حوار شائق كن أول من يقيّم
السلام عليكم تحية لأساتذتنا الكرام على هذا الحوار الممتع .أما بعد الحرف هو إنثناء النفس على المقطع أو وقوفه أو تردده أو ارتداده أو انتكاسه يحدث من الجرس مانسميه الحرف . ومخرج حرف الضاد هو من أول حافة اللسان من الجانب الأيسر وحصر الهواء إلى الأضراس التي تلي هذا الجانب . وأما بالنسبة لما ذكره العقاد عن حرف الحاء فإنه يقول في كتابه أشتات مجتمعات في اللغة والأدب ص 31: كتب إلي الشاعر الكبير الأستاذ رشيد سليم الخوري معقبا على رأيي ...........,وبعكسه الحاء التي تكاد تحتكر أشرف المعاني وأقواها: حب ,حرية ,حق ,حياة ,حسن ,حركة ,حكمة ,حلم ,حزم ,وأرى أنها لهذه المزية ولامتناعها -أو على الأقل مشتقتها -دون سائر حروفها الحلقية على حناجر الأعاجم هي أولى بأن تنسب إليها لغتنا ,فنقول :لغة الحاء ,بدلا من قولنا لغة الضاد ". إذن القائل ليس العقاد وإنما رشيد الخوري ,وقد رد عليه العقاد ووافقه على أن الحاء من الحروف التي تصور معنى السعة بلفظها ووقعها في السمع ولكن على حسب موضعها من الكلمة ومصاحبة ذلك الموضع للدلالة الصوتية ,وليست دلالتها هذه مصاحبة للفظها حيث كانت في أوائل الكلمات . وقد ضرب العقاد أمثلة لرأيه مثل كلمات :الحبس والحجر والحرج والحد والحساب والحرس ,وكل ذلك يناقض معاني السعة بالحس أو بالتفكير. آخر الأمر أن العقاد خلص إلى نتيجة مفادها : أولا:أن هناك ارتباطا بين بعض الحروف ودلالة الكلمات . ثانيا :أن الحروف لاتتساوى في هذه الدلالة ,ولكنها تختلف باختلاف قوتها وبروزها في الحكاية الصوتية . ثالثا :أن العبرة بموقع الحروف من الكلمة لابمجرد دخوله في تركيبها . رابعا:أن الاستثناء في الدلالة قد يأتي من اختلاف الاعتبار والتقدير ولايلزم أن يكون شذوذا في طبيعة الدلالة الحرفية . وللأستاذ محمود شاكر كلام قيم في مقاله علم معاني أصوات الحروف وهو من ثلاثة أجزاء منشور في جمهرة المقالات الجزء الثاني ص 708 وما بعدها : فبعد أن بين أن من ضرورات الحياة هي الحاجة التي تدفع إلى التعبير ومنها النداء والتعجب والتأوه والأنين والإشارة والتنبيه ,فيرى أن الهمزة الممدوة هي الصدى الصوتي الذي يراد به التنبيه والإشارة والنداء ,وذهب شاكر إلى ضرب أمثله تنصر رأيه ,ثم قال أنه لابد من إدراة سائر الحروف الحلقية على الهمزة ,ورأى شاكر الإقتصار على الكلام المؤلف من ثلاثة أحرف أحدها مضعف ,لإن غير الثلاثي يقتضي العرض لمعنى حروف ثلاثة ,كما يؤدي إلى أن يسقط بعضها معاني بعض ,وهذا منهج سليم وقد يغني عن كلام العقاد ,والفائدة تقتضي قراءة الجميع ,والإستفادة مما ذكروه وما ذكره علماءنا في السابق ,أليس كذلك يا أستاذ داود . بعد هذه الإطالة ,نسأل الدكتور فاروق وغيره من أهل الإختصاص ,هل يقتضي أو يتضمن كلام الشعراء بعاليه والحديث النبوي المذكور ,اختصاص اللغة العربية بحرف الضاد ,ولم لانقول كما يقول العقاد رحمه الله بتغليب كلمة العربية على السامية أو الفينيقية ,حينما نبحث في تاريخ اللغات ,ونقول بإنها لهجات تفرعت على أصل قديم ,ولهذا الرأي مايسنده ويعضده ويقيم أوده من الدراسات الحديثة أورد بعضها العقاد في الكتاب المذكور . ومنها تشابه الحروف الفينيقية مع الأبجدية اليمنية وهي موجودة إلى الآن في الخط المسند الذي لاشك في قدمه وقدم الحضارة اليمنية . ومنها تشابه الأبجدية اليونانية والأبجدية العربية حرافا حرفا باستثناء حروف الحلق ,مع بقاء تقابل الترتيب كما هو. ويؤكد هنا العقاد تعصب الأوربيين وأنهم قد ينسبون هذا التشابه إلى حروفهم ,وهذا غير ممكن لإن أسماء الحروف العربية عرفت بمعانيها وأشكالها ولم يعرف لها معنى ولاشكل يعود بها إلى لغة من لغات الأوربيين ,ومن معاني هذه الحروف مانفهمه في لغتنا اليومية ,كالباء من البيت ,والجيم من الجمل ,والعين من العين ,والكاف من الكف ,والنون من النون أو الحوت . ومنها ماتؤكده الحفريات والكشوف الجديدة , "مثل اكتشاف الحفريون من آثار بلاد النبط بعض حروف الجر التي كانت تستعمل في مثل موقعها من الجملة عندنا قبل ثلاثة آلاف سنة .فإذا قدرنا أن حرف الجر في العادة هو اسم أو فعل مختزل لاتتعود الألسنة اختزاله قبل انقضاء مئات السنين فلابد من تقدير زمان سابق لتاريخ تلك الكتابة النبطية بعدة قرون ,كانت فيها اللغة العربية لغة تركيب وإعراب بقواعدها التي تطورت مع الزمن حتى وصلت إلى ماهي عليه ,وبلغت فيها قواعدها غاية مداها من الضبط والإستقرار . وهاهنا ننتهي إلى بيت القصيدة من تحقيق القول بقدم اللغة العربية ".ا.ه وننتظر تصويب أساتذتنا المكرمين ,وأقترح أن يكون البحث القادم ,عن تعلق معاني دلالة معاني الحروف بالمجاز ,وهل يبقى وجه للقول بالمجاز ,وهم أهل للإفادة والإجادة ,والسلام عليكم . |