البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الجغرافية و الرحلات

 موضوع النقاش : رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون    قيّم
التقييم :
( من قبل 6 أعضاء )
 عبدالرؤوف النويهى 
11 - سبتمبر - 2007
 
 
 
    
رحلة المعتمر
عبادة وشجون

رسائل مُهداة إلى سلوى
 


                                     مفتتح


بداءةً00لم أكن أتوقع أن أقوم بمثل هذه الرحلة الكريمة إلى الأراضى المقدسة ، على الأقل فى مثل هذه الظروف التى أمر بها فى حياتى ، للكثير من المشاكل الإجتماعية والمادية والصحية ، إلا أننى ورغم هذه الظروف جميعها 000 ورغم أننى كنت أبعد ما أكون عن التفكير فى هذه الزيارة ،قمتُ بهذه الزيارة0


فهناك من الأمور القدرية التى أحيانا تجد نفسك مسوقا إليها بدوافع جمة ، قد تمسك بزمام القيادة وتشخص بك إلى عوالم أنت بمنأى عنها 000عموما سوف أقص هذه الأمور متى حان حينها داخل هذه الصفحات التى قد يجد من يقرأها سواى وينتفع بها ويدعو لى أو ينقم علىّ0 ربما قد يصادف مالا يرغبه أو ما لايود أن يراه منى مكتوبا 0أؤكد وأكرر أن الصدق هو السبيل القويم أيا كانت المشاعر التى يكنها لى الآخرون أيا كانوا 0


وعلى قدر استطاعتى 000أكتب وأسجل وأناقش 00لعلى أصل إلى اليقين 000ربما أخطأت 00ربما أصبت  00فهذا كله لايعنينى 00بل يعنينى الصدق والحق والعدل 0

وهذه السطور أو قل الرسائل 000كتبتها فى مكة المكرمة قبل مغادرتى ورحيلى عنها 0
 
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (11)هل انتهت الرحلة??    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
قبسات من نور الحق وضياءالروح
(1)
                     هل انتهت الرحلة???
تجربة روحية ،سيطر العقلُ فيها سيطرة كاملة فلم أكن إلا عقلاً يرصد ويحلل ويقول 00
هل انتهت الرحلة أم لها بقية??
أقول 00كتبتُ الكثير عن هذه الرحلة الكريمة والتى غيّرت الكثير من المفاهيم لدى عن الإسلام والرسول الكريم صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين 0لكن بعض الأوراق ضاعت والبعض الآخر تمزق ،وما تم إنقاذه هو ما نشرته بكل حروفه ونصوصه ،فلم أحاول استكمال الكتابة عن تجربة عشتها منذ إحدى عشر سنة كاملة بل ويزيد 00خشية التزوير فى مشاعرى وتزييف عواطفى وخلاصة تجربتى العميقة التى مست شغاف الروح وسلطان العقل 0
الآن 000وبعد التساؤل ،ممكن أستكمل هذه الرحلة ،وأكتب عنها بعد مرور إحدى عشر سنة ويزيد ،وتأكيدأ لما سأكتبه لابد من الوضع فى الحسبان هذه المدة وما خلفته فىّ تجارب الحياة والقراءات المتعددة وما أضافته الحياة من حلوها ومرها 0

سأكتب 000ربما أرد فيها على كل تساؤلاتها ،وتوضيحاً لتجربتى الروحية عبادةً وشجون، ولتكن سطورى هذه ، بداية لرحلة معتمر بعد إحدى عشر عاماً، أتمنى أن أكون موفقاً فيما أكتبه 00
آفاق معرفية أخذت بيدى إلى عوالم شتى ،تيقنتُ أن الكفاح الإنسانى للوصول إلى حقيقة ما ،لابد من المجاهدة والمصابرة والمعاناة فلاشىء يأتى من عدم 0

مرشدى ودليلى فى رحلة المعاناة والبحث ،هو العقل ولاشريك له 00

حسمتُ أموراً كثيرة توالدت بداخلى وتنكبت طريقى وأظلمت دربى الطويل ،كانت القراءة والدرس والسهر ،مُنقذى من براثن الظنون التى تحدق بى من كل جانب وتأتى إلىّ من كل صوب وحدب0

آمنتُ بقدرة الإنسان على خوض الشائك والصعب ،ملتمساً شروق شمس الحق فى أفقه المترامى الأطراف 0
حفظت القرآن الكريم صغيراً ،وعبثتُ بمكتبة والدى ،فقرأت تفسير بن كثير ،وفقه الإمام الشافعى وكتب التفاسير وكتب الشيخ محمد عبده والإمام المراغى والشيخ محمود شلتوت وكتب السنة ، كانت مكتبة ممتلئة بالدرر واللآلى والياقوت 0

حاولت الخروج من حصار والدى الفكرى والدينى وأردت الاطلاع على كتب أخرى إسلاميات العقاد والدكتور طه حسين وأحمد أمين والدكتور هيكل ،لكن كتاب الدكتور محمد حسين هيكل ،هذا السفر الضخم الذى يُعد من وجهة نظرى ،أروع وأعمق دراسة قرأتها شاباً فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى ،إذ سعيتُ سعياً حثيثاً لشراء أعمال الدكتور /محمد حسين هيكل ،حياة محمد وفى منزل الوحى والصديق أبو بكر والفاروق عمر 00واستطعت توفير ثمن ثلاثة منهم (حياة محمد ) ثم (فى منزل الوحى ) ثم (الصديق أبو بكر )0
كانت ثروة فكرية لا مثيل لها وعكفت أياماً وشهورأً وأنا ألتهم كتاب حياة محمد وفى منزل الوحى والصديق أبو بكر 0
كان كتاب( فى منزل الوحى) ،الطبعة السادسة سنة 1974م ،مطبعة دار المعارف بمصر ،684صفحة من القطع الكبير ،ومزوداً بالخرائط عن مكة والمدينة المنورة ، من أوائل الكتب التى أضاءت لى السبيل نحو مكة والمدينة وبقية الأماكن المقدسة 0ولم أكتف بهذا الكتاب ،فقرأت للأستاذ /إبراهيم عبد القادر المازنى ،كتيبه الصغير باسم (رحلتى إلى الحجاز) كنت فى حوالى التاسعة عشر من عمرى ،وكل جهدى قراءة ما كتب عن الإسلام والمسلمين ، ويشهد لى والدى ،المرحوم بإذن الله وفضله ،على مكتبتى المحمدية ، فلم أكن أجد كتاباً بالعربية أو الفرنسية التى أُ تقنها آنذاك إلا وابتعته مها كان ثمنه، كانت شخصية الرسول الكريم تأخذ بنفسى وعقلى مأخذاً جاداً وتأملاً عميقاً وتفكيراً متعمقاً 0
شعرتُ شاباً فى مقتبل العمر بعظمة الرسول الكريم وحبه وعطفه وكرمه وحنانه الدفاق ، وتأثيره علىّ تأثيراً عظيماً وكيف أن العقيدة والإيمان هما سر الحياة الإنسانية وروحها ومظهرها ،بل لا أبالغ لو قلتُ بل هما الحياة الإنسانية وسبب وجودها ،وما قيمة الحياة بدونهما ??وماقيمة الإنسان بدونهما??  أعتقد أن العقيدة والإيمان هما معاً أعظم قوة فى الحياة 00
حيالهما لاقيمة لجاه أو مجد أو سلطة أو سلطان 00حيالهما تندك الرواسى الشم وتنهار الجبال الصلدة وتهمد أنفاس الطغاة 0
عرفتُ وبقوة أن وجود الإنسان وقيمته مرهون بإيمانه وعقيدته 00
عرفتُ أن ما من قوةٍعلى الأرض تُزعزع إيماناً راسخاً وعقيدةً ثابتة00
عرفتُ أن العقيدة والإيمان إذا خلا منهما إنسان ،كان هو والعدم سواء 0
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (12)نور الحق0    كن أول من يقيّم
 
 
(2)
نور الحق

حفظت القرآن صغيراً ،لاأعى حقائقه البازغة ولا أنواره المبهرة ولا لغته المعجزة 000حفظته وفقط 00ودأبتُ على تسميعه ومناقشة والدى فى القراءة والتجويد والتلاوة ،كان أستاذاً ومعلماً ومرشداً 0وكبرتُ واشتعل الرأسُ شيباً ،والقرآن الكريم مسموعُ لدى ومقروء ،أجد فيه سكينتى وراحتى ويقينى إذا ادلهمت أمامى الأمور ،اللياذ به والإحتماء بظله والتبحر فى بحوره الفياضة ،إيمانُ وعقيدةُ0حملتُ أثناء ترحالى إلى العمرة مصحفى الذى لايفارقنى ولا أقرأ سواه ،قطعة من روحى وبضعة من كيانى ،إذا لم أقرأ آياته وأقلب صفحاته ،أشعر بالغربة وكأنى لم أقرأ ولم أستمتع ولم أشبع 0

فجرأ أصلى الفجر بالحرم المكى ،أجلس فى مواجهة الكعبة المشرفة ،وتحديداً عند مقام إبراهيم ولا أغادر مكانى حتى تشرق الشمس يصطحبنى مصحفى الذى لايفارقنى ،وأبدأ فى القراءة لا أدرى كم من الوقت يمر وأفيق على لسعة حادة من شمس متوهجة 00

ختمتُ القرآن الكريم ثلاث مرات بالحرم المكى ،لم أبال بالأعداد الكثيرة من المعتمرين والمصلين التى تحيط بى ،مع نفسى منفرداً وروحى معلقة بأنوار السماء00
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (13) ضياء الروح0    كن أول من يقيّم
 
                                (3)
                           ضياء الروح   
   
تحكى أمى وتقص على من حولها 00كان (رؤوف ) واحد تانى وإحنا فى الصفا والمروة لقيت واحد غير ابنى إللى أنا عارفاه شخص بيطير ،ما كونتش قادرة أمشى جنبه ،كان طاير حسيت ساعتها إنه مش معايا فى عالم تانى ،حتى ملابس الإحرام طارت من على كتفه وهو مش حاسس ،شدته من إيده وغطيت الجزء العريان 0 كان فى دنيا تانية 0

فعلاً لم تبعد أمى عن الحقيقة ولم تبالغ فيها 000شعرت شعوراً بخفة جسمى وطيران روحى وتحليقها ،رغم تعب قلبى وقدرتى المحدودة فى الحركة ،لتعب شديد فى أحد الشرايين التاجية وتعرضى لذبحات صدرية غير مستقرة ، لم أشعر بأى تعب أو اجهاد أو ارهاق 0

فى عوالم أخرى ،روحى تهيم ،تأكد لى أن الإنسان روح لاجسد ،فقد يعتل الجسد ويشيخ وتبقى الروح شابة تزهو بشبابها وتشمخ بصمودها ،لا يقترب منها سقمُ ،ولا يتسلط عليها باغٍ ولا تستسلم لعجز جسد أو شيخوخة حياة 00


تحكى أمى 000بعد انتهاء السعى بين الصفا والمروة وتحللنا من الاحرام 000جلست أنا ورؤوف على بواقى صخرة جبل الصفا ،ولقيت رؤوف عمّال يبكى وعينيه بتدمع ،طبطبت عليه وسألته إيه مالك ??
رد وقال أبداً أفتكرت أبويا الله يرحمه على فكرة يامه دى كانت عمرة أبويا وهبتها لروحه ،ساعتها قلت له أنا حسيت بشىء غريب فيك وكأن (محمد (والدى00 هو إللى بيسعى بطوله وعرضه 0

ضياء الروح يسيطر على الجسد وينقاد الجسد تحت سطوة الروح، فلم أشعر كما أكدت بأى ارهاق بل شعرت بجسد قادر على فعل المستحيلات
أقول :
 ربنا 00جل ثناؤك ،وتعالت أسماؤك ،لا إله إلا أنت ،بيدك الخير ،ومنك الهدى ،وإليك المرجع والمآب 0

تذكرت سبب بكائى ودموعى التى طهرتنى ،السيدة هاجر وهى تسعى بين الصفا والمروة بحثاً عن قطرة ماء لابنها إسماعيل ،هكذا الأم منذ بداية الحياة لا يهمها ما تلاقاه من صعاب وعراقيل ،تؤثر ابنها على نفسها وتضحى بكل ما تملك فدءاً لحياته 0
تذكرتُ الرسول الكريم وهو يعانى الجحود والنكران والحرب الضروس وطرده من أحب البلاد إليه ،وقسوة أهل مكة عليه ،فلم يكتفوا بطرده ،فارسلوا وراءه من يقتله 00منتهى الغلظة والقسوة 0
تذكرت ما يقوله جلال الدين الرومى فى المثنوى (إذا عرف العبد ربه ،ينبغى أن لا يعرف غير الله)0
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
11 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (14) فى وحشة الغربة0    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
من منفاها الإجبارى والقسرى ،أرسلت لى عدة رسائل رداً على رحلة المعتمر،محتفظاً برسائلها حافظاً لها0
شجعتنى على البوح بمكنون عقلى ،وأطلقت عنوانها (رحلة المعتمر 00عبادة وشجون) كنت أكتب_ وقتئذ_ وأرسل لها  سطورى مضفرة بالهم ومجدولة بالشجن ،فالشكر مراراً وتكراراً على ما أسدته من يد الخير وعميق المشاعر وصدق النصيحة0
 
                       فى وحشة الغربة
لم أكن أعتقد و أنا القابعة في وحشة الغربة أخط على الورق مسيرة رحلتي في محاولة للتغرب عن نفسي بأننيً سأعيش - يوماً - غربة من نوع آخر في مكان آخر في زمن آخر و من خلال صفحات تقص مسيرة رحلة لإنسان آخر.كنت أعتقد أن الغربة هي رحلة نهائية . هي حطُّ الرحال في بلد غريب حاملاً في طيات الصدر ذكريات الوطن الأم مؤونة تمد يدك إليها كلما نابك ذلك الجوع الكافر إلى مهد طفولتك و مسرح شبابك في وطن أُجبرت على الرحيل عنه .عندما وصلتني رسالتك تخبرني بها عن الرحلة التي يتوق معظم المسلمين إلى القيام بها و عندما قرأت الألم في كلمات تصف مرحلة الفراق عن بيت وزوجة و أبناء و مدينة و وطن ، إنتابتني مشاعر متضاربة و محيرة و السؤال الذي قفز أمامي و تربع في مخيلتي هو لمَ هذا الألم الكبير و أنت ذاهب إلى تأدية فريضة إلهية و عائد بعد أسابيع للبيت و الزوجة و الأبناء و المدينة و الوطن ?? إنه ألم غير مبرر و أنت الذي أُنْعِمت بلحظة الوداع و عناق الأحباء و جواز سفر يتيح لك العودة .. و الخوف الذي إنتقل إليك عبر العيون المودعة أيضاً غير مبرر و أنت المسافر بإرادتك و العائد بعد أيام ...و عادت بي الذكريات إلى لحظات لم أكن أعلم مدى رسوخها في عقلي و في قلبي و في وجودي .. لحظات لم أنعم بها بتوديع الأهل و الأحباء .. لحظات كنت أعلم بها أن الختم الذي سيُطبع على الأوراق الرسمية سيكون لونه أحمر و كلماته قاطعة : بـــلا عـــودة.ثم توقفت عند هلع يوسف و بسمة "بسمة" – فلذات الكبد و إشراقة المستقبل و نبض الحياة – و هنا .. توقفت مشاعري عن التضارب و إنقشعت ضبابات الحيرة التي غلفتها سابقاً ... إنه الخـــوف مـــن المجهـــول ذلك الذي إعترى كل منكم ... إنها المرة الأولى التي تترك فيها هذا العش الدافيء المملوء بالأمان و الإستقرار مخلفاً وراءك عصافير لا تستطيع أن تتخيل المضي في تغريدها بدون حارسها و مرشدها ..الخوف هو آني و إبن اللحظة التي نعيشها . تلك اللحظة التي تجمع بين المسافر/ العائد ، و المسافر بلا عودة .. الألم واحد و الخوف واحد و رهبة الرحيل واحدة ..الفراق يا صديقي له مخالب قاتلة .بارك اللـه رحلتك ، و أعادك مبتهجاً للقاء الأحبة .بإنتظارك رسائلك القادمة ، إنها مطيتي في رحلتك أتنقل بها من مكان إلى آخر.سـلامي إلى الوالدة العزيزة و إلى اللقاء سـلوى
*عبدالرؤوف النويهى
12 - سبتمبر - 2007
أعاده الله عليكم وعلينا باليمن والبركات    كن أول من يقيّم
 
الانسان والاديب المبدع ومحامي الحرية سلمك الله، رحلة مباركة وعودة ميمونة، شيخ الوراق استاذنا الحسن بنلفقيه، شاعرنا المبدع ومعلمنا الاستاذ زهير، المتألقة كما عهدناها (أستاذتنا ضياء أم الجواد آريان)، الرقيق العذب عزيزي الاستاذ عبد الحفيظ، الاستاذة الفاضلة الاديبة صبيحة شبر، الاستاذ الاديب المهندس محمدهشام، أستاذنا الاديب يحيى، استاذنا الفاضل منصور مهران، الاستاذ الحبيب الدمنهوري، الاستاذ العزيز طه المراكشي، ....... وجميع الاساتذة الافاضل من محبي الوراق ورواد مجالسه، رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.
صادق السعدي
12 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (15) تهمتكم 00وطنيون!!!!    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، أفقت على صوت والدي الخافت يحاول إيقاظي من نوم عميق . بعجب نهضت من الفراش و تبعاً لطلبه ارتديت ملابسي الكاملة و خرجت إلى الصالون لأن هناك من يريد التحدث إلي و إلى شقيقي الأصغر...
 
على الكنبة الموجودة في زاوية الغرفة المنيرة بضوء خافت ، رأيته ، عسكري لا يصغر بعمره عن والدي بالكثير ، يدخن سيجارة "مارلبورو" يتكلم الى أخي الجالس على الكنبة العريضة تحت شباك أحكم والدي إغلاق درفاته مما زاد من عجبي و أنا أعلم أن والدي من محبذي فتح الشبابيك في الليل ، هواء الليل يأتي بالصحة ، على حد قوله .
 
هذا "فلان" قريبي ، قال والدي يعرفني على الزائر . تبادلنا السلام ، و جلست بالقرب من أخي بانتظار توضيح عن سبب هذه الزيارة المتأخرة ، و لم يطل الإنتظار . بكلمات مقتضبة أعلمنا والدي بأننا سنسافر مع اشراقة الشمس الى (....) لبضعة أيام ، و بأن القريب الكريم سيرافقنا في السيارة إلى المطار لتأمين وصولنا بدون عراقيل . و اختتم والدي بأن قريبه قد وضع نفسه في موقف حرج لمساعدتنا على مغادرة الوطن ، و بأننا سنعود عندما تهدأ الأحوال و لذلك لا داعي للنقاش في القرار الذي اتخذه . بذلك أخرس سلسلة التساؤلات الغاضبة و الرافضة التي بدأت تنساب من فمي .
 
بهدوء مثير أطفأ الزائر سيجارته ، تنحنح ، و بصوت يشوبه الحنان و الحزم قال أن أسماءنا كناشطين وطنيين قد وُضعت على لائحة (.........) و قد نتعرض "لمشاكل" ما ، و أنه بحكم القرابة ، و بحكم معرفته بأن مبادئنا هي فوق الشبهات ، قرر أن يجنبنا التعرض لأي ظلم قد نواجهه . نظرت الى أخي . في عينيه قرأت أفكاري الرافضة لمغادرة البلد و السفر الى الخارج . عندما نظرت الى والدي رأيت وجهه الكريم يعتصره الخوف و القلق عما قد يحصل لو اننا رفضنا السفر و قررنا البقاء . سألت : اسبوعيـن فقـط ونعـود ?? طبعاً ، طبعاً أجاب والدي ، اسبوعين فقط ، و من الممكن جداً أقل من ذلك ..
 
سكن الألم دقات قلبي و أنا أسمع التعب والأسى في صوته .
 
بتثاقل ، نهضت و أخي لتحضير حقائب السفر ، و شاشة من الدموع تغلف عينيّ ...
كان أخي في التاسعة عشر من العمر و كنت في الواحد و العشرين ....و في أواخر شباط 1976 ...
 
        إبتـــــدأ المشــــــوار
                                         وإلى اللقاء فى رسالة أخرى0
                                                                 سلوى
*عبدالرؤوف النويهى
13 - سبتمبر - 2007
رحلة المعتمر 0000عبادة وشجون (16) وجع البعاد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 
حقيبتان صغيرتان تحتويان من الثياب ما يكفي لإسبوعين ، جوازات سفر في الجيبة الصدرية من جاكتة الوالد ، الزائر القريب، شقيقي ، أنا و صوت فيروز يأتينا دافئاً من راديو التاكسي . توقفنا على أول حاجز للـ........ ، و همس والدي : "إخلعي نظارتك و اربطي شعرك و لا تتكلمي". في القسم الشمالي من وطني ، كنت أُعْرَف بشعري الخرنوبي ، الطويل والمسدول ... و نظارتي الطبية بزجاجها العاتم و إطارها الدقيق و الغير تقليدي.
 
لم أكن أحس بالخوف الذي اعترى والدي ، ربما لأنني لم أكن أعرف مشاعر الآبوة و الأمومة – آنذاك - و مدى الهلع الذي يُشْعِل كيان الأهل خوفاً من تعرض أولادهم للخطر.. بالتالي رفضت ... و لم يُصِّر...
 
بعد ثلاثة ساعات و ستة حواجز وصلنا الى المطار ( الذي فقد إسمه و هويته "لاحقاً" بشحطة قلم يُخَـلِـّدُ عظمة التسلط (
 
كان يعج بالعساكر مما جعله أشبه بالثكنة منه بالمطار . كما حصل على الحواجز ، تكلم قريب والدي مع مسؤول الوحدة العسكرية و طُبِعت تأشيرة الخروج. حضن والدي قريبه الذي تمنى لنا السلامة و العودة السريعة !!!!
 
في الجو ، على متن الطائرة الصغيرة ، توقف والدي عن الدعاء و الصلاة و تنفس الصعداء .
 
في الجو ، على متن الطائرة الصغيرة ، تنبهت الى غرابة الموقف ... خلال عشرة ساعات من زيارة القريب ، أصبحـتُ مغتربـة ، لاجئـة ، بـلا وطـن .
 
الأهل .. الأصدقاء .. الرفاق.. الحارة ، تركتهم بلا كلمة وداع ... كتبي ، دفاتر أشعاري ، مذكراتي بقيت نائمة على رفوف مكتبتي ...

تركنا بيتنا في السادسة صباحاً ... و آخر شيء رأيته كان وجه أمي المبلل بالدموع ، و كلماتها المطمئنة : "سأراكم بعد أسبوعين" ...
 
هـي أيضـاً صَدَّقَـْت بأننـا عائـدون.!!!!!!!!
 
سلامى للجميع
 
وإلى اللقاء 
سلوى
 
*عبدالرؤوف النويهى
13 - سبتمبر - 2007
رحلة العتمر 000عبادة وشجون (17) جنة الورد0    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
                جنة الورد  أو كـلستان-GOLESTAN
 
 
السعدى الشيرازى  صاحب البستان وجنة الورد ،هذان الكتابان الرائعان ذائعا الصيت فى العالم أجمع ،ويعدان من عيون التراث الأدبى العالمى  الذى تعانقت فيه الثقافتان الفارسية والعربية منذ الفتح الإسلامى ،كان الحصاد هذا الأدب الراقى الذى هو غذاء الروح والعقل والقلب0
 
السعدى الشبرازى 000أبدع أيما إبداعٍ فيما سطرته يراعه من ذكاء العقل وطهارة الروح وعمق التجربة وعبقرية الحكمة ،فقد صب فى هذين الكتابين خلاصة تجربته ورحلاته فى بلاد الله والبحث فى أعماق خلق الله عن الحق والعدل والخير ،فالتأمل والملاحظة الدقيقة والترقب واستكناه ما يدور بالنفوس واستقراء ما تنطق به العيون وترجمة ما تهمس به الشفاه،تم تسجيله ممن خبر الحياة سبعين عاماً رحالاً وزاهداً ومتصوفاً،فكان جمعاً بين دقة الرحالة وإشراقات المتصوف00
 
قرأت هذا الكتاب جنة الورد مراراً وتكراراً،بل حرصتُ على الغوص فى هذا العالم الروحانى وشددت الرحال إلى مثنوى  جلال الدين الرومى ،هذا الكتاب الضخم الذى تصدت لنشره أخيراً المجلس الأعلى للثقافة بمصر فى ستة أجزاء ضخمة ،ومنطق الطير وحلية الأولياء لفريد الدين العطار وبقدر المعاناة فى تفهم خبايا هذا العالم ،إلا أننى كنت معجباً بالسعدى الشيرازى ،أشعر بذكاء عقله وصدق تجربته وروعة منطقه وحبه الجم للبشر 0
 
 ومن حكايته الكثيرة أقدم حكاية ( الملك والأسير )
 
سمعت أن ملكاً أشار بقتل أسير برىء،فأخذ المسكين _فى حالة اليأس _يسب الملك بلغته التى كان يتكلمها ويرميه بسقط القول ،فقد قال الحكماء :كل من يغسل يده من الحياة ،يقول كل ما فى قلبه0
                                       بيت
  وقت الضرورة ،حينما لايبقى مهرب،تمسك اليد بطرف السيف الحاد0
                                   شعر (ع)
( إذا يأس الإنسان طال لسانه ***كسنور مغلوب يصول على كلب)
 
                                  *****
فسأل الملك: ماذا يقول ??فقال أحد الوزراء الطيبى المحضر:
إنه يقول :(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) فأخذت الملك الرحمة وتجاوز عن سفك دمه0
فقال الوزير الآخر الذى كان ضده: لايليق بأبناء جنسنا الكلام فى حضرة الملوك بغير الصدق،إن هذا الوقح سب الملك وقال مالايليق،فقطب الملك وجهه،من هذا الكلام وقال:إن كذبه جاء أرضى لى من هذا الصدق الذى قلته،فقد كان لذاك الكذب وجهة فى مصلحة ،وكان بناء هذا الصدق على خبث،وقد قال العقلاء :الكذب المحقق لمصلحة خير من الصدق المثير للفتنة 0
 
                        بيت
كل من يعمل الملك مايقوله ،مؤسف أن يقول غير الحسن
 
                       *********
هذه القطعة كانت مكتوبة على طاق إيوان فريدون :-
إن الدنيا ياأخى لاتبقى لأحد ،فاربط قلبك بخالق الكون وكفى ،لاتعتمد على ملك الدنيا ولاتركن ،فقد ربت كثيراً مثلك وقتلت0
عندما تعزم الروح الطاهرة على الرحيل ،فسواء الموت على التخت أو فوق التراب0
 
*عبدالرؤوف النويهى
15 - سبتمبر - 2007
أدب الرحلــــة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

 

 
من أهم وظائف الأدب أن يعكس تجربة الأديب ، يصورها لنستمتع بها ، أو لتتصادى في نفوسنا بما تداعب به عواطفنا وأفكارنا ومخيلتنا .
 
من هنا تروق لي كتابة السيرة والسيرة الذاتية وأدب المذكرات والرحلات وما شابهها ،مع أن بعضنا يرى فيها كشفًا خاصًا لا مبرر له ، ناسين أن الكشف الذاتي هو أصلا وقبلا من مقومات الأدب وأسسه .
ومنذ أن طالعت " أيام " طه حسين و " حياة " أحمد أمين  تابعـت الكتابات الذاتية ، فكنت أعايش وأرافق ، وأحب وأنفر ، وأعاتب وأخاطب .. وما زلت أذكر كيف كانت صحافتنا تنشر في الستينيات والسبعينيات انطباعات عن رحلات معينة هنا وهناك  ،  فكان بعض كتابنا يقدمون مادة سائغة وشائقة .
فأين تجد مثيلا  لمذكرات كتبها معلم بعد تقاعده? وأين تجد أسلوبًا كأسلوب الكاتب الفلسطيني  محمد علي طه في انطباعاته عن رحلة قام بها هو ونبيه القاسم  إلى تونس?
أسأل ذلك ،  لأن الأدب الذاتي يحتاج إلى قلم  صناع ، وخفة روح، وقبول رائق.
 
وإذا قصرت حديثي هنا على أدب الرحلة فإنني واجد علاقة قوية بين هذا الأدب وبين القص... في كليهما تعرّف واستكشاف وسرد ورواية وجذب ومشاركة.
 
عرف العرب قديمًا أدب الرحلة، أولا بسبب الحج، فكان لا بد من معرفة الرُّبُط والحبوس التي يقيمها أهل الخير على الطريق معونة للحاج في جهاده الأصغر. ( هل أذكر لكم في هذا السياق أنني حققت في بداياتي الأكاديمية مخطوطًا عن درب الحج للفيومي استأثر به المحاضر، ولا أدري مآله ).
 
وثمة حوافز سياسية واقتصادية و" مُجازفية " ? إذا صح التعبير - . وقد روى إلادريسي ( 11..-1165) في نزهة المشتاق عن فتية من شباب لشبونة توغلوا في بحر الظلمات وحكاية ما جرى لهم في الجزائر البعيدة ومع الشعوب الغربية.
 
ولكم تصفحنا رحلات ماركوبولو ( 1245- 1323 ) وابن بطوطة ( 1303- 1377 ) وابن جبير ( 1145- 1217 ) وابن فضلان ( 921م ) فما زادنا ذلك إلا إحساسًا بقيمة هذا اللون الأدبي لما فيه من وصف وحكاية وتشويق وإثارة.
 
فما أحوج صحافتنا المحلية- هذه الأيام- إلى تحفيز هذا اللون، فتنتشر المقالات مصحوبة بالصور ، وبالطبع تكون مشفوعة بالعبر، نرحل مع الكاتب في رحلته عبر أسلوبه الذاتي وإحساسه هو، ولن يكن الأمر عرضًا لمعلومات نجدها في الدليل السياحي ، أو استعراضا مجردًا لا غنى فيه ولا غناء.
 
سألت نفسي: ولماذا لا تنشر انطباعاتك أنت على الملأ?
أجبتها : قد يقول لك قائل: ومن يهتم بهذا?
 
أو يتهمك متهم بأنك تدلِّّين وتتباهَين ..
ورغم ذلك، سأصحبكم معي إلى ساحة جامع الفناء في مراكش وأقدم لكم لقطات سريعة ، لعلها تشي بأهمية التوسع في هذا الموضوع، وضرورة التوقف على كل لقطة مليًا .
وسأنتزع هذه المادة من مذكراتي:
 
ساعات المساء كل يوم تجد آلاف السياح والسكان المحليين في حشد ضخم .. ثَم جماعات تتحلق هنا  حول حواة.. وهناك مروض أفاعي الكوبرا...جماعات تتحلق حول طفل مطاطي يقوم بحركات لولبية .. دعاة دين إلى جانب لاعب يلعب الورقات الثلاث، ساحر، قراءة الحظ، شاب يرقص بلباس عروس، حلاق يقلع سن غلام ب " الكلبة " ، فرق موسيقية شعبية، قرداتي يصر أن يمسك القرد ويتبرك منك  أو " تتبرك " منه ، سقاة ماء بلباسهم الخاص، بائع خناجر تقليدية، طرابيش، بائع حلزون مسلوق.
يا له من جو  مفعم بالغرابة والسحر والغيبية.
هل أتابع، فأصف لكم نساء محجبات بالقناع الكامل ( الذي يظهر العينين فقط ) وكيف يوصوصن وهن  يقدن الدراجات النارية .
مثل هذه  الصور بحاجة إلى استخلاصٍ ما مِن ورائها، ولا أجد أحق من صحافتنا ومن مكاتب السياحة بالاهتمام بهذا اللون وتقديمه بالتشويق والإثارة، وإذا كان الطعام تُقاس جودته  بطريقة تقديمه وطهيه فأدب الرحلة  في أيامنا  -  فيه ما يشهّي النفس ويمتعها ، ولكن كيف?
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
نرحب بالشاعر الكبير والأديب البحاثة الدكتور فاروق مواسي في مجالسنا ويسعدنا بأن ينضم إلينا في سراة الوراق وأن نحظى بمشاركاته القيمة والغنية على كل مستوى . ستجد أستاذنا الكريم في ملف " مشروع سراة الوراق " معلومات سوف تفيدك عن ميزات هذا الإجراء الإداري وتقبلوا منا فائق التقدير والاحترام وأهلاً وسهلاً بكم مجدداً . ( ضياء ) 
 
 
 
faruq
20 - سبتمبر - 2007
عملاق ماروسى 00 هنرى ميللر0    كن أول من يقيّم
 
((((سألت نفسي: ولماذا لا تنشر انطباعاتك أنت على الملأ?
أجبتها : قد يقول لك قائل: ومن يهتم بهذا?
أو يتهمك متهم بأنك تدلِّّين وتتباهَين ..)))
 
لم أشبع بعد من أدب الرحلات ونهمى يتزايد كلما تقدم بى العمر ،وزيادة على ما ذكره أستاذنا الكريم/ فاروق 000الذى شرف ملف( رحلة المعتمر )بكلمته الواضحة الرصينة وتساؤله الجاد :
لماذا لاتنشر اطباعاتك على الملأ??
أقول 000قرأت رحلة بيرتون ،ورحلة بوكهارت ورحلة ابن بطوطة  وكثيرا من الرحلات التى تنقلنى مع كاتبها إلى عوالم بعيدة عنى لم أطأ أرضها ولم أر ناسها ولم أجالس رجالاتها 000
 
والآن أطالع كتاباً رائداً (عملاق ماروسى) للكاتب الأمريكى الأشهر هنرى ميللر وهو حصاد رحلته عام 1939م _عشية الحرب العالمية الثانية _ إلى اليونان 000
ترجم هذا الكتاب ،الأستاذ/أسامة منزلجى ، ونشرته المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع0 بيروت لبنان،الطبعة الأولى 1404ه-1983م0 بترجمة متماسكة ،ناصعة البيان ،واضحة المقاصد ،وللمرة الثالثة أو الرابعة أقرأ هذا الكتاب ،إنه قراءة جديدة لحضارة اليونان من كاتب أمريكى معاصر 0
ويقول هنرى ميللر (ماكان ليقدر لى الذهاب إلى اليونان لو لم يكن ذلك إكراماً لفتاة تدعى بيتى راين كانت تقطن معى فى نفس البيت فى باريس0فقد بدأت حديثها ،فى إحدى الأمسيات،مع كأس من النبيذ الأبيض،عن تجاربها التى اكتسبتها من تجوالها فى أنحاء العالم 0
كنت دائماً أنصت إليها بانتباه عظيم ،ليس لمجرد أن تجاربها غريبة وإنما لأنها حين تتكلم عن رحلاتها تبدو وكأنها ترسمه: فقد ثبت كل ما وصفته فى ذهنى كلوحات الكانفا  نفذها فنان كبير ) ص6
 
ليتنا نستجيب لدعوة الأستاذ/فاروق000
لماذا لاتنشر انطباعاتك على الملأ??
 
وعلى أحر من الجمر 00منتظرون انطباعاته القيمة والفريدة0
 
*عبدالرؤوف النويهى
20 - سبتمبر - 2007
 1  2  3  4