من ضمن سلسلة إصدارات الحكمة في بريطانيا ، تحت رقم 4 الكشف والتنبيه على الوصف والتشبيه ، للإمام صلاح الدين ، خليل بن أيبك الصفدي ، العلامة الكبير ، والمؤرخ القدير ، وهو بتحقيق الدكتور هلال ناجي ، ووليد بن أحمد الحسين الزبيري وكان الصفدي رجلا متعدد الجوانب ، موسوعي الثقافة . وكتاب الصفدي هذا من كتبه العديدة الكثيرة ، وقد وهم الزركلي إذ قال : (له زهاء مئتي مصنف) ، ومصدر الوهم هذا قول ابن كثير عنه أنه : (كتب ما يقارب مئتين من المجلدت) ، فالمجلدة لا تعني كتابا مفردا ، وقد يتألف الكتاب من عشرات المجلدات ، كما هو الحال في : ( الوافي بالوفيات) . ولعل أصوب الأقوال في هذا الصدد ما قاله ابن العماد الحنبلي عنه ، إذ ذكر ما نصه : ( ووقفت على ترجمة كتبها لنفسه ، نحو كراسين ، ذكر فيها أحواله ومشايخه ، وأسماء مصنفاته ، وهي نحو خمسين مصنفا ، منها ما أكمله ، ومنها ما لم يكمله ..... ) وقال : ( وكتبت بيدي ما يقارب خمسمئة مجلد ، قال : ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ، ضعفا ذلك ) . فمصنفات الصفدي إذن تدور في حدود الخمسين مصنفا ، بعضها في عشرات الأجزاء ، مثل التذكرة ، وأعيان العصر ، والوافي بالوفيات ... وقد وصلنا لحسن الحظ كثير من مصنفاته ، وضاع القليل . وكتاب الصفدي هذا : الكشف والتنبيه على الوصف والتشبيه ، هو أوسع كتب التشبيهات قاطبة ، وأغزرها مادة ، ولو أنه (وياللأسف) وصلنا كاملا ، لأغنى عن كثير ، فقد ضاع جزؤه الثاني وقد بنى الصفدي كتابه على مقدمتين ونتيجة ، وقد ساق قبل المقدمتين كلاما موجزا أوضح فيه أن التشبيه جزء كبير من علم البيان ، وأمر قل من أصاب الصواب فيه إذا أبرزه إلى خارج العيان ، وهو فن تحتاج صحة التخيل فيه أن تكون له بالمرصاد .... حتى قال : (وقد أحببت أن أجمع من التشبيه ما وقع لمن علمته من الشعراء ، وتبين لي أنه تبوء غـُــــرَفَ البلاغة ). ثم كشف الصفدي عن مصادره المتعددة . أما المقدمة الأولى ، فقد اشتملت على فصول تتعلق بالتشبيه وأما المقدمة الثانية ، فتشتمل على الكلام ، في حقيقة التشبيه وانقسامه ، وتشعب ضروبه . وقد وقعت المقدمة الأولى في عشرة فصول ، ختمها بأسماء الشعراء الذين كثرت التشبيهات في أشعارهم : وهم : أبو نواس ، ابن الرومي ، ابن المعتز ، القاضي التنوخي ، الصنوبري ، ابن طباطبا ، ابن رشيق القيرواني ، ظافر الحداد ، السري الرفاء ، كشاجم .... وقد علق الصفدي على تشبيهات كشاجم وابن وكيع بأنها فاترة المزاج . وأما المقدمة الثانية ، فقد اشتملت على أربعة وعشرين فصلا ، والمقدمتان شغلتا من الكتاب واحدا وخمسين ورقة . وتشكل هاتان المقدمتان أوسع دراسة لفن التشبيه عرفتها كتب التشبيه ، التي صنفت قبل الصفدي وبعده . وأما النتيجة ، فهي تضم مختارات شعرية بوبها على فصول ، أورد في كل فصل ما يناسبه وعدد هذه الفصول أربعة وستون فصلا . ويعد هذا الكتاب أوسع كتاب في كتب التشبيهات ، عرف حتى اليوم ، امتاز على غيره بميزتين أساستين : الأولى : أنه قدم دراسة مبسوطة ، لمبحث التشبيه ، لم نجد لها نظيرا في كتب الأقدمين . الثانية : أنه قدم لنا مجموعة ضخمة من أشعار التشبيه ، فيها الكثير مما لا وجود له في المصادر التي بين أيدينا ، وفيه استدراكات على دواوين أربعين شاعرا من الدواوين المحققة المطبوعة ، فهو من هذه الزوايا يشكل إضافة قيمة في بابه ... وقد وقع الكتاب ، وهو الجزء الأول فقط في (530) صفحة . وليت الأحباب في مجالس الوراق عندهم علم في أخبار الجزء الثاني ، لعله كامن في إحدى المكاتب الخاصة في المكتبات المنتشرة في العالم الإسلامي . وقد ذكر المحقق أن مخطوطة الكتاب ، فريدة في الدنيا ، لا أخت لها - فيما نعلم- أصلها محفوظ في المكتبة الوطنية بباريس ، تحت رقم (3345) وعدة أوراقها (167) ورقة ، في كل ورقة صفحتان ، والمخطوطة قديمة ، مضبوطة بالشكل ، جميلة الخط ، لم يذكر فيها اسم الناسخ ، ولا تاريخ النسخ . |