مجلس : التاريخ
|
|
موضوع النقاش : تذكار الأمير كن أول من يقيّم | طه أحمد | 16 - يوليو - 2007 |
الحُلل السّندُسِيَّة في الأخبَارِ والآثارِ الأندلُسِيَّة
صنعة الأمير الجليل شكيب أرسلان
عرفه (خليل مطران) بإمام المترسلين وقال: (حضرى المعنى،بدوي اللفظ، يحب الجزالة حتى يستسهل الوعورة، فإذا عرضت له رقة وألان لها لفظه، فتلك زهرات ندية ملية شديدة الريا ساطعة البهاء كزهرات الجبل)
ولا ومصرِّف القلوب, ما ذكرت الأمير إلا أخذني من الحنين المتلهب, والوجد المتلفح, ما لا أجده لحبيب هاجر, أو حميم أفضى إلى ربه. ولا ومقلب القلوب ما قرأت له بحثا ولا مؤلفا إلا أحسست أنني شِبْع نفسي عروبةً وإسلاماً, وملء قلبي عزماً ومضاءً, ولا والله ما طرقت حروف اسمه مسمعي إلا اهتاجت لذلك الشؤون, واشتبكت دموعٌ في دموع...
سيدي كنتَ أميراً صريح الحق, رحيب الصدر, سامي المروءة, فوَّار العروبة..
و مهما عرفتُ فإنني لست أدري أي شيء كان هذا الأمير المبدَعُ?, وعلى أي روح نبت? ولا يزال الناس يتعجبون من صنائع الله في كونه, وشؤونه في خليقته.
على طرف مكتبي صورة نادرة للأمير كنت استنسختها من بعض كتبه القديمة, وكان من عادتي كلما نالني الفتور, وتنافرت نفسي من طول الدرس, أرمي بالبصر إلى عطوفته, وأغوص في هذه النفس الأرسلانية أتفكر في نبوغها وأتعجب من أعمالها..رجل أذاب سواد عينيه في اقتراء مآثر الأجداد ونشرها, وسهر لنهضة الأمة الإسلامية ليالي متمطيات بأصلابها, ولقد رأيته بعيد مهوى الغرض في كل نزعاته, شديد هفوة الفؤاد وراء آثار الجلدة, فأرسل في العرب قلماً عربياً جرّاراً, وبيانا أميرياً سيالا, يحوطه الحق من أطرافه, ويتطاير العزم في تباريحه.
وكان غريب شكل الهم, ذائب المهجة في حال أمته, يريد توطيد بنيانها, وحفظ كيانها, فذهب ينادي في الملإ من المسلمين بمدارسة تاريخهم الأمجد, وسنامهم الأقعس, وجهادهم الذي شرق وغرب, ويأبى عليهم أن يقعدوا مع الخوالف, وقد كان أوائلهم من السابقين الأولين, أو أن يكونوا تابعين, بعد أن كانوا متبوعين, وأن يسودهم من كان لهم من جملة الخوَل.
وكان من أعظم ما عني به الأمير منذ غضاضة إهابه, وريعان شبابه, إلى تخوم كهولته, إلى آخر شيخوخته, ما اتصل بالقرابات والكلالات, وانتسب إلى الديارات والمباءات, مما تكون النفس إليه أعظم حنينا, وأسرع تهافتا وأنينا, فحظيت الأندلس العربية بوافر عنايته, وسابغ اهتماماته, وجعل تاريخها العلم المقدم, والدرس المقدس, والبغية التي يجب أن تتوجه إليها خواطر الناشئة العربية المباركة, إذ أن درسها أحسن وسائل النشاط من عقال التخلف, وأفضل حوافز الاستباق إلى المجد المؤثل, فأحيا كثيرا من الليالي الجون في هذا السبيل وبلغ فيه جهيداه, ولم يُبق في القوس منزع ظفر, وألف في تاريخ الأندلس وأخبار هذه الجزيرة الخضراء, والدرة الدهماء, مؤلفات جليلة عظيمة, وترجم عن لغات الدنيا إلى العربية ما استطاع فيما يخص هذا الفردوس المفقود, وكان يقدم بين يدي مؤلفاته الأندلسية والأوربية رحلات يقوم بها إلى تلك الآثار الطوامس, والرسوم الدوارس, ليقرن الرواية بالرؤية, ويجعل القلم ردءا للقدم.
أنظر إلي عيني الأمير الخطير في هذه الصورة على مكتبي فيخيل إلي أن فيهما رهبة الأسد الهصور, وهيبة الرجل المجرب, وغيرة الشهم الأنِف, بايعته أعيان الأدباء والكتاب حيا وميتا, وبايعته أجيال الاستقبال بلا منازع, فإذا وقع الخلف بينها وبينه في هذه فعلى الله الرجاوة والأمل أن يسعدنا برؤيته في دار الكرامة مع الذين أنعم الله عليهم, وحسن أولئك رفيقا.
ولقد قرأنا في البيان والتبيين للإمام أبي عثمان الجاحظ هذا الخبر في ترجمة موسى بن سيار الأسواري: ((وكان من أعاجيب الدُّنيا، كانت فصاحتُه بالفارسية في وزن فصاحته بالعربيّة، وكان يجلِس في مجلسه المشهور به، فتقعد العربُ عن يمينه، والفُرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب اللَّه ويفسّرها للعرب بالعربية، ثم يحوِّل وجهَه إلى الفرس فيفسِّرها لهم بالفارسيَّة، فلا يُدرى بأي لسانٍ هو أبْيَنُ، واللُّغتانِ إذا التَقتَا في اللَّسان الواحد أدخلت كلُّ واحدةٍ منهما الضّيمَ على صاحبتها، إلاّ ما ذكرنا من لسان موسى بن سيّار الأسواريّ)) قلت: ومن لسان الأمير أبي غالب سقا الله ثراه, فقد كان مجيدا للفرنسية والتركية ملما بالألمانية والانجليزية وهو في العربية لسان الزمان, وأمير البيان.
وبعد:
وصلني أمس من والدي-أدام الله بقاءه- كتاب (الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية) من ثلاثة أجزاء, فوقفت أمام أجزاءه الثلاثة كما يقف السائح أمام معلمة تاريخية من ثلاثة طوابق سامقة, شاخص البصر لا يطرف, مشدوها مُدلّها, وقفت مع السائحين في أناقة الفكر, ووجاهة الرّشق, وتمام المنة, وشدة الخفق, حتى لكأن لكلماته نقع الوغى, ولتعبيراته صوت الرُّغا, فرأيت أن أزين مجالس الوراق بشَدوٍ من هذا الكتاب وغيره له- بقدر الطاقة وبحسب الوقت, وفاء لذكرى الأمير, وتعريفا لناشئة العروبة والإسلام بالأندلس العربية, فإن الروح التي حدَتْه لتأليفه, هي الروح التي حدتني لفتح ملفه. والله من وراء القصد.
|
|
|
|
 | تعليقات | الكاتب | تاريخ النشر |  | نظرة إجمالية في الطبيعة العمرانية الأندلسية كن أول من يقيّم الطبيعة العمرانية للجزيرة وآثار المدنية الإسلامية فيها عن الحلل: (( أما من جهة المدنية فهي في جنوبي اسبانية راجعة إلى أشد أدوار التاريخ توغلاً في القدم, وقد كان للفينيقيين في هذه البلاد دور طويل عريض, وقد أثّروا فيها آثاراً, لا تزال بقاياها ماثلة إلى الآن, ثم جاء الرومانيون, وكانت لهم طبيعة عمرانية معروفة لهم شرقاً وغرباً, فوجدوا مجال العمل في اسبانية ذا سعة, فعملوا, وبنوا, وأثّروا, وأثّلوا, وتركوا, آثاراً ناطقة بفضلهم, وجسوراً وأقنية معلقة منبئة عن شأوهم, وملاهي وهياكل, كالتي في ماردة, وطرَّكونة, ومربيطر, وغيرها مما لا يدرسه الزمان, ولا ينال منه الحدثان. وجاء بعد ذلك العرب فأثلوا في الجزيرة الايبيرية, أو الجزيرة الأندلسية على رأيهم, حضارة عربية شرقية بلغت من الأبهة, والفراهة, وسلامة الذوق, سدرة المنتهى, فلا تكاد تمر بمكان إلا للعرب فيه آثار باهرة, وعنهم أخبار تتحدث بها السامرة, و لا يزال نظام سقيا الجنان, وتوزيع المياه على الأرضين, هو النظام الذي رتبوه في أيامهم, ثم إنه لا ينكر أن الفن المسيحي, سواء في القرون الوسطى, أو من بعد عهد النهضة, قد ترك في اسبانية آثاراً فاخرة, ومباني فخمة, كقصر الاسكوريال مثلاً. فالذين يقصدون إلى اسبانية من السياح لا تخيب آمالهم, ولا تذهب نفقاتهم سدى, وذلك لأن السائح الأوروبي يجد دائماً في اسبانية أشياء جديدة بالنسبة إليه. فالبلاد كلها عبارة عن جزيرة يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث, وتحيط بها جبال البرانس الشامخة من الجهة الرابعة, فهي معتزلة في مكانها, منتبذة من أوروبة زاوية خاصة بها, غير متأثرة بغيرها, محتفظة بجميع مميزاتها وخصائصها, لا هي شرقية تماماً, ولا هي غربية تماماً, بل هي متوسطة بين أوروبة وأفريقية, واصلة بين المشرق والمغرب, منطوية في أنحاء وجودها المستقل- على أسرار لا يعرفها إلا من أكثر من التجوال فيها, وقرن السير بالنظر. وهناك شعب شديد الخنزوانة قائم بذاته, لا يشبه غيره, و لا يريد أن يتشبه بغيره, وله مآخذ ومتارك لا ينزل عنها, وهو بفطرته لا يحب تقليد الشعوب الأخرى, بل هو من قديم الزمان مستمسك بأوضاعه, متعال عن السير وراء أقرانه, لا يرضى بما لديه بدلاً, ولا يبتغي عما ائتلفه حِوَلاً. نعم من جهة الصناعة وفن الرسم والتصوير قد يقلّد الاسبانيول سواهم, بل يجد الناظر في كنائسهم وقصورهم آثاراً للفن الايطالي, الذي يدور على محاكاة الطبيعة. وكذلك يجد في رسومهم وتصاويرهم تأثر الفن الافرنسي, والفلمنكي,بل ليس في اسبانية فن تصوير خاص بها, ولا فن بناء خاص بها, وإنما هي محاكاة للأمم الغربية الأخرى مع جزء فيها من الطبع الاسباني. وإذا كان السائح الأوروبي لم يعرف بلاد الشرق, أو لم يقيض له أن يزور بلاد الإسلام, فإنه يجد في اسبانية آثاراً عربية, تكفيه لأخذ صورة حقيقية عن المدنية الإسلامية, التي منها في الأندلس أمثلة كافية, قِطَع تعد من أنفس وأرقى ما تركه العرب من الآثار في الأرض. وأما السائح الشرقي فإنه يقضي سياحته في اسبانية متأملاً, غائصاً في بحار العبر, هائماً في أودية الفكر. كلما عثر على أثر عربي خفق له قلبه, واهتزت أعصابه, وتأمل في عظمة قومه الخالين, وما كانوا عليه من بعد النظر, وعلو همم, وسلامة ذوق, ورفق يد, ودقة صنعة. وكيف سمت بهم هممهم إلى أن يقوموا بتلك الفتوحات في ما وراء البحر في بحبوحة النصرانية, وملتطم أمواج الأمم الأوروبية, وأن يبنوا فيها بناء الخالدين, يشيدوا فيها ألوفاً من الحصون, وأن يملأوها أساساً وغراساً, كأنهم فيها أبد الآبدين, فلا يزال قلب السائح المسلم في الأندلس مقسّماً بين الإعجاب بما صنعه آباؤه فيها, والابتهاج بما يعثر عليه من آثارهم, وبين الحزن على خروجهم من ذلك الفردوس الذي كانوا ملكوه, والوجد على ضياع ذلك الإرث الذي عادوا فتركوه, وأكثر ما يغلب عليه في سياحته هناك هو الشعور بالألم (1), فهو لا يزال يسير بين تأمل وتألم, وتفكر وتحسّر, لكنه يريد مع ذلك أن يقتري هذه الآثار, وأن يمشي في مساكن أولئك الآباء, وأن يخاطب الأحجار, وذلك لأنه لهوى النفوس سرائر لا تُعلم, من جملتها أنها تنزع إلى البكاء عند دواعي الوجد, كما ترتاح إلى الطرب عند بواعث السرور, وأنها قد تهتف بالأمرين معاً, وتجمع الضدين شَرَعاً, وأن كل ما هو حنين وتذكار, وولوع بعد الأعيان بالآثار, هو من سرائر البشرية, ومما هو غالب على النفس الناطقة.)) اهـ 1- كلام الأمير هنا يقع في الصميم, فإنني ما نسيت ذلك اليوم الذي دخلت فيه قصر الحمراء بغرناطة أول مرة وقد ارتهنتني المواجد, و أخذ الألم الشديد بمخانق نفسي بما لاعهد لي بمثله, ولست تر مثل السائح العربي هناك يتم حال, وكسوف بال, وخفق فؤاد, وذهول خاطر, فإن كان أديبا ثقفا فإن لسانه لا يفتأ يلهج بأبيات الرثاء التي أنشأها الشعراء عقب سقوط مملكة غرناطة وغيرها من مدائن الأندلس. ومهما وصف المرء من ذلك, فإن الحالة التي تتقمّص القلب المسلم وهو يطالع أثر الجلدة, وصنعة القوم, لا تستوفيها العبارة فهي كما قال الأمير من سرائر النفوس. | *طه أحمد | 7 - أغسطس - 2007 |  | رسالة إلى جمال الدين الأفغاني: شعر الأمير شكيب أرسلان كن أول من يقيّم كتب الأمير هذه القصيدة قبل أن يبلغ السابعة عشرة من عمره، ونلمح فيها أفكار الأستاذ الإمام ومشاعره تجاه جمال الدين، مما يرجح أن يكون الأستاذ الإمام قد كتب كلمات القصيدة، وقام الأمير بصياغتها شعرا. والقصيدة منشورة في ديوانه الأول الذي أصدره عام 1887 بعنوان الباكورة، وأودع فيه شعره الذي كتبه ما بين 1884 إلى 1887م وهو من مواليد عام 1869م وأهدى ديوانه هذا للأستاذ الإمام محمد عبده، وانظر في تعليق لاحق نص الإهداء نثرا ونظما. وإذا كان لي أن أجتهد فالقصيدة كما يفهم من البيت (37) كتبها الأمير في فبرايرعام 1886 يوم زار جمال الدين إيران، لأول مرة. قبل الزيارة الثانية التي صار فيها وزيرا للشاه ناصر الدين. وعلق رشيد رضا على البيت بقوله: (كان هذا في أول ذهابه إلى إيران قبل أن ينكبه فيها الشاه ناصر الدين). وقدم الأمير لهذه القصيدة بقوله: (وكتبت إلى السيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله) يـا جَـمـالَ الإِسلامِ وَالإِسلامُ | | صَـدَّهُ عَن هَوى الجَمالِ iiالملامُ | مِـثـلـمـا أَنتَ في الحَياةِ وَإِلّا | | فَـحـيـاةُ الـفتى عَلَيهِ iiحَرامُ | هَكَذا أَن يَصِحَّ في الأَرضِ مَجدٌ | | دونَـهُ كُـلّ مـا نَـرى iiأَوهامُ | هِـمَـمٌ دونَـها الكَواكِبُ iiمَثوى | | وَمَـضـاءٌ مِـن دونِـهِ iiالأَيّامُ | قـاذِفاتٌ عَلى المَصاعِبِ iiعَزماً | | لَـو تَـبَـدّى تَـدَكدَكَ iiالأَعلامُ | مِـثلَ هَذا حَوَيتَ يا رَجُلَ iiالأَر | | ضِ فَـمـاذا عَسى يَدُلُّ iiالكَلامُ | لَـم تَـزَل تُحرِزُ المَحامِدَ iiحَتّى | | كُـلُّ حَـمـدٍ لَـهُ عَـلَيكَ iiذِمامُ | أَنـتَ فَـردٌ فـيما شَمِلَت iiوَلَكِن | | فـي اِقـتِـدارِ الجَنانِ أَنتَ لَهامُ | لَكَ نَفسُ الأَملاكِ في عِزَّةِ iiالأَف | | لاكِ فـي جـودِ مَن يَداهُ الغَمامُ | لَـكَ طَـبـعٌ سامٍ وَوَجهٌ iiوَسيمٌ | | أَدبَـرَ الـظُـلمُ مِنهُما iiوَالظَلامُ | وَرُمـوزٌ مِـلءِ الـحَقائِقِ iiطَراً | | وَعُـلـومٌ فَـوقَ الـعُلى iiأَعلامُ | وَيَـراعٌ كَـالغَيثِ مِنهُ iiاِنسِكابٌ | | وَذَكـاءٌ كَـالـنـارِ فيها iiضِرامُ | وَمَـعـانٍ لَـو أوحِـيَت iiلِجِمادٍ | | هَـزَّهُ الـشَوقُ نَحوَها iiوَالغَرامُ | حـيرَت كُلَّ ذي حَصاةٍ إِلى iiأَن | | قـيـلَ لا شَـكَّ إِنَّـهـا iiإِلهامُ | كُـلُّ هَـذا حَوى الجَمالُ iiوَأَوفى | | يـا جَـمالَ الدُنيا عَلَيكَ iiالسَلامُ | كُـلُّ حَـيٍّ لَم يَحذ فَضلكَ iiحَذواً | | كُـلّ سـاعـاتِ عُـمـرِهِ iiآثامُ | فَـلَـتَطاول بِكَ الكَواكِبُ iiوَليَف | | خَـر بِـعَـلـيـاكَ آدَمٌ لا iiسامُ | وَنـجـب مـا تَـدعو إِلَيهِ iiوَإِلّا | | فَـلـحَـقّ النُفوس مِنّا iiاِهتِضامُ | كُـلُّ نَـفسٍ قَصد الفَلاح iiعَلَيها | | طـلـفـاً لَـيـسَ تَخلُقُ iiالآنامُ | وَقَـبـيـحٌ يـا نَفسُ قَولُك iiهَذا | | فَـوقَ هَـمّـي وَقُـوَّة لا تُضامُ | أَبـدَعَ الـلَـهُ في العِبادِ iiأُموراً | | وَعَـلَـيـهـا عَـلَـيهِمِ iiالإقدامُ | حَـسـبُـنا اللَهُ مِن وَكيلٍ iiوَلَكِن | | لِـنَـقُـل مِـثلَ ذا وَنَحنُ iiقِيامُ | دونَ نَـيـلِ العُلى رُبىً iiوَوِهادٌ | | لا نَـنـالُ الـعُـلى وَنَحنُ iiنِيامُ | نَـطـلُبُ المَجدَ مَن سِوانا وَلَكِن | | لَـم يُـسَـوَّد عِصامَ إلا iiعصامُ | يـا زَمـانـاً أَتى بِكُلِّ iiعَجيبٍ | | أَيُّ يَـومٍ كُـنّـا وَخَـسفاً iiنَسامُ | جِـئ بِما شِئتَ يا زَمانُ iiغَريباً | | وَتَـحـكّـم إِذ أَنتَ لَستَ iiتلامُ | إِنَّ أَمـراً أَصـحـابُـهُ تَرَكوهُ | | بَـعدَ ما أَفطروا عَلَيهِ iiوَصاموا | فَـغَـدوا مِـثلَما جَعَلتُ وَما iiكا | | نَ إِلَـهـي مُـغَـيِّراً لَو iiداموا | يـا جَمالَ الإِسلامِ إَنّي اِمرُؤٌ مِم | | مَـن عَلَيهِم وَاللَهُ ضاقَ iiالكَظامُ | عَـبَـثـاً يُـجهزُ الزَمانُ iiعَلَينا | | مـا لِـجـرحٍ بِـمَـيتٍ iiإيلامُ | لَيسَ يَخلو الزَمان يَوماً مِنَ العِب | | رَةِ لَـكِـن قَـد شـلتِ iiالأَفهامُ | حـالَـة عَن فِصالِ أمثالِها iiالأَي | | يـامُ قَـد مَـسَّها لَعَمري iiالعُقامُ | مِنكَ يَرجى يا سَيِّدي يا جَمال ال | | ديـنِ وَصلُ الحِبالِ وَهيَ iiرَمامُ | أَنـتَ لِـلمُسلِمينَ في دنيِهِم iiحج | | جَـة حَـقَّ لِـغَـيـرِهِم iiإلزامُ | عَطفِ النَفسَ ما اِستَطَعتَ عَلَينا | | نَـحـنُ لَولاكَ في الوَرى iiأَيتامُ | مـا شَكَكنا في أَن تَنالَ iiالأَماني | | سَـيِّـدٌ أَنـتَ وَالـزَمانُ iiغُلامُ | مـا عَجِبنا لِلفرسِ إِذ بِصَنيعِ iiال | | دولـةِ الـيَـومَ حَـفكَ iiالإعظامُ | اظـهَـرْ الـيَومَ يا مُحَمَّدَ وابهَرْ | | أَنـتَ فـي المَشرِقَينِ بَدرٌ iiتَمامُ | وَتَـغـلّبْ عَلى العَوائِقِ iiوَاِجعَل | | كُـلَّ مـا لا يُـرامُ مِـمّا iiيُرامُ | قـاطِـعٌ رَأيُـكَ المُسَدَّدُ في الدَه | | رِ الَّـذي لَيسَ يَقطَعُ iiالصَمصامُ | فيكَ يَأتي القَريضُ مُنتَظِماً iiعَف | | واً وَتَـنـسـابُ وَحدَها iiالأَقلامُ | ذا مَـجـالٌ إن تَـجتَنِبهُ iiخَناذي | | ذُ الـقَـوافـي فَإِنَّني الضِرغامُ | فَـاِمـهِرِ اليَومَ ما زَفَفَت iiقُبولاً | | يـا جَـمـالاً أَنـا بِـهِ iiمُستَهامُ | خَـدَمَ الـدَهرُ بابَ عِزِّكَ iiبِالإِخ | | لاصِ مـا واصِـلَ اِفتِتاحا خِتامُ | | *زهير | 7 - أغسطس - 2007 |  | إهداء الباكورة كن أول من يقيّم
الباكورة هو ديوان شعر الأمير في صباه كما ذكرنا في التعليق السابق، أصدره عام 1887م وهو في السابعة عشرة من عمره، وأهداه للأستاذ الإمام محمد عبده، نثرا وشعرا، فقال: (إهداء الباكورة لحضرة العالم العامل الفيلسوف الكامل، واسطة عقد الحكماء ودرة تاج البلغاء، الأستاذ الأكبر الشيخ محمد عبده المصري، أيده الله تعالى) لَـو هاجَ مِثلُ الفَضلِ خاطِرَ شاعِر | | أَلـقَـيتُ بَينَ يَدَي سِواكَ iiبَواكِري | أَو لَـو وَجَدَتُ بِمِثلِ فَضلِكَ iiعاذِلاً | | كـانَ الـكَمالُ إِذا سَلَوتُكَ iiعاذِري | لَـكِن سَطَوتَ عَلى القَريضِ بِأَسرِهِ | | وَغَـدَوتَ أَعـذَبَ مَـنهَلٍ iiلِلخاطِرِ | فَـزَهَـوتَ بَـينَ مَدارِكٍ وَمَشاهِدٍ | | وَسَـمَـوتَ بَينَ بَصائِرٍ iiوَبَواصِرِ | أَو كَيفَ لا تَسمو وَمِثلُكَ مَن iiحَوى | | بِـأَعَـزِّ نَـفـسٍ كُلَّ خَلقٍ iiباهِرِ | عَـلـمٌ عَـلى عَمَلٍ عَلى قَلَمٍ iiغَدا | | فـي الـخَطبِ يَهزَأُ بِالحُسامِ الباتِرِ | وَفَـضـائِـلٌ تَستَنطِقُ الأَفواهَ iiمِن | | كُـلِّ الـبَـرِيَّـةِ بِـالثَناءِ iiالعاطِرِ | عَـلامَـةَ الـعُـلَماءِ وَالبَحرُ iiالَّذي | | لا يَـنـتَـهـي مِثلَ البِحارِ لِآخِرِ | يـا أَيُّـهـا الـعلَمُ الَّذي iiأَوصافُهُ | | أَضـحَت رِياضَ قَرائِحٍ iiوَضَمائِرِ | شَـهِـدَ الـزَمـانُ لَنا بِأَنَّكَ iiفَردُهُ | | مِـن كُـلِّ بادٍ في الأَنامِ iiوَحاضِرِ | يـا أَوحَدَ العَصرِ الَّذي عَقَدَت iiعَلى | | تَـقـديمِهِ في الفَضلِ خَيرُ خَناصِرِ | لا غَـروَ أَن أُهـدي إِلَيكَ iiرَقائِقي | | وَأَنـا رَقـيـقُ فَـضـائِلٍ iiوَمَآثِرِ | لَـيسَ القَريضُ سِوى تَأَثُّرُ iiخاطِرٍ | | مِـمّـا بِـهِ لِـلـمَـرءِ قرَّةُ ناظِرِ | تُـمسي المَحاسِنُ وَهيَ فيهِ iiبِواعِثٌ | | لِـلـشِـعـرِ بَينَ مُسَبِّبٍ iiوَمُباشِرِ | غُـرَرٌ عَـلـى الأَيّـامِ لَولاها iiلَما | | لاحَـت وُجـوهُ الدَهرِ غَيرَ iiبَواسِرِ | لَـم تبرحِ الشُعَراءُ صَرعى iiنَشوَةٍ | | بِـرَحـيـقِها مِن سالِفٍ وَمُعاصِرِ | فَـإِذا اِنـجَلَت في مِثلِ ذاتِكَ iiمَرَّةً | | كُـنـتَ أُلأحـقّ بِكُلِّ مقول iiشاكِرِ | يـا مَـن غَـدا بِعَوارِفٍ iiوَمَعارِفٍ | | يُـزري عَلى لَجَجِ العُبابِ iiالزاخِرِ | أُهـديكَ بَعضاً مِن عَقيقِ iiقَريحَتي | | يـا بَـحرُ لَكِن لا أَقولُ iiجَواهِري | أَبـيـاتُ إِحـسانٍ وَلَيسَ iiجَميعُها | | مِـن كُـلِّ بَـيتٍ بِالمَحاسِنِ iiعامِرِ | قَـد جادَها صَوبُ الصِبا iiوَبِنَشرِها | | نَـمَّ الـصَـبا عَن كُلِّ عَرفٍ iiذافِرِ | دَرَجَـت مَعي أَطوار عُمرٍ واصِلٍ | | مـا جـاشَ مِـن يَومٍ بِلَيلٍ iiساهِرِ | قَـد بـاكَـرَتني قَبلَ صادِقِ iiفَجرِهِ | | مُـذ كُـنتُ مِن أَعوامِهِ في iiالعاشِرِ | أَو حَت إِلى قَلبي الهَوى فَشَعَرتُ إِذ | | غُـصـنُ الصَبابَةِ لا يَميلُ لِهاصِرِ | فَـمَـضَـيتُ بَينَ كَمائِلٍ iiوَمَفاخِرٍ | | وَمَـشَـيـتُ بَينَ خَمائِلٍ iiوَأَزاهِرِ | مـا قُـلتُ ذا فَخراً وَلا عَجَباً iiوَما | | مِـن مُـعجبٍ في نَظمِها أَو iiفاخِرِ | لَـكِـن لَـتَـرفَقَ غَيرَ مَأَمورٍ iiبِها | | فَـلَكم خَطَت طوراً لِنَيلِ iiالحاضِرِ | مَـكَّـنـتها بَعدَ النِزاعِ وَكَم iiحَكَت | | قَـلَـقَ الـقِداحِ بَدَت بِكَفَّي iiياسِرِ | حَـتّـى أَتَـت مِن بَعدِ تَربِيَتي iiلَها | | حَـسبي وَإن لَم تَغدُ مِلءَ iiمَحاجِري | عَـوَّضتُ ما خَسِرتُهُ مِن حُسنٍ iiبِما | | رُفِـعَـت إِلَـيكَ فَلَم أَكُن iiبِالخاسِرِ | فَـكُـنِ الوَصِيَّ عَلى يَتامى iiناظِمٍ | | وَبَـنـاتِ فِـكرٍ في ثَناكَ قَواصِرِ | أَهـدَيـتُـهـا لا كَي تَليقُ iiوَطالَما | | قَـبِـلَ الـكَبيرُ هَدِيَّة مِن iiصاغِرِ | هِـيَ دونَ مـا يُـهدَى إِلَيكَ iiوَإِنَّما | | مِـثـلـي عَلى ما فاقَ لَيسَ iiبِقادِرِ | | *زهير | 7 - أغسطس - 2007 |  | ذكرى الأندلس     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
هذه القصيدة من روائع شعر الأمير وعدد أبياتها كما في الديوان (105) أبيات، والمختار منها هذه القطعة، وقدم لها الأمير بقوله: (ذكرى الأندلس: نظمتها لما شاهدت مسجد قرطبة في سياحتي إلى الأندلس سنة 1930)
لَـكَ الـلَهُ إن شِئتَ الصَبوحَ iiفَبَكِّر |
|
بِـكَـأسٍ دِهـاقٍ مِن حُمَيّا iiالتَذكُّرِ |
وَغَنِّ عَلى ذِكرى اللَيالي الَّتي iiخَلَت |
|
قَـصائِدَ إن تُنشَد عَلى المَيتِ iiينشرِ |
فَـقَـد تَعجبُ الذِكرى وَلَو iiلِفَجيعَةٍ |
|
وَيَـشفي أُوارَ الصَدرِ فَرطُ iiالتَحَسُّرِ |
لَـعَـمـرَكَ لا يرجى لِنَشأَةِ iiمُقبِلٍ |
|
وَمُـسـتَـقـبَلٍ مَن لَم يُفَكِّر iiبِمُدبِرِ |
أَدِرهـا تَردّ الرُشدَ في عَقلِ iiذاهِبٍ |
|
وَتُـذهِـبُ عَـقلَ الراشِدِ iiالمُتَبَصِّرِ |
كَـأَن لَم تَكُن في أَرضِ أَندَلُسٍ iiلَنا |
|
جَحافِلُ إِن تَحمِل عَلى الدَهرِ iiيذعرِ |
فـماذا الَّذي أَخنى عَلَيها وَما iiالَّذي |
|
رَمـاهـا بِهَذا الخَسف بَعدَ iiالتَصَدّرِ |
خِـلافـانِ هَـذا بَينَ قَيسَ iiوَيَعرُبٍ |
|
مُـقـيـمٌ وَهَذا بَينَ عُربٍ iiوَبَربَرِ |
وَلا شَرٌّ يَحكي شَرَّ حَربٍ إِذا iiالتَقَت |
|
صَـناديدُ قَيسٍ مَعْ غَطاريف iiحِميَرِ |
وَلَـمّـا رَأَيتُ المَسجِدَ الجامِعَ iiالَّذي |
|
بِـقُـرطُبَةَ مِن فَوق فوقِ iiالتَصَوّرِ |
عَـضُضَتُ عَلى كَفّي بِكُلِّ iiنَواجِذي |
|
وَقُـلتُ لِعَيني اليَومَ دَورُكَ iiفَاِهمُري |
ظَـلَـلتَ بِهِ بَينَ الأَساطينِ iiسائِحاً |
|
بِـفِكري حَتّى غابَ عَنّيَ iiمَحضَري |
تَـأَمَّـل خَـليلي كَم هُنا مِن iiمُهَلَّلِ |
|
إِلـى رَبِّـهِ صَـلّى وَكَم مِن مُكَبِّرِ |
وَكَـم أَزهَـرَت فيهِ أُلوفُ iiمَصابِحٍ |
|
وَكَـم أَوقَـدَت أَرطالُ عودٍ iiوَعَنبَرِ |
وَكَـم مَـلِكٍ ضَخمٍ وَكَم مِن iiخَليفَةٍ |
|
هُـنـا كانَ يَجثو عَنِ جَبينِ iiمَعفَرِ |
خَـلـيـلي تَأَمَّل كَالعَرائِسِ iiتَنجَلي |
|
أَسـاطـينُ قَد تُحصى بِأَلفٍ iiوَأَكثَرِ |
تَـراهـا صُـفـوفاً قائِماتٍ iiكَأَنَّها |
|
حَـدائِـق نُصَّت مِن جَمادٍ iiمُشجّرِ |
مِـنَ الـعَـمـدِ الأَسنى فَكُلُّ iiيَتيمَة |
|
لَـهـا نـسَـبٌ مِن مَقطع iiمُتَخَيَّرِ |
أَجـادَت تَـحَـرّيـهـا قُرومُ iiأُمَيَّة |
|
مَـعـادِنَ شَـتّـى مِن فَلَزٍّ iiوَمَرمَرِ |
نَبَت دونَها زَرَقُ الفُؤوسِ وَأَصبَحَت |
|
لَـدى الفَرى تهزا بِالحَديدِ المُعَصفَرِ |
وَلَـكِـن لِـفَضلِ الفَنِّ أَلقَت iiقِيادَها |
|
فَـصالَت بِها الصُنّاعَ صَولَةَ iiعَنتَرِ |
فَـبَيناً هِيَ الصُمُّ الصَلادِ إِذ iiاِنثَنَت |
|
مَـقـاطِـعَ جُـبنٍ أَو قَوالِبَ iiسُكّرِ |
عَـرائِـس لِلتَخريمِ فَوقَ iiرُؤوسِها |
|
أَكـالـيـلُ دُرٍّ فـي قَلائِدِ iiجَوهَرِ |
وَوَجهٌ إِلى المِحرابِ طَرفُكَ iiيَنسَرِحُ |
|
مِنَ الصَخرِ في مِثلِ الطِرازِ iiالمُحَبَّرِ |
وَحَـدَقٌ بِـهاتيكَ النُقوش وَزَهوها |
|
كَـأَن فـاتَـها صُنّاعُها مُنذُ iiأَشهُرِ |
وَبِـالـقُـبَّـةِ العَلياءِ يَبدو iiشُعاعَها |
|
بِـأَلـمَـعِ مِن زَهرِ النُجومِ وَأَزهُرِ |
لَـو انَّ الثُرَيّا في سَماها iiتَعَرَّضَت |
|
لَـظَـلَّـت تَحَدّى لِلثُرَيّا iiوَتَزدَري |
أَقـولُ لِخَصمٍ يَبخَسُ العرْبَ iiحَقَّهُم |
|
أَجـاحِـدَ نورِ الشَمسِ دونَكَ فَاِنظُرِ |
قُـصـورٌ نَـبا عَنها قُصورُ iiمُشيدٍ |
|
وَعَـلـيـاء لَـم تَعلَم مَشيدَ iiمُقصِرِ |
| *زهير | 7 - أغسطس - 2007 |  | ذكرى صلاح الدين كن أول من يقيّم
شارك الأمير بهذه القصيدة في احتفال أقيم في الأستانة قبل الحرب العالمية الاولى بسنة واحدة، وذلك بمناسبة تمثيل رواية صلاح الدين الأيوبي باللغة العربية. قال: (وقبل التمثيل تليت قصائد، منها قصيدة للأستاذ الكبير جميل صدقي الزهاوي مبعوث بغداد، ومنها قصيدة للأستاذ الكبير فارس بك الخوري مبعوث الشام، ومنها هذه القصيدة لي، وإني لموصي قراء هذا الديوان بالتامل في الأبيات الأخيرة التي فيها الكلام على مصير البلاد الشرقية، ليتأملوا كيف تم كل ما قيل) إِذا اِفـتَـخَـرَ الـشَرقُ القَديمُ بِسَيِّدٍ | | تَـمـيـدُ بِـذِكـراهُ اِبتِهاجاً مَحافِلُهْ | وَنُـصِـتَ مَوازينُ الفِخارِ وَقَد iiأَتى | | يُـمـاتِـنُ كُـلٌّ خَـصمَهُ iiوَيُساجِلُه | فَـمَـن كَـصَلاحِ الدينِ تَعنو iiلِذِكرِهِ | | رُؤوسَ أَعـاديـهِ وَمَـن ذا iiيُـعادِلُه | يُـخـالِـطُ أَعـمـاقَ القُلوبِ iiوَلاؤُهُ | | وَتـفـعَـلُ أَفـعالَ الشُمولِ iiشَمائِلُه | وَاُقـسِـمُ لَو في الحَيِّ نودِيَ iiبِاِسمِهِ | | لَـدى سَنَواتِ المَحلِ لاخضرّ iiماحِلُه | لَـهُ عـامِـلا حَـربٍ وَسِلمٍ iiكِلاهُما | | كَـفـيـلٌ بِـإِذلالِ الـعَـدُوِّ iiوَقاتِلُه | مُـهَـنَّـدُهُ فـي عُـنقِ قَرنٍ iiمُساوِرٌ | | وَمِـنَّـتُـهُ فـي عُنقِ خَصمٍ iiيُجامِلُه | وَمـا قَـتَـل الحُرُّ الأَبِيُّ الَّذي iiزَكَت | | سَـجـايـاهُ كَالعَفوِ الَّذي هُوَ iiشامِلُه | وَمـا كَـلَّ يَـوماً عَضبُهُ عَن كَريهَةٍ | | وَلا مَـلَّ مِـن حِـلمٍ وَلَو مَلَّ عامِلُه | تَـظَـلُّ طَـوالَ الوَقتِ تَندى iiسُيوفُهُ | | دِمـاءً وَتَـنـدى جـانِبَيها iiفَواضِلُه | فَـكَـم مِـن عَـدُوٍّ قَد تَرَدّى iiبِحَربِهِ | | قَـتـيـلاً وَعـاشَت مِن نَداهُ iiأَرامِلُه | وَفـي الحَربِ قَد تخَطي مَراميهِ iiمَرَّةً | | وَفـي كُـلِّ حـالٍ لَيسَ يُخطِئُ iiنائِلُه | تَـفـيـضُ عَلى بُؤسِ العِداةِ iiدُموعُهُ | | وَلَـم يُـلفَ يَوماً سائِلَ الدَمعِ iiسائِلُه | كَـأَنَّ الـوَرى كـانـوا أَهاليهِ جُملَةً | | فَـمَـهـما يَكُن مِن بائِسٍ فَهوَ iiكافِلُه | وَمَـن فَـهِمَ الإِنسانَ في الناسِ iiفَهمَهُ | | رَأى أَنَّ كُـلَّ الـعـالـمين iiعوائِلُه | كَـذَلِـكَ مَـن كـان الـتَمَدُّنُ iiدَأبهُ | | سَـجِـيَّـةَ صِدقٍ مَحضَةً لا iiتُزايِلُه | وَلَـيـسَ كَـمَن باتَ التَمَدُّنُ iiيَدَّعي | | مَـقـاوِلُـهُ قَـد كَـذَّبَـتـها مَفاعِلُه | تـعلم أهل الغرب من يوسف iiالعلى | | وإن بـهـرتـهم في التلافي iiفضائله | سـلـوا الشرق عن آثاره في iiغزاته | | عـلـى حين كل الغرب صفا iiيقابله | مـشى الغَربِ طَراً قَضّهُ iiوَقَضيضُهُ | | وَفـارِسُـهُ رامَ الـنِـزالَ iiوَراجِـلُه | مِـئـاتُ أُلـوفٍ وَالفَرَنسيسُ iiوَحدَهُ | | غَداً أُمَّةً في الأَرضِ إن صالَ iiصائِلُه | وَريـكارَد قَلبُ اللَيثِ في كُلِّ iiمَوقِفٍ | | يُـؤازِرُهُ فـي طـولِـهِ iiوَيُـمـاثِلُه | وَمِـن أُمَّـةِ الأَلـمانِ جَيشٌ iiعَرَمرَمٌ | | يَـسـيرُ بِهِ مِن أَبعَدِ الأَرضِ iiعاهِلُه | هِـيَ الأَمـم الـكُبرى وَما ثَمَّ قَيصَرٌ | | سِـواهـا وَلَـم تَزحَف إِلَينا iiجَحافِلُه | فَـصـادَمَـهُم مِن نَجلِ أَيّوبَ وَحدَهُ | | فَـتـىً بِـهِـم جَـمعاً تَميلُ مَوائِلُه | حَـلـيـفُ وَفـاءٍ لا يُـضامُ iiنَزيلُهُ | | وَلَـكِـنَّـهُ أَمـسـى يُضامُ iiمُنازِلُه | لَـهُ ثِـقَـةُ بـالـلَـهِ لَيسَت iiبِغَيرِهِ | | وَمَـن يَـرجُ غَـيرَ اللَهِ فَاللَهُ iiخاذِلُه | وَقـالَ وَقَـد تَـعيى الجِبالُ جُموعُهُم | | لِـيَـفـعَلَ إِلَهي اليَومَ ما هُوَ iiفاعِلُه | وَيَـصـطَـدِمُ الجَمعانِ حَولَينِ iiكُلَّما | | خَـبـتَ نارُ حَربٍ أَوقَدَتها iiمَشاعِلُه | ذرا بِـرِجـالِ الـشـامِ شُمَّ جُيوشِهِم | | فَـعـادوا كَـعَـصـفٍ بَدَّدَتهُ iiمَآكِلُه | وَسَـخَّـرَ هـاتـيـكَ المَعاقِلُ iiكلها | | وَلَـيـسَت سِوى آيَ الكِتابِ iiمَعاقِلُه | وَسَل عَنهُ في حِطينِ يَوماً iiعصبصبا | | غَـداةَ لِـواء الـحَـقِّ عُزِّزَ iiحامِلُه | وَعَـن مَـلِـكِ الإِفرِنجِ وَهوَ iiأَسيرُهُ | | وأرنـاطِ إِذ تَـبـكـي عَلَيهِ iiحَلائِلُه | هُنا اِنتَصَفَ الشَرقُ الأَصيلُ مِنَ الَّذي | | أَغـارَ عَـلَـيـهِ وَاِستَطالَت iiطَوائِلُه | فَـهَـل كـانَ مِثلُ الشامِ حِصناً iiلِأُمَّةٍ | | تَـمَـشّى إِلَيها الغَربُ تَغلي iiمَراجِلُه | وَمِـن قَـصـد الشام الشَريف iiفَإِنَّهُ | | لـيَـعـرِفـهُ قَـبلَ التَوَغَّلِ iiساحِلُه | فَـيـا وَطَني لا تترُكِ الحَزمَ iiلَحظَةً | | بِـعَـصـرٍ أُحيطَت بِالزِحامِ مَناهِلُه | وَكُـن يَـقِـظـاً لا تَـستَنِم iiلِمَكيدَةٍ | | وَلا لِـكَـلامٍ يُـشـبِـهُ الحَقَّ iiباطِلُه | وَكَـيـدٌ عَـلى الأَتراكِ قيلَ مُصَوَّبٌ | | وَلَـكِـن لِـصَـيـدِ الأُمَّتَينِ iiحَبائِلُه | تَـذَكَّـر قَـديـمَ الأَمـرِ تَعلَم iiحَديثُهُُ | | فَـكُـلٌّ أَخـيَـرُ قَـد نَـمَتهُ أَوائِلُه | إِذا غـالَـتِ الـجَـلِـيَّ أَخاكَ فَإِنَّهُ | | لَـقَـد غـالَكَ الأَمرُ الَّذي هُوَ غائِلُه | فَـلَـيـسَـت بِـغَيرِ الاتِّحادِ iiوَسيلَةٌ | | لِـمَـن عافَ أَن تَغشى عَلَيهِ مَنازِلُه | وَلَـيـسَ لَـنـا غَـير الهِلالِ مَظَلَّةً | | يَـنـالُ لَـدَيـها العِزُّ مَن هُوَ iiآمِلُه | وَلَـو لَـم يَـفدِنا عِبرَةً خَطَبُ iiغَيرنا | | لَـهـانَ وَلَـكِـن عِندَنا مَن iiنُسائِلُه | سَـيَـعـلَـمُ قَـومي أَنَّني لا أَغشهُم | | وَمَهما اِستَطالَ اللَيلُ فَالصُبحُ iiواصِلُه | | *زهير | 7 - أغسطس - 2007 |  | تحرير أدرنة كن أول من يقيّم
قدم الأمير لهذه القصيدة بقوله: (ولما استرجعت الدولة العثمانية مدينة أدرنة وتوابعها بعد الحرب البلقانية المشئومة أرسلت الدولة وفدا إلى أدرنة من رجالات العرب لتهنئة أهل تلك الديار على رجوعهم إلى حضن الدولة، فجرت احتفالات وقيلت خطب. وكنت من جملة اعضاء الوفد العربي المذكور فتلوت امام ضباط الجيش العثماني قصيدة نشرتها أكثر الجرائد العربية والتركية، ولا ازال أحفظ منها الأبيات التالية)
وغني عن القول أن أدرنة كانت عاصمة الدولة العثمانية مدة طويلة تزيد عن القرن. وفردينان المذكور في البيت (13) ملك البلغار يومئذ. وعزت المذكور في البيت (25) أحمد عزت باشا الأرناؤوطي قائد الجيش الذي استرد أدرنة.
فِـداً لِـحِـمانا كُلَّ مَن يَمنَعُ iiالحِمى |
|
وَمَـن لَيسَ يَرضى خَوضَهُ iiمُتَهَدِّما |
فَـمـا الـعَيشُ إِلّا أَن نَموتَ iiأَعِزَّةً |
|
وَمـا الـمَوتُ إِلّا أَن نَعيشَ iiوَنَسلَما |
تَـأَمَّلتُ في صَرفِ الزَمانِ فَلَم iiأَجِد |
|
سِـوى الـصارِمِ البَتّارِ لِلسِلمِ iiسُلّما |
وَلَـم أَرَ أَنـأي عَن سَلامٍ مِنَ iiالَّذي |
|
تَـأَخَّـرَ يَـعـتَـدِ الـسَلامَةَ مَغنَما |
يَـقـولونَ وَجهَ السَيفِ أَبيَضَ iiدائِماً |
|
وَمـا اِبـيَضَّ إِلّا وَهوَ أَحمَرٌ iiبِالدِما |
فَـإِن يَـكُ دَفعُ الشَرِّ بِالرَأيِ حازِماً |
|
فَـمـا زالَ دَفعُ الشَرِّ بِالشَرِّ iiأَحزَما |
تَـجـاهَـل أَهَلَ الغَربِ كُلَّ iiقَضِيَّةٍ |
|
إِذا لَـم يَـجيءَ فيها الحُسامُ iiمُتَرجَما |
وَكـابِـر قَـومٌ يَـنـظُرونَ iiبِأَعيُنٍ |
|
أَلا عَـمَهُ الأَلبابَ أَعمى مِنَ iiالعَمى |
أَدِرنَـةَ يـا أُمَّ الحُصونِ وَمَن iiغَدَت |
|
لِـدارِ بَـني عُثمانَ سوراً وَمِعصَما |
فَـدَيـنـاكَ رَبـعـاً ما أَبَرَّ iiبأَهلَهُ |
|
وَأمّـاً عَـلَـيـنـا ما أَعَزَّ وَأَكرَما |
عَـمَّـرنـاكَ أَحقاباً طِوالاً فَلَم iiنَزَل |
|
بِـأَهـلِـكَ مِن أَهلِ البَسيطَةِ iiأَرحَما |
فَـلَـمّـا أَتاكَ المُصلِحونَ iiبِزَعمِهِم |
|
أَعـادوا إِلـى تِـلكَ الجَنانِ iiجَهَنَّما |
أَلا قَـلَّ لِـفَـردينانَ أَسرَفتَ عادِياً |
|
وَأَكـثَرتَ في وادي الضَلالَةِ iiمُزعِما |
وَهـاجَمتَ وَالأَحلافَ غَدراً iiوَغيلَةً |
|
رِجـالاً غَـدوا عَـمّا تَكيدونَ iiنُوَّما |
رِجـالاً لَـها بَعضاً بِبَعضٍ iiتَشاجُرٌ |
|
فَـكـانَ قَـضـاءُ اللَهِ فيهِم iiمُحتَما |
تَـعَـرَّضَ هَذا المُلكُ مِنكُم iiوَمِنهُمو |
|
لِـسَـهمَينِ كُلٌّ مَنهُما اِنقَضَّ iiأَسهُما |
أَدرَنـتَـنـا لَـو كانَ لِلصَخرِ أَلسُنٌ |
|
بِـهـا يَـومَ عـادِ الراجِعوها iiتَكَلَّما |
فَـمـا مِـن فَتى إِلّا وَأَجهَشَ iiبِالبُكا |
|
وَمـا مِـن جَـوادٍ عادَ إِلّا وَحَمحَما |
وَلا غـادَةٌ إِلّا وَكَـفـكَـفَ iiدَمـعَها |
|
مَـكَـرُّ حِماةِ العرضِ كَالسَيلِ iiمُفعَما |
وَلا مِـنـبَـرٌ إِلّا وَأَورَقَ iiبَـهـجَةً |
|
وَقـامَ عَـلَـيـهِ سـاجِـعٌ iiمُتَرَنَّما |
وَقَرَّت عُيونُ المُصطَفى في ضَريحِهِ |
|
وَهَناهُ في الفِردَوسِ عيسى بنُ iiمَريَما |
تَـعَـجَّـلـتُمو مِنّا ثُغوراً iiشَواغِراً |
|
فَـهَـلّا وَقَـد جاءَ الخَميسُ iiعَرَمرَما |
خَـمـيسٌ إِذا النِيّاتُ صَحَّت iiرَأَيتهُ |
|
يخـيّـمُ مَـعهُ نَصرُهُ حَيثُ iiخَيَّما |
تَـأَمَّل أَهاضيبَ الجِبالِ وَقَد iiرَسَت |
|
وَحَدِّث عَنِ البَحرِ المُحيطِ وَقَد iiطَمى |
تُـضـيءُ نَـواحـيهِ بِغرَّةِ iiعِزَّتٍ |
|
مُـشَـيَّع ما تَحتَ الضُلوعِ iiغَشَمشَما |
يَـلـيـهِ مِنَ الأَبطالِ كُلَّ iiغَضَنفَرٍ |
|
إِذا عَـبَـسَ الـمَوتُ الزُؤامُ تَبَسَّما |
تَـراهُـم لُيوثاً في الوَغى وَضَياغِماً |
|
وَفـي أُفـقِ الـنادي بُدوراً iiوَأَنجُما |
فَـمَـن مُبلِغُ البُلغارِ أَنّا إِلى iiالوَغى |
|
وَإِخـوانِـنـا الأَتراكُ نَزحَفُ iiتَوأَما |
وَلَـيـسَ يَزالُ العُربُ وَالتُركُ iiأُمَّةً |
|
حَـنـيـفِـيَّـةً بَيضاءَ لَن iiتَتَقَسَّما |
وَقـولـوا لَهُم بانَت سُعادٌ فَلا iiيَزَل |
|
فُـؤادُكُـمـو دَهـراً عَـلَيها iiمُتَيَّما |
سَـتَـلـبِـثُ عُـثمانِيَّةً رغَم iiأَنفِكُم |
|
وَأَنـفِ الأُلـى مِـنّا يَصيحونَ لَوّما |
فَـلا يَـطـمَعَنكُم في أَدِرنَةَ iiمَطمَع |
|
وَلا تَـفـتَـحـوا في شَأنِها أَبَداً فَما |
أَدِرنَـةَ صـارَت عِـنـدَنا تِلوَ مَكَّةٍ |
|
وَمـاءَ الـمُريجِ اليَومَ أَشبَهَ iiزَمزَما |
فَـيـا لَكَ مِن يَومٍ أَتى في iiخُطوبِنا |
|
كَـشـادِخَـةٍ غَرّاءَ في وَجهِ iiأَدهَما |
وَكانَت بَقايا السيف تَبكي iiفَأَصبَحَت |
|
تُـضـاحِـكُـهُم طُرّاً مَلائِكَةَ iiالسَما |
وَمـا زالَـتِ الـدُنيا سُروراً iiوَغُمَّةً |
|
وَمـا زالَـتِ الأَيّـامُ بُؤسى وَأَنعُما |
عَـسـى كُـلِّ يَـومٍ بَعدَ يَومِ iiأَدِرنَةَ |
|
يَـعـودُ عَلى الإِسلامِ عيداً iiوَمَوسِما |
وَلَيسَ عَلى المَولى عَسيرٌ بَأَن iiنَرى |
|
هَـنـاءً مَـحـا ذاكَ العَزاءُ iiالمُقدِما | | *زهير | 7 - أغسطس - 2007 |  | رثاء مفخرة المغرب عبد السلام بنونة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
قدم الأمير لقصيدته هذه بقوله: وقلت أرثي صديقي الطيب الذكر الحاج عبد السلام بنونة، من عيون أعيان تطوان، بل المغرب كله، المنتقل إلى رحمة ربه في 3 شوال من هذه السنة 1353 وهذا آخر شعر لي إلى تاريخ نشر هذا الديوان، وقد أرادت جريدة الحياة الصادرة في تطوان في عددها المؤرخ في 3/ ذي القعدة 1353هـ الموافق 7 فبراير 1935 أن تتلطف بالكلمات الآتية قبل إثبات القصيدة : (لوعة أخ على أخيه) رثاء لمفخرة المغرب المرحوم الحاج عبد السلام بنونة نور الله ضريحه وروح روحه: الأمير شكيب أرسلان رجل الساعة في العالم الإسلامي، ابتدأ يخدم القضية الإسلامية منذ خمسين عاما، وهو أول زعيم عربي رفع صوته في الشرق والغرب مدافعا عن قوميتنا المغربية المهددة، فبلغ صدى صوته الخافقين، يحب المغاربة حبا جما، وتربطه برجالهم روابط حب متين وإخلاص مكين، وليست هذه القصيدة التي نقدمها للقراء اليوم إلا صورة مصغرة منبئة عن عواطفه النبيلة نحو امتنا وقادتنا في الحياة والموت... "الحياة"
يـا مَـدمَـعَيَّ اِكفِياني نارَ iiأَحزاني |
|
إِنّـي عَـهِـدتُكُما مِن خَيرِ iiأَعواني |
نـارٌ تَـأَجُـج فـي قَلبي فَهَل iiلَكُما |
|
أَن تُـطـفِـئـاها بِتَسكابٍ iiوَتَهتانِ |
إِن لَـم يَـكُ اليَومِ لي رَنّات iiثاكِلَة |
|
فَـأَيُّ يَـومٍ لَـهُ وَجـدي iiوَتَحناني |
أَقضي اللَيالي لا أَحظى بِطَيفٍ كَرى |
|
مُـوَزَّعـاً بَـيـنَ حَيرانٍ iiوَحَرّانِ |
مـا لـي بِغَيرُ كُؤوسِ الدَمعِ iiمُغتَبِقٌ |
|
وَلَـيـسَ غَـيرَ نُجومِ اللَيلِ iiنَدماني |
تَـأبـى الـمُـروءَةُ قَلباً غَيرَ iiمُتَّقِدٍ |
|
عَـلـى حَـبيبٍ وَطَرفاً غَيرَ iiرَيّانِ |
لا بَـوَّأَتـني المَعالي مَتنَ iiصَهوَتِه |
|
إن كـانَ لَـم يُصمِ قَلبي فَقَد iiخَلاني |
وَلَـيـسَ كُـلُّ أَخٍ تَـأتـي iiمُنيَتُهُ |
|
عَـلـى رُؤوسِ ذَويـهِ دَكَّ iiبُـنيانِ |
إنّـا فَـقَـدنـاكَ يا عَبدَ السَلامِ لَدنَ |
|
كُـنـتَ الـمُرَجّى لِأَوطارٍ iiوَأَوطانِ |
وَكُـنـتَ رُكـناً لَها إِنَّ أُمَّةً iiلَجَأَت |
|
مِـنَ الـوَرى لِأَسـاطـينِ iiوَأَركانِ |
الـبـاهِرُ الخَصلَ يَعيى مَن iiيُسابِقُهُ |
|
وَالـقـائِلُ الفَصلَ عَن عِلمٍ وَبُرهانِ |
يَـرمـي بِـكُـلِّ مُراشٍ مَن كَنائِنِهِ |
|
عَـن كُـلِّ قَوسٍ مِنَ التَفكيرِ iiمُرنانِ |
كـانَـت مَـحـامِدُهُ شَتّى نُقولٌ iiلَها |
|
سُـبـحـانَ ناظِمِها في سَلكِ iiإِنسانِ |
مُـهَذَّبُ الخَلقِ في صَوفٍ وَفي iiكَدَرِ |
|
وَنـاصِـحُ الـوُدِّ في سِرٍّ iiوَإِعلانِ |
مَـنـاقِـبٌ سَـنَّـمَتهُ ذَروَةٌ iiقَعَسَت |
|
وَمـا أَقَـرَّت لِأَقـرانٍ iiبِـإِقـرانِ |
بَـصـيرَةٌ تَستَشِفُّ الغَيبَ iiأَغمَضَهُ |
|
وَهِـمَّـةً تَـقرِنُ العالي إِلى iiالداني |
كانَت لَهُ في هَوى الإِسلامِ iiصارِخَةً |
|
الـمَـوتُ في سُبلها وَالعَيشُ iiسِيّان |
وَعِـزَّةُ الـعَـربِ الـعَرباءِ iiمالِئَة |
|
عُـروقَـهُ مِـلءَ أَنـداءٍ iiلِأَغصانِِ |
أَخـي الَّـذي كُنتُ أَرجوهُ عَلى iiثِقَةٍ |
|
إِذا تَـشـابَـهَ إِخـوانٌ iiبِـخَـوّانِ |
يَمضي إِلى المَجدِ إِذ يَمضي بِلا iiمَلَلٍ |
|
وَلا يُـبـالـي بِـأَحـقادٍ iiوَأَضغانِ |
مـا كـانَ يَثنيهِ عَن عَلياءٍ iiيَقصِدُها |
|
ثانٍ وَلا يَرتَضي في السَبقِ iiبِالثاني |
إِن صَـوَّبَت نَحوَهُ الأَعداءُ iiأَسهُمَها |
|
فَـالـمَجدُ وَالسِلمُ في الدُنيا iiنَقيضانِ |
إِن شِئتَ تَعلَمُ شَأوَ المَرءِ في iiشَرَفٍ |
|
قِـسـهُ بِما هاجَ مِن بَغِيٍّ iiوَعُدوانِ |
إِنَّ الـحَـقـيـقَةَ مِثلَ الشَمسِ iiآبِيَةٍ |
|
إِلّا الـتَـجَـلّـي لِقَومٍ غَيرَ iiعِميانِ |
تَـتَعتَعَ المَغرِبُ الأَقصى iiلِمَصرَعِهِ |
|
فَـلا تَـرى مِـن بَنيهِ غَيرَ iiسَكرانِ |
كَـأَنَّـما كُلُّ ما في الغَربِ مِن iiمَهجٍ |
|
تَـجَـمَّعَت وَغَدَت في وَسَطِ تَطوانِ |
قَـد كُـنـتُ آمُلُ أَن نَحيا iiمُعاصَرَةً |
|
مَـديـدَ عُـمـرٍ وَأَلـقـاهُ وَيَلقاني |
أَدعـو لَـهُ في جِناني كُلَّما iiاِنفَرَدَت |
|
نَـفـسي بِنَجوى وَأَرعاهُ iiوَيَرعاني |
فَـخَـيَّـبَ الـبَينُ ما قَد كُنتُ iiآمُلُهُ |
|
وَكَـم أَرَتـني اللَيالي ضِدَّ حِسباني |
خُـذ فـي حَياتِكَ ما تَشتاقُ مِن iiنِعَمٍ |
|
وَخُـذ بِـمِـقـدارِهِ تَـهمامَ iiوَجدانِ |
وَاِعـلَم فَما صادَفَت عَيناكَ في زَمَنٍ |
|
مِـن قُـرَّةٍ فَـهيَ يَوماً قَرحُ iiأَجفانِ |
لَم تَحلُ لي مِن زَماني لَحظَةٌ عَذَّبتُ |
|
إِلّا أَمَّـرتَ وَحـاكَـت وَقعَ iiمُرّانِ |
وَلا تُـوَفِّـر لـي حَـظٌّ أَلَـذُّ iiبِـهِ |
|
إِذا تَـضَـمَّـنَ أَشجاني iiوَأَشجاني |
يـا راحِـلاً فَـجِعَ الإِسلامُ iiأَجمَعُهُ |
|
فَـالشَرقُ في نُدبِهِ وَالغَربُ iiصَنوانِ |
وَمُـسـلِـمـاً بَـطَلاً كانَت iiحَمِيَّتُهُ |
|
تَـمـلا الـفَـجاجَ بِإِسلامٍ iiوَإيمانِ |
بُـدِّلَـت مِـن هَذِهِ الدُنيا سَماءُ iiعُلاً |
|
فَـاِبـشِر أَمُستَبدِلُ الباقي مِنَ iiالفاني |
شَـقَـيتُ في دارِكَ الدُنيا iiبجيرَتِها |
|
فَـاِسـعَد مِنَ المَلَأِ الأَعلى iiبِجيرانِ |
أَثـواكَ رَبُّـكَ فـي أَفـيـاءِ iiجَنَّتِهِ |
|
مُـمَـتَّعُ الروحِ في رَوحٍ iiوَرَيحانِ |
وَجـادَ تُـربَ ضَـريحٍ أَنتَ ساكِنُهُ |
|
بِـكُـلِّ أَوطَـفٍ داني الهُدبِ iiحَنّانِ |
وَأَورَثَ الـلَـهُ مَن أَنجَبَت مِن وَلَدٍ |
|
خِـلالََـكَ الـغُرُّ ، هَذا خَيرُ iiسَلوانِ |
فَـاِذهَب عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما iiطَلَعَت |
|
شَـمـسٌ وَنـاحَ حَـمامٌ فَوقَ أَفنانِ |
يَـقِـلُّ بَـعـدَكَ مَدفوناً فَجِعتُ iiبِهِ |
|
أِن أُسـتـطارُ عَلى ضَعفي iiلِحَدثانِ |
| *زهير | 7 - أغسطس - 2007 |  | نتف من خصائص العمران العربي الأندلسي كن أول من يقيّم (حمراءُ غرناطة) بعض خصائص العمران الإسلامي في اسبانية وفيه ذكرُ جامع قرطبة الأعظم ناسب إيراده بعد نشر شاعرنا زهير أبياتاً مختارة من رثائية الأمير المُشجية ((ذكرى الأندلس)) عن الحلل : ((...وكذلك هناك بدعة أخرى, ليست بأقل هُجنة, وهي الاجتهاد في منع النور عن الكنائس, وإبقاء داخلها مظلماً بقدر الإمكان. وهذه العادة فاشية في أكثر بيع أوروبة حتى يظن الغريب الجاهل بالأوضاع أن الظلمة هي مستحبة في قانون الكنيسة, وأن النور مكروه فيه. ولا نظن أحداً يكابر في هذه الحالة. وأما طرز البناء العربي فهو على العكس من ذلك فهو يكره الظلام, ويحب النور, كما تشهد ذلك في جميع المساجد والمباني العمومية التي شادها المسلمون في الأندلس وغيرها, فأما مسجد قرطبة فهو أعظم مسجد في اسبانية, ومن أعظم المساجد في الإسلام, لا أظن مسجداً يفوقه في السعة سوى المسجد الحرام, وسوى المسجد الأقصى. وربما كان جامع ابن طولون في مصر بهذا المقدار. ولم يقع إنشاء المسجد الأعظم في قرطبة دفعة واحدة, بل وقع شيئاً فشيئاً, كما سيأتي تفصيل ذلك, فكان يزاد فيه كلما ازداد سكان قرطبة. وترى الافرنج يدخلون إليه يؤوِّلون سعته هذه بأنه بناء قوم كانوا يحلمون بأن الإسلام لا بدّ أن يعم العالم, فإن المسقوف والصحن من هذا المسجد يسعان ثمانين ألف مصل يصلون وراء إمام واحد. فأما النقش والفُسيفساء اللذان في هذا المسجد فلا شك في كونها من الصنعة البيزنطية, كما أنه لا شك في أن صنّاع المسلمين تعلموها وتفنّنوا فيها, وقد تفننوا في الخرط والنحت والنقش والزينة بما جعل لهم أسلوباً خاصا معروفاً بهم منسوبا إليهم, تجده في مساجدهم, وقصورهم, وحماماتهم, وأبراجهم, وأبوابهم, وكل بناء يولونه شطراً من عنايتهم. ومما تمتاز به المباني الإسلامية نقش آيات القرآن الكريم, والأحاديث الشريفة والأمثال, والأشعار, في الحيطان والسقوف, وفوق الأبواب, وفي الأمكنة المعروضة للنظر, بما تزداد به الأبنية سناء, والأبهاء بهاء, ويعد من نفائس الزينة, التي تزهو بها هذه المعاهد. ولقد رأيت في رندة قاعة انكشفت جديداً, حيطانها كلها من المرمر, وقد حُفر عليها سورة الفتح من أولها إلى آخرها. وكان الاسبانيول يوم أجلوا العرب عن الأندلس إذا رأوا بناء متقناً, وضنّوا به أن يجعلوه دكاً, أبقوه ماثلاً, لكنهم غطوا بالجص جميع ما على الحيطان من الكتابات العربية, حتى يمحوا أثر الإسلام من بلادهم بالمرة. ولبث ذلك ديدنهم إلى هذا العصر الذي شعروا فيه بأن السياح إنما تقصد بلادهم لأجل مشاهدة الآثارة العربية, فرجعوا ينقبون عنها في كل سهل وجبل, وكلما انكشف لأحدهم منها شيء عدّ نفسه قد عثر على كنز, وصارت المجالس البلدية تمنع هدم أي أثر قديم للعرب, وإن كان متداعياً إلى الخراب اكتفوا بتقويم شعثه, وأبقوه على هيئته. وقد يكون الشارع ضيقاً ولا يسمحون بتوسيعه إذا استلزم ذلك هدم الأبنية العربية. ومما يعجب به الافرنج من مساجد الأندلس جامع طليطلة يقال له اليوم (( سانتو كريستو دو لا لوز)) تاريخ بنائه كما يفهم من الكتابة التي في مدخله سنة 922 مسيحية. ولما استرجع الاسبانيول طليطلة في القرن الحادي عشر المسيحي حولوه كنيسة, ولم يغيروا فيه إلا الجهة الشرقية. وفي هذا المسجد بقايا نقوش عربية بديعة. ويقال إن الأذفونش السادس الذي احتال على ابن ذي النون حتى أخذ من يده طليطلة قد سمع أول قداس بعد استيلائه على هذه البلدة في هذا المسجد نفسه. وفي طليطلة من أمثلة الصنعة العربية كنيس لليهود يقصد إليه السياح لنفاسة بنائه. وقد بقي في الأندلس من المآثر العربية التي يشار إليها بالبنان قصر الجعفرية في سرقسطة, ومنارة أشبيلية الشهيرة, وباب ساحة النارنج في هذه البلدة, والقصر الذي بناه الملك بترو الملقّب بالغاشم ولكن على الطرز العربي بأيدي بنّائين من العرب. فأما حمراء غرناطة فلا تزال إلى يوم الناس هذا زينة اسبانية وحليتها, ومقصد المتفرجين من جميع الأقطار يزورها في دور السنة من سبعين إلى مائة ألف متفرج, ومن أغرب ما سمعت أن بعضهم يقيم الشهر والشهرين في غرناطة, وقلما يمضي يوم إلا ويقصد فيه إلى الحمراء حتى يتمتع نظره بما فيها من نفائس الصنعة, وبدائع الطبيعة, لأن موقع الحمراء الطبيعي هو أيضاً نادر في الدنيا. ومما يحمد الله عليه أن صناعة البناء الأندلسية هي محفوظة كلها في المغرب, لا تختلف في شيء عما كانت عليه في الأندلس, وإن الزليج الذي تزين به الحيطان والساحات, والذي يشبه القاشاني في المشرق, لا يزال يصنع ويتنافس به. هذا, وبعد أن استرد الاسبان بلاد الأندلس من أيدي العرب, وصار هؤلاء تبعة لهم تحت اسم المدجّنين, والاسبان يقولون مدجّر, بقيت الصنعت العربية زاهرة, يبني بها الاسبان أنفسهم, ويدخلونها حتى في بعض كنائسهم, وقد يجمعون بينها وبين الصنعة القوطية. ومن القصور المبنية على الطراز العربي قصر (( الانفانتادو)) في وادي الحجارة, وقصر اسمه (( كازا دل كردون)) في برغش, من بناء مهندس عربي اسمه محمد, من سقوبية, تاريخ بنائه يرجع إلى القرن الخامس عشر.)) | *طه أحمد | 8 - أغسطس - 2007 |  | مما قاله عن الأندلس لسان الدين بن الخطيب كن أول من يقيّم
القول في الأحوال الاجتماعية لأهل غرناطة وهو يصدق على جميع القطر الأندلسي عن الحلل : (( أحوال أهل هذا القطر في الدين وصلاح العقائد أحوال سنية, والأهواء والنحل فيهم معدومة, ومذاهبهم على مذهب مالك بن أنس إمام دار الهجرة جارية, وطاعتهم للأمراء محكمة, وأخلاقهم في احتمال المعاون الجبائية جميلة. وصورهم حسنة: معتدلة أنوفهم, بيض ألوانهم, مسودة غالبا شعورهم, متوسطة قدودهم, فصيحة ألسنتهم, عربية لغتهم, يتخللها عرف كثير وتغلب عليها الامالة. وأخلاقهم أبية في معاني المنازعات, وأنسابهم عربية, وفيهم البربر والمهاجرة كثير. ولباسهم الغالب على طبقاتهم الفاشي بينهم الملف المصبغ شتاء تتفاضل أجناس البزز منه بتفاضل الجدات والمقادير. والكتان والحرير والقطن والمرعزى والأردية الإفريقية والمقاطع التونسية والمآزر المشفوعة صيفا. فتبصرهم في المساجد أيام الجمع كأنهم الأزهار المفتحة في البطاح الكريمة تحت الأهوية المعتدلة. وأنسابهم حسبما يظهر من الإشتراءات، والبياعات السلطانية والإجازات، عربيةٌ: يكثر فيها القرشي، والفهري، والأموي، والأمي، والأنصاري، والأوسي، والخزرجي، والقحطاني، والحميري، والمخزومي، والتنوخي، والغساني، والأزدي، والقيسي، والمعافري، والكناني، والتميمي، والهذلي، والبكري، والكلابي، والنمري، واليعمري، والمازني، والثقفي، والسلمي، والفزاري، والباهلي، والعبسي، والعنسي، والعذري، والحججي، والضبي، والسكوني، والتيمي، والعبشمي، والمري، والعقيلي، والفهمي، والصريحي، والجزلي، والقشيري، والكلبي، والقضاعي، والأصبحي، والهواري، والرعيني، واليحصبي، والتجيبي، والصدفي، والحضرمي، والحمي، والجذامي، والسلولي، والحكمي، والهمذاني، والمذحجي، والخشني، والبلوي، والجهني، والمزني، والطائي، والغافقي، والأسدي، والأشجعي، والعاملي، والخولاني، والأيادي، والليثي، والخثعمي، والسكسكي، والزبيدي، والتغلبي، والثعلبي، والكلاعي، والدوسي، والحواري، والسلماني، هذا ويرد كثير في شهادتهم، ويقل من ذلك السلماني نسباً، وكالدوسي، والحواري، والزبيدي، ويكثر فيهم، كالأنصاري، والحميدي، والجذامي، والقيسي، والغساني، وكفى بهذا شاهدا على الأصالة، ودليلا على العروبة. وجندهم صنفان: أندلسي, وبربري. الأندلسي منه يقوده رئيس من القرابة أو أحظياء الدولة, وزيهم في القديم شبيه بزي جيرانهم وأمثالهم من الروم في إسباغ الدروع وتعليق الترسة وجفاء البيضات واتخاذ عراض الأسنة وبشاعة قرابيس السروج واستركاب حملة الرايات خلفهم: كل منهم بسمة تخص سلاحه, وشهرة يعرف بها. ثم عدلوا الآن عن هذا الزي إلى الجواشن المختصرة والبيضات المذهبة والسروج العربية واليلب اللمطية, والأسل اللطيفة. والبربري منه ترجع قبائله المرينية والزيانية والتجانية والعجيسية والعرب المغربية إلى أقطاب ورؤوس يرجع أمرهم إلى رئيس على رؤسائهم وقطب لعرفائهم من كبار القبائل المرينية يمت إلى ملك المغرب بنسب. والعمائم تقل في زي أهل هذه الحضرة إلا ما شذ في شيوخهم وقضاتهم وعلمائهم والجند الغربي منهم. وسلاح جمهورهم العصي الطويلة المثناة بعصي صغار ذات عرى في أوساطها تدفع بالأنامل عند قذفها تسمى بالأمداس. وقسي الفرنجة يخملون على التدرب بها على الأيام . ومبانيهم متوسطة, وأعيادهم حسنة مائلة إلى الاقتصاد, والغناء بمدينتهم فاش حتى بالدكاكين التي تجمع كثيرا من الأحداث. وقوتهم الغالب البر الطيب عامة, وربما اقتات في فصل الشتاء الضعفة و الفعلة الذرة العذبة أمثل أصناف القطاني الطيبة. وفواكههم رغدة, والعنب بحر لإنافة كرومه التي ينالها الخرج على أربعة عشر ألفا لهذا العهد. وفواكههم اليابسة عامة العام متعددة: يدخرون العنب سليما من الفساد إلى ثلثي العام, إلى غيره من التين والزبيب والتفاح والرمان والقسطل والبلوط والجوز واللوز, إلى غير ذلك مما لا ينقطع مدده إلا بفصل يزهد في استعماله. وصرفهم فضة خالصة وذهب إبريز طيب محفوظ لا تفضل سكتهم سكة. وعادة أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلال العصير أوان إدراكه بما تشتمل عليه دورهم, والبروز إلى الفحوص بأولادهم وعيالهم, معولين على شهامتهم وأسلحتهم على كثب عدوهم, واتصال أبصارهم بحدود أرضه. وحليهم في القلائد والدمالج والخلاخيل والشنوف: الذهب الخالص إلى هذا العهد في أولى الجدة ,واللجين في كثير من آلات الراجلين فيمن عداهم. والأحجار النفيسة من الياقوت والزبرجد والزمرد ونفيس الجوهر كثير فيمن ترفع من طبقاتهم المستندة إلى ظل دولة أو أعرق أصالة موفورة وحريمهن حريم جميل: موصوف باعتدال السمن وتنعم الجسوم واسترسال الشعور ونقاء الثغور وطيب الشذى وخفة الحركات ونبل الكلام وحسن المحاورة, إلا أن الطول يندر فيهن. وقد بلغن من التفنن في الزينة لهذا العهد, والمظاهرة بين المصبغات, والتنافس في الذهبيات والديباجيات, والتماجن في أشكال الحلي إلى غاية بعيدة. نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهر, ويكف كف الخطب, ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة, وأن يعامل جميع من بها بستره, ولا يسلبهم خفي لطفه بعزته وقدرته. اه)) علق الأمير على هذا بقوله: قلت: كيف لو عاش ابن الخطيب في عصرنا هذا, فماذا كان يقول يا ليت شعري? ولله الأمر من قبل ومن بعد. تنبيه: النص أعلاه استنسخته قديما من الحديقة للكاتب الكبير محب الدين بن الخطيب قبل أن أقع عليه قريبا في الحلل السندسية مع اختلاف يسير في بعض الحروف لاختلاف النسخ التي ينزع عنها الأديبان الجليلان, وعزاه في الحديقة إلى (اللمحة البدرية في تاريخ الدولة النصرية )ونقله الأمير عن لسان الدين بغير عزو. راجع أيضا هذه الفقرة المختارة في الإحاطة في أخبار غرناطة على موقع الوراق.
| *طه أحمد | 10 - أغسطس - 2007 |  | شاهد على عصر كن أول من يقيّم
نتفٌ مشجية لمآل الإسلام وأهله في الجزيرة الأندلسيّة وبقاء سلطان الإسلام في قلوب كثير من أهلها قروناً متطاولة بعد سقوطها لم تكن المقومات والعوائد العربية والإسلامية لتطمس آثارها بالكلية من القطر الأندلسي بعد امتزاج دام ثمانمائة سنة من العمران ,والبناء, التشييد, والمجد التام, الذي هو محصلة سواعد الإسلام وبنيه- لولا الإفناء المنظم الذي امتد حتى إلى الآثار الطوامس, والأحجار السواكن, والكوامن في المكامن. وهذه صور من أعمال العقل الذي أعمته العصبية, والإحن المحمولة, تترامى بها صحائف الأخبار ولفائف الأنباء, تحيط القارىء بالأبعاد إحاطة تجعل بينه وبين الحقائق الخفية خطوة من الفكر, ويغني عن بيان واقع الحال: المثال أو المثالان. عن الحلل: ((وكيف كان الأمر فقد تنصر كثير من مسلمي طليطلة, وبقي كثير من المسلمين على دينهم, لا سيما طبقة الخواص, ولكنهم لم يهجروا البلدة دفعة واحدة. وما خلت طليطلة من المسلمين تماماً إلا بعد قرون متطاولة. ومن الغريب أن طليطلة رجعت إلى النصارى في الثلث الثالث من القرن الحادي عشر للمسيح, وأنه في أوائل القرن السابع عشر كان لا يزال فيها مسلمون في زي نصارى. وقد نقلنا في بحث مسلمي الأندلس في (حاضر العالم الإسلامي) في الجزء الثاني عن كتاب (الأنوار النبوية في أنباء خير البرية), للعالم النسابة سيدي محمد بن عبد الرفيع الأندلسي المتوفى في رجب عام اثنين وخمسين وألف,- وصفه يوم كانوا بالأندلس لحالة المسلمين الذين كانوا مضطرين تحت خطر الحرق بالنار, أن يظهروا النصارنية وهم يبطنون الإسلام, وكيف كان والد المؤلف المذكور يعلم ولده, الإسلام سراً, ويوصيه بأن يكتم ذلك حتى عن والدته وعمه وأخيه, وجميع أقاربه, وأن لا يخبر أحداً من الخلق بما يعلّمه إياه في الخفاء. ثم كان يرسل والدته إليه فتسأله: ما الذي يعلمك والدك فيقول لها: لا شيء, فتقول له: أخبرني بذلك و لا تخف لأني عندي الخبر بما يعلمك. فيقول لها: أبداً ما هو يعلمني شيئاً. قال: وكذلك كان يفعل عمي, وأنا أنكر أشدّ الإنكار ثم أروح إلى مكتب النصارى. وآتي الدار فيعلمني والدي, إلى أن مضت مدة, فأرسل إلي من إخوانه في الله والأصدقاء. فلم أقرّ لأحد قط بشيء, مع أنه رحمه الله تعالى قد أقلى بنفسه للهلاك لإمكان أن أخبر بذلك عنه فيحرق لا محالة. لكن أيدنا الله سبحانه وتعالى بتأييده إلخ. إلى أن يقول: فلما تحقق والدي رحمه الله تعالى أني أكتم أمور دين الإسلام عن الأقارب, فضلاً عن الأجانب, أمرني أن أتكلم بإفشائه لوالدتي وعمي وبعض أصحابه الأصدقاء فقط, وكان يأتون إلى بيتنا فيتحدثون في أمر الدين وأنا أسمع, فلما رأى حزمي مع صغر سني فرح غاية الفرح, وعرفني بأصدقائه وأحبائه وإخوانه في دين الإسلام فاجتمعت بهم واحداً واحداً.))اهـ وقد علقت على هذه الجملة بقولي: إن الإسلام بالأندلس حسبما يظهر من هذا الوصف كان أصبح شبيهاً بجمعية سرية تكتم أمرها أشد الكتمان, ولا يقدر واحد من المسلمين أن يبوح بإسلامه إلا لمن يكون قد ابنلى أمانته, وامتحن صدقه فكانوا يجتمعون سراً إذا كان بعضهم واثقاً ببعض, ويتكلمون في أمر الدين في أشد الخفية. ثم نقلت عنه ما يلي: (( وسافرت الأسفار لأجتمع بالمسلمين الأخيار من جيان, مدينة ابن مالك إلى غرناطة, وإلى قرطبة, وإلى أشبيلية, وطليطلة, وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء أعادها الله تعالى للإسلام فتخلص لي معرفتهم لي من معرفتهم أني ميزت سبعة رجال, كانوا كلهم يحدثونني بأمور غرناطة, وما كان بها في الإسلام حينئذ, وبما أقوله وقلته بعد, فسندي عال لكونه ما تم إلا بواسطة واحدة بيني وبين الإسلام بها)) اهـ. وعلقت على هذه الجملة الأخرى ما يلي: إنما من عرف كون ابن عبد الرفيع توفي عام ألف واثنين وخمسين للهجرة, لا يخفى عنه انه كان شاباً في أول سني الألف للهجرة, أي منذ نيف وثلاثمائة سنة. ويظهر له أنه منذ نيف وثلاثمائة سنة كان في جيان وغرناطة وأشبيلية وقرطبة أناس لا يزالون يدينون بالإسلام سراً, وهما في الظاهر نصارى. وأغرب من هذا وجود مثل هؤلاء في طليطلة المصاقبة لمجريط, والتي كان مضى على استرجاع الاسبانيول لها يوم زارها ابن عبد الرفيع أكثر من خمسمائة سنة. أي أنه بقي مسلمون في الباطن في طليطلة من بعد أن زال عنها حكم الإسلام بخمسمائة عام. ثم ذكرت في محل آخر من هذا البحث: (( وقيل لي إن أحد المغاربة وقع في هذه الأيام الأخيرة ببعض قرى طليطلة, فوجدهم يذبحون الأكباش يوم عيد النحر عندنا, ويقولون إنها عادة توارثوها عن آبائهم))اهـ. ثم إني أذكر في المبحث نفسه فصلاً عثرت عليه في جريدة (( العَمَلَة)) النمساوية الصادرة في فينة, عددها المؤرخ في 3 يناير 1932, جاء فيه بمناسبة الكلام عن ثورات أهل العمل, كلام عن موريسك الأندلس, وأعمال ديوان التفتيش الكاثوليكي ما يلي: (( فأخذ هذا الديوان ينقّب وينقّر عن الكلية والجزئية من أعمال المسلمين, ومنع جميع شعائرهم الدينية, بل منع جميع عاداتهم ومذاهبهم في الحياة: ولو لم يكن لها تعلق بالدين, وعاقب على ذلك. وكان يعاقب أشد العقاب من علم عنه أنه لا يأكل لحم الخنزير أو الميتة, أو عرف عنه أنه لا يشرب الخمر, أو قيل إنه أدرج ميتة في كفن نظيف. وكانت النظافة في ذاتها يعاقب عليه, وفي سنة 1597 وجد في طليطلة المسمى (( موريسكوبار ثولوم شانجه)) فلحظ عليه القوم أنه شديد التطهر, فعذبوه عذابا شديدا, وما زالوا يعذبونه حتى أقر بأنه يتطهر عن عقيدة, فحكموا عليه بالسجن المؤبد, ويضبط جميع أملاكه. ووجدوا قرآناً عند عجوز اسمها (( ايزابلا زاسن)) فقالت إنها لا تقدر أن تقرأه فلم ينفعها هذا القول وعذبوها, ولكن لما كان عمرها تسعين سنة اكتفوا من إهانتها بحملها على حمار, والطواف بها في الشوارع وعليها غطاء مكتوب عليها اسمها و ((إثمها)) ثم زجّوها في السجن بعد ذلك, وبقيت فيه إلى أن علّموها قواعد المسيحية.)) اهـ. | *طه أحمد | 14 - أغسطس - 2007 |
|
|
|
|