الأربعاء الموافق 7/2/1996 ، 18 رمضان 1416 ه
بدأت الرحلة 000تركت محل عملى الساعة 9مساء أً ، انتظرت على أحر من الجمر (الحسينى ) كى يقلنى بسيارته للمنزل حت أحضر أشيائى وحتى تأتى السيدة الوالدة رفيقتى فى الرحلة 0حضر( الحسينى) ،وقمت من فورى بطرح العديد من الأسئلة عليه سيما أنه قد قام بمثل هذه الرحلة مرتين أو أكثر0
حاول الحسينى أن يشرح000لكننى كنت فى واد آخر 00
هذه أول مرة فى حياتى كلها أغادر الأرض المصرية التى أعشقها عشقاً وأجول فى جنباتها طولاً وعرضأً 00مشاعر متضاربة متعارضة ،لم ولن أتمكن من الإمساك بها ، أحيانا الألفاظ لاتحيط بكل ما يجول ويجيش داخل الإنسان ،استمعت منه وناقشته 00وبداخلى مشاعر لا أدرى كنهها ???هذه لحظات خطيرة قد لايمر بها الإنسان إلاقليلا 0
ذهبنا إلى المنزل ،خلعت ملابسى الإفرنجية ، وأرتديت ملابسى البلدية صديرى فلاحى وفوقه الجلباب الصوف، وحملت العباءة الكشمير السوداء على كتفى ،مشغولاً ،ورأسى ممتلىء ،لا أستطيع إمساك هذه المشاعر 0قلت لأمى : إيه عايزين نمشى (على ) عامل مشكلة ومنتظرنا 00الرحلة على وشك الإنطلاق 00
سلمت على الجميع ،المنزل به هرج ومرج ، بكاء أطفال ،دموع كبار توشك على الإنفجار ، جريت على السيارة ،ممسكاً بيد أمى 00عايزين نمشى0الهروب من هذه المشاعر الثائرة منى ومن الجميع 0
يوسف ابنى 00واقف على الباب بالدور الأرضى 00يبكى بكاءا حارا 0لكن معلشى يايوسف لم أستطع الربت على ظهرك أو أخفف عنك هذا الألم وأوقف بكاءك الذى يمزق نياط قلبى 00لم أعد أرى أحداً سواك 00بوجهك الباكى المغرق فى البكاء 00لم أدر هل سلمت على أشقائى ليلى 00أحمد 00عبد القادر أو الموجودين معهم من الجيران والأهل لا أستطيع الجزم على وجه اليقين 0بسمة 00قابلتنى وهى تضحك 00هذا ما أتذكره بوضوح الآن 00لكن وجه يوسف الباكى الشديد البكاء ما زال مسيطرا علىّ، يأخذنى ويملك مشاعرى 00
إيه يايوسف سوف أعود 00وأعود لك لأنك ليس فقط ابنى ولكن حياتى أنت ستعرف عندما تكبر أننى أحبك وأبذل كل ما وسعى ، أن أعطيك كل شيىء 0كل شيىء ٍ بلا توقف وبلا تردد 00ربما ظروفك هى التى تحتم علىّ ذلك 00أعتقد أن هذا هو الصحيح لأننى مازلت مستعداً أن أبذل روحى لك وأعتقد آنذاك أنها رخيصة ورخيصة جداً 0
أنت المستقبل وسوف يكون مشرقاً _إن شاء الله_ والغد المأمول والزاد أيامى القادمة 0
نوال000أخشى عليك هذا الألم الصارخ والنابح الذى يملأ كل جنبات وجدانك ،مفزوعة ومرتبكة 00تكاد المشاعر المتناقضة أن تخرج منك يكاد الرعب المسيطر عليك أن يحيلك إلى نار ٍ ماحقة 00ماهذا الذى يعترى وجهك ??????????
لا أدرى ? لا أدرى ? لا أدرى 000دائماً تخافين من المجهول ،تخشين الفراق /الضياع /التخبط ،أشياء لا تتاح لى الفرصة لحصرها بدقة00
سارت بنا سيارة الحسينى 00كلمات كثيرة تُقال 0
وجدنا_على_ بانتظارنا أمام كوبرى القرشى ،شركة البستان للسياحة ،هبطنا من سيارة الحسينى ،وركبنا أنا وأمى الأتوبيس الذى سيظل معنا حتى نعود ،تمر الدقائق ثقيلة 0
الشنط 00ياه 000نظارة القراءة والكتابة نسيتها بالمنزل ،من غيرها لا أقرأ ولا أكتب بعد هذا المرض اللعين الذى أصاب بصرى ،وتمر الدقائق قاسية 0ويتمكن على من الإتصال تليفونيا بالمنزل ،ويأتى أحمد ويحضرها ويصعد الأتوبيس ويقدمها لى وعلى وجهه إبتسامة كبيرة ويقول النضارة أهية 000أتأمله بحب 00لقد كبر أحمد وصار هو وبسمة ويوسف أولادى الأثيرين لدىّ،أخذتها منه بشوق وكأن حبيبا يلاقى حبيبه بعد طول غياب 0
الوقت يمر والأتوبيس لايتحرك،سيارة الحسينى واقفة ولم يتحرك ، أريد أن أصرف الجميع وليعودوا00
لكن نوال واقفة بالمرصاد ،لاتريد المغادرة إلا بعد تحرك الأتوبيس بنا ،مرات تختفى بسيارة الحسينى ثم تعاود الظهور لأشياء نسيناها ولم نحضرها 00
اكتمال الأوتوبيس بركابه لم يتم بعد ،سوف نمر على (عرب الرمل ،أجهور )لإحضار الباقين0
ويتحرك الأتوبيس ويودعه الحاضرون
الوالدة العزيزة بجوارى 000جالسة على الكرسى ، صامتة ،محدقة فى فراغ لانهائى ، كتومة لمشاعرها ،مسيطرة على نفسها 00دائما 0000هى 000هى000 تخفى انفعالاتها 00
سنوات طويلة قاربت على الستين ،بينى وبينها فرق سن 16سنة0
صبرت طويلا ،وحملت الهم سنيناً عجافاً ،لم تهتز 00ولم تفقد ثقتها فى قدراتها ،واعية ،ومدركة لكل شىء ،ذكية شديدة الذكاء ، بصعوبة وبكل صعوبة ،يمكن خداعها أو الضحك عليها 000بدأت سيارة الحسينى تسير حاملة بداخلها نوال وعلى وأحمد 0أصبحنا فى حاجة ماسة إلى الإنطلاق والترحال 0 الأتوبيس يسير 0000طريق مصر الأسكندرية الزراعى ،الليل موشك على الرحيل 000النهار يقاتل للوصول000والأتوبيس ينهب الأرض نهباً00