البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الجغرافية و الرحلات

 موضوع النقاش : رحلة إلى الإمارات العربية المتحدة    كن أول من يقيّم
 سليمان 
23 - أكتوبر - 2007
 
 

رحلة إلى الإمارات العربية المتحدة

خواطر وارتسامات

 
 

د. سليمان القرشي*

 
ألو  العزيز نوري الجراح، أنا هنا في مطار دبي.
بهذه العبارة افتتحت حلولي بأرض  الإمارات العربية المتحدة، كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف صباحا من يوم الثلاثاء 22  نوفمبر 2005، لم تكن مناسبة تتويجي فائزا بجائزة ابن بطوطة لتغطي على حدث زيارتي لهذا البلد الذي بنيت صورته من خلال شاشة التلفزيون حيث الفخامة والأبهة وحيث برج العرب يشمخ في كبرياء.
كان السائق الباكستاني في انتظارنا، أنا ورفيقي الطائع الحداوي الحائز على جائزة ابن بطوطة فرع الدراسات، تبادلنا مع السائق تحية لا تتجاوز حدود الواجب، وركبنا السيارة التي لم تمهل نفسها كثيرا، إذ سرعان ما تخلصت من منعرجات المطار وطرقه الملتوية لتأخذ طريقها نحو أبو ظبي قاطعة كل المسافة في حدود الساعتين إلا ربع.
وفيما أسلم رفيقي نفسه للنوم، قاومت أنا إغراء إغفاءة افتقدتها ليلتين كاملتين، لا أنكر أن السبب كان لهفة الاكتشاف ورغبة التعرف على معالم البلد الليلية، ولكن بجانب هذا السبب كان هناك الخوف من أن يركب  سلطان النوم الجميع بمن فيهم السائق.
حمدا لله على السلامة، قالها السائق وهو يتخلص من حقائبنا وربما منا أيضا، كان مكان إقامتنا شقة في الطابق الأول من برج يتوسط أبو ظبي، وكم كانت مفاجأة جميلة حين وجدنا في استقبالنا كلا من نوري الجراح والباحث العراقي شاكر لعيبي الذي عرفته في الرباط خلال شهر نوفمبر من سنة 2003 والتقيته ثانية في الجزائر العاصمة ليتوالى التواصل بيننا عبر شبكة الإنترنيت.
 
 
في دارة السويدي:
كنت حريصا على ارتداء الزي التقليدي المغربي أثناء حفل تسلم جائزة ابن بطوطة، ولعل هذا ما جعل السيد سفير المملكة المغربية يتعرف علي بسهولة ليهنأني بدبلوماسية رفيعة ولباقة عالية على الجائزة وليسألني بعدها عن شخصي ومشاريعي المستقبلية في مجال البحث والدراسة، ولقد استوقفني هذا عند علاقة الزي بالهوية وتساءلت للحين عن مصير اللباس في ظل العولمة. كما أن روح صديقي الراحل الدكتور سعيد الفاضلي كانت تتأبطني، أحسست بها بقوة، واحترمت وجودها، وأعلنته للجميع من خلال الحديث المسهب عنه.
في دارة السويدي، وبحضور جمهور نوعي، تم الحديث أولا عن مشروع ارتياد الآفاق وبرامجه وآفاق عمله، قبل أن يتم  تسليمنا الجائزة، وخلال الكلمة التي أعطيت لي بالمناسبة، تحدثت كما يتحدث جميع المثقفين حين تتاح لهم الفرصة، طلبات وأمنيات وأحلام ومشاريع تتدفق مسابقة الزمن.
وأنا أتجول ببصري في رحاب الإقامة الفخمة للسويدي، وأستمتع بدفء الحضور وحرارة الاستقبال، رددت بيت الشاعر الأندلسي الأعمى المخزومي بشيء من التحوير والتدوير:
دار السويدي ذي أم دار رضوان  ما تشتهي النفس فيها حاضر دان
 
في رحاب المجمع الثقافي:
كانت مداخلتي مبرمجة ثانية في اليوم المخصص لتقديم الأعمال الفائزة بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي بعد مداخلة الأستاذ شاكر لعيبي، كان وصولنا إلى المجمع الثقافي قبل الجميع، وخلال الهامش الزمني الذي سبق انطلاق الندوة عملنا على اكتشاف أروقة المجمع الزاهية وأجنحته الباهية، حيث تستعيد القراءة طقوسها المقدسة، ويغدو الجمال محتضنا لجميع الحواس، بحث شاكر لعيبي خلال هذه الجولة القصيرة عن مكان ليطلق فيه لسيجارته العنان، فلم يكن غير مدخل البناية العملاق حلبة لهذا التجاذب بين الإنسان والدخان، وفيما راح الدخان يسرح بحرية في الفضاء، كنت أسترجع العناوين الصادرة عن المجمع، وأستحضر من خلالها فعل الكتابة الأندلسي وفعل التحقيق المغربي وفعل الطباعة والإخراج المشرقي، تزاوج علمي رصين أثمر مجموعة من العناوين التي اتخذت حللا زاهية تليق بمكانة الكتاب العربي وتحببه للقراء المفتقدين.
 
مع الشاعر محمد ولد عبدي:
وفيما كانت صرامة الشاعر نوري الجراح وهو يسير الجلسة تقف حاجزا دون أسئلة عبد الله الحبشي التي أمطرت في اتجاه شاكر لعيبي، كنت ابحث عن الشاعر الموريتاني محمد ولد عبدي لأجيبه عن سؤال حول مدى تأثير المذهب المالكي في تشكيل نظرة أبي سالم العياشي ـ صاحب الرحلة التي قمت بتحقيقهاـ لأهل المدينة المنورة، ولكنه اختفى عن الأنظار فجأة ليظهر ثانية في جلسة المساء ونحن في المصعد المؤدي لقاعة العروض، حاصرته بأسئلتي حول المجمع وطريقة عمله وبرامجه وكيفية التعامل معه وإمكانية النشر فيه،،، والسبحة في يده، كان يجيب عن أسئلتي بلباقته المعهودة وصبره الصبور… وعلى أنغام خليجية انطلقت بنا سيارته في المساء لاكتشاف زوايا أبو ظبي، شدني الكورنيش ببهاء أضوائه ولطف أجوائه، أثارني ما ارتسم على صفحة المياه من أضواء، فيما اصطفت بنظام وانتظام على الجانب الآخر أبراج مشيدة تبدو حديثة العهد،،، وبمطعم لبناني فاخر كان تناولنا للكباب المشكل والتبولة وأكلات أخرى لبنانية كثرت فيها البهارات، وامتزجت فيها الروائح التي تذكر بشرق ألف ليلة وليلة.
 
في جبل داد:
انطلقت بنا السيارة بسرعة نحول جبل داد الذي حرص الشاعر محمد أحمد السويدي على أن نقوم بزيارته، لدى خروجنا من أبو ظبي كانت معالم الصحراء تظهر تارة وتختفي أخرى، وانطلق صوت بالغناء، كان غناء عراقيا شد بمواويله انتباه الجميع، وفيما ردد الكل مقاطع معروفة لفيروز، رحت والطائع الحداوي نردد مقاطع من أغنية عبد الوهاب الدكالي :  ما أنا إلا بشر عندي قلب ونظر... لم يتجاوب معنا غير نوري الجراح، بينما راح علي كنعان ينظر نحونا وابتسامته تعلن عما يجول بخاطره من أسئلة عما نقول،،، فيما راح الصحافي الإيراني أحمد حيدري يسألني عن كلمات الأغنية كلمة كلمة، ويسأل عن معرفتنا بالأغنية الإيرانية،،، وعاد الحديث معه مرة أخرى للموضوع ونحن بالشقة التي احتضنته فيها غرفة من غرفها الخمسة.
كان بيت الشاعر العربي طرفة بن العبد:
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً       خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
 مؤثرا بشكل كبير في زيارتنا لجبل داد، ونحن الذين ألفنا الجبال وعلوها في المغرب ماذا سنكتشف من جديد هنا ؟. كانت المدة الزمنية لبلوغ هدف الرحلة تتعدى الساعات الثلاث، لا أخفي قارئ هذه الورقات سرا إذا قلت إني حييت في شاعرنا العربي روحه الشاعرة المرهفة وتخليده شعريا لهذا المكان أو لنظيره وهو الذي لم يكد يلامس في أحاسيسي شيئا يذكر ... تذكرت بحثا لي عن علاقة الشعر العربي بالمكان، تذكرت كذلك أني لم أتمم الدراسة، فقر عزمي أن أعود إليها وأستثمر فيها شعر السويدي لكني خجلت أن أسأله إعطائي بعضا من شعره، فكرم الرجل غمرنا، والمثل الدارج عندنا في المغرب يقول: إذا كان حبيبك عسل لا تلعقه كله.
 
قبور أهل الردة:
بعد زيارتنا لجبل داد ذهبنا رأسا إلى زيارة مقبرة أهل الردة، وهي مقبرة محاطة بسور تؤثثها أحجار بمثابة شواهد دالة على قبور أصحابها،،، وقفت رفقة الشاعر علي كنعان وزوجته فاطمة والباحث اليمني عبد الله السريحي ومحمد ولد عبدي، ودار السؤال حول حقيقة المقبرة، وفيما بدا الشك على تعليقات الجميع، تسابق الباقي نحو أركان المقبرة لأخذ صور تذكارية.
في فندق الميريديان بالفجيرة كان غداؤنا،،، الفندق فخم بامتياز، خلت أن نجومه تضيق  بعددها الخماسي، وبشكل باذخ تعاون البحر والجبل والصحراء لتوفير فضاء للفندق الذي ضم كل الأجناس، ووفر كل الأجواء،،، وتساءلت فيه إن كانت أجرتي خلال شهر كامل توفر ثمن المبيت ليلة واحدة، وخلال هذا فاجأني أحد المرافقين إن كان ثمن الجائزة يفي بهذا الغرض،،، ضايقني السؤال وأحسست حينها بمدى فقري وحاجتي.
 
القرية الإلكترونية:
كثيرا ما كنت أقرأ على مطبوعات مشروع ارتياد الآفاق عبارة "الصف الضوئي: القرية الإلكترونية"، فيذهب بي الخيال تحت تأثير الاسم إلى قرية كاملة مخصصة للمشروع، قرية من قبيل القرية السياحية أو القرية النموذجية أو القرية الرياضية أو غيرها من القرى التي نسمع عنها بين الحين والآخر،،، ولكن قريتنا هذه كانت شقة في برج لعله من الأبراج الأولى في أبو ظبي، شقة تضم أربع حجرات بمكاتب متعددة يشتغل فيها ما لا يزيد عن ستة أشخاص،،، أيمن حجازي الذي كان ودودا للغاية، وناصر الذي رسم لي صورة بقلمه في أقل من خمس دقائق، ومحسن خالد الذي يذكرني دائما بشخوص الطيب صالح الروائية، هل لأنه سوادني الجنسية؟. ربما. والذي اختفى بدون مقدمات ولم أره إلا مرة واحدة أثناء مراسيم تسليم الجوائز. ومنذر الذي يتحرك باستمرار ويحرص على ضبط الأمور وتسجيل المواعيد في هاتفه النقال المتعدد الاختصاصات، والمايسترو نوري الجراح، هذه هي القرية الإلكترونية التي أخرجت عشرات الرحلات، وهذا هو الطاقم المشرف على هذا المشروع العربي الرائد،،، تحية إجلال وإكبار لهذه المجموعة التي عانت من أسئلتنا الملحاحة والكثيرة التي لا تحترم وقتا ولا تراعي غير أنانيتنا الأدبية الضيقة... هنيئا للشاعر محمد أحمد السويدي الذي وفق في إدارة خلية النحل هذه.
 
وداعا دبي:
بعد ليلة بيضاء، انطلقت بنا السيارة في حدود الرابعة صباحا باتجاه مطار دبي الدولي،،، كانت الأحداث والمواقف تتزاحم في مخيلتي، وصلنا حدود الساعة السادسة صباحا، كانت خيالات الأبراج المتهاوية على صفحات الماء تودعنا، ران صمت عميق، لم أتبادل مع السائق أو مع الطائع الحداوي ولا كلمة،،، حقيقة يصعب فراق هذه الأجواء،،، تمنيت لو أتيحت لي الفرصة لزيارة البلد ثانية.
هنا مطار الدار البيضاء الدولي:
خلوت إلى نفسي في مقعدي بالطائرة،،، كانت المسافات تختزل بسرعة فائقة،،، والشاشة الإلكترونية أمامي ترسم مسار الرحلة،،، تذكرت أبا سالم العياشي وهو يتزود الفول من مصر علفا لراحلته، ترحمت على الرجل بصدق، تردد إلى ذهني مرارا كلمات الشاعر محمد أحمد السويدي وهو يودعني بباب إقامته الفخمة: سنزوركم قريبا بالمغرب،،، قررت أن أدعوه للغذاء ببيت عائلتي المتواضع، إذ أني لا أملك لحدود الآن بيتا خاصا،،، ارتسمت على شفتي ابتسامة ظننت أن التعب كان ظاهر في جغرافيتها،،، حطت الطائرة في مطار الدار البيضاء الدولي في حدود الساعة الواحدة من يوم السبت 26 نوفمبر،،، كانت الأمطار تهطل بغزارة،،، حمدا لله على السلامة،،، قالتها مسافرة ونحن على متن القطار في اتجاه مدينة الرباط.
 
·       كاتب وباحث من المغرب
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
أحيا الله قلبك بالحكمة    كن أول من يقيّم
 
 
 هذا أخي الدكتور سليمان القرشي يعيد على القلوب عهدا باهرَ الضوءِ من عهودِ رُقِيّ الكلمة العربية في مجال الرحلة والبيان الجزل ،
فلله دَرُّك من كاتب متفنن ،
سبحت بعقولنا في أبحر الفكر ، ورياض الكرام في بلد الأريحية والنُّبْل ،
وكم تمنيت أن أساجل هذه الخُطى فما طاوعني القلم ،
فرضيت من الغنيمة بكلمات إعجابي وتحياتي لصاحب هذه الرحلة وأصحاب تلك الديار .
*منصور مهران
23 - أكتوبر - 2007
شكر وتحية    كن أول من يقيّم
 
أستاذي الفاضل منصور مهران، لقد جعلتني أرحل نحو عوالم الخجل، إذ لا طاقة لحَملي الصغير برفد ثمين كلماتك... وإني إذ أحيي فيك القارئ المنتج والفاعل الذي يشكل المفتاح الحقيقي لنهوض الأدب العربي، لأحيي فيك أيضا أديبا رفيع الذوق...
ولا تفوتني الفرصة لأشير إلى أنن أدب الرحلة يشكل جسرا حقيقيا لعبور الأدب العربي نحو ضفاف العالمية، وذلك للنوافذ الكثيرة التي يفتحها هذا الأدب... الف شكر،،، وألف تحية...
*سليمان
24 - أكتوبر - 2007
مِن طالب    كن أول من يقيّم
 
الدكتور الفاضل سليمان:
أسعدني جدًّا حلولك ضيفـًا عزيزًا فريدًا على موطني، كما أعجبتـْني تلك اللآلئ الناصعة التي جاد بها يراعك وصفـًا لها، ولا أستطيع إخفاء انبهاري بإبداعك للكلمة العربية الساحرة التي تأخذ بالألباب ، واللهم لا حسد.
بارك الله فيل وأبقاك ذخرًا للإسلام والعربية ونفع بك الأجيال .
طماح الذؤابة 
*طماح
23 - مايو - 2009