قطعة أدبية لابن خاتمة في استقبال هلال رمضان
عن الإحاطة في تاريخ غرناطة في ترجمة ابن خاتمة الأنصاري: قال لسان الدين في صدد حديثه عن كتابة ابن خاتمة: وقفت من ذلك على أفانين. منها في استهلال شهر رمضان قوله: سلام على أنس المجتهدين، وراحة المتهجدين، وقرة أعين المهتدين، والذي زين الله به الدنيا، وأعز به الدين. شرف الله به الإسلام، وجعل أيامه رقوماً في عواتق الأيام. وشهوره غرراً في جباه الأعلام، وحل به عن رقاب الأمة قلايد الآثام، ونزه فيه الأسماع عن المكاره، وصان الأفواه من رفث الكلام. أشهد أن اله أنبني عليك، وأدخل من شاء الجنة على يديك، وخصك من الفضايل بما يمشي فيه التفسير حتى يكل ويسأم، ذلك اللسان ويمل، وأبادت ذنوب الأمة بمثل ما أبادت الشمس الظل، ذلك الذي يتهلل للسماء هلاله، ويهتز العرش لجلاله، وترتج الملايكة في حين إقباله، وتدخل الحور العين في زينتها تكريماً، وتلتزم إجلاله وتعظيماً، ويهتدي فيه الناس إلى دينهم صراطاً مستقيماً، وتغل الشياطين على ما خليت. وتذوق وبال ما كادت به وتخيلت، ويشمر التقي لعبادة ربه ذيلاً، وتهبط الملايكة إلى سماء الدنيا ليلا، وينتظم المتقون في ديوانه انتظام السلك. ويكون خلوف فم الصايم عند الله أطيب من ريح المسك، وتفتح الجنة أبواباً، ويغفر لمن صامه إيماناً واحتساباً، جزاء من ربك عطاء حسابا، وبما فضلك الله على سائر الشهور، وقضى لك بالشرف والفضل المشهور. فرضك في كتابه، ومدحك في خطابه، حيث قال، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، يعني تكبير الناس عليك، وتقليب أحداقهم بالنظر إليك، حين لثمت بالسحاب، ونظرت من تحت ذلك النقاب، وقد يمتاز الشيب وأن استتر بالخضاب، حتى إذا وقف الأيمة منك على الصحيح، وصرحوا برؤيتك كل التصريح، نظرت كل جماعة في اجتماعها، وتأهبت القراء لإشفاعها، واندفعت الأصوات باختلاف أنواعها، وتضرعت الألباب، وطلبت المواقف أواخر العشار والأحزاب، وابتديت ألم ذلك الكتاب، عندما أوقدت قناديل كأنما قد بدت من الصباح، ورقصت رقص النواهد عند هبوب الرياح، والله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، فأملك المسلمون في سر وجهر، وحطت أثقال السيئات عن كل ظهر، والتمست الليلة التي هي خير من ألف شهر، فنشط الصالحون بك صوماً، وهجر المتهجدون في ليلك نوماً، وأكملناك إن أذن الله ثلاثين يوما. فيا أيها الذي رحل، رحل بعد مقامة، وقام للسفر من مقامه، ورأى من قضى حقه، ومن قصر في صيامه، فمشى الناس إلى تشييعه، وبكوا لفراقه وتوديعه، وندم المضيع على ما كان من تضييعه، ولم يثق بدوام العيش إلى وقت رجوعه، فعض على كفه ندماً، وبكت عيه ماء وكبده دماً. رويداً حتى أمرح في ميدان فراتك، وأتضرع إلى حنانك وإشفاقك، وأتشفى من تقبيلك وعناقك، وأسل منك حاجة إن أراد الله قضاها، وشاء نفوذها وإمضاها، إذا أنت وقفت لرب العالمين، فقبلك من قوم، وردك في وجوه آخرين. إن تثنى جميلاً، فعسى يصفح لعهده وإن أسا، فعلم الله أني نويت التوبة أولا وآخراً، وأملت الأداء باطنا وظاهرا، وكنت على ذلك لو هدى الله قادراً، وإنما علم، من تقصير الإنسان ما علم، وللمرء ما قضى عليه به وحكم، وإن النفس لأمارة بالسوء غلا من رحم، فإن غفر فبطوله وإحسانه، وإن عاقب فيما قدمت يد العبد من عصيانه، فيا وحشة لهذه الفرقة، ويا أسفاً على بعد الشقة، ويا شد ما خلفته لنا بفراقك من الجهد والمشقة، ولطالما هجر الإنسان بك ذنبه، وراقب إعظاماً لكربه، وشرحت إلى أعمال البر قلبه. ومع هذا أتراك ترجع وترى، أم تضم علينا دونك أطباق الثرى. فيا ويلنا إن حل الأجل، ولم أقض دينك، ورجعت وقد حال الموت بيني وبينك. فأغرب، لا جعله الله آخر التوديع، وأي قلب يستطيع. ثم ساق قطعة له في استهلال شوال.
@:
من أخبار اختلاف المسلمين حول تحديد أول رمضان
عن السلوك للمقريزي (حوادث سنة 702هـ) وفي هده السنة: بنابلس صام الحنابلة شهر رمضان على عادتهم بالاحتياط، واستكمل الشافعية وغيرهم شعبان وصاموا. فلما أتم الحنابلة ثلاثين يوماً أفطروا، وعيدوا وصلوا صلاة العيد و لم ير الهلال. فصام الشافعية والجمهور ذلك النهار، وأصبحوا فافطروا وعيدوا وصلوا صلاة العيد. فأنكر نائب الشام على متولي نابلس كيف لم يجتمع الناس على يوم واحد، ولم يسمع. بمثل هذه الواقعة. واتفق أيضاً أن أهل مدينة غرناطة بالأندلس صاموا شهر رمضان ستة وعشرين يوماً، وذلك أن الغيوم تراكمت عندهم عدة أشهر قبل رمضان، فلما كانت ليلة السابع والعشرين طلعوا المأذنة ليقدوها على العادة، فإذا الغيوم قد أقلعت وظهر الهلال، فافطروا.
@:
الإعداد لاستقبال شهر رمضان في مصر في القرن الخامس الهجري
موسم شهر رمضان: وكان لهم في شهر رمضان عدة أنواع من البر منها: كشف المساجد، قال الشريف الجواني في كتاب النقط: كان القضاة بمصر إذا بقي لشهر رمضان ثلاثة أيام، طافوا يوماً على المشاهد، والمساجد بالقاهرة ومصر، فيبدأون بجامع المقس، ثم بجوامع القاهرة، ثم بالمشاهد، ثم بالقرافة، ثم بجامع مصر، ثم بمشهد الرأس لنظر حصر ذلك، وقناديله، وعمارته، وإزالة شعثه، وكان أكثر الناس ممن يلوذ بباب الحكم، والشهود، والطفيليون يتعينون لذلك اليوم، والطواف مع القاضي لحضور السماط. المرجع: المقريزي (المواعظ والاعتبار)
@:
غرة رمضان
قال المقريزي في المواعظ والاعتبار أثناء حديثه عن عادات أهل مصر في استقبال رمضان: ومنها غرة رمضان: وكان في أول يوم من شهر رمضان، يرسل لجميع الأمراء، وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق، ولكل واحد من أولاده، ونسائه طبق فيه حلواء، وبوسطه صرة من ذهب، فيعم ذلك سائر أهل الدولة، ويقال لذلك غرة رمضان.
@:
رمضان في مكة وعدن
عن كتاب (أحسن التقاسيم): رمضان في عدن ومكة، قال: ويزينون بعدن السطوح قبل رمضان بيومين ويضربون عليها الدبادب، فإذا دخل رمضان اجتمع رفق يدورون عند السحر يقرأون القصائد إلى آخر الليل، فإذا قرب العيد جبوا الناس، ويتخذون في النيروز قباباً يدورون بها على المباشرين ومعهم الطبول فيجمعون مالاً جزيلاً، وبمكة تنصب القباب ليلة الفطر ويزين السوق بين الصفا والمروة، ويضربون الدبادب إلى الصباح، وإذا صلوا الغداة أقبلن الولائد مزينات بيدهن المراوح يطفن بالبيت، ويرتبون خمسة أئمة في التراويح يصلون ترويحة ويطوفون أسبوعاً، والمؤذنون يكبرون ويهللون ثم يضرب الفرقاعيات كما تضرب عند الصلوات فيتقدم الأمام الآخر، يصلون العشاء إذا مضى من الليل الثلث ويفرغون إذا بقى الثلث، ثم ينادى بالسحور على أبي قبيس، ولا يرى أحسن من مزي أهل مكة في خروجهم إلى الحج في أن أحدهم ينوبه في ذلك ما ينوب العراقي.
@:
رمضان في مكة من عجائب الإسلام
قال القضاعي: المنظر بناه أحمد بن طولون في ولايته لعرض الخيل فيه، وكان عرض الخيل من عجائب الإسلام الأربعة التي منها هذا العرض، ورمضان بمكة، والعيد كان بطرسوس، والجمعة ببغداد، فبقي من هذه الأربعة، شهر رمضان بمكة، والجمعة ببغداد، وذهبت اثنتان، قال كاتبه: وقد ذهبت الجمعة ببغداد أيضاً بعد القضاعي، بقتل هولاكو للخليفة المستعصم، وزوال شعائر الإسلام من العراق، وبقيت مكة شرفها الله تعالى، وليس في شهر رمضان الآن بها ما يقال فيه أنه من عجائب الإسلام. (عن المواعظ والاعتبار للمقريزي)
@:
شموع رمضان
قال المقريزي في كتابه (المواعظ والاعتبار) في صدد حديثه عن سوق الشماعين: وكان يُباع في هذا السوق في كل ليلة من الشمع بمال جزيل، وقد خرب ولم يبق به إلاّ نحو الخمس حوانيت بعدما أدركتها تزيد على عشرين حانوتاً، وذلك لقلة ترف الناس وتركهم استعمال الشمع، وكان يعلق بهذا السوق الفوانيس في موسم الغطاس، فتصير رؤيته في الليل من أنزه الأشياء، وكان به في شهر رمضان موسم عظيم لكثرة ما يُشترى ويُكترى من الشموع الموكبية التي تزن الواحدة منهنّ عشرة أرطال فما دونها، ومن المزهرات العجيبة الزيّ المليحة الصنعة، ومن الشمع الذي يحمل على العجل ويبلغ وزن الواحدة منها القنطار وما فوقه، كل ذلك برسم ركوب الصبيان لصلاة التراويح، فيمرّ في ليالي شهر رمضان من ذلك ما يعجز البليغ عن حكاية وصفه، وقد تلاشى الحال في جميع ما قلنا لفقر الناس عجزهم.
@
حلويات رمضان في مصر في القرن التاسع الهجري
قال المقريزي أثناء حديثه عن سوق الحلاويين: هذا السوق معدّ لبيع ما يتخذ من السكر حلوى، وإنما يعرف اليوم بحلاوة منوّعة، وكان من أبهج الأسواق لما يشاهد في الحوانيت التي بها من الأواني وآلات النحاس الثقيلة الوزن البديعة الصنعة ذات القيم الكبيرة، ومن الحلاوات المصنعة عدّة ألوان، وتسمى المجمعة، وشاهدتُ بهذا السوق السكّر ينادي عليه كل قنطار بمائة وسبعين درهماً، فلما حدثت المحن وغلا السكر لخراب الدواليب التي كانت بالوجه القبليّ، وخراب مطابخ السكر التي كانت بمدينة مصر، قلّ عمل الحلوى، ومات بعض صناعها، ولقد رأيت مرّة طبقاً فيه نقل وعدّة شقاف من خزف أحمر في بعضها لبن وفي بعضها أنواع الأجبان، وفيما بين الشقاف الخيار والموز وكل ذلك من السكر المعمول بالصناعة، وكانت أيضاً لهم عدّة أعمال من هذا النوع يحير الناظر حسنها، وكان هذا السوق في موسم شهر رجب من أحسن الأسياء منظراً، فإنه كان يصنع فيه من السكر أمثال خيول وسباع وقطاط وغيرها، تسمى العلاليق، واحدها علاقة ترفع بخيوط على الحوانيت، فمنها ما يزن عشرة أرطال إلى ربع رطل، تشترى للأطفال، فلا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده، وتمتلىء أسواق البلدين مصر والقاهرة وأريافهما من هذا الصنف، وكذلك يعمل في موسم نصف شعبان، وقد بقي من ذلك إلى اليوم بقية غير طائلة، وكذلك كانت تروق رؤية هذا السوق في موسم عيد الفطر لكثرة ما يوضع فيه من حب الخشكنانج. وقطع البسندود والمشاش، ويشرع في عمل ذلك من نصف شهر رمضان فتملأ منه أسواق القاهرة ومصر والأرياف، ولم ير في موسم سنة سبع عشرة وثمانمائة من ذلك شيء بالأسواق البتة، فسبحان محيل الأحوال لا إله إلا هو. .
@
مطبخ سوق الصاغة في القاهرة في رمضان
قال المقريزي في (المواعظ والاعتبار) في وصف المكان المسى بالصاغة: هذا المكان تجاه المدارس الصالحية بخط بين القصرين. قال ابن عبد الظاهر: الصاغة بالقاهرة كانت مطبخاً للقصر، يُخرج إليه من باب الزهومة، وهو الباب الذي هُدم وبني مكانه قاعة شيخ الحنابلة من المدارس الصالحية، وكان يخرج من المطبخ المذكور مدّة شهر رمضان ألف ومائتا قدر من جميع الألوان في كل يوم، تفرّق على أرباب الرسوم والضعفاء، وسُمّي باب الزهومة، أي باب الزفر، لأنه لا يدخل باللحم وغيره إلا منه، فاختص بذلك. انتهى.
@
|