تراثنا العربى حافل بكنوز الفكر الإنسانى وذخائره، نما فى ظل حضارة عريقة، ممتدة الجذور، قد جلاها وطورها الإسلام حين بزغ فجره على الجزيرة العربية، ثم امتدت فتوحاته ودخلت فيه أمم كثيرة، ذات حضارات قديمة . وقد هجرت هذه الأمم لسانها القديم، واتخذت اللسان العربى أداة فكر وبيان ، ثم نسيت هذه الأمم والشعوب ما كان يعبد آباؤها من قبل حين دخلت فى دين الله أفواجا، فتفنن أبناء الإسلام : عربا وأعاجم ، فى مجالات الفكر الإنسانى المتنوعة دراسة وتأليفا، إذ ليس فى وسع أحد أن يتصور حجم ما خطته أقلام العلماء والمفكرين والأدباء من المسلمين فى شتى فروع المعرفة، وفى حدود ما تبقى منه حتى يومنا هذا، فضلا عما امتدت إليه عاديات الزمن بالتبديد أو الإحراق أو الضياع0 والأدب العربى جزء حى نابض من أجزاء هذا التراث الضخم الخالد، إنه أدب أمة عريقة، وأدب لغة عتيقة، "ولا أظن أدبا معاصرا، له من العمر ما للأدب العربى. إن أقدم نص أدبى فى أية لغة أوربية معاصرة ـ مثلا ـ لا يتجاوز القرن الثانى عشر الميلادى بحال، وما قبله فآداب أخرى، اندثرت أو أصبحت تاريخا يدرس … أما الأدب العربى فأقدم نص فيه يعود إلى مطلع النصف الثانى من القرن الخامس الميلادى، أى له من العمر ألف وخمسمائة عام كاملة"0 إن الأدب العربى أدب لم يتم تشكله فى صورته التامة الحقيقية إلا منذ ظهور الإسلام، فجعله أدبا يعبر عن أدق الانفعالات وأرق العواطف وأنبل المشاعر، فى ظل النفس السوية، أدبا ينطلق من أعظم عقيدة، وتصوغه أعظم لغة، وينتسب إلى أكرم أمة: أمة الإسلام، الممتدة فى التاريخ، صار الأدب العربى إسلاميا إنسانيا عالميا؛ لأنه مرتبط بكل مصادر القوة والعظمة، وقوة مصادره ثابتة مستمرة فى قوتها، فالعقيدة ربانية ماضية مع الأيام بكل عظمتها ونورها، وقد تعهد الله بحفظها، وفى حفظها حفظ للغتها وأدبها، ومن ثم فهى عناصر متجددة، ماضية أبد الدهر إن شاء الله تعالى، لا تهون لها عروة أبدا إلا القوم : الطاقة البشرية، هذه التى تضعف وتقوى، تتحد وتتمزق، تعلو وتهبط على سنن الله السائرة وحكمه وقوانينه الغالبة 0 ولكن الأمة الإسلامية ذاتها ، والأدب الإسلامى ذاته، مهما غلب عليهما الضعف والانحدار أو غلب الهوان والاستكانة فى مرحلة من مراحل التاريخ، فإنهما يظلان يحملان بذرة القوة والعزة، وجذور النمو والرفعة ، وعناصر الخير والبركة، حتى يأذن الله فتنهض الأمة وينهض أدبها، وتعلو الأمة ويعلو أدبها ويعلو شأنها لتكون كلمة الله هى العليا، هدف عظيم لأدب عظيم ، تقوم عليه عمارة الأرض وحضارة الإنسان وسعادة البشرية0 وهكذا فإن الأدب الإسلامى ليس مستحدثا فى عصرنا، ليس بالمنهج الطارئ ، لأنه أدب القرآن الكريم ، وأدب الرسول ـ e ـ إمام البيان ، وأفصح البلغاء، أدب المسلمين ـ منذ وجدوا ـ فى قوتهم وضعفهم ، فى فرحهم وترحهم، ما داموا يستمدون تصورهم من مصدرى الشرع الحنيف اللذين رسما لنا منهج الحياة الشامل، بما فيها الأدب، ومن ثم لا يستطيع من تظله حياة الإسلام أن يبدع خارج منهجه، ولا يستطيع أنه ينشأ داخل المجتمع المسلم أدب غير أدبه؛ لأن الإسلام حركة إبداعية شاملة فى الفن والحياة، حيث تتكيف النفس البشرية فى ظلاله بالتصور الإسلامى الذى سيلهمها صورا من الفنون غير التى يلهمها إياها التصور المادى أو أى تصور آخر؛ لأن التعبير الفنى لا يخرج عن كونه تعبيرا عن النفس كتعبيرها بالصلاة أو السلوك فى واقع الحياة0 وهذا ما جعل مصطلح الأدب الإسلامى يكاد يكون بدون معنى فى العصور السالفة؛ لأن كل الحياة كانت إسلامية، ومن خرج عليها يقابل بالنكير والإدانة، ويصمه الجميع بالمعصية والإثم والشذوذ … إلا أنه ، ومع انفصام عرى الإسلام عروة عروة، وانصراف أفراد الأمة عن دينهم هوى أو جهلا أو تقليدا للآخر المتآمر المستعدى، كل ذلك أدى إلى معاناة الأدب فى عصرنا من عدوان شديد على كيانه بتوجيهه لخدمة أهداف بعيدة عن الإسلام، بل لمحاربة الإسلام نفسه، مما أدى إلى ظهور مصطلح الأدب الإسلامى ودعاته فى إطار الصحوة الإسلامية، ومحاولة العودة إلى الذات بعد مرحلة الذوبان والهزيمة النفسية التى لحقت بالأمة الإسلامية فى مرحلة السحق العسكرى والحضارى0 فالاستعمار لم يكن احتلالا لأرض ولا نهبا لثروات فقط، وإنما كان قبل ذلك وبعده احتلالا للنفوس، وغزوا للعقول، ومسخا للشخصية، وإعادة لصياغتها 0 ومن هنا كان لابد أن يكون الأدب الذى يكتب فى مواجهة التيارات المنحرفة الناشئة عن أضرار الاستعمار الغربى عقيديا وفلسفيا وأيدلوجيا ـ يكون أدبا إسلاميا يعبر عن الشخصية الإسلامية0 والدعوة إلى الأدب الإسلامى فى المجتمع الإسلامى دعوة إلى أن تبرأ الأمة من الانفصام الحادث بين عقيدتها وعبادتها وسلوكها وفكرها من ناحية ، وبين عواطفها ومشاعرها وأحاسيسها وخيالها من ناحية أخرى0 فإذا كان الأدب تجسيدا لعواطف الأمة ومشاعرها وأحاسيسها وتصوراتها وأخيلتها، فإنه فى المجتمع الإسلامى لابد أن يكون إسلاميا، وإلا كان المجتمع زائفا، إما فى إسلامه وإما فى أدبه، أو على أقل تقدير يكون مصابا بمرض الانفصام ما بين عقله ووجدانه…0 لقد جاءت الدعوة إلى الأدب الإسلامى فى عصرنا ضرورة ماسة لمواجهة أساليب أعداء الأمة وأدعيائها، من دعاة الباطل والزيف، وأدباء الشر والخديعة، الذين تتحدث عنهم أبواق النفاق بأنهم القمم الأدبية الرائقة، التى تمثل الضمير الواعى للأمة!! وهذا محض افتراء وخداع، فهؤلاء دعاة مجون وإباحية وفسق وإلحاد، تحت شعارات براقة جوفاء، مثل: الفن للفن، حرية الإبداع، تصور الواقع، محاور الآخرة، تجديد الخطاب، الانفتاح، التحرر…!! لقد أصبح التيار الأدبى الحديث يقتضى ـ غالبا ـ الأدب الغربى، منفصلا عنا انفصالا جزئيا أو كليا، منغمسا فى التصورات اليونانية والوثنية، والروح المسيحية المنحرفة، والتيارات الفلسفية التى تموج بها الآداب الأوربية قديما وحديثا، فإذا نحن أمام أدب غريب عنا فى تصوراته وأخيلته ورؤيته للحياة والإنسان والكون. إنه أدب غربى الوجه والعقل، عربى اللسان فقط، بل تكاد عروبته تنهار وتضيع!!! ففى الشعر ـ مثلا ـ نجد كلمة "إله" تستخدم بمعناها الوثنى ـ لا الإسلامى ـ بل فى سياقات ملحدة غير محترمة0 وفى القصة نجد الدكتور محمد حسين هيكل ـ مثلا ـ يصور فى روايته "زينب" الريف المصرى تصويرا غربيا أوربيا؛ فالحب المتبادل فى الرواية ليس حبا مصريا عربيا، وإنما هو الحب الرومانسى الأوربى، وزينب تلك الريفية الساذجة متحررة منطلقة، تتنقل بين أحضان الرجال، بلا وازع من دين أو غيره من مجتمع. إن زينب ـ كما أرادها الدكتور المتفرنج ، لا كما هى فى واقعنا الريفى ـ فتاة غربية باريسية عاهرة. كما تختم القصة بعادة الاعتراف بالذنوب. وهى من طقوس ومعتقدها0 وهذا الأديب العالمى [ ! ] نجيب محفوظ فى قصته "السماء السابعة" يصور عالم ما بعد الموت، بطريقة لا يعرفها الإسلام، بل هى مزيج من عقيدة تناسخ الأرواح عند الهنود، جاعلا خالد بن الوليد ـtـ وغاندى ـ الزعيم الهندى ـ فى مرتبة واحدة فى عالم ما بعد الموت؛ لأنه جعل مقياس النجاة فى الآخرة هو العمل الدنيوى الصالح، بغض النظر عن عقيدته متأثرا فى ذلك بالنزعة العلمانية أو الشيوعية، وفى المسرح نجد شيوع الخرافات والأساطير وشعائر الملل المفتراة أو المحرفة عن طريقة الوقوع فى حمأة التجريب والتغريب0 والمقام لا يتسع لحشد النصوص والمشاهد والصور ـ غير الإسلامية، التى يموج بها أدبنا الحديث فى فنونه العديدة. والتى تجعلنا ندرك أهمية الدعوة إلى أسلمة الأدب العربى الحديث والمعاصر، ليعبر عن الشخصية الإسلامية، ويجسد تصوراتها عن الكون والحياة والإنسان فى مواجهة تيارات الإلحاد والعلمنة والفسق والمجون ، تصوير الواقع ، الحداثة، محاورة الآخر، تجديد الخطاب!!! وقد واجه هؤلاء الأدعياء الملمعين إعلاميا، زمرة من العلماء المخلصين على امتداد الوطن الإسلامى الكبير ، من أمثال الشيخ أبىالحسن الندوى [ الهند ] والأستاذ سيد قطب ، والأستاذ محمد قطب، والدكتور نجيب الكيلانى [ مصر ] ، والدكتور عماد الدين خليل [العراق]، والدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا [سوريا] ، والدكتور/ عدنان رضا النحوى [ السعودية ] … وغيرهم ممن شعروا بحاجة المجتمع الماسة إلى أسلمة الأدب، حتى يعبر عن الشخصية الإسلامية، ويجسد تصوراتها عن الكون والحياة والإنسان فى مواجهة هذه الآداب المستوردة الخارجة0 وقد عمل هؤلاء المخلصون فرادى بادئ الأمر ، ثم تجمعوا فى لقاءات بدأت عام 1400هـ = 1980م، إلى أن استقر رأيهم على تكوين هيئة تأسيسية تدرس أبعاد الفكرة وتخطط لها وتراسل الأدباء فى سائر الأقطار الإسلامية 0 ثم كانت الندوة العالمية للأدب الإسلامى التى دعا إليها سماحة الشيخ أبى الحسن الندوى فى لكنو فى شهر جمادى الآخرة سنة 1401هـ = 1981م، ودعى إلى هذه الندوة عدد كبير من رجالات العالم الإسلامى، فكانت دفعا قويا للأدب الإسلامى، واتخذ توصية مهمة تتضمن إقامة رابطة عالمية للأدب الإسلامى، وتلت هذه الندوة ندوة ثانية فى رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أعلن خلالها عن قيام رابطة الأدب الإسلامى العالمية بتاريخ2/3/ 1405هـ الموافق 24/ 11/ 1984م0 فدعت هذه الرابطة إلى أن يكون الأدب تعبيرا فنيا جميلا مؤثرا، نابعا من ذات مؤمنة، مترجما عن الحياة والإنسان والكون، وباعثا للمتعة والمنفعة، ومحركا للوجدان والفكر، ومحفزا لاتخاذ موقف والقيام بنشاط ما، وملائما للقيمة الفنية المعاصرة الجادة، حتى يتحقق لهذا الأدب التفاعل مع المتلقى المعاصر، كل ذلك وفق الأسس العقائدية الثابتة فى الإسلام0 وقد ألفت كثير من الكتب فى التعريف بهذا الأدب والدعوة إليه، والبحث فى قضاياه الشائكة ونصوصه الكثيرة المتنوعة فى اللغة والشكل والمضمون والغايات، فاكتسب الأدب الإسلامى مساحات جديدة فى الساحة الثقافية عن طريق جذب عشاق كلمة الحق ودعوة الصدق ، أصحاب الفطر السوية 0 |