عن أسماء القرى والمدن الفلسطينية كن أول من يقيّم
أخي الكريم الدكتور أحمد ، ولك محض الود ، وكثير من التقدير ، وبعد فأنت لا تدري مبلغ سعادتي بخبرتك ومتابعاتك ، وحديثك عن أثر كتاب الدكتور زكريا وعلاقاتك تدل على أنك تقول عن دراية وكفاية . أوافقك الرأي على أن معرفة اللغات السامية ضرورة في تقصي موضوع الأسماء ، كما أن معرفة اللغات التي دخلت أرض العرب في الفترات الأولى هي ضرورة كذلك . وأصدقك _ من جهة أخرى _ أننا لو وقفنا على كل لفظة وأردنا إجراء التحولات عليها في مستويات الدلالة والصرف لأربكنا الموضوع ، وقد لا نصل إلى قرار واحد . وهذا بالطبع لا يحول دون الرحلة في رحاب اللغات وموازناتها واستقراضها من بعضها البعض ، واستخلاصنا لنتيجة قد يوافق عليها البعض وينكرها الآخر . وكم أحب أن أقرأ لك أبحاثًا صدرت في هذا الميدان ، وأنتظر عودتك الميمونة إلى مصادرك ومراجعك لتثري القراء بما يتفتق عنه ذهنك ، فنحن بانتظار مادة "دمشق "، ومادة " غريب لغة القرآن " ، وكل موضوع قد يفيد العلم ومنهج البحث . وأصدقك أنني لمست فيك العلمية من خلال موقفك الذائد عن كتاب أستاذنا أنيس فريحة ، ورفضك لكل تعصب غير مبرر . وأحب هنا أن أضيف مقالة كنت قد تناولتها ونشرتها في كتابي ( أدبيات _ مواقف نقدية ) - القدس - 1991 ، وهو مثبت في موقعي : وهي بعنوان _ أسماء القرى والمدن الفلسطينية ، وأنا على يقين أن لك أكثر من تعليق عليها ، وسأضعها بين يديك أيها الأخ الكريم : معنى أسماء القرى والمدن الفلسطينية من الدراسات الجادة التي يجب أن تجدّ على المواضيع الفلسطينية – دراسة – في تصوري ستكون أطروحة يتفرغ لها صاحبها بضع سنين . ومجال الدراسة عماده استقصاء معاني الأسماء الفلسطينية في القرى والمدن ، ذلك لأن الأسماء بغالبيتها ليست عربية الأصل ، والباحث حري به أن يدرس اللغات السامية وخاصة الآرامية والكنعانية والفينيقية والعبرانية ، كما عليه أن يدرس اليونانية واللاتينية . وأهمية هذا البحث تنطوي في دراسة الشعوب التي تداولت البلاد والأسماء التي خلفوها وعلاقة الاسم بالمسمى ، وبالتالي فهي دراسة " تاريجغرافية " ، فمن منا لا يحب أن يعرف معنى اسم مسقط رأسه .... وحتى ولو كان اللفظ في أي لغة ؟ أليست هذه بالتالي تصب في عروق الجسد الفلسطيني وكينونته ؟ ومن ملامح هذه الدراسة كما أفترض : أ) أسماء قد تكون من مصدر واحد – فالرام ورامة ورامين ورمون... وربما رام الله قد تكون من أصل واحد وذات دلالة متقاربة ، وهكذا عارة وعرعرة وعارورا ، والتساؤل مطروح حول عيبال وعيلبون وعبلين . وتصوري أن جلجولية وقلقيلية كانتا في الأصل اسمًا يجمع بين الحرفين يبدأ بحرف القاف الخفيفة على طريقة الجيم المصرية . ومن الأسماء المتشابهة كذلك عنين – عناتا .... جنين ( ووردت أيضًا جينين ) – جينيه ، برقة – برقين – بروقين ، بعنة – بعينة ، فرعون – فرعتة ، عابود – عبدة – عبيدية ، بيتونيا – بيتين . ب_ أسماء تتكرر في مناطق مختلفة من البلاد ، فبرقة في منطقة نابلس وبرقة في منطقة الخليل ، وخرسة في منطقة نابلس وأخرى في منطقة الخليل ، وجت في المثلث وجت ( جث ) في الجليل بالاضافة الى جيت في منطقة نابلس ، وبيرة في منطقة رام الله وأخرى في منطقة الخليل ، وعرابة في الجليل وأخرى في منطقة طولكرم ، وجلجولية في المثلث وجلجولية في منطقة رام الله ، وطمرا في منطقة عكا وأخرى في مرج بن عامر ، وجبع في منطقة جنين كما كانت جبع في منطقة حيفا بالاضافة الى جبعة في منطقة الخليل . ج) أسماء مركبة ومنها : نصفها الأول عربي اللفظ والنصف الثاني أعجمي ، أو لنقل غير واضح المعنى ، كالأسماء التي تبدأ بِـ :بيت : بيت ليد ، بيت الروش ، بيت ريما ، بيت فوريك وغيرها . كفر : كفر دان ، كفر كنّا ، كفر كما ، كفر ياسيف ( وازن اسمًا آخر لقرية أخرى هي يا سوف ) ويرى البعض أن كلمة " كفر " ليس عربية بدليل استعمالها لكل قرية من القرى الرومانية الأثرية . خربة : خربة خزعة ، خربة عينون ، خربة جدور . بير : بير نبلا ، بير أجزا ، بير ( السكة ؟ ) . أبو : أبو سريحان ، أبو غوش ، أبو ديس ، أبو ( سنان ؟ ) . أم : أم علس ، أم القطف ، أم الزينات .... وقد يكون النصف الأول غير واضح الدلالة والنصف الثاني عربي اللفظ : باقة الغربية ( أو باقا ...) – باقة الشرقية – باقة الحطب ، عصيرة الشمالية – عصيرة القبلية ، بيت عورا الفوقا – بيت عورا التحتا ، بيت الروش الفوقا – بيت الروش التحتا . ويجدر ذكرة أن اسمي باقة الغربية وباقة الشرقية وردا ضمن أسماء قرى أخرى في كتاب المقريزي " السلوك لمعرفة دول الملوك " ، الجزء الأول القسم الثاني في حديثه عن حوادث سنة 663 هـ ، كما وردت هذه الأسماء في كتاب " كنز الدرر وجامع الغرر " للداواداري المتوفى سنة ( 713 هـ ) ، وكلا المؤلفين يتطرقان إلى تقسيم الظاهر بيبرس البلاد بين أعوانه بعد أن انتصر على الصليبيين . ويثير استغرابنا ورود أسماء كثيرة في هذين الكتابين منها طور كرم ( المقصود طولكرم ) وطيبة الاسم ( بدلا من الطيبة في المثلث ) وحتى القرية الصغيرة يَمّا واردة في هذا التاريخ . د) أسماء لها علاقة بموضوع واحد : العنب : طور كرم ( طولكرم ) – عنبتا – باقا ( إذا كان الاجتهاد القاضي بأن أصلها باخوس إله الخمرة صحيحًا ) الوقود : أم الفحم ، فحمة ، باقة الحطب ، كوسية . الزيت : بير زيت ، زيتا ، زيتا جماعين ... هـ) صيغ وتراكيب معينة كالألف في نهاية حيفا ، يافا ، عكا ، يركا ، يتما ، عناتا ، كتابا ، معليا ، زيتا ، حزما وغيرها . وكالياء والنون في بيتين ، بلعين ، جينين ، برقين ، قفّين ، جماعين ... وثمة صيغ وتراكيب أخرى . وفي ظني أن أسماء الأماكن في جبال وأنهار ووديان وبقاع وقطع أراض لها أهميتها في هذا البحث . ومن المصادر العربية التي يجب النظر فيها " كتاب معجم البلدان " لياقوت الحموي ، ففيه ذكر لدبورية مثلا - التي كانت تشتهر بتمورها ، ومن الكتب الهامة " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم " و " الأنس والجليل ...." للمقدسي . كما أرى ضرورة الاهتمام بما كتب في اللغة العبرية في هذا المجال فهو كثير غزير ، حتى ولو أن بعضه كتب بغير موضوعية في محاولة لجعل هذه البلاد عبرية صرفًا ، فالحصيف ينخّل . ويحسن أن يقوم الباحث بزيارة القرى والبقاع ويتقصى الرواية الشفهية كما يرويها الشيوخ ، وجدير بتسجيلها دون التقيد بها . ولا بد من الإشارة إلى محاولة السلطات الإسرائيلية تبني الأسماء القديمة وتقريبها إلى العبرية ، فبالقرب من عنبتا أقاموا عيناب ، وبالقرب من الناصرة بنيت نتصرات ، وكيبوتس ميتسر يزاحم قرية ميسر ، ومعلوت تجابه معليا ......... ومن الملاحظ بالذات أن الكلمات العبرية هي التي تحمل دلالة واضحة ، ويبدو أن هذا أسلوب آخر للاغتصاب . فهل من طالب يسعى منذ اليوم - ولن يعدم من يأخذ بيده – أن يخطو وهو يعلم أن الطريق التي تبدأ بألف ميل . تبدأ بخطوة حازمة . وتحيـــــة فاروقيــــة |