البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : نحو منهج أمثل في قراءة النص الشعري    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
16 - ديسمبر - 2007
نحو منهج أمثل  في قراءة النص الشعري
توطئة:
مواجهة النص الشعرى عملية نقـــــدية شاقة وشيقة، خصوصًا إذا كان نصًّا بديعًــا مستفزًّا ، مثيـــرًا لكثير مــــن الإشكاليـــات المتنــــوعة عقديًّا وتاريخيًّا وأدبيًّا!
وقد اهتم النقَدة القدامى والجُدادى، والشرقيون والغربيون، بتلك المعضلة، فكثرت المناهج التي تتناول النص الشعري بالقراءة والتحليل والتقييم، كثرة توقع الناقد المعاصر في حيرة ما بعدها حيرة، وتجعله يميل إلى أن لكل ناقد أدواته في تلقِّي النص، وأن لكل نص خصائصه التي تفرض على القارئ منهجًا معينًا، وإجراءات مميزة، وهناك من النقاد مَن يخرج على أدواته، وهناك مَن النصوص ما يستعصي على كل المناهج، ويصبح بكرًا عصيًّا، يقف الناقد تجاهه مدهوشًا منبهرًا، ولذا يقع في النظرة الجزئية، والأحكام المعممة غير النهائية التي تحتمل أخذًا وردًّا!!!
ومن ثَمَّ فإن الناقد الروسي ميخائيلوفيتش لوتمان محق حين قرر أن النقد الأدبي، هو «علم الأسئلة»، قبل أن يكون «علم الإجابات»، وأن النص الشعري، كل متكامل متفرد عن غيره، ومستقل بذاته، وبنيته الداخلية، كل يتمتع بوحدة فنية وفكرية. ويتحدد حل المشكلة العلمية للنص بمنهج البحث، وشخصية الباحث: خبرته وموهبته وحدسه النفسي. كما يسمح تحليل النص بعدد من المداخل. لذلك، فإن محور اهتمام الناقد، كما يضيف لوتمان، هو القيمة الفنية الخاصة التي تجعل ذلك النص مؤهلاًّ لتحقيق وظيفة جمالية معينة. والنصوص متنوعة الوظائف في واقع الحياة الثقافية؛ لهذا يرى لوتمان أن النص، لكي يحقق غايته الجمالية، يجب أن يحمل في الوقت نفسه، عبء وظيفة أخلاقية أو سياسية أو فلسفية أو اجتماعية، وبالعكس، فهو لكي يحقق دورًا سياسيًّا معينًا، ينبغي أن يؤدي وظيفة جمالية، وذلك موطن الإشكال والإعضال في أي نص بديع مستفز للناقد.
  ولعل المنهج الأمثل – تعليميًّا في نظري– لتلك المواجهة مع النص الشعري يتمثل في المراحل الثلاثة الآتية:
ما قبل النـص:
              يدرس فيه النــاقد شخصية المبــدع بمــــؤثراتها ومعالمها المختلفة، ليستعين بذلك فى فك بعض رموز النص وإشاراته، كما يدرس الجو الذي أبدع فيه النص، ليحـــاول الوصول إلى البـــاعث على إبداعه. كما يـدرس العنـــوان، إن كــان للنص عنوان، لينفذ من خلاله إلى عالم النص شكليًّا ومضمونيًّا .
مع النـص:
يقرأ الناقد النص قراءة توثيقية، ومعجمية، وعروضيــــة، حتى يستعين بتلك القراءات فى المعايشة العميقة للنص.
ثم يقوم الناقد بتحليل النص من خلال عنصريه الرئيسين:الشكل والمضمون .
أما الشكل فيتناول فيه لغـــة النــص وأسلوبــــه وقالبه العروضي، والصور الفنية البارزة فيه، ومواطن التأنق به من مطلع وتخلص وختام.
أما المضمون فيحلل فيه الناقد معاني النص وأفكاره الجزئية، لينتقل إلى تبيُّن غرضه أو أغراضه، محاولاً الوصول إلى أحكام مقبولة عن هذين العنصرين عن طريق تطبيق مقاييس النقد الخاصة بتقييم المضمون، من صدق أو شرف أو عمق أو تناقض... أو ما إلى ذلك من مقاييس. كما يحلِّل  البناء الفني أو الوحــــــدة الموضـــوعية في النص المبحوث، من حيث تحققها وأدوات التحقق، وعدم تحققها، وتفسيره.
ما بعد النـص:
يدرس فيــــه النــاقد عاطفــــــة المبدع، ومذهبـــه الإبــــداعى، وما فيــــــه من تأثر وتأثيــــر، ثم الخلوص إلى بيــان قيمة النــص من حيث تحليقاته وإخفاقاته.
وهذا المنهج مرن ، قابل للتطوير والتغيير حسب مقتضيــات كل نص، إذا لكل نص طبيعته التى تفرض التركيز على عنصر أكثر من غيره، حسب درجـــة هيمنته على المبدع. وهذا المنهج بإجراءاته تلك قابل للإضافة أوالتعديل حسب طبيعة كل نص ومعالمه الفنية، وهو مقنَّن ومطبَّق عند عدد من كبار أساتذة النقد أمثال أحمد أحمد بدوي في كتابه أسس النقد الأدبي عند العرب، وأحمد الشايب في كتابه أصول النقد الأدبي، ومحمد غنيمي هلال في كتابه النقد الأدبي الحديث...إلخ
وما زال تحليل النص الشعري محتاجًا إلى مزيد من الرؤى المعتمدة على تجارب متنوعة رؤية ورؤيا، زمانًا ومكانًا، حتى يؤتي هذا المنهج ثماره المرجوة في الحوار مع النص الشعري التراثي والحداثي، الخليلي البيتي والحر السطري على السواء. د/صبري أبوحسين
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة