ترجمة موجزة لتلك الشخصية الفريدة في زمننا، التي تاجرت للشعر لا به، وأحيت عكاظه ومنحت رواده، ورفدت ينابيعه بكل شعر صفي نقيز وتلك حقيقة يعرفها كل معاشر للبابطين إنسانًا وشاعرًا ومثقفًا. وهذا ما يتضح في جهدي هذا الذي أعده توثيقيًّا في المقام الأول:
حياة البابطين وجهوده :
فى هذا الجو المؤثر جغرافيا وسياسيا وثقافيا وشعريا وجد عبد العزيز سعود البابطين، الذي ولد عام 1936م بالكويت، ولم يكمل تعليمه ، لكنه منذ صباه قرأ بشغف لفحول الشعر العربي وتأثر بهم0
وقد عمل فى دائرة المعارف [وزارة التربية حاليا] عام 1955م، وتركها عام 1961م ليتفرغ للعمل الحر، الذى بدأه عام 1956م، ثم توسع فى أعماله التجارية حتى صار من أبرز رجال الأعمال فى الكويت. كما صار صاحب النشاطات الاجتماعية والإنسانية والثقافية العديدة، إذ أنشأ مؤسسة بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا 1974م، والتى تشرف وتنفق على عدد كبير من الطلاب العرب والمسلمين([9]) 0
إنه اقتصادى ناجح، ومحسن كريم، يعد أحد صناع مئات، إن لم يكن ألوف الوعاظ الإسلاميين، حيث يعين نوابغ من مختلف بلدان العالم التى يضطهد فيها المسلمون ويكبل فيها الإسلام، فيلحقهم بالأزهر الشريف بالقاهرة وغيره من المعاهد العلمية على نفقته الخاصة الكاملة، لعلهم بعد تخرجهم ينفعون دينهم وبلادهم، بنشر صحيح الدين فى ربوع العالم وأنحائه المختلفة. هذا إضافة إلى مساهماته المادية الكثيرة أثناء الأزمات والكوارث([10]) 0
وتزداد شخصية "البابطين" سموا وسموقا بإسهامه فى الحركة الأدبية إسهاما فعالا. إذ إنه- امتداد للاحتفاء الواضح بالشعر أبى الفنون، وقمة الإبداع العربى، وبالشعراء العرب، واستمراراً لأعمال الأدباء التى دارت حول الشعراء، واحتفظت لنا بنماذج من أشعارهم - أنشأ ذلكم التاجر الأديب "مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى" عام 1989م، وذلك لرعاية الحركة الشعرية العربية ودعمها، وقد نشرت تلك المؤسسة سلسلة إصدارات شعرية ونقدية ، من أهمها معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، الذى يعد أول عمل موسوعى تتولى المؤسسة صناعته وتأليفه بطريقة ابتكارية لم يسبق إليها، تقوم على الجمع الميدانى، والاتصال المباشر بالشعراء واستكتابهم سيرهم الذاتية، واختيارهم بأنفسهم نماذجهم الشعرية، التى يرونها أفضل ما يمثل فنهم الشعرى"([11]).
ونظرا لهذه الجهود السامقة حصل "البابطين" على الدكتوراه الفخرية من جامعة طشقند عام 1995م، وعلى تقدير لدوره فى رعاية الحركة الثقافية من جائزة الملك فيصل، وعلى العضوية الشرفية لجمعية "فاس سايس" المغربية، وعلى عدد كبير من شهادات التقدير والميداليات([12]) .
ويزين الإبداع الشعرى ملامح شخصية البابطين المتوازنة، فقد أبدع أشعارا متنوعة المبنى والمعنى، منذ الخمسينيات حتى آننا هذا. وقد نشرت بعضها فى العديد من "الصحف والمجلات العربية الشهيرة السيارة، مثل: الشرق الأوسط، والعربى، والقبس، وأخبار الأدب([13]) .
ولا عجب في ذلك؛ فالبابطين قد نشأ في ظل أسرة عرفت بالعلم والأدب والشعر،فقد كان والده شاعرا نبطيا، وعمه الشيخ عبد المحسن إبراهيم البابطين ـ الذي كان قاضيا في الثلاثينيات ـ شاعر كذلك،وخاله ـ نسبا ـ الشاعر محمد بن لعبون أمير شعراء النبط في الجزيرة والخليج(1790ـ1831م).
ومن ثم أحب البابطين الشعر عن وراثة وأصالة، منذ طفولته وصباه، وتابع الشعراء، وقرأ الكثير من إبداعهم وسيرهم، فتأثر بذلك كثيرا، وكتب أول قصيدة ـ وكانت من الشعر النبطي ـ وعمره إحدى عشرة سنة. أما أول قصيدة بالفصحى فكانت بعد ذلك بقليل، عام 1951م.
وجمع بعض أشعاره فى ديوانه الأول "بوح البوادى" الصادر فى عام 1995م والذى صدرت حوله مجموعة من الدراسات النقدية المتنوعة فى مناهجها وأحكامها. وسنتناوله بالدرس والتحليل فى قادم الصفحات بمشيئة الله تعالى.
إن "البابطين" إنسان ينسج الكلام كما ينسج المكارم، ويدبج الصحائف كما يدبح المآثر، يضاهى فى مسيرة حياته الأستاذ عبد العزيز الرشيد، أحد رادة التثقيف والتنوير فى الكويت ، "الرجل الذى كان أديبا وفقيها يقرض الشعر، ويجيد التجارة، ولم يرض أبدا بالحيز الضيق الذى ولد فيه، لذا فقد جعل من الكويت - كما فعل المئات من التجار والبحارة - نقطة انطلاق إلى محيط العالم الأوسع ، وهو محيط لم يقتصر على الدائرة الخليجية اللصيقة ، ولا الدائرة العربية التى تتسع قليلا، ولكن على الدائرة الإسلامية الأوسع والأكبر شأنا"([14]) 0
هكذا عاش "البابطين" وما زال، لأنه نتاج طبيعى لمجتمع عربى مسلم مفتوح على العالم ، لديه تفتح ذهنى واستعداد خاص لتقبل كل جديد مفيد، وإبداع كل فن ممتع لذيذ، بحيوية ووسطية، تتحاور مع الآخر بإنسانية سامية لا كبر فيها ولا خضوع 0
|