ " فَاسْتَغْلَظَ "؛ أي: فاشتد، " فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ " أي: على قصبه، وقال بعضهم: على أصوله " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " أي: كثرته وكمامه ونباته. " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ "؛ أي يخرجون فيكونون قليلاً كالزرع حين يخرج ضعيفاً فيكثرون ويقوون، فشبههم بالزرع؛ قال: يعجب الزراع بهم؛ يعجبون رسول الله كما يعجب ذلك الزرع الزراع ليغيظ بهم الكفار؛ أي ليغيظ بهم ربهم مَن كفر به؛ إنما يفعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار. " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً "؛ أي مغفرة الذنوب " وَأَجْرًا عَظِيمًا " يعني: الجنة.
 
تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ)
..ووجه ضَرْبِ هذا المثل بالزرع الذي أخرج شطأه هو أن النبي، صلى الله عليه وآله، حين ناداهم إلى دينه كان ضعيفاً فأجابه الواحد بعد الواحد حتى كثر جمعه وقوي أمره كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ ساقه وفراخه، وكان هذا من أصح مثل وأوضح بيان، وقال البلخي: هو كقوله" كمثل غيث أعجب الكفار نباته " يريد بالكفار - هٰهنا - الزراع واحدهم كافر؛ لأنه يغطي البذر، وكل شيء غطيته فقد كفرته. ومنه قولهم: تكفر بالسلاح. وقيل: ليل كافر؛ لأنه يستر بظل.
 
  تفسير تفسير القرآن/ علي بن إبراهيم القُمي (ت القرن 4 هـ)
قال: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " يعني: يقتلون الكفار وهم أشداء عليهم وفيما بينهم رحماء.
 
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
وقوله: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِين مَعَهُ أشِدَّاءُ على الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ " يقول تعالى ذكره: محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه، أشدّاء على الكفار، غليظةٌ عليهم قلوبُهم، قليلةٌ بهم رحمتُهم " رُحَماءُ بَيْنَهُمْ " يقول: رقيقة قلوب بعضهم لبعض، لينة أنفسهم لهم، هينة عليهم لهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ألقى الله في قلوبهم الرحمة، بعضهم لبعض " تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً " يقول: تراهم ركعاً أحياناً لله في صلاتهم سجداً أحياناً " يبتغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ " يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدّتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً، فضلاً من الله، وذلك رحمته إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيُدخلهم جنته " وَرِضْوَاناً " يقول: وأن يرضى عنهم ربهم. وقوله: " سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ أثَرِ السُّجُودِ " يقول: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم. ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدينا. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس  "سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ " قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: مثلهم في التوراة، غير مَثَلهم في الإنجيل، وإن الخبر عن مَثلهم في التوراة متناهٍ عند قوله: " ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ " وذلك أن القول لو كان كما قال مجاهد من أن مثلهم في التوراة والإنجيل واحد، لكان التنزيل: ومثلهم في الإنجيل، وكزرع أخرج شطأه، فكان تمثيلهم بالزرع معطوفاً على قوله: " سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ " حتى يكون ذلك خبراً عن أن ذلك مَثلهم في التوراة والإنجيل، وفي مجيء الكلام بغير واو في قوله: { كَزَرْعٍ } دليل بَيِّن على صحة ما قُلنا، وأن قولهم " وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ " خبر مبتدأ عن صفتهم التي هي في الإنجيل دون ما في التوراة منها.
 
*د يحيى
10 - يناير - 2008
"فاستغلظ" 2    كن أول من يقيّم
 
تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ)
"هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ " محمد عليه الصلاة والسلام " بِٱلْهُدَىٰ " بالتوحيد ويقال بالقرآن  وَدِينِ ٱلْحَقِّ  شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله " لِيُظْهِرَهُ " ليعليه " عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ " على الأديان كلها فلا تقوم الساعة حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم "وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً " بأن لا إله إلا الله " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ " من غير شهادة سهيل بن عمرو " وَٱلَّذِينَ مَعَهُ " يعني أبا بكر أول من آمن به وقام معه يدعو الكفار إلى دين الله " أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ " بالغلظة وهو عمر كان شديداً على أعداء الله قوياً في دين الله ناصراً لرسول الله " رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ " متوادّون فيما بينهم بارّون، وهو عثمان بن عفان كان بارّاً على المسلمين بالنفقة عليهم رحيماً بهم " تَرَاهُمْ رُكَّعاً " في الصلاة " سُجَّداً "فيها وهو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان كثير الركوع والسجود  "يَبْتَغُونَ " يطلبون " فَضْلاً " ثواباً " مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً " مرضاة ربهم بالجهاد وهم طلحة والزبير كانا غليظين على أعداء الله شديدين عليهم " سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ " علامة السهر في وجوههم " مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ " من كثرة السجود بالليل وهم سلمان وبلال وصهيب وأصحابهم " ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ"  هكذا صفتهم " فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ " صفتهم " فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ " وهو النبي صلى الله عليه وسلم " أَخْرَجَ " أي الله " شَطْأَهُ " فراخه وهو أبو بكر أول من آمن به وخرج معه على أعداء الله " فَآزَرَهُ " فأعانه وهو عمر أعان النبي صلى الله عليه وسلم بسيفه على أعداء الله  "فَٱسْتَغْلَظَ " فتقوى بمال عثمان على الغزو والجهاد في سبيل الله " فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ " فقام على إظهار أمره في قريش بعلي بن أبي طالب " يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ " أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بطلحة والزبير " لِيَغِيظَ بِهِمُ " بطلحة والزبير " ٱلْكُفَّارَ " ويقال نزلت من قوله: " وَٱلَّذِينَ مَعَه"ُ} إلى ها هنا في مدحة أهل بيعة الرضوان وجملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المخلصين المطيعين لله " وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ " بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن " وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ "الطاعات فيما بينهم وبين ربهم " مِنْهُم مَّغْفِرَةً "؛ أي لهم مغفرة لذنوبهم في الدنيا والآخرة " وَأَجْراً عَظِيماً " ثواباً وافراً في الجنة.
 
تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
قوله عز وجل: { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ } فيه ستة تأويلات:
أحدها: أنه ثرى الأرض وندى الطهور، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: أنها صلاتهم تبدوا في وجوههم، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه السمت، قاله الحسن.
الرابع: الخشوع، قاله مجاهد.
الخامس: هو أن يسهر الليل فيصبح مصفراً، قاله الضحاك.
السادس: هو نور يظهر على وجوههم يوم القيامة، قاله عطية العوفي.
" ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطَأَهُ " فيه قولان:
أحدهما: أن مثلهم في التوراة بأن سيماهم في وجوههم. ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه.
الثاني: أن كلا الأمرين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل.
وقوله: " كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ " فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الشطأ شوك السنبل، والعرب أيضاً تسميه السفا والبهمي، قاله قطرب.
الثاني: أنه السنبل، فيخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، قاله الكلبي والفراء.
الثالث: أنه فراخه التي تخرج من جوانبه، ومنه شاطىء النهر جانبه، قاله الأخفش.
" فَآزَرَهُ " فيه قولان: حدهما: فساواه فصار مثل الأم، قاله السدي.الثاني: فعاونه فشد فراخ الزرع أصول النبت وقواها." فَاسْتَغْلَظَ " يعني اجتماع الفراخ مع الأصول." فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ " أي على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقاً له." يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة رزعهم هو الذي غاظ الكفار منهم. ووجه ضرب المثل بهذا الزرع الذي أخرج شطأه، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه كان ضعيفاً، فأجابه الواحد بعد الواحد حتى كثر جمعه وقوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفاً فيقوى حالا بعد حال يغلظ ساقه وأفراخه فكان هذا من أصح مثل وأوضح بيان، والله أعلم.
تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
قال عكرمة وسعيد بن جبير: هو أثر التراب على الجباه. قال أبو العالية: إنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب. وقال عطاء الخراساني: دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس." ذَلِكَ " ، الذي ذكرت، " مَثَلُهُمْ " ، صفتهم " فِي ٱلتَّوْرَاةِ " ، هاهنا تم الكلام، ثم ذكر نعتهم في الإِنجيل، فقال: " وَمَثَلُهُمْ " ، صفتهم، " فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ". قرأ ابن كثير، وابن عامر: " شَطَأه " بفتح الطاء، وقرأ الآخرون بسكونها، وهما لغتان كالنَّهَرِ والنَّهْر، وأراد أفراخه، يقال: أشطأ الزرع فهو مشطئ، إذا أفرخ، قال مقاتل: هو نبت واحد، فإذا خرج بعده فهو شطؤه. وقال السدي: هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى.
قوله: " فَآزَرَهُ " ، قرأ ابن عامر: " فأزره " بالقصر والباقون بالمد، أي: قواه وأعانه وشدّ أزره، " فَٱسْتَغْلَظَ " ، غلظ ذلك الزرع، " فَٱسْتَوَىٰ " ، أي تمّ وتلاحق نباته وقام، " عَلَىٰ سُوقِهِ " ، أصوله " يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ " ، أعجب ذلك زراعه
.
هذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنهم يكونون قليلاً، ثم يزدادون ويكثرون. قال قتادة: مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر. وقيل: " الزرع " محمد صلى الله عليه وسلم " والشطء ": أصحابه والمؤمنون. وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ": أبو بكر الصديق رضي الله عنه،  "أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ " عمر بن الخطاب رضي الله عنه، " رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ " عثمان بن عفان رضي الله عنه، " تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً " علي بن أبي طالب رضي الله عنه، " يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللهِ " بقية العشرة المبشَّرين بالجنة. وقيل: " كمثل زرع " محمد " أَخْرَجَ شطأه " ، أبو بكر " فآزره " عمر " فاستغلَظ " عثمان، للإسلام " فاستوى على سوقه " علي بن أبي طالب ،استقام الإِسلام بسيفه، " يعجب الزراع " قال: هم المؤمنون." لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارِ " ، قول عمر لأهل مكة بعدما أسلم: لا تعبدوا اللهَ سراً بعد اليوم: حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي إملاءً، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الفضل السمرقندي، حدثنا شيخي أبو عبد الله محمد ابن الفضل البلخي، حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
" أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".
*د يحيى
10 - يناير - 2008
الحروف المقطَّعة في أوائل السّورة...    كن أول من يقيّم
 
                                  الحروف المقطّعة في بعض سُوَر القرآن الكريم
في القرآن الكريم تسع وعشرون سورة بدئت بحروف هجائية، تقرأ مقطعة بأسمائها هكذا: ألف. لام. ميم. وكان منها ما بدئ بحرف واحد: "ص "، "ق "، "ن "ومنها ما بدىء بحرفين: "طه "، "يس "ومنها ما بديء بثلاثة أحرف: "الم"  منها ما بدئ بأكثر: "كهيعص "، "حم عسق".
و ( حم * عـسق ) ، هي التي بدئت بها سورة الشورى، وسورة الشورى إحدى سور سبع بدئت بحرفي (حم) وتعرف باسم (الحواميم). وكل السور التي بدئت بالحروف من القسم المكي، الذي عني بتقرير التوحيد والوحي والرسالة والبعث، عدا سورتي البقرة وآل عمران اللتين تضمنتا مناقشة أهل الكتاب في إنكارهم الوحي للنبي -صلى الله عليه وسلم- .
وليس لهذه الحروف في اللغة العربية معان، تدل عليها سوى مسمياتها التي ينطق بها في الكلمات المركبة منها، ولم يرد من طريق صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان للمراد منها؛ ولذلك اختلف الناس فيها اختلافًا كثيرًا، وكان لهم آراء وتخمينات.
وهذه الآراء على كثرتها ترجع إلى رأيين اثنين: .
أحدهما: أنها جميعًا مما استأثر الله به، ولا يعلم معناه أحد سواه، وهذا رأي كثير من الصحابه والتابعين.
ثانيهما: أن لها معنى، وذهبوا في معناها مذاهب شتى، ملئت بها كتب التفسير، وكان منها: أنها أسماء الله أو صفاته، كل يجعل للحرف اسمًا من الأسماء التي تبدأ به، فألف لاسم (الله) مثلا، واللام لاسم (لطيف)، والميم لاسم (ملك)، وهكذا مما يمكن أن يصنعه كل إنسان.
ومنهم من زعم أن منها رموزاً لبعض أحداث تظهر في مستقبل الأيام، إما عن طريق حساب الجمَّل المعروف، وإما عن طريق الروايات التي لا مستند لها، أو عن طريق الوهم والتخمين.
ومنهم من يرى أنها زيادة إمعان في التحدي بالقرآن، على معنى أنه كما ترون مؤلف من الحروف التي يتركب منها كلامكم، فليست مادة غريبة عليكم، ولا مجهولة لكم، وإذن فعجزكم مع هذا عن الإتيان بمثله دليل على أنه ليس من صنع البشر، وإنما هو وحي من الله خالق القوى والقدر. .
والذي يصح أن نطمئن إليه هو الرأي الأول، وهو أنها مما استأثر الله بعلمه، نعم، للبدء بها حكمة يمكن استنتاجها من غرابتها، ومن مجيئها بدءًا للسور أنها تنوه بشأن القرآن؛ ذلك أن القوم كانوا يتواصون فيما بينهم بالإعراض عن القرآن "... لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ... "، ففوجئوا بالبدء الغريب قرعاً لأسماعهم، ودفعًا لهم إلى استماعه، وهي بذلك تشبه أدوات التنبيه المعروفة في اللغة العربية.
أما ما نقله الطبري في مأثورة من أن (حم عسق) رمز إلى هلاك مدينتين تبنيان على نهر من أنهار المشرق، ينشق النهر بينهما إلى آخر ما ذكر، فهو من الروايات التي لا يصح التعويل عليها، ولا التحدث بها في مقام التفسير، فهي روايات مضطربة ليس لها من سند صحيح، وليس لما ترمز له من مناسبة معقولة.
والجدير بالمسلم أن يؤمن بأنها كسائر القرآن مما أنزل الله على رسوله، وأن يؤمن بأن له في كتابه أسرارًا يختص بعلمها، كما أن له في كونه أسرارًا لا يعلمها سواه "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ".
 
*د يحيى
11 - يناير - 2008
المحكم والمتشابه    كن أول من يقيّم
 
  سؤال:المحكم ، والمتشابه
ما المقصود بالمحكم والمتشابه في آيات القرآن الكريم، وكيف ندفع الإشكال، الذي يورده البعض من أنه إذا كان القرآن الكريم تبيانًا لكل شيء وهدى للعالمين، فما هو وجه التوفيق بين ذلك وبين قوله -تعالى-: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ " ما المقصود ب "الراسخون في العلم"؟، وما الفرق بين تأويل القرآن وتفسيره ؟ .
  الجواب :
أولا: يطلق الإحكام بمعنى الإتقان، فإحكام الكلام إتقانه ووضوح معناه، فيتميز به الصدق من الكذب في الأخبار، والرشد من الغي في الأوامر، والقرآن كله محكم بهذا المعنى، واضح لا التباس فيه على أحد، قال الله -تعالى-: "كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ "، وقال -سبحانه-: "تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ".
ثانيًا: التشابه في الكلام، يطلق على تماثله وتناسبه، بمعنى أنه يصدق بعضه بعضًا في أوامره، فلا يأمر بشيء في موضع، وينهى عنه في موضع آخر، ويصدق بعضه بعضًا في أخباره، فإذا أخبر بثبوت شيء في موضع، لم يخبر بنفيه في موضع آخر، والقرآن كله متشابه بهذا المعنى، فلا تناقض فيه ولا اضطراب، قال الله -تعالى-: "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا " وقال -تعالى-: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ". التشابه بهذا المعنى، لا ينافي الإحكام بالمعنى العام، بل يصدق كل منهما الآخر، ولا يتناقضان.
ثالثًا: التشابه بالمعنى الخاص، هو مشابهة الشيء غيره من وجه ومخالفته له من وجه، وفي القرآن آيات متشابهات -بهذا المعنى- تحتمل فى دلالتها على ما يوافق الآيات المحكمة، وتحتمل الدلالة على ما يخالفها، فيلتبس المقصود منها على كثير من الناس.
ومن رد المتشابهات بهذا المعنى الخاص إلى الآيات المحكمات الواضحات بنفسها، تبين له المقصود من المتشابهات، وتعين له وجه الصواب.
ومن وقف من العلماء عند الآيات المتشابهات، ولم يرجع بها إلى المحكمات الواضحات، ارتكس في الباطل، وضل عن سواء السبيل، كالنصارى في احتجاجهم على أن عيسى ابن الله.
يقول الله -تعالى- فيه: إنه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركهم الرجوع إلى قوله -تعالى- في عيسى -عليه السلام- : "إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ "، وقوله -سبحانه-: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ". .
وقد دل على هذا النوع من التشابه الخاص والإحكام الخاص، وبين اختلاف الناس في موقفهم منه قولُه -تعالى-: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ".
وبهذا يعلم أن القرآن تبيان لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، ويتبين التوفيق بين النصوص، وأن الراسخين في العلم هم الذين يتبعون الحق، فيرجعون بالمتشابه من الآيات إلى الآيات المحكمات تحكيمًا لها، فيزول الالتباس فيما تشابه من الآيات بالمعنى الخاص، ويتعين المقصود منها.
بخلاف من في قلوبهم شك وزيغ، فهم الذين يركبون رؤوسهم، ويتبعون أهواءهم، فيقصدون إلى المتشابه من النصوص، دون رجوع به إلى المحكم ابتغاء الفتنة، ورغبة في التلبيس على الناس وإضلالهم عن سواء السبيل.
أما الفرق بين تأويل القرآن وتفسيره، فتأويله قد يراد به تفسيره بكلام يشرحه، ويوضح المقصود منه، ولو برده إلى المحكم منه، وعلى هذا يصح الوقف على كلمة ( الْعِلْمِ ) في قوله -تعالى-: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) . فإن الراسخين في العلم يعلمون معنى المتشابه من آيات القرآن، والمقصود منها برده إلى المحكم من الآيات، ويفسرونها ويبينون معناها، فتكون الواو في قوله -تعالى-: ( وَالرَّاسِخُونَ ) عاطفة على لفظ الجلالة.
وكما ذكر الله- تعالى- في قصة يوسف - لما سجد له أبواه وأخوته - عن يوسف -عليه السلام- أنه قال: "يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ "وقال عين ما وجد في الخارج تأويل رؤياه ومآلها وحقيقتها التي وقعت.
ومن ذلك كيفيات الصفات التي أثبتها الله -تعالى- لنفسه كالاستواء في قوله -تعالى-: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"  كمجيئه يوم القيامة والملائكة صفًا صفًا، قال الله تعالى: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ".
فكل من معنى الاستواء والمجيء معلوم للراسخين في العلم، أما كيفية ذلك، فلا يعلمها إلا الله وحده.
وعلى هذا يكون الوقف على لفظ الجلالة في قوله -سبحانه-: ( وما يعلم تأويله إلا الله ) وكل من القولين في الوقف صحيح؛ لأن كل منهما مبني على اعتبار معنى في بيان التأويل صحيح.
ومما يمثل به للتأويل بمعنى بيان المآل والحقيقة، ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا، وبحمدك اللهم اغفر لي "يتأول القرآن ، تعني قوله: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ". فالتأويل فى كلامها بمعنى المآل، والحقيقة التي آل إليها الكلام.
 
*د يحيى
11 - يناير - 2008
 3  4  5  6  7