البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : رسائل جامعية

 موضوع النقاش : إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟    قيّم
التقييم :
( من قبل 18 أعضاء )

رأي الوراق :

 أحمد 
2 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارْنَبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
 
الإنجيل برواية
بارْنَبا الليوي القبرصي
 
 
ترجمة مقارنة جديدة
تتضمن معطيات غير معروفة من قبل
بالاعتماد على
مخطوطة المكتبة الوطنيّة بڨيينا
ومخطوطة مكتبة فيشر بجامعة سيدني
 
د. أحمد إيبش
 
 
ما هو إنجيل بارْنَبا؟
كثيرون جداً سمعوا بهذا الإنجيل (مغلوطاً باسم: إنجيل برنابا).. وما أكثر الأبحاث التي جزمت تلقائياً بأنه إنجيل مزوّر لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وأنه من وضع بعض اليهود أو المسلمين الذين ارتدّوا عن الدين المسيحي.. فأين تكمن حقيقته؟
وما حقيقة ذكر هذا الإنجيل (على لسان المسيح عليه السلام) لسيدنا محمد بالاسم صراحة، على أنه خاتم الأنبياء المنتظر؟
مئة عام مضت على ظهور أول ترجمة إنكليزية لهذا الإنجيل الهام المثير للجدل، على يد القس الإنكليزي لونسديل راگ وزوجته لورا Lonsdale & Laura Ragg.  ولكن، هل كانت تلك الترجمة على المستوى العلمي المطلوب؟ هل نجحت ومثلها الترجمة العربية المنقولة عنها (بقلم د. خليل سعادة) – دون الرجوع إلى المخطوط – في فك رموز إنجيل بارْنَبا؟!
في هذه الترجمة العربيّة الجديدة المقارنة التي نقوم بها حالياً، يتمّ الكشف للمرّة الأولى عن الأصول القديمة لهذا الإنجيل، وإثبات الدليل النصّي الدّامغ على أن أصلاً أوّليّاً له باليونانيّة قد تمّت ترجمته إلى اللاتينيّة، وبعدها إلى الإيطاليّة والإسپانيّة، وأن ذلك كان ضمن سلسلة تاريخيّة مطوّلة من الإخفاء والتّحريم التّام.
هذه الترجمة اليوم تسلّط الأضواء على معطيات بالغة الأهميّة في المخطوطتين، سواء من الناحية النصيّة أو العقائديّة. ففيها يتجلّى الجوهر الأقرب إلى حقيقة المسيح عليه السلام، وبعثته وإنكاره الشديد لدعوة تأليهه، وأنه رُفع لم يُصلب.. والجديد الآن حسب المخطوطة الإسپانيّة التي ظهرت قبل 30 عاماً: ما الذي كان يعرفه بطرُس؟
كذلك من أهمّ محاور إنجيل بارْنَبا حول سيرة المسيح (عليه السّلام)، حربه الضارية على اليهوديّة الهيكليّة الفريسيّة المنحرفة عن شريعة موسى (عليه السّلام)، والتي تمخض عنها التلمود فيما بعد.
أمّا ما يتوّج هذه الوثيقة المسيحيّة القديمة النقيّة، فهو بشارة المسيح (عليه السّلام) بنبوّة سيّد البشر نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام.  وأن الدّين الحق كما أنزله الله تعالى على سيّدنا موسى ثم عيسى ثم محمّد (عليهم الصلاة والسّلام) إنما كان سلسلة مستمرّة متوافقة متوائمة لا انقطاع فيها، كان جوهرها ولُحمتها وسُداها: التوحيد!
في هذا المجلس، سأقوم بنشر المقدمة النقدية الكاملة، التي صدّرت بها ترجمتي المقارنة الجديدة لإنجيل بارْنَبا، حسب المخطوطتين المذكورتين، بالإيطاليّة و الإسپانيّة. وأرجو من قرّاء الورّاق الكرام إبداء آرائهم التي سأتلقاها بكل اهتمام وتقدير.
 
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
التاريخ النصّي والبيبليوغرافي لإنجيل بارنبا    كن أول من يقيّم
 
إنجيل بارْنَبا«
تاريخه النّصّي والبيبليوغرافي
في عدّة مراسيم كَنَسيّة كان يتمّ تحريم بعض الأناجيل، كأمر البابا داماسوس الأول 366 م، ومجلس الكنائس الغربيّة 382 م، والبابا إينوسان 465 م.  لكنّ أقدم إشارة تُسمّي »الإنجيل حسب بارْنَبا« ترد في وثيقتين مسيحيّتين باكرتين، هما قائمتان بالأناجيل المَنحولة المحرّمة كنسياً: الأولى »مرسوم البابا جيلاسيوس« Decretum Gelasianum، من أواخر القرن الخامس (تولّى منصبه عام 492 م)، والثانية »قائمة الستّين كتاباً« من القرن السّابع (تضمّ الكتب القانونيّة والأپوكريفا، ومنها إنجيل بارْنَبا ورسالته). ولذا فإن ثمّة ثغرةً زمنيّة ما بينهما والقرن السّادس عشر الذي تعود إليه المخطوطتان الحاليّتان، فعلامَ يدلّ هذا الأمر؟
يدلّ أولاً: على أن القرون التي أعقبت مَجْمَعي نيقية (325 م) وخَلقيدونية (451 م) مارست فيهما الإمبراطوريّة البيزنطيّة - وهي القوة السّياسيّة والعسكريّة الكبرى في آسيا الصّغرى وشرقي المتوسط آنذاك - هَيمَنة دينيّة تعسّفيّة عنيفة جداً، فكانت تُعامِل كل فئة قوميّة إثنيّة أو مذهبيّة تناقض مذهبها (الملكي الأرثوذوكسي) بمنتهى الاضطهاد والتّعذيب.  وكنّا ذكرنا آنفاً ما طال أبناء المذاهب السّريانيّة بتهمة انتمائهم إلى العقيدة اليعقوبية »المونوفيزيّة« (المؤمنة بطبيعة واحدة للمسيح)، التي حرّمها مجمع خَلقيدونية (بأيام مَرقيانوس).
فغنيّ عن القول أن جميع ما طالته يد بيزنطة من وثائق ومخطوطات دينيّة تخالف عقيدتها النّيقاويّة التّثليثيّة، كان مصيره واضحاً ومعروفاً: الحرق!  والله وحده يعلم كم نسخة تمّ إحراقها من »إنجيل بارْنَبا«، ومن »إنجيل متّى الآرامي« (الأصلي القديم، لا إنجيل متّى القانوني الذي عملت فيه أيدي روما أواخر القرن الأول تحويراً وتعديلاً)، وهذا الإنجيل هو الكتاب الوحيد الذي يعترف به مذهب »الإبيونيّين« التّوحيدي، وله اسمٌ مُوازٍ آخر: »الإنجيل حسب العبرانيّين«، وهو أصلٌ نصرانيّ توحيديّ صرف (انظر تعريف الإبيونيّة في الخاتمة).
ثانياً: لا يعني ذلك أن إنجيل بارْنَبا قد بادَ إلى الأبد، أبداً.. فإنّ يد القدر أعادته إلى الظهور ثانية في أواخر القرن السّادس عشر (في المخطوطتين اللتين نقدّم وصفهما أدناه)، ويعود الفضل في ظهوره إلى الرّاهب اللاتيني الإيطالي فراتيلّو (الأخ) »مارينو«  Fratello Marino، كما سيلي بيانه في مقدّمة المخطوطة الإسپانيّة التي صدّرنا بها المتن المترجم لإنجيل بارْنَبا.
فهل وصَلَنا الإنجيل - برغم الثّغرة المذكورة - كاملاً تامّاً ودقيقاً؟ 
هذا طبعاً أمرٌ لا يمكن جزمه 100 %، إذا أخذنا بعين الاعتبار كونه قد تُرجم عدّة مرّات (من النصّ الشّفاهي الآرامي، إلى متنه الأول اليوناني، ثمّ اللاتيني، ومنها إلى الإيطاليّة والإسپانيّة).  لا ريب أن هذا يمكن أن يترك هَناتٍ على حرفيّة المتن، ولكن عندما يتدخّل علم »النّقد النصّي« فإنّ بوسعه إقامة ميزان عالي الدّقة لضبط معايير النصّ، حتى ترتفع موثوقيّته إلى الحدّ الكافي.
ناهيك عن أنّنا لن نفقد الأمل في العثور يوماً ما - إن شاء الله العليّ القدير - على نسخة أقدم منه (باليونانيّة أو السّريانيّة أو القبطيّة)، ساعتها سيكون من دواعي سرورنا أن نقارن مدى الدّقّة التي توصّلنا إليها اليوم.. ويأتيك بالأخبار مَن لم تزوّدِ!
كذلك، فمن دواعي أملنا الكبير العثور يوماً ما على نسخة من »إنجيل متّى الآرامي« الضائع، الذي نرى حقاً أنّه يمثّل لإنجيل بارْنَبا أصلاً عقائديّاً يتماشى معه خطوة بخطوة ومعياراً بمعيار.  لا ريب لدينا بأنّنا سنشهد بينهما تطابقاً مذهلاً على صعيد التّركيب النصّي والمحتوى الفكري الثيولوجي.  فقناعتنا باتت كبيرة الآن أن »إنجيل بارْنَبا« يجسّد نتاجاً صافياً من القرن الأوّل لـ »كنيسة أورشليم« التّوحيديّة الأولى، ولمذهب »الإبيونيّة« التّوحيدي النّابع منها مُباشرة.
ويكفي أن نلاحظ أن الكتابين كليهما أُدرجا في »قائمة الستّين كتاباً«، بأنّهما مَنحولان ممنوعان تُحـرّم السّلطات الدّينيّة الرّوميّة قراءتهما.  هذا المنع بالذّات هو شهادة لهما بـأن فيهما قديماً ما يُناقض التّثليث اليوليني والنّيقاوي، وها هو ذا النّصّ الذي ننشره اليوم يشهد بقوّة على ما نقول.  غير أنّه وإن بدا بمظهر يتوازى ويتوائم مع عقيدة الإسـلام، فهذا لا يعني أبداً أنّه كان نتاجاً لها!  لن نطلب من أحدٍ أن يصدّقنا الآن، قبل أن يقرأ متن النصّ وحُجَجه العلميّة.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
تحريم إنجيل بارنبا. ما هي رسالة بارنبا؟    كن أول من يقيّم
 
قبل أن نخرج من عالم القرن السّادس والسّابع للميلاد، نذكر ما ورد حول كتب القائمتين كنصوص هرطقيّة أپوكريفيّة مُحـرّمة.  فقائمة جيلاسيوس المسمّاة باللاتيـنـيّة: Decretum Gelasianum de libris recipiendis et non recipiendis يرد فيها باسم: Evangelium nomine Barnabو apocryphum، أي: »الإنجيل المسمّى إنجيل بارْنَبا المنحول«.  أمّا قائمة »الستّين كتاباً« (من القرن السّابع أو الثامن) فهي تشير إليه (برقم 24) باليونانيّة تحت اسم: euaggelion kata barnaba، أي: »الإنجيل حسب بارْنَبا«، وتشير إلى »رسالة بارْنَبا« بالرّقم 18.  وكذلك تعدّد القائمتان »إنجيل متّى« (أي الآرامي طبعاً)، ولهذا مدلوله.
*  *  *
هنا لا بدّ أيضاً من الإشارة إلى لقية أثريّة هامّة للغاية، هي مقطع مخطوط باللغة اليونانيّة، مكتوب في شذرة باقية من مخطوطة محترقة، محفوظة في أحد متاحف أثينا، هي في الواقع كلّ ما تبقّى من إنجيل بارْنَبا الأصلي القديم بنصّ لغته اليونانيّة الأولى([1]):
barnabaV o apostoloV efh en amillaiV ponhraiV aqliwteroV o nikhsaV dioti apercetai pleon ecwn thV amartiaV.
وترجمة هذا المقطع:
»قال بارْنَبا الرّسول إنّه في خِصامات الشَّرّ يبوءُ الغالبُ بخُسرانٍ أعظم، إذ أنّه يجترُّ على نفسه أكثر من إثم«.
ويعترف راگ (في مقدّمته، ص xlvi) بأنّ أسلوب هذا المقطع يتوافق تماماً مع ما يرد في »إنجيل بارْنَبا« بنسخة ڨيينّا الإيطاليّة، بما يحتويه من نصوص المُطارحات اللفظيّة الأخلاقيّة ذات النّكهة المطبوعة بالمبالغة الحكميّة.  ولكنه مع ذلك لم يعثر على موضع يُطابق هذا المقطع بالذات في الإنجيل الذي ترجمه.
وأخيراً: كان بعض محرّري طبعات الأناجيل (العهد الجديد) يكتبون أن »الرّسالة إلى العبرانيّين« قد تكون من وضع بارْنَبا الرّسول، لكن هذا غلط جسيم من حيث أسبابه الموضوعيّة والنّصيّة على حدّ سواء.
 
ما هي »رسالة بارنبا« و »أعمال بارنبا«؟
ذكرنا أنّ من بين نصوص الأپوكريفا المحرّمة في قائمة »الستّين كتاباً« نصّ يسمّى »رسالة بارْنَبا« The Epistle of Barnabas، لكنّها ليست كما قد يتبادر إلى الذّهن تتطابق مع »إنجيل بارْنَبا«، بل هي نتاجٌ من الأعمال الغنوصيّة الموضوعة لاحقاً (بين 70-135 م) والمنتمية إلى الپولينيّة، ويُظنّ أنّ بارْنَبا هذا غير بارْنَبا الرّسول صاحب الإنجيل، بل شخص آخر عاش في مصر بالقرن الثاني.
وصلنا نصّ هذه الرّسالة كاملاً في »المخطوطة السّينائيّة«  Codex Sinaiticus العائدة إلى القرن الرّابع، والتي اكتشفها العالم الألماني قُنسطنطين فون تيشِنْدورف Constantin von Tischendorf في زيارته الثالثة لدير القدّيسة كاترينا([2]) بسفح جبل سيناء عام 1859، وترجمها الباحث البريطاني لايت فوت J.B. Lightfoot.  غير أنّ مقارنتها بالمادّة النصيّة لإنجيل بارْنَبا وبحيثيّات عصره الموضوعيّة تدلّ بكل جلاء على أنّ صاحبها لا يمتّ بأيّة صلة لبارْنَبا اللّيوي القبرُصي.
*  *  *


([1]) راجع:    Grabe: Spicilegium, i. (ex Cod. Barocc. 39)
([2]) ويروي أنّه عثر عليها ضمن صفيحة تضمّ دُشوتاً قديمة مُعدّة للحرق في فرن الدّير!!  وهي مخطوطة ثمينة للغاية باللغة اليونانيّة، تضمّ الترجمة السبعينية لأسفار التوراة وما يليها مع مواد أخرى منها رسالة بارْنَبا.  وغالبيّة هذه المخطوطة اليوم محفوظة في مكتبة جامعة لايپتسيك Leipzig في ألمانيا، وكان جزء منها محفوظاً في المكتبة الوطنيّة في سان پيتربورگ فبيع بأيّام الإتحاد السّوڨييتي إلى مكتبة المتحف البريطاني The British Library  بمبلغ 100 ألف جنيه، بينما بقيت منها إلى اليوم أوراق في المكتبة الوطنيّة الرّوسيّة، وأشياء في دير القدّيسة كاترينا، عدا عن لايپتسيك ولندن، أي تتوزّع في 4 دول.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
حسن.. فما هي إذاً أعمال بارنبا؟    كن أول من يقيّم
 
أمّا »أعمال بارْنَبا« Acta Barnabæ  فيعنينا أمرها هنا أكثر، ولو أنّها عموماً تخضع هي أيضاً لاحتمال كونها مَنحولة، فربما وضعها مُطران قبرُص في القرن الخامس (كما سنرى) لأسباب كَنَسيّة محدّدة الغاية والهدف.  تُنسب رواية هذه الأعمال إلى يوحنّا مَرقُس، قريب بارْنَبا ومُرافقه في أعماله بالدّعوة (خاصّة بعد الخلاف مع بولُس).  والواضح أن المصدر الأساسي لها هو »أعمال الرُّسُل« التي استُعملت بإيجاز يميّزها عن سائر كتب »الأعمال« المنحولة.  وأعمال بارْنَبا هذه تروي سيرة تبشير بارْنَبا مع بولُس، وأعماله بعد أن افترق عنه، وكيف استُشهد في سَلاميس ودَفَنَهُ قريبُه مَرقُس.
تتمحور رواية »أعمال بارْنَبا« في بدايتها (غير المُعلنة) على حادثة روحيّة وقعت في عام 478 م، في عهد الإمبراطور البيزنطي زينو Zeno، حيث أعلن آنثيميوس Anthemios  مُطران قبرُص أنّ مكان دفن القدّيس بارْنَبا قد تراءى له في حُلم، وبناءً على ذلك قيل إنّ جُثمان القدّيس اكتُشف في كهف، وعلى صدره نسخة من »إنجيل متّى« القانوني.  وذلك حسب رواية المؤرّخ المعاصر لهذه الحادثة ثيودوروس لِكتور  Theodorus Lector، الذي يُرجَّح أنّه كان حاضراً أيضاً يوم عَرَضَ آنثيميوس على الإمبراطور عظام بارْنَبا والإنجيل المذكور.
فلماذا إنجيل متّى بالذّات؟
لا ريب أنّ في ذلك إشارةً إلى مقطع يرد في »أعمال بارْنَبا« بنسختها اليونانيّة على لسان يوحنّا مَرقُس: »وشرع بارْنَبا ينشر الإنجيل الذي تلقّاه من متّى رفيقه في الدّعوة، ويُعلِّم اليهود«.  غير أنّ المتحمّسين لإنجيل بارْنَبا (بصيغته الحاضرة هذه) طفقوا يحتجّون بأنّ هذا الإنجيل ينبغي أن يكون »إنجيل بارْنَبا« ذاته وليس أيّ إنجيل آخر.  لكن نقول: الحماس وحده لا يكفي بغير اطّلاع كامل على حيثيّات المسألة الظرفيّة والمنطقيّة، فهناك طرح آخر نراه أصحّ: 
نعم، يمكن في رأينا أن يكون ذلك (على افتراض صحّة الرّواية) إنجيل متّى بالفعل، ولكن أيّ متّى بالضبط؟  نرى أنّه »إنجيل متّى الآرامي« القديم، الذي كتبه تلميذ المسيح »متّى العَشّار«، وليس »إنجيل متّى« القانوني الذي أقرّ علماء المسيحيّة (أمثال موريس بوكاي وإينوك پاول) بكونه كُتب في وقت لاحق لعصر المسيح وبارْنَبا وحتى بولُس، ما بين 70-100 م وفي روما بالذّات!
وكنّا ذكرنا أعلاه أنّ »إنجيل متّى الآرامي« (أو الإنجيل حسب العبرانيّين) هو الوحيد المقبول عند مذهب الإبيونيّة النَّصراني التّوحيدي.  كما نشير إلى أمر فائق الأهميّة (ولنا حوله شهادة عيان شخصيّة) هو أنّ الإبيونيّين كانوا حقاً يتّبعون هذه العادة في الدّفن: وضع إنجيل متّى على صدر الميت!  كما أنّ الرّواية تجعلنا نرجّح كون »أعمال بارْنَبا« تستند حقاً إلى أصل خطّي قديم وأصيل، قد يكون وضعه يوحنّا مَرقُس، ولكن تمّ تعديله وقولبته لاحقاً بحيث يخدم قضيّة »كنيسة قبرُص« المُشتجرة آنذاك.  يذكّرنا ذلك بالآراء العلميّة المعتدلة في الغرب، التي ترى في إنجيل بارْنَبا ذاته أصولاً قديمة قولَبَتها التّرجمات.
أمّا قضيّة »كنيسة قبرُص« فهي أنّ السّلطات الدّينيّة المسيحيّة كانت تناضل للخلاص من سُلطة كنيسة أنطاكية الأمّ، عن طريق إثبات أنّها كنيسة مُستقلّة أسّسها أحد رُسُل المسيح ذاته: أي بارْنَبا.  وهذا الأمر شديد الشّبه بقضيّة »كنيسة ميلانو« التي رغبت بالخلاص من سُلطة كنيسة روما عن طريق الانتساب أيضاً إلى تأسيسها على يدي بارْنَبا.  هذه الرّواية الأخيرة تستند إلى مصادر كَنَسيّة باكرة تقول إنّ بارْنَبا وصل إلى روما والإسكندريّة، وفي متن Clementine Recognition (ج 1، ص 7) يُصوّر على أنّه يعظ في روما حتى في خلال حياة المسيح ذاته، أمّا كليمنتوس الإسكندري (Stromata, ii, 20) فيجعله واحداً من التّلامذة السّبعين المذكورين في إنجيل لوقا.
فماذا كانت النتيجة؟  بالفعل، نجحت الكنيستان في دعواهما بفضل بارْنَبا الذي شاع حوله (منذ القرن الثالث الميلادي) تقليدٌ شفاهي يروي أعماله بالدّعوة بأواخر حياته واستشهاده في قبرُص.  هذا ما يجعلنا نرجّح أن »أعمال بارْنَبا« لم تنشأ أبداً من فراغ، بل لها أصول قد تكون على الأقل شفاهيّة.  وعلى ذلك، أضحت قضيّة كون بارْنَبا رسولاً Apostolos قضيّة هامّة في فترة القرون الوسطى، وجرت حولها مناظرات كَنسيّة مُستفيضة([1]).


([1]) حول ذلك راجع، بالألمانيّة:
C.J. Hefele: Das Sendschreiben des Apostels Barnabas, Tübingen, 1840.
O. Braunsberger: Der Apostel Barnabas, Mainz, 1876.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
(أعمال بارنبا) وتداعياتها التاريخية    كن أول من يقيّم
 
إذاً، فالذي جرى أنّ »كنيسة قبرُص« كسبت دعواها أخيراً، وتمّ إعلان استقلاليّتها في مَجمَع إفِسُس Ephesus عام 431 م، وثبّتها الإمبراطور زينو في عام 474-475 م، وجاءت رواية المُطران آنثيميوس 478 م المُثيرة للمشاعر لتُلهب خيال الحكّام البيزنطيّين، فتمّ بناء دير فخم لبارْنَبا في سَلاميس (حيث استُشهد) شمالي فاماغوستا بشرقي قبرُص، وعُدَّ القدّيس الحامي للجزيرة. 
وفي رواية شفهيّة متواترة بدير سوميلا Sumela في جنوبيّ طرابزون (بتُركية حاليّاً) يُقال إنّ ذخائر (relics) بارْنَبا قدّمها إلى هذا الدّير الإمبراطور يوستينيانوس كهديّة (في القرن السّادس)، لكنّها فُقدت في القرن التالي حين غَزَت قوّات الفُرس جبال الألپ الپونتيّة في حملتها على هِراكليوس (هِرَقل).
أمّا المخطوطة اليونانيّة من »أعمال بارْنَبا« - التي تدلّ لغتها على روح القرن الخامس - فقد ترجمها الباحث البريطاني جيمس ضمن كتابه:
M.R. James: Apocryphal New Testament, Clarendon Press, Oxford, 1924.
وبالعربيّة، صدرت ترجمة بقلم الباحث اللبناني اسكندر شديد في عام 1999، لكنه ترجمها عن الفرنسيّة.  ورغم محبّتنا وإجادتنا لهذه اللغة نقول له: الأصول العلميّة الصّحيحة تقتضي الرّجوع إلى لغة الأصل، وإلا فالعمل ناقص لا يُعدُّ بحال من الأحوال مستوفياً لشُروط البحث.
وكنموذج على ترجمة شديد، نسوق مثالاً من أواخر النصّ، حول مقتل بارْنَبا سنة 61 م ظنّاً (الأعمال والرّسائل المَنحولة، ص 204):
»وبعد يومين قَدِم بارْ يَشوع، وكان قد أعلَمَ الكثير من اليهود، فاجتمعوا يملؤهم الغضب، وطلبَ »بارْنَبا« ليسلّمه للحاكم هيپاتيوس.  فأمسك اليهود بالرّسول، وقيّدوه بأغلال وكانوا ينوون اقتياده إلى الحاكم، لكنّهم لمّا علموا أنّ المدعو جيبوساوس - قريب الإمبراطور نيرون - كان على وشك الوصول إلى جزيرة قبرُص، جرّوا »بارْنَبا« ليلاً إلى خارج المعبد اليهودي في الرّيف وأحرقوه، بحيث أنّ عظامه ذاتها استحالت رماداً.  فأخذوا هذا الرَّماد ولفّوه بكَفَن ووضعوه في إناء رصاصٍ قاصدين إلقاءَه في البحر.
»وأنا يوحنّا المُلقّب مَرقُس، لمّا وجدتُ في اللّيل فرصةً مُواتيةً، أتيتُ مع تيمون ورودون، فحملنا ذلك الرُّفات الثّمين وقَصَدنا الجبال.  ولمّا عثرنا على كهفٍ واقع في موضع خفيّ جداً، وضعناه هناك مع الكتابات التي تلقّاها الرّسول من القدّيس متّى.  كانت تلك السّاعة الرّابعة ليلاً، ثاني يوم من السّبت، اليوم السّابع عشر من شهر پايني بحسب المصريّين، العام مئة واثنين، واليوم الحادي عشر من يونيو بحسب الرّومان«.
*  *  *
نكتفي بهذا الحدّ حول حياة بارْنَبا وتاريخ إنجيله والأعمال المنسوبة إليه، الأمر الذي نرى أنّنا استوفيناه إلى حدّ مُرضٍ تماماً، على أن يكون لنا عودة أوسع وأوفى قريباً.  هَلُمَّ بنا الآن إلى العمل على نصّ إنجيله بالذّات:
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
أقدم الإشارات النصيّة إلى إنجيل بارنبا بمخطوطيه المعروفين    كن أول من يقيّم
 
أقدم إشارة نصيّة لإنجيل بارْنَبا في مخطوطيه الحاضرين، كانت في مخطوط يعود إلى المُسلمين الأندلسيين المواركة Moriscos  محفوظ في المكتبة الوطنيّة بمدريد (Biblioteca Nacional de Madrid, MS 9653)، كتبه إبراهيم الطّيبلي التّونسي في حدود عام 1634 م، فعند ذكره لبشارة المسيح (عليه السلام) بنبوّة سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وسلّم)  يقول:
y asi mesmo en Elanjelio de San Barnabé donde de hallara luz. 
أي: »وكذلك في إنجيل القدّيس بارْنَبا، الذي يجد فيه المرء النّور«.
وفي عام 1718 ذكره اللاهوتي الإيرلندي جون تولَند  John Toland في كتابه Nazarenus، ثمّ ذكره 1743 م الباحث الإنكلـيزي جـورج سَيل  George Sale في كتابه: The Preliminary Discourse to the Koran (ص 79).
وكان الباحث الفرنسي برنار دى لا مونوا([1]) Bernard de La Monnoie  قام في عام 1715 بوصف مخطوط ڤيينّا وصفاً دقيقاً مع ذكر لنوع ورقه وتجليده، وتكهّن أن يكون مترجماً إلى الإيطاليّة من العربيّة، وهذا غلط بَيِّن، وقع فيه أيضاً جورج سَيل عندما كتب: »ولدى المسلمين إنجيل يُنسَب إلى القدّيس بارْنَبا«، مع العلم أن أحداً من المسلمين لم يدرِ به فعليّاً قبل عام 1907-1908 م.
على أنّ أهمّ نقطة في التّاريخ المُعاصر لإنجيل بارْنَبا كانت عندما نشره للمرّة الأولى بالإنكليزيّة لونسديل ولورا راگ  Lonsdale & Laura Ragg  في أوكسفورد عام 1907 م.  وفي العام التالي 1908 صدرت التّرجمة العربيّة الوحيدة - والمفتقرة إلى المستوى العلمي - على يد خليل سعادة (1857-1934 م).
ومنذ صدوره، توالى في أوروپا النّقد الهجومي عليه، فكتب عنه الباحث الفرنسي لوي ماسينيون Louis Massignon  أن([2]): »مؤلّفه حتماً شخص مُرتدّ عن المسيحيّة وليس مُسلماً«، كما كتب عنه أيضاً أنّه([3]): »نصّ أپوكريفي بلا مِراء«.  أمّا المستشرق المجَـري إگناتس جولدتسيهر Ignaz Goldzieher  فيرى أن هذا النصّ لا أكثر من »تَخريص«([4]) Gaukelei، كما كتب بالألمانيّة.
وكائناً ما كان الأمر، فإن إنجيل بارْنَبا قد فتح بظهوره باباً واسعاً للنّقاش، في رأينا أنّه لم يستوفِ أبداً حتى اليوم ما هو متوقّع منه من آثار واضحة على الجدل الإيماني ما بين الإسلام والمسيحيّة، وعلى الدّعوة إلى الإسلام([5]).  والمؤسف أن الدّوائر الثقافيّة العربيّة تلقّته بفتور بالغ وكأنّه لا يعنيها من قريب أو من بعيد، فلم تقدّم عنه أيّة دراسات أكاديميّة ذات قيمة.  بينما تعكف على نشره ودراسته بعض المعاهد العلميّة الإسلاميّة في الهند وپاكستان.
*  *  *


([1]) ونشر ذلك في:     Menagiana, tome iv, pp. 202-14, Paris 1715.
([2]) راجع:      Revue biblique, 1908, p. 300.
([3]) راجع:      Revue du monde musulman, tome IX, 1909, p. 198.
([4]) راجع:    Die Richtungen der islamischen Koranauslegung, Leiden, 1920, p. 342.
([5]) نذكّر القارئ أننا ننحو إلى الإيجاز قدر الإمكان في التّعريف بالإنجيل وإسقاطاته المتعدّدة، عقائدياً وتاريخياً ونصّياً.  لكن هذه ليست سوى افتتاحيّة تعريفيّة لقراءة المتن، سيليها دراسة قادمة فيها توسّع وشروح وافية وجديدة.  عمدنا إلى ذلك لسببين: أوّلهما أننا أحببنا أن يستطلع القارئ الموضوع بتؤدة، ففيه من التّعقيد ما لم نرغب بالزّيادة عليه.  وثانيهما أننا نؤجل إلى بحثنا القادم نشر صورة المخطوطة الإسيانيّة، استكمالاً للواجب العلمي.  ولعلنا نفيد حتى ذلك الحين من مكاتبات القرّاء الكرام ورُدودهم الفكريّة على ما نكتب اليوم.. فالمرءُ قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه.
     أمّا من يودّ أن يهاجمنا فسوف نجيبه بجواب إسطفانوس، أوّل شهداء التاريخ المسيحي: »ربِّ، لا تحسَب عليهم هذه الخطيئة«!  والرّبّ هو الله الواحد الأحَد.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
إنجيل بارنبا في الترجمات الحديثة    كن أول من يقيّم
 
منذ صدور الطبعة الأولى على يد الزّوجين راگ (1907 م) توالت الطبعات المختلفة لإنجيل بارْنَبا.  فأولاً، نشر راگ التّرجمة الإنكليزيّة مع مقدّمة وافية حول الكتاب (في 77 صفحة)، ثم صدرت طبعة إيطاليّة حديثة تمّت المُقابلة فيها بين المتن الأصلي وترجمته بالإيطاليّة الشائعة اليوم، قام بها كلّ من أوجينيو جوستوليزي وجوزيپِّه ريتساردي:
Eugenio Giustolisi & Giuseppe Rizzardi: Il vangelo di Barnaba. Un Vangelo per i musulmani? Istituto Propaganda Libraria, Milano, 1991.
كما صدرت عن مخطوطة ڤيينّا ترجمة فرنسيّة مع مقدّمة بحثيّة ممتازة، قام بها الباحثان الإيطالي لويدجي تشيريلّو والفرنسي ميشيل فريمو:
Luigi Cirillo & Michel Frémaux: Évangile de Barnabé: recherches sur la composition et l’origine, Éditions Beauchesne, Paris, 1977.
*  *  *
وأول ترجمة إلى الأورديّة ظهرت عام 1916، وهي طبعاً مبنيّة على ترجمة راغ الإنكليزيّة، ولذلك لم تأتِ بجديد (كترجمة سعادة العربيّة).  وكان الباحث التبشيري تمپل گيردنَر W.H. Temple Gairdner كتب من القاهرة في عام 1907([1]) أن »المسلمين في مصر والهند تحمّسوا آنذاك كثيراً للإشادة بالكتاب«.  وبديهيّ أن الدّوائر الثقافيّة الأوروييّة جميعها طفقت تقدّمه على أنّه منحول مزوّر لا قيمة له، لكن الجيّد أنّه بدأت تظهر عنه اليوم دراسات مُنصِفة إلى حدٍّ ما.
وكان نبأ العثور على مخطوطة إسپانيّة منقولة عن نسخة مُصطفى دي آراندا في مكتبة فيشر بسيدني في سبعينيّات القرن العشرين، بمثابة الموجة الثانية للاهتمام بهذا الكتاب الثّمين، ووَصَف المخطوطة الباحث فلِتْشَر في مجلّة »العهد الجديد« المختصّة بدراسات الإنجيل، في لايدن بهولاندة:
Fletcher, J.E: “The Spanish Gospel of Barnabas”, Novum Testamentum, Leiden, E.J. Brill, 1976.
ثمّ نشرها بالإسپانيّة الحديثة لويس بِرنابِه پونس الباحث في جامعة آليكانتِه:
Bernabé Pons, L.F.: El Evangelio de San Bernabé: Un evangelio islamico espaňol, Universidad de Alicante, 1995.
وبلغ عدد التّرجمات التي أحصيناها حتى اليوم من إنجيل بارْنَبا اثنتي عشرة ترجمة هي: الإنكليزيّة، العربيّة، الأورديّة، الفارسيّة، الإندونيسيّة، التركيّة، الفرنسيّة، الإيطاليّة الحديثة، الإسپانيّة الحديثة، الهولنديّة، الألمانيّة، السّويديّة.  ولا ندري في الواقع إن تمّت ترجمته إلى الرّوسيّة، ولا نظن ذلك.


([1]) W.H. Temple Gairdner: The Gospel of Barnabas. An Essay and Enquiry, Cairo, 1907.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
سوء الترجمة العربية القديمة، والحاجة إلى سواها    كن أول من يقيّم
 
غير أن التّرجمة العربيّة المُتاحة حتى اليوم ترجمة سيّئة جداً، بها علل كبيرة في منهجها البحثي ومحتواها الإيماني، ولم ترتكز  إلاّ إلى التّرجمة الإنكليزيّة دون سواها..  إلا أنّنا نتمنّى أن يعود إنجيل بارْنَبا إلى الظهور في دراسات جديدة، وفي ترجمات جديدة (إلى لغات العالم الإسلامي على الأقل) بناءً على ترجمتنا الجديدة المُقارَنة هذه، على اعتبار أنها التّرجمة الإسلاميّة الوحيدة المرتكزة إلى مخطوطي الأصل، مع مرجعيّتهما النّصيّة بالأصل والصّورة.
في عام 1986 فوجئت الدّوائر العلميّة بنشر نبأ يفيد بالعثور على مخطوطة سريانيّة باكرة من »إنجيل بارْنَبا« قرب مدينة هَكّاري جنوب شرق تُركية، كما كتب حمزة بكطاش  Hamza Bektaş، في »مجلّة العلم والفن« İlim ve Sanat Dergisi (عدد آذار - مايس 1986)([1])، وفي صحيفة »تُركية« Türkiye (عدد 25 تموز/يوليو 1986).  ولكن سُرعان ما زُعِمَ (حتى قبل نشر مقالة بكطاش) أنّ هذه المخطوطة في الواقع ما هي إلا نسخة من الإنجيل القانوني([2])، لا أكثر!
غير أنّنا بطبيعة الحال لن نفقد الأمل أبداً ببُشرى العثور على أصل قديم من هذا الإنجيل النّادر الثّمين، بأيّة لغة كانت: يونانيّة أم سُريانيّة أم قِبطيّة، ولا ريب أن القدر ما زال يخفي من المُكتشفات الأثريّة ما لا يخطر ببال!  ألا يذكّرنا ذلك بحكايا العثور على نوادر الأناجيل والأسفار السّريّة النّادرة: مخطوطات قُمران، والمخطوطة السّينائيّة النّادرة  Codex Sinaiticus، ومجموعة الأناجيـل الغنوصيّة في نَجْع حْمَادي، وبَرديّات إگِرتون، وإنجيل يَهوداه؟!
إنّما حتّى ينبلج فجر ذلك اليوم الأغرّ، لا عُذر لنا في التّقاعس والتّقصير، وطالما أنّ أمامنا هنا مخطوطتين لم يعمل على تحليل نصّيهما أيّ باحث مُسلم حتى اليوم، فهيّا بنا نتصدّى معاً لهذه المهمّة أخيراً، بعد 100 سنة من الإهمال.  وهذا كله جزءٌ من خطّة علميّة طموحة، تهدف لنشر مجموعة نادرة من النّصوص الثّمينة، ستقلب كثيراً من المفاهيم والأفكار.
*  *  *


([1]) وكذلك:      “Barnabas Bible Found”, in Arabia, 4/1985, No. 41/Jan.-Febr., p. 46.
 “Original Bible of Barnabas Found in Turkey”, in: The Minaret, 12,3, Apr. 1986.
([2]) انظر مقالة:  Ron Pankow: “The Barnabas Bible?”, in: Arabia, March-April 1985.
     نقول: نميل كثيراً إلى التشكيك في نتيجة التحقيق، ونرى في مُلابسات المسألة أنّ ثمّة يداً خفيّة طمست حقيقة الأمر.  فالذي جرى يومها أنّ بعض الشبّان عثروا على المخطوطة في كهف بمنطقة جبليّة، ومزّقوا منها ورقة فعملوا عنها نسخة أطلعوا عليها بكطاش، ثم اختفت آثارهم ليُلقى القبض عليهم لاحقاً وهم يحاولون تهريبها خارج تُركية.  غير أنّ بكطاش لم يرَ سوى صورة الورقة الوحيدة، فأين هي المخطوطة الأصليّة، ومَن ذا الذي تفحّصها ليحكم عليها؟  من الواضح أنّنا أمام عملية تعمية متعمّدة!
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
وصف مخطوطة مكتبة فيينا المكتوبة بالإيطالية    كن أول من يقيّم
 
مخطوطة ڤيينّا (بالإيطاليّة):
يروي يوهان فريدْريش كرامَر  Johann Friedrich Cramer، أحد مُستشاري ملك پروسيا، أنّه لمّا كان مُقيماً في أمستردام بهولاندة حصل على هذه المخطوطة النّادرة من مكتبة أحد مشاهير وجهاء المدينة، ثم أعارها عام 1709 م للمستشرق الإيرلندي جون تولَند  John Toland، وفي عام 1713 م باعها إلى الأمير أوجين دى ساڤوا  Eugène de Savoie  (أو بالإيطاليّة: Eugenio di Savoia  أوجينيو دي ساڤويا) ([1])، الذي كان شغوفاً بجمع الكتب والتّحف النّادرة.  ثم في عام 1738 م انتقلت مكتبته بأكملها إلى مكتبة البلاط الملكي النّمساوي  Hofbibliothek  بڤيينا، التي أضحت اليوم جزءاً من المكتبة الوطنيّة النّمساوية.
والمخطوطة محفوظة اليوم في المكتبة المذكورة، تحت الرّقم: 2662، وكنّا ذكرنا أنّنا حاولنا المستحيل للحصول عليها مُباشرةً، فرفضت المكتبة الرّدّ نهائياً في سابقة لم نعتدها أبداً من الجامعات والمكتبات والمعاهد العلميّة الأوروبيّة، الأمر الذي عَدَدناه بمثابة المؤشّر السّاطع على الرّغبة في عدم نشر هذا الإنجيل!  فتدبّرنا الحصول على نسخة مصوّرة من المكتبة الوطنيّة بپاريس.
المهمّ الآن: المخطوطة بحالة جيّدة جداً ومجلّدة بإتقان على الطِّراز التّركي بجلد لونه أسود وأخضر.  قطع الورق صغير يبلغ 12.5 x 15 سم فقط، ولكن المجلّد سميك يتألّف من 250 ورقة من الورق المتين الخشن.  وكلّ صفحة محدّدة بإطار على طريقة النسّاخ الشرقيّين. 
الكتابة في مُجمَل النّسخة واضحة ومنتظمة بحبر أسود داكن، والخطّ يدلّ على النّصف الثاني من القرن السّادس عشر.  والورق يعود إلى الفترة ذاتها، مصدره شمال إيطاليا، وتميّزه علامة مائيّة بشكل مرساة ضمن دائرة.
أمّا لغة النصّ فهي إيطاليّة قديمة بلهجة توسكانيّة (من شمال إيطاليا) ولَكنة بُندقيّة واضحة جداً، لا تخلو من تصحيفات، والكاتب يستهلّ الحروف الصوتيّة بـ H: (hanno ï anno)، علماً أن هذا الحرف في جميع اللغات اللاتينية يُكتب ولا يُلفظ.  لذلك كلّه، جزم أكثر الباحثين الغربيّين أنّ المخطوطة قد تمّ نسخها بالعقد الأخير من القرن السّادس عشر (أي حوالي 1590 م) في إيطاليا، ولكن هذا نراه غير صحيح كما نبيّن لاحقاً.  خصوصاً أنّ المخطوطة لا تضمّ أيّة معلومات حول كاتبها أو مُترجمها أو ناسخها، أو مكان النّسخ أو تاريخه، لكن انتظام كتابتها وتنميقها يدلاّن بجلاء على أن كاتبها ناسخٌ مُحترف حتماً.
ولكن يبقى سؤال: لأيّ غرض تمّ نسخ هذه المخطوطة، ولمن؟  ومَن قام بنسخها؟  ثم الملاحظ - برغم اكتمال فصولها في 222 فصلاً - أنّ كلّ فصل يسبقه إطار مُعدّ لكتابة عنوان، لكن 27 الأولى منها فقط مكتوبة، والباقي فارغ.  هل كانت المخطوطة معدّة للطباعة؟  ولماذا لم يتمّ نسخها بالكامل؟  أهي نسخة ثانويّة لم تُستكمل؟  أو هل ألمَّ بالنّاسخ أمرٌ منعه عن المتابعة؟!
الأمر الآخر المُلاحظ عليها: هو أنّ عدداً من الأوراق تُرك في مطلعها فارغاً (21 ورقة = 42 صفحة)، فهل كانت هذه الأوراق متروكة لمقدّمة لمُترجم الكتاب أو ناسخه، على منوال المخطوطة الإسپانيّة ومقدّمة مُصطفى دي أراندا؟  هذا لغز مُحيِّر آخر، لكنّنا سنحاول الإجابة عليه.
وبعد، فمن أهم مزايا النّسخة أنها لا تخلو صفحة منها من وجود هوامش مكتوبة بحبر أحمر وبلغة عربيّة سقيمة للغاية، تُخالطها أحياناً مُفردات تُركيّة مثل (جوجِه، تِنبِل، وِه، سُنگر)، ممّا حمل بعض باحثي الغرب على القول بأنها من وضع رجل دين تركي (في تُركية أو قُبرُص)، مُستدلّين بأنّ التّركيب اللغوي تُركي البُنية، كتقديم المُضاف إليه على المُضاف، مثل: »متكبّر عذاب«، أو: »متكبّر كاميل بيان«، هذا فضلاً عن التّصحيف الشّديد.
غير أنّ مجرّد نظرة سريعة لمن يفقه نحو وتراكيب اللغتين العربيّة والتّركيّة، تفي بالجزم أنّ الكاتب لم يكن عربيّاً ولا تُركيّاً، بل هو برأينا ناسخ إيطالي يُقيم في وسط إسلامي تُركي، ومن الواضح تماماً أنّه مُسلم، وهو ذاته ناسخ المخطوطة بلا مُدافعة، كما يُستدلّ من الخبرة بالخُطوط.  ولكن، هل كان هو ذاته الرّاهب مارينو؟  لا نعتقد ذلك، بل سنُدلي برأينا أدناه.
حول هذه الحواشي العربيّة وتجليد المخطوطة قامت نظريات مُستفيضة: هل هما أصليّان من عصر المخطوطة، أم أضيفا لاحقاً؟  وهل هما جزءٌ من عمليّة تزوير وخداع غايته دعم أصالة الكتاب؟  وكيف يتمّ تجليد نسخة غير تامّة أصلاً؟  الباحث الأوسترالي بلاكهرست يرفض هذا الرّأي ويراه عقيماً، ويرى أنّه لو كان التّزوير وراء هذا التّجليد لكان النَّسخ أُتمّ قبله، وهذا لم يجرِ.


([1]) ساڤوا Savoie إمارة أوروبيّة كانت تقع جنوب شرقي فرنسا على حدود إيطاليا، أسّسها أومبرتو ذو اليد البيضاء حوالي سنة 1003 م، ومنه نشأت سلالة ساڤوا الحاكمة التي كان منها ملوك إيطاليا 1861-1946.  واليوم هي جزء من فرنسا.  وليس »يوجين سافوي« اسم الرّجل كما يصرّ كل من كتب عن إنجيل بارْنَبا، بالصّيغة الإنكليزية.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
فشل باحثي الغرب في استقراء المخطوطة على الوجه الصحيح    كن أول من يقيّم
 
يستفيض باحثو الغرب حول السِّمات الفيلولوجيّة للنّصّ، وأن الكاتب يستقي برأيهم من شاعر عصر النّهضة الإيطالي »دانتِه آليگييري«  Dante Alighieri (1265-1321 م) في مؤلَّفه الشهير »المَلهـاة الإلهـية« La Divina Commedia، كما يعتمد في نقل الإلماعات التّوراتيّة القديمة إلى الإيطاليّة على التّرجمة اللاتينيّة القديمة المعروفة بالڤولگاتِه Vulgate (الشّعبيّة)، وأنّ هذين دليلان على زيف النّصّ ونقله من مصادر متأخّرة!  لكن مَن قال بذلك مؤكَّد أنّه لم يُثبت سوى حقيقة واحدة: الضَّحالة المُزرية في معلوماته وسِعة اطّلاعه، كما سنرى.
ولم يُلاحظ باحثو الغرب مغزى ورود مُفردات يونانيّة بالنّصّ، فاختلطت عليهم المسائل في هذه الدّوّامة الفيلولوجيّة والنّصّيّة والدّينيّة، كتب يان سلومپ: »لا نظنّ أنّ هناك أيّة مخطوطة أخرى يمكن أن تضمّ مثل هذه الجمهرة من العناصر اللّسانيّة، ببُنية نصّها وتراكيبها وتضفير لهجاتها«.  وراح بعضهم يرجُم بالغيب أنّها من وضع شخص إسياني يعيش في إيطاليا، أو أنّها نِتاج لجالية إيطاليّة اللّسان تعيش خارج إيطاليا، ربما في الشّرق الأوسط أو قبرُص.  وتَصوّر بعض المُتفيهقين أنّها مؤلَّفٌ توسكاني دَبَجَهُ ناسخٌ بُندقيّ، أو العكس.
ختاماً: نرى أنّ هذه الآراء جميعها لم تُصب الحقيقة إطلاقاً، لا بل زادت الموضوع إبهاماً على إبهام.  والأمر بحاجة لحسمه إلى مختصّ بالفيلولوجيا يُجيد الإيطاليّة والإسپانيّة، بالإضافة إلى خبرة وافية أيضاً باللغات السّاميّة: العربيّة، الآراميّة، العبريّة، ثمّ التُّركيّة واليونانيّة، فضلاً عن الخبرة بمصادر التّوراة مع أهمّ نُسخها: السَّبعينيّة والتَّرجوم والمَسُوْراه، والمِدراش والتَّلمود والأناجيل والڤولگاتِه ومُتون الأپوكريفا.  هذا كلّه عجز عنه باحثو الغرب، فأضلّوا القارئ في موضوع شديد الأهمّيّة ذي تداعيات دينيّة كبرى.  ولكنّنا مع ذلك نشكرهم: لأنهم تركوا لنا اليوم شرف القيام بهذه المهمّة الرّفيعة والبالغة التّعقيد!
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
مخطوطة سيدني، المكتوبة بالإسبانية    كن أول من يقيّم
 
مخطوطة سيدني (بالإسپانيّة):
لا ريب أن اكتشاف هذه النّسخة المخطوطة في مطلع السّبعينيّات من القرن العشرين، قد أعطى جمهور الباحثين المُهتمّين بإنجيل بارْنَبا دفعةً كبرى إلى الأمام ومجالاً رحباً لمقارنتها بمخطوطة ڤيينا.  غير أنّه علينا أن ننبّه إلى أنّ هذه المخطوطة ليست بحالٍ من الأحوال النّسخة الإسپانيّة القديمة ذاتها التي كنّا ذكرنا أنّ الدكتور جورج سَيل George Sale وَصَفَها، بل هي نسخة منقولة عنها.
ففي عام 1743 م، أشار سَيل في مقدّمة ترجمته للقرآن الكريم (ص 79) إلى وجود نسخة إسپانيّة من هذا الإنجيل، تقع في 222 فصلاً وتبلغ 420 صفحة، كان أعاره إيّاها الدكتور هولم Holme  قسّيس بلدة هدلي Hedley (تتبع همپشاير)، ثم بعد سَيل درسها د. توماس مونكهاوس  Thomas Monkhouse عضو كليّة الملكة بأوكسفورد، فترجمها إلى الإنكليزيّة، ثم قدّم التّرجمة مع الأصل سنة 1784 م إلى الدكتور وايت  White المُحاضر في بامتون Bampton.  ونقل راگ  L. Ragg  شذرات من ترجمة سَيل في مقدّمة ترجمته لمخطوطة ڤيينا.  كما كان سَيل ذكر أيضاً أنّ لدى المَواركة Los Moriscos  بأفريقيا نسخة إسيانيّة من الإنجيل.
بيدَ أنّ هذه النّسخة القديمة التي تعاقبت عليها أيدي سَيل ومونكهاوس ووايت قد عَفَت رسومُها واختفى أثرها منذ القرن الثّامن عشر.  هكذا إلى أن تمّ العثور على نسخة سيدني التي نَسَخ نصّها الإسپاني رجلٌ إنكليزي نجهله.  وكان هذا الاكتشاف العظيم في مكتبة فيشر  Fisher  بجامعة سيدني، من بين كتب السّير تشارلز نيكُلسون Charles Nicholson، أحد مؤسّسي الجامعة وأحد أقطاب المعرفة في باكورة تاريخ استيطان مُقاطعة نيو ساوث ويلز بأوستراليا.  وعلى بعض الأوراق عُثر على شعار نيكُلسون مع مُلاحظة تعريفيّة تُفيد:  »نقلاً عن مخطوطة بحَوزة القسّ المستر إدمُند كالَمي Edmund Callamy، الذي اشتراها لدى وفاة المستر جورج سَيل.  والآن آلت إليّ بوفاة المستر جون نيكولز  John Nickolls  عام 1745«.
ومن المُحتمل أن تكون النّسخة (المنقولة) ابتيعت لمجموعة نيكولسون في إيرلندة ولدى وصولها إلى سيدني فُقدت بين أوراقه، إلى أن تمّ اكتشافها بطريق المُصادفة في المكتبة المذكورة.  وبالإجمال، يمكن لنا أن نفترض باطمئنان أنّها نسخة أمينة عن المخطوطة التي كانت يوماً ما بيد جورج سَيل وضاعت.
وفي هذه النّسخة إشارة تُفيد بأن المخطوطة التي نُقلت عنها ينقصها عدد غير قليل من الفصول (بين 120-200)، ولكنها عدا عن ذلك بالإجمال تكاد تتطابق مع نسخة ڤيينا في فحواها وبُنيتها النصّيّة والتّركيبية، ما خلا نواحٍ ثلاث:
1- ثمّة تباين بين النّسختين في ترقيم بعض الفصول الأخيرة.
2- تنفرد الإسپانيّة بخصائص في أسلوبها وتراكيبها اللغويّة ومُفرداتها.
3- ثمّة 5 فوارق نصّيّة هامّة للغاية تميّز المخطوطة الإسپانيّة: تذكر اسم الملاك عزرائيل Azrael بدلاً من أوريئيل Uriel في نسخة ڤيينا؛ كما تزيد عنها جُملتين بالغتي الأهميّة حول أنّ بطرُس كان يعرف مُسبقاً وسرّاً بأمر خيانة يَهوداه (!)؛ وأخيراً يرد بها (الفصل 91) اسم »مَصعَدة« Massada  بدلاً من  »مِصفاه«  Misfa.
غير أنّ الفارق الهائل جدّاً الذي يميّز المخطوطتين الإسپانيّتين (القديمة الضائعة والنّسخة السِّدناويّة المنقولة عنها) هو المُقدّمة التي لا وجود لها في النّسخة الڤيينّاويّة، وهذه المقدّمة التي كان أشار إليها سَيل كتبها مُترجم المتن من الإيطاليّة إلى الإسپانيّة ذاته، واسمه كما دوّنه: »المُسلم الصّالح مُصطفى دي أرانـدا  Mostafá de Aranda المولود في آمبيل Ambel التابعة لثاراغوثا Zaragoza بإقليم آراگون Aragon، والذي هو الآن إستانبولي «un Estambor (لاحظ النسبة بالإسپانيّة).  إنّما السّؤال الهام هنا: هل نُقلت النّسخة الإسپانيّة عن أصل ڤيينا الإيطالي؟  مهلاً.
ومزيّة هذه المُقدّمة لا في أنّها فقط تقدّم - للمرّة الأولى - اسم المُترجم، بل وتروي بتفاصيل شيّقة للغاية حكاية اكتشاف »إنجيل بارْنَبا«، واستخلاصه من مكتبة البابا سِكستوس الخامس Sixtus V (1585-1590 م).  وأمّا بطل هذه الرّواية فهو شخصيّة لا نعرف عنها سوى الاسـم الأول فقط: »الرّاهب مارينو«  Fra Marino، كما أنّ الرّواية لا تحدّد لنا: ماذا كانت لُغة الإنجيل الذي عثر عليه مارينو في مكتبة البابا؟  الإيطاليّة؟ أم أنّه هو الذي ترجمه إليها؟  ومنه أتت نسخة ڤيينا؟ ثمّ ترجمة مُصطفى دي أراندا؟  أسئلة كثيرة وشائقة ومُثيرة سوف نجيب عليها في الفصل التالي بنظرية شاملة وجديدة لنا حول حقيقة هذا الإنجيل المُتناهي الأهميّة.
ختاماً: غنيٌّ عن القول أنّ طبعة راگ وترجمة سعادة لم تحظيا بهذه النّسخة الإسپانيّة، ولا بمقدّمتها التّعريفيّة التي تكشف بتشويق كبير بداية الفصل الأوّل من هذه القصّة، والتي سوف ننشرها للمرّة الأولى كاملةً بالعربيّة.
*أحمد
5 - نوفمبر - 2007
 2  3  4  5  6