الإسناد العالي لأهل العصر... كن أول من يقيّم
والظاهر من كلام صاحبة التعليق أنها تُعاني من بعبع اسمه الحنابلة، وقد موَّهَت من خلال تعليقها حيث نسبت تحريم الغناء والمعازف مطلقا إلى السادة الحنابلة، والأمر على غير ما ذُكر، فهذه مذاهب الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم مدونة تناقلتها الأجيال وحُفظت في الصدور والدواوين الفقهية لسائر المذاهب. ولعل ما جعل الحنابلة ينالون هذا الإطراء العجيب (المعكوس طبعاً) ما تراه صاحبة التعليق من الفُتيا على وفق المذهب الحنبلي في أقطار الخليج العربي، ولا ضير في ذلك، فمازالت الفُتيا على وفق مذهب معين مما جرى به العمل من قرون عدة في مختلف الأقطار، كما هو الحال بالنسبة للمذهب المالكي في المغرب العربي، وكثير من الأقطار تتمذهب بمذهب فقهي تكون الفُتيا على وفقه. يقول ابن قيم الجوزية: " مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه. قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره. وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي: ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض " إغاثة اللهفان (1 / 277) فابن القيم رحمه الله يذكر أن المذهب الحنفي في تحريم سماع المعازف من أشد المذاهب وأغلظها قولاً، وإيرادي لهذا النص لتنظر صاحبة التعليق هل يُلحق بالحنابلة السادة الأحناف ؟ وهل يستحقون الأوصاف والنعوت التي نعتت به غيرهم ؟ ومن يدري...لننظر في ما يأتي: قال ابن تيمية في الفتاوى: ( فمذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام ). (11/576) وقال في منهاج السنة لنبوية: ( الأئمة الأربعة، فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو، كالعود ونحوه ). (3/439) فعل الأئمة الأربعة يستحقون الوصف تاما غير منقوص!!! وسؤالي لأختي الكريمة ـ مادامت الأحكام من حيث الحِل أو الحِرمة تستند إلى الأدلة الشرعية ـ ما هو مستندها في الإباحة ؟ هل هو أدلة شرعية ؟ أم هو أدلة عقلية ؟ أم هو مجرد زقزقة العصافير فوق الأغصان اليانعة، ونقيق الضفادع في السيول والأودية؟ وخرير المياه وصوت الرعد والبرق وهدير الأمواج العاتية ؟ أو هو " صهيل الخيل ورغاء الإبل وخوار البقر وثغاء الشياه وبغام الريم ونباح الكلاب ومواء القطط، ونواح العندليب وغناء الكروان وهديل الحمام وصياح الديك..." من مقدمة محقق كتاب: "فرح السماع برخص السماع " لمحمد الشاذلي التونسي، ص: (7). ولعل ذلك بمجموعه يرتقي إلى درجة الإسناد العالي الصحيح. ومن يدري! رُبَّما. |