مغامرة المملوك صارم
الدين
أوزبك الأشرفي
ورحلته من حلب إلى الموصل فالشام
في عام 658 هـ / 1260 م
كنت في كتاب لي بعنوان: »دمشق في عصر سلاطين المماليك« صدر عام 2005 نشرت نصّاً على غاية من النّدرة، يمثل وثيقة فريدة لشاهد عيان أدرك حصار التّتار لمدينة حلب، وتوجّه في جولة استطلاعية إلى دمشق، فقام بدور هام للغاية على صعيد الاستخبارات والعمليات، أسهم أكبر الإسهام في انتصار جيش المماليك على التّتار وسحقهم بالكامل في معركة عين جالوت عام 658 هـ. الغريب في الأمر أن بطل هذه الرّواية لم يكن من كبار القادة الحربيين، أو حتى من الأعيان، بل كان مجرّد »مملوك« بسيط سَمَت همّته إلى همم الملوك، فترك في تاريخنا بصمة كبيرة، نأسف أنها لم تُدرك نصيباً من الشّهرة، حتى أن نشرتنا لها كانت الأولى من نوعها في نصّ مطبوع بالعربية!
غزا التَّتر الشام، فاحتلّوا دمشق 3 مرّات في عصر المماليك: الأولى سنة 658 هـ بقيادة هولاكو شقيق خان التَّتر الأكبر وحفيد جنكيز خان، والثانية سنة 699 هـ بقيادة غازان ابن أخيه، والثالثة سنة 803 هـ بقيادة تيمورلَنك. والنص الذي ننشره الآن يتعلّق بالغزوة الأولى منها.
* * *
في نهاية عام 657 هـ، بعد أن قضى هولاكو على الخلافة العبّاسيّة في بغداد، زحف باتجاه الجزيرة ثم بلاد الشام وأحكم الحصار حول حلب - المدينة الأولى التي صادفها في طريقه - وكانت تلك بداية المحاولة الهادفة إلى غزو مصر، وبالتالي إحكام سيطرة التَّتر على المشرق الإسلامي. كان من جرّاء هذا الزّحف المدمّر أن تقطّعت أوصال دولة بني أيّوب التي أسّسها عام 569 هـ السّلطان النّاصر صلاح الدّين، ولم يجد سلطان دمشق الملك النّاصر يوسف الثاني بُدّاً من الفرار ومعه أهله وحاشيته صوب ساحل فلسطين، آملاً الالتجاء إلى حكّام مصر من بني أيوب. غير أن مقاليد مصر كانت قد انتقلت للتوّ آنذاك إلى أمراء المماليك، فأسّسوا فيها سلطنتهم الجديدة باسم: دولة مُلوك التُّرك البحرية.
ما لبثت حلب أن سقطت بيد التَّتر في 9 صفر سنة 658 هـ (كانون الثاني 1260 م)، فبذلوا السّيف في أهلها من نهار الأحد إلى الجمعة رابع عشر صَفَر. ثم أمر هولاكو برفع السّيف، ونُودي بالأمان، ولم يسلم من أهل المدينة إلا من التجأ إلى دار عَلَم الدّين بن قَيْصَر الموصلي، ودار شهاب الدّين بن عمرون، ودار نجم الدّين أخي مردكين، ودار البازيار، والخانقاه التي فيها زين الدّين الصُّوفي، وكنيسة اليهود. وذلك لفرمانات كانت بأيديهم من قبل التّتر، فسلم من القتل ما يبلغ خمسين ألفاً.
وبلغ الملك النّاصر بدمشق أخذ مدينة حلب، فانزعج وداخَلَه الرُّعب، ورحل من دمشق بمن بقي معه من العسكر إلى جهة الدّيار المصريّة، وبعد رحلة قصيرة تمكّن التَّتر من القبض عليه وعلى أخيه الملك الظاهر غازي، قبل أن يدخلا أرض مصر، فوجّهوا بهما إلى هولاكو، فأمر بضرب عنقيهما على الفور. |