حيثيّات حول كتابة بارنبا لإنجيله كن أول من يقيّم
المهمّ الآن: متى دوّن بارْنَبا إنجيله، ولماذا؟ إثر مَجمَع أورشليم (عُقد حوالي 50 م)، وحادثة نِزاعه الشّديد مع بولُس وفراقهما، وقُدوم إخوان يعقوب البارّ (من كنيسة أورشليم) إلى أنطاكية وانحياز بارْنَبا لهم. نقدّر ذلك بمطلع خمسينيّات القرن الأول بحدود 52-53 م. واضحٌ أن حضوره لهذا المجمع ثم مجيء صَحب يعقوب إلى أنطاكية جعلاه يتمسّك بمذهبه الإبيوني وبانتمائه اللّيوي الكهنوتي، وبتعاليم »المتنصّرين اليهود« المناوئين لبولُس وللهلّينيّة والمتمسّكين بمبادئ شريعة موسى. وهذا ما يشهد عليه كلام بولُس في رسالته إلى أهل غَلاطية بكلّ وضوح، ونظنّ أنّ رسالته هذه كانت إعلاناً لعداء ناجز بينه وبين بارْنَبا، وحتى مع إخوة يَسوع الذين ينعتهم بولُس بكل تهكّم بـ »أهل الخِتان« وبالـ »تهويديّين«، فيما اشتقّ لأتباعه تسمية »المَسيحيّين« للمرّة الأولى في أنطاكية بأواخر الأربعينيّات. فما هي اللغة التي كتب بها بارْنَبا إنجيله؟ وأين؟ اليونانيّة طبعاً، فبارْنَبا كان يهودياً هلّينيّاً من قبرُص، وتتردّد مراراً في أعمال الرُّسُل عبارة »الإلّينيّين« بإشارة إلى أمثال بارْنَبا من اليهود المولودين في مُدُن ناطقة باليونانيّة والحاملين لثقافتها. وكان موئل هذه الثقافة الهجينة اليهوديّة - الهلّينيّة مدينة الإسكندريّة في القرن الأوّل قبل الميلاد. وبولُس نفسه كان أيضاً من أبناء هذه الهويّة الثقافيّة، لكنه بالَغَ بها كثيراً إلى حدّ الخروج التامّ عن عقيدة التّوحيد، التي ميّزت المشرق عن عالم اليونان والرّومان الوثني. أمّا مكان التّدوين فنرجّح أنه في قبرص، حسب إشارة لوقا بأعمال الرُّسُل أنّ بارْنَبا ويوحنّا مَرقُس أبحرا إليها. وفي إنجيل بارْنَبا تتضح معالم أوروپية، راح المُنكرون يُفسّرونها على أنها دليلٌ لتزييف، وهذا الجواب أمامهم. لقائل أن يقول: أوردتم ذكراً مُبكراً لإنجيل أپوكريفي لبارْنَبا، والمُفترض أن يكون حُكماً مكتوباً باليونانيّة (لغة الكتابة والمدنيّة بذلك العصر)، ولكن أثمّة أدلّة مادّيّة على أنّ مخطوطي ڤيينا وسيدني لهما أصل يوناني؟ نقول: حتماً، لاحظ هذه المُفردات اليونانيّة السّبعة التي تنتشر في النصّ: »سينوفيجيا، سْكيتي، تِترا جراماتون، دراخما، سيريا، أناثيما، أباريماثيا«. فهذه المُفردات عَدَدناها بمثابة الدّلائل العينيّة على أنّ الأصل القديم لإنجيل بارْنَبا هو مخطوط يوناني، تمّت ترجمته مراراً حتى وصل إلينا. السّائل: هذه ثغرة! فتريدُ القول أنّ ثمّة انقطاعاً بين الأصل اليوناني الذي زعمتَ والمخطوطين الحاضرين بالإيطاليّة والإسپانيّة؟! نقول: أبداً، لا ثغرة ولا انقطاع. فمن الواضح تماماً، من خلال مسألة ضبط الإلماعات التّوراتيّة على الڤولگاتِه اللاتينيّة، أنّ طوراً ثانياً قد مرّ به الكتاب بالتّرجمة من اليونانيّة إلى اللاتينيّة. لماذا؟ يعلم كل باحث في نشر النّصوص أنّه عند ترجمة نصّ قديم إلى لغة أخرى، ينقل المترجم المعنى بعبارات مُوازية تعبّر عنه. ولكن إذا اعترضه مقطعٌ ذو بُنية نَصّيّة مُثبتة بمَتنٍ حرفيّ توقيفي، لا يبقى أمامه أيّ مجال للتكيُّف، بل يُترجِم ضمن قالب نمطي معياريّ مُعتمَد. لهذا، لمّا قام مُترجم إنجيل بارْنَبا بترجمته من اليونانيّة إلى الإيطاليّة، كيف ينقل إلى الإيطاليّة (لاتينيّة عاميّة) إلماعات التّوراة؟ عليه اعتماد التّرجمة الرّسمية: الڤولگاتِه التي وضعها إيرونيموس بأواخر القرن الرّابع بأمر البابا داماسوس الأوّل (366-384 م) وأمست في مَجمع ترينتو 1546 م الصّيغة الرّسميّة الوحيدة للإنجيل في كنيسة روما، ونقّحها سِكستوس Sistine Vulgate (1590 م). |