صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : تذكار الأمير    كن أول من يقيّم
 طه أحمد 
16 - يوليو - 2007
 
 
الحُلل السّندُسِيَّة في الأخبَارِ والآثارِ الأندلُسِيَّة
 
 صنعة الأمير الجليل شكيب أرسلان
 
 
 
عرفه (خليل مطران) بإمام المترسلين وقال: (حضرى المعنى،بدوي اللفظ، يحب الجزالة حتى يستسهل الوعورة، فإذا عرضت له رقة وألان لها لفظه، فتلك زهرات ندية ملية شديدة الريا ساطعة البهاء كزهرات الجبل)
 
ولا ومصرِّف القلوب, ما ذكرت الأمير إلا أخذني من الحنين المتلهب, والوجد المتلفح, ما لا أجده لحبيب هاجر, أو حميم أفضى إلى ربه. ولا ومقلب القلوب ما قرأت له بحثا ولا مؤلفا إلا أحسست أنني شِبْع نفسي عروبةً وإسلاماً, وملء قلبي عزماً ومضاءً, ولا والله ما طرقت حروف اسمه مسمعي إلا اهتاجت لذلك الشؤون, واشتبكت دموعٌ في دموع...
سيدي كنتَ أميراً صريح الحق, رحيب الصدر, سامي المروءة, فوَّار العروبة..
 و مهما عرفتُ فإنني لست أدري أي شيء كان هذا الأمير المبدَعُ?, وعلى أي روح نبت? ولا يزال الناس يتعجبون من صنائع الله في كونه, وشؤونه في خليقته.
 
على طرف مكتبي صورة نادرة للأمير كنت استنسختها من بعض كتبه القديمة, وكان من عادتي كلما نالني الفتور, وتنافرت نفسي من طول الدرس, أرمي بالبصر إلى عطوفته, وأغوص في هذه النفس الأرسلانية أتفكر في نبوغها وأتعجب من أعمالها..رجل أذاب سواد عينيه في اقتراء مآثر الأجداد ونشرها, وسهر لنهضة الأمة الإسلامية ليالي متمطيات بأصلابها, ولقد رأيته بعيد مهوى الغرض في كل نزعاته, شديد هفوة الفؤاد وراء آثار الجلدة, فأرسل في العرب قلماً  عربياً جرّاراً, وبيانا أميرياً سيالا, يحوطه الحق من أطرافه, ويتطاير العزم في تباريحه.
وكان غريب شكل الهم, ذائب المهجة في حال أمته, يريد توطيد بنيانها, وحفظ كيانها, فذهب ينادي في الملإ من المسلمين بمدارسة تاريخهم الأمجد, وسنامهم الأقعس, وجهادهم الذي شرق وغرب, ويأبى عليهم أن يقعدوا مع الخوالف, وقد كان أوائلهم من السابقين الأولين, أو أن يكونوا تابعين, بعد أن كانوا متبوعين, وأن يسودهم من كان لهم من جملة الخوَل.
وكان من أعظم ما عني به الأمير منذ غضاضة إهابه, وريعان شبابه, إلى تخوم كهولته, إلى آخر شيخوخته, ما اتصل بالقرابات والكلالات, وانتسب إلى الديارات والمباءات, مما تكون النفس إليه أعظم حنينا, وأسرع تهافتا وأنينا, فحظيت الأندلس العربية بوافر عنايته, وسابغ اهتماماته, وجعل تاريخها العلم المقدم, والدرس المقدس, والبغية التي يجب أن تتوجه إليها خواطر الناشئة العربية المباركة, إذ أن درسها أحسن وسائل النشاط من عقال التخلف, وأفضل حوافز الاستباق إلى المجد المؤثل, فأحيا كثيرا من الليالي الجون في هذا السبيل وبلغ فيه جهيداه, ولم يُبق في القوس منزع ظفر, وألف في تاريخ الأندلس وأخبار هذه الجزيرة الخضراء, والدرة الدهماء, مؤلفات جليلة عظيمة, وترجم عن لغات الدنيا إلى العربية ما استطاع فيما يخص هذا الفردوس المفقود, وكان يقدم بين يدي مؤلفاته الأندلسية والأوربية رحلات يقوم بها إلى تلك الآثار الطوامس, والرسوم الدوارس, ليقرن الرواية بالرؤية, ويجعل القلم ردءا للقدم.
أنظر إلي عيني الأمير الخطير في هذه الصورة على مكتبي فيخيل إلي أن فيهما رهبة الأسد الهصور, وهيبة الرجل المجرب, وغيرة الشهم الأنِف, بايعته أعيان الأدباء والكتاب حيا وميتا, وبايعته أجيال الاستقبال بلا منازع, فإذا وقع الخلف بينها وبينه في هذه فعلى الله الرجاوة والأمل أن يسعدنا برؤيته في دار الكرامة مع الذين أنعم الله عليهم, وحسن أولئك رفيقا.
ولقد قرأنا في البيان والتبيين للإمام أبي عثمان الجاحظ هذا الخبر في ترجمة موسى بن سيار الأسواري: ((وكان من أعاجيب الدُّنيا، كانت فصاحتُه بالفارسية في وزن فصاحته بالعربيّة، وكان يجلِس في مجلسه المشهور به، فتقعد العربُ عن يمينه، والفُرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب اللَّه ويفسّرها للعرب بالعربية، ثم يحوِّل وجهَه إلى الفرس فيفسِّرها لهم بالفارسيَّة، فلا يُدرى بأي لسانٍ هو أبْيَنُ، واللُّغتانِ إذا التَقتَا في اللَّسان الواحد أدخلت كلُّ واحدةٍ منهما الضّيمَ على صاحبتها، إلاّ ما ذكرنا من لسان موسى بن سيّار الأسواريّ)) قلت: ومن لسان الأمير أبي غالب سقا الله ثراه, فقد كان مجيدا للفرنسية والتركية ملما بالألمانية والانجليزية وهو في العربية لسان الزمان, وأمير البيان.
وبعد:
وصلني أمس من والدي-أدام الله بقاءه- كتاب (الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية) من ثلاثة أجزاء, فوقفت أمام أجزاءه الثلاثة كما يقف السائح أمام معلمة تاريخية من ثلاثة طوابق سامقة, شاخص البصر لا يطرف, مشدوها مُدلّها, وقفت مع السائحين في أناقة الفكر, ووجاهة الرّشق, وتمام المنة, وشدة الخفق, حتى لكأن لكلماته نقع الوغى, ولتعبيراته صوت الرُّغا, فرأيت أن أزين مجالس الوراق بشَدوٍ من هذا الكتاب وغيره له- بقدر الطاقة وبحسب الوقت, وفاء لذكرى الأمير, وتعريفا لناشئة العروبة والإسلام بالأندلس العربية, فإن الروح التي حدَتْه لتأليفه, هي الروح التي حدتني لفتح ملفه. والله من وراء القصد.
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مَجريط madrid    كن أول من يقيّم
 
 عن الحلل بتصرف: دليلك إلى مدريد بقلم الأمير
Puerta del Sol
 مَجْرِيط
 madrid
 
قال ياقوت في معجم البلدان: مجريط بفتح أوله, وسكون ثانيه, وكسر الراء, وياء ساكنة, وطاء: بلدة بالأندلس ينسب إليها هارون بن موسى بن صالح بن جندل القيسي الأديب القرطبي, أصله من مجريط, يكنّى أبا نصر, سمع من أبي عيسى الليثي وأبي علي القالي, روى عنه الخولاني, وكان رجلاً صالحاً صحيح الأدب, وله قصة في القالي ذكرتها في أخباره من كتاب الأدباء- يعني كتابه معجم الأدباء- ومات المجريطي لأربع بقين من ذي القعدة سنة 401 قاله ابن بشكوال. اهـ.
ومن غريب الأمور أن ياقوت ذكر مجريط في مكانين من كتابه, ففي الأول ذكرها في صفحة 388 من الجزء السابع من معجمه, الطبعة الأولى المصرية المصححة بقلم الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي, ثم في صفحة 394 من الجزء نفسه, عاد فذكر مجريط هي نفسها وترجمها غير الترجمة الأولى فقال: مجريط بالفتح ثم السكون وكسر الراء, وياء, وآخره طاء مهملة: مدينة بوادي الحجارة, اختطها محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. ينسب إليها سعيد بن سالم الثغري, ساكن مجريط, يكنّى أبا عثمان. سمع بطليطلة من وهب بن عيسى, وبوادي الحجارة من وهب بن مسرَّة وغيرهما, وكان فاضلاً, وقصد السماع عليه, ومات لعشر خلون من شهر ربيع الآخر سنة 376 قاله ابن الفرضي.انتهى نقلا عن بغية الملتمس.
والذي يلوح لنا أنه كتب عن مجريط أولاً, وانتهى منها, ثم تلقّى معلومات جديدة عنها فبدلاً من أن يلحقها بما تقدم له في شأن مجريط, عاد فترجمها مرة أخرى. وينسب إلى مجريط عدد من أهل العلم في الإسلام منهم أبو محمد عبد الله بن سعيد المجريطي, وعبد الرحمن بن عبد الله بن حماد المجريطي. وهارون بن موسى..
وأعظم المنسوبين إلى مجريط أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الفلكي الكيماوي الشهير. وممن ينسب إلى مجريط سعيد بن سالم المجريطي المعروف بأبي عثمان الثغري الذي ذكره ياقوت, وينسب إلى مجريط أبو العباس يحي بن عبد الرحمن بن عيسى بن عبد الرحمن بن الحاج, كان ساكناً في قرطبة. وتولّى قضاء جيّان, وقضاء مرسية, وقضاء غرناطة, ثم تولّى قضاء قرطبة بعد أبي الوليد بن رشد, وكان قاضياً جليلاً, توفي سنة 598.
وأخبرني مهندس اسبانيولي مدقق متخصص بعلم الآثار اسمه فرناندس من أهل قرطبة أنه لما استولى الاسبان على مجريط كان فيها أربعة جوامع.
كان بناء مجريط في زمن العرب ضرورة عسكرية, لأنهم جعلوها قلعة في وجه القشتاليين, ولولا القلعة ما تكونت ثمة بلدة, إذ ليس إلا بلد مَحْل, وماء ضَحْل, وبقيت في أيدي العرب مدة طويلة إلى أن تمكن الاسبانيول من إرجاعها سنة 1083, وذلك على يد الأذفونش السادس, وكانت القلعة العربية في مكان القصر الملوكي الحالي وهذا القصر هو أفخم بناء في هذه العاصمة الآن, وكان الشروع ببنائه سنة 1764.
هذا, ولما دخلها الاسبانيول حوّلوا مسجدها الكبير إلى كنيسة باسم السيدة العذراء وأعطوا مجريط امتيازات كثيرة, وصارت لذلك العهد مدينة لا بأس بها, تمتد إلى باب ((لاتينه)) وباب ((سرَّادة)), وباب ((وادي الحجارة)) وباب((سانتو دومينكو)) وباب (( سان مارتين)) وباب ((الصول)), ووقع بين أهل مجريط وأساقفة اسبانية دعوى على مشاعات البلدة, فصدر الحكم بأن تكون المراعي لرجال الكنيسة وأن تكون الغابات للمدينة.
وفي سنة 1329 جمع الفرديناند الرابع أول مجلس للأمة الاسبانية في مجريط وفي سنة 1383 التجأ إلى اسبانية لاوون ملك أرمينية شريدا, فولوه على مجريط, ولكن بعد وفاته رجعت البلدة إلى حكم قشتالة, وفي سنة 1390 حصلت في مجريط فتن متتابعة أيام كان الملك هنري الثالث صغيراً فانتقلت العائلة المالكة إلى سقوبية. ثم تجددت هذه الفتن في زمن هنري الرابع بين سنتي 1454 و 1474, ولم تستقر أحوال مجريط إلا في زمن الملوك الكاثولكيين, أي فرديناند وايزابلاّ سنة 1477 وفي زمن شارلكان ثارت مجريط عليه, وانضمت إلى الحزب الذي كان يأبى الانقياد للحكم المركزي, إلا أن هذا الحزب انتهى أمره بالفشل, فدخل شارلكان مجريط سنة 1524 وبعد ذلك بسنة لما وقع فرنسوا الأول ملك فرنسة أسيرا في يد الامبراطور شارلكان, بعد معركة ((بافيه)) جيء به إلى مجريط, واعتقلوه مدة في البرج المسمى (( لوجانس)) ثم نقلوه إلى القصر, وكان عدد أهالي مجريط في أوائل القرن السادس عشر لا يتجاوز ثلاثة آلاف نسمة.
 والذي فكر في جعل مجريط عاصمة اسبانية هو فيليب الثاني, وذلك سنة 1560 وقبلها كانت العاصمة طليطلة. وكان في طليطلة كرسي الأسقف الأكبر, فكانت هذه المدينة عاصمة اسبانية في الدين والدنيا, وكان الاحتكاك الدائم لا يخلو من حوادث تبعث على الاختلاف, فأخذ فيليب الثاني يفكر في الانتقال إلى مركز آخر يتوسط المملكة من جميع الجهات, فلم يجد أفضل من مجريط, على علاّتها, وقحولة أرضها, وعطلها من أكثر المواهب الطبيعية التي تقوم بها عمارة البلدان, فإنه فكر في سرقسطة, فوجدها منحرفة إلى الشمال. وفي برغش وليون, فلم يجد فيهما التوسط اللازم الذي جعله نصب عينيه, وفي قرطبة وأشبيلية, فوجدهما ضاربتين في الجنوب, وكان مراده على كل حال أن يغادر طليطلة فراراً من مجاورة أحبار الكنيسة فاختار مجريط, برغم وقوعها في أرض قليلة الخيرات, لا تجري فيها أنهار ولا تمتاز بزرع ولا ضرع, كما أن هواءها جامع بين الأضداد, فمن نوافح البرد القارس, إلى لوافح الحر المحرق, ففي أيام الشتاء قد تنزل درجة الحرارة في الميزان إلى 11 تحت الصفر ويتجمد الماء أكثر فصل الشتاء, وفي الصيف تصعد الحرارة إلى الدرجة 43 في الظل, كأنه حر الساحل الجنوبي, ثم إن هواء مجريط, إما أن يكون شديدا عاصفاً, يصرع الرجل الماشي في الشارع, وإما أن ينقطع تماماً, حتى لا يطفئ المصباح, فتقلبات الأحوال الجوية في هذه العاصمة أعجوبة من الأعاجيب, ومن أمثالهم: لا تترك معطفك قبل 20 مايو.
ولما انتقل فيليب الثاني إلى مجريط كان فيها 2500 بيت, و 25 ألف نسمة, فضاقت على رجال الدولة والجند. وصدرت الأوامر بإنزال الأمراء والقواد وأصحاب المناصب في البيوت الكبيرة, فمن ذلك الوقت امتنع الناس عن بناء الدور الفيحاء, وصار الأغنياء منهم يعتمدون السكنى في المنازل الحقيرة, حتى لا ينزل رجال الدولة في دورهم.
فلذلك بقيت مجريط لا تتقدم إلى مدة طويلة, مع أن الفن لذلك العهد كان بلغ أوج الترقي, واستمرت هذه الحالة على مجريط إلى أن جاء آل بوربون ملوكاً على اسبانية, فشرع كارلس الثالث, أفضل ملوك هذه العائلة, في عمارة مجريط والاعتناء بشأنها. ولما استعفى كارلس الرابع من عرش اسبانية سنة 1808 جاء يوسف بونابرت, وأخذ يوسع شوارع مجريط, ويهدم حاراتها القديمة, والأديار التي كانت تضيق بها الأرض بما رحبت ثم ذهب حكم نابليون, وأعيد حكم آل بربون, وجاء فرديناند السابع, فأخذ يعتني بتوسيع مجريط وتزيينها, إلى أن كسبت شكل عاصمة حقيقية.
وأشهر ساحة في مجريط هي التي يقال لها ((باب الشمس)) ومن هذه الساحة يمتد شارعان, أحدهما المسمى شارع ((القلعة)) وهو أوسع شوارع المدينة وأبهاها, وبه تسير جميع المواكب في الاحتفالات, والثاني شارع ((جيرونيمو)) وفيه أعظم المخازن وأغناها.
وفي مجريط أكاديمية للفنون النفيسة, وفيها متحف المدفعية وفيه آثار ونفائس كثيرة. وفيه قاعة تسمى القاعة العربية, جمعوا إليها كل ما قدروا عليه من مخلفات العرب, من رايات, وعمائم, وأثواب, وأحذية, وسيوف, ومن جملتها سيف أبي عبد الله بن الأحمر, آخر ملوك غرناطة. وقد اشتمل هذا المتحف أيضاً على غنائم كثيرة مما حازه الاسبانيول في فتح أميركة, وتلك المستعمرات الواسعة, وكذلك في هذا المتحف تذكارات كثيرة من أيام حروب الكرلوسيين.
..فيها دار لمجلس النواب, يقال لها دار المؤتمر وهي بناء فخم, أنشأه المهندس نرسيز وبشكوال. وأمام الرتاج اسدان من سكب الرمل ومدافع غنمهما الاسبان من المراكشيين في واقعة تطوان سنة 1860. وفي مجريط متحف يقال له متحف البرادو, بدأوا به سنة 1785, وهو قسمان: أحدهما للتماثيل, والآخر للتصاوير, وفيه آثار أيدي مشاهير المصوريين والنحاتين, ممن تقدم لنا ذكرهم في الفصل المتعلق بالفن, ومن غيرهم. فهو من أحفل متاحف أوروبة بلا نزاع, يختلف إليه عشاق الفن ما شاؤا أن يختلفوا, ولا يزالون يرون فيه أشياء جديدة. وفيها جنة النبات, وقد بدأوا بها سنة 1774 إلا أن دليل بديكر يجعلها دون حديقة النباتات التي في بلنسية, ودون حدائق النباتات التي في البرتغال.
وفي مجريط ساحة يقال لها ساحة الشرق, في نهايتها ملهى التمثيل الملوكي. وأما قصر مجلس الشيوخ فإنه في طرف المدينة, بينما مجلس النواب هو في الطرف الآخر.
وأما خزانة الكتب الوطنية ففيها عدا الكتب, وعدا الوثائق التاريخية, متحف يقال له متحف الفن الحديث, ومتحف آخر يقال له متحف الآثار القومية. وقد بدأوا ببناء دار الكتب هذه سنة 1866, وانتهوا منها سنة 1894, وأمام رتاجها تماثيل المشاهير من رجال اسبانية, وفي داخلها تماثيل ملوكهم وملكاتهم. وأول من جمع هذه الكتب في مجريط هو الملك فيليب الخامس, وذلك من مائتين وخمس وعشرين سنة. وسنة 1866 اشترت الحكومة مجموعة كتب مخطوطة كانت تخص دوق اوشونة, واضافتها إلى هذه المكتبة. ومجموع ما تشتمل عليه من الكتب هو ستمائة وخمسون ألف مجلد, منها ثلاثون ألف مخطوط, وألفان وسبعة وخمسون كتاباً طبعت في بداية عهد الطباعة. وفيها عشرون ألف ورقة من الوثائق. وثلاثون ألف صورة يدوية. وفيها ثمانمائة طبعة من كتاب الدون كيشوط. والبناء هو سبع طبقات من الحجر والحديد, وفي قاعة القراءة 320 كرسياً. ولما ذهبت إلى مجريط سنة 1930 كنت أذهب كل يوم إلى هذه المكتبة, وفيها اطلعت على كتب كثيرة تتعلق بالأندلس, ثم اقتنيت أكثرها فيما بعد ذلك, ونسخت بخط يدي يومئذ قسماً من كتاب أخبار مجموعة, وهو أول تاريخ عربي لمسلمي الأندلس, يصل إلى زمان الناصر, وقسماً من كتاب القضاة بقرطبة, لأبي عبد الله محمد الخشني.
وأما خزانة الآثار القومية ففيها مائتا الف وثيقة, جمعت من كل الأطراف, ولا سيما من كنيسة آبلة. وتحت المكتبة اقباء ملأى بالآثار القديمة التي قبل التاريخ وعظام بشرية, وهناك مكان للعاديات الشرقية, ومنسوجات قبطية, وآنية أصلها من قبرص, وكثير من المصنوعات الايبيرية, والتماثيل العتيقة, مما يحار له العقل. ويقضي السائح الأيام والأشهر وهو يقضي منه العجب, ويوجد قاعات لآثار القرون الوسطى: من كتابات, وقطع فنية, ونواويس. وهناك قاعة خاصة بآثار العرب والآثار المسيحية التي يطلق عليها اسم الطراز المدجَّن, والاسبانيول يقولون المدجَّر, وأكثر هذه الآثار العربية مأخوذة من أشبيلية وقرطبة وسرقسطة وغرناطة وفي القاعة العربية أسطرلابان عربيان, أحدهما تاريخ صنعه سنة 1067 مسيحية, وهو أقدم أسطرلاب معروف اليوم. وفيها تحت الزجاج مجموعة عظيمة من الصحون والآنية العربية. وإلى الحائط الغربي من القاعة العربية قوسان من باب الجعفرية, قي سرقسطة, وقطع من البهو الملوكي في الجعفرية المذكورة, وباب عربي جيء به من ليون, وحوض للوضوء جيء به من مدينة الزهراء في قرطبة, وآثار من جامع بناه محمد الثالث في غرناطة وإلى الحائط الجنوبي باب عربي من خشب وجدوه في ((دروقه)), وإلى الحائط الشرقي مجموعة من الزّليج, وفي الوسط فوَّارة أشبه بفوّارة قاعة الأسود الحمر, وفوَّارتان من قرطبة, ويوجد سيوف عربية, وخواتم, وآنية من العاج, وغير ذلك من نفيس صناعات العرب. ومما يوجد في هذا المخزن مفاتيح مدينة وهران يوم دخلها الاسبانيول سنة 1509.
*طه أحمد
25 - يوليو - 2007
اسمُ الجزيرة الأندَلُسيّة    كن أول من يقيّم
 
 
عن الحلل:
اسمُ الجَزيرَة الأندَلُسيَّة
 
أما الجزيرة الأندلسية التي كان العرب يسمون بها هذه البلاد فهي منسوبة إلى الأندلس وقد كثر الكلام في أصل هذه اللفظة, ولكن أرجح الأقوال أنها مشتقة من اسم (الفاندالس) وهم جيل من الناس كانوا يسكنون بين نهر (الأودر) ونهر (الفيستول) في شرقي ألمانية. ويقال إنهم من أصل جرماني, ويقال إن بعضهم من أصل سلافي أوصقلي كما تقول العرب. وهؤلاء الفاندالس زحفوا من الشمال إلى الجنوب حتى بلغوا بوغاز جبل طارق, وذلك سنة 411 قبل المسيح. ومن هناك أجازوا إلى أفريقية. فلما عرفهم أهل أفريقية أطلقوا اسمهم على البلاد التي جاؤوهم منها وسموا هذه البلاد بالأندلس. وقالوا إن عبورهم إلى المغرب كان من جهة (طريف) وقالوا بل من الجزيرة الخضراء.
وجاء في الانسيكلوبيديا الإسلامية في الجزء الأول صفحة 354 بقلم سيبولد: أن الفاندالس لم يقيموا في جنوبي أسبانية إلى ثماني عشرة سنة لا غير, وأن بلاد جنوبي أسبانية كان يقال لها إلى ذلك الوقت (باتيكه) فصار يقال لها (فانداليسيا) ومنها جاءت لفظة الأندلس, ولما جاء العرب وفتحوا أسبانية أطلقوا عليها هذا الاسم وصاروا يقولون أندلس, لا للبقعة الجنوبية المقابلة للمغرب فحسب, بل لجميع الجزيرة الأيبيرية ولجميع ما فتحوه من البلدان بعد أن عبروا بوغاز جبل طارق. فالأندلس عند العرب هي من بحر الزقاق أو بوغاز جبل طارق, إلى جبال البرانس. وربما أطلقوا لفظة الأندلس على ما وراء البرانس من أرض الفرنجة. فأما الأسبان أنفسهم فكانوا لا يعرفون هذا الاسم قبل العرب وكانوا يسمون البقاع الجنوبية من الجزيرة الأيبيرية بأسبانية القديمة, كما كانوا يسمون شمالي أسبانية بأسمائها المختلفة مثل استورية التي كان العرب يقولون لها اشتورية أو اشتورياس ومثل ليون وقشتالة وأراغون إلخ. ولكن بعد أن غلب العرب على تلك الأقطار واشتهر اسم الأندلس عند الأسبانيول أنفسهم صاروا يطلقونه على جنوبي أسبانية, لا سيما بعد أن بدأ العرب يتراجعون إلى الجنوب, إلى أن انحصر هذا الاسم في مملكة غرناطة الصغيرة. انتهى كلام الأنسيكلوبيدية الإسلامية ملخصاً. وقد نقل ذلك عنها المستشرق ليفي أو لاوي بروفنسال في كتابه (أسبانية المسلمة في القرن العاشر المطبوع في باريز سنة 1932).
قلنا إن هذا الاسم لا يزال يطلق إلى الآن على ولايات أسبانية الجنوبية, مثل قرطبة واشبيلية وغرناطة ورنُده ومالقه وما جاورها. ولننظر الآن إلى ما قاله مؤرخو العرب في أصل اشتقاق لفظة الأندلس:
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: الأندلس يقال بضم الدال وفتحها وضم الدال ليس إلا, وهي كلمة عجمية لم يستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام. وقد استعمل حذفها في شعر ينسب إلى بعض العرب فقال عند ذلك:
سألت القوم عن أَنسٍ فقالوا    بأندَلس وأندُلسٌ بعيد
ثم أخذ ياقوت يبحث في بناء لفظة أندلس ومكانها من الأوزان العربية وكيف أنه لا يوجد لها وزن في هذه اللغة, بحثاً ليس له طائل, لأن هذه اللفظة هي أعجمية من أصلها كما قال هو فلا حاجة لعرضها على وزن عربي. ولم يقل ياقوت مصدر هذه اللفظة كما ذكر غيره, ولكن نقل المقري في نفح الطيب عن ابن سعيد أنها إنما سميت بالأندلس لأن هذا الاسم هو اسم طوبال بن يافث بن نوح الذي نزلها كما أن أخاه سبت بن يافث نزل العدوة المقابلة وإليه تنسب مدينة سبتة(?) قال: وقال ابن غالب: إنه أندلس بن يافث والله تعالى أعلم.
وقال القلقشندي في صبح الأعشى الجزء الخامس: وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الاسم, فقيل ملكته أمة بعد الطوفان يقال لها الأندلش بالشين المعجمة فسمي بهم, ثم عرب بالسين المهملة. وقيل خرج من رومة ثلاثة طوالع في زمن الروم يقال لأحدهم القندلش بالقاف في أوله وبالشين المعجمة في آخره, فنزل القندلش هذه الأرض فعرفت به ثم عربت بإبدال القاف همزة والشين المعجمة سيناً مهملة. ويقال إن اسمها في القديم (آفارية) ثم سميت (باطقة) ثم أشبانية ثم الأندلس باسم الأمة المذكورة. قال في تقويم البلدان: وسميت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب وإن كان جانبه الشمالي متّصلاً بالبرّ.
 
ما قاله دوزي عن اشتقاق اسم الأندلس
 
لم يأت دوزي في هذه المسألة بشيء جديد, ففي كتابه المسمى ب(مباحث عن تاريخ أسبانية وآدابها في القرون الوسطى) المحرر بالأفرنسية, يقول: إن هذا الاسم كان يطلق على مقاطعة بتيكه وقد جعله العرب عاماً لجميع أسبانية, فترجح أن لفظة أندلس مشتقة من الفندالس الذين قبل أن أجازوا إلى أفريقية احتلّوا جنوبي أسبانية. وهذا الرأي في هذا الاشتقاق هو قديم, لأنه قد رواه الرازي ورد عليه بأن مقام الفندالس في جنوبي أسبانية كان قصيراً جداً, ولكن الذي لا شك فيه هو أن أول من أطلق لفظ أندلس على مقاطعة بتيكه وعلى أسبانية كلها هم المسلمون, فإن مؤرخي شمالي أسبانية لا يعرفون هذا الاسم بل يسمون بأسبانية جميع البلاد التي كانت في حوزة العرب. فأما مؤلفو العرب فيسمون البلاد بالأندلس ويذكرون وجه التسمية. وفي (أخبار مجموعة) يقول إن أندلس كان اسم الجزيرة التي نزل بها طريف, ويقال لها جزيرة طريف من ذلك الوقت. وقال المؤرخ عريب: إن طريفاً نزل قبالة طنجة في الأندلس التي يقال لها اليوم جزيرة طريف.
إذاً أصل الاسم كان لذلك المحل لا للبلاد كلها, وقد ذكر غريغوار التوري ما يدل على أن اسم المكان الذي نزل فيه طريف كان طرادوكته وهو المكان الذي أجاز منه الفاندالس إلى أفريقية فلما جاء البربر ونزلوا في هذا المكان سموا بأندلس كل البلاد وجاء طارق من بعده فكان هذا الاسم أصبح مستعملاً.
 
 
قلت (طه): إنما قدمت كلام الأمير بخصوص مدريد على هذا المبحث الجليل وكان أولى بالتقديم, لأن لمدريد مقام خاص في نفسي فقد صرفت في تلك البلدة الخلابة أربع سنين من عمري فلا تكاد تمضي ليلة إلا ومدريد حاضرة في البال.
 
*طه أحمد
1 - أغسطس - 2007
ارتسامات لطاف    كن أول من يقيّم
 
ارتسامات الأمير حول المقري ونفح الطيب ومطابقة الاسم للمسمى
 
وكلمة المقري المثيرة من كل وجه في حق الشاميين (خلّد الله ذكرهم)  واعتزاز الأمير بها
 
 
عن الحلل:
 
اعلم أعزك الله أنه لا يزال نفح الطيب من أعظم المراجع التي يعول عليها المحققون في أخبار الأندلس, برغم كل ما عليه من مآخذ ومغامز, وما فاته من مباحث ومسائل, وذلك لأن صاحبه اتصل بكتب كثيرة لم يتيسر لغيره الاطلاع عليها, وشافه في الشرق والغرب عدداً كبيراً من الجِلّة وحاضَرَهم, وكان المقري نفسه مولعاً بأخبار الأندلس, متخصصاً فيها حافظاً من أنبائها, وكلام علمائها, ونظم شعرائها, ولا سيما من أقوال لسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر الشهير- بما يكاد يكون من المعجزات, ولما كان قد رحل إلى المشرق, كأكثر علماء المغرب, وحج البيت الحرام خمس مرات, وزار المدينة المنورة, والبيت المقدس, انتهى في طوافه إلى دمشق الشام التي أخذت بمجامع فؤاده, فألقى عصا التسيار, وتعرف بكثير من علماء الشام وأدبائها وسراتها, فكان ذكر الأندلس أمامهم ملهج لسانه الدائم, وغرام قلبه الملازم, فأرادوه أولاً على تأليف كتاب يتضمن مرويّاته عن لسان الدين بن الخطيب, فصحت عزيمته على ذلك, وبدأ بكتابة هذا الكتاب سنة تسع وثلاثين وألف للهجرة النبوية, على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
 
إلا أنه بعد بدأ به بدا له أن يتوسع في الموضوع, ولا يقتصر على أخبار لسان الدين وحده, فكان عندما شرع بهذا التأليف سماه (عَرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب) ثم لما أجمع التوسع في الموضوع عاد فسمى كتابه ب( نفح الطيب, من غصن الأندلس الرطيب, وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب) وهو لعمري اسم لائق بمسماه, ولفظ موافق لمعناه, ولا أظنه يوجد اسم ألذّ للقارئ من اسم (نفح الطيب) كما أن الملابسة ظاهرة بين قوله (غصن الأندلس الرطيب) ومزايا الأندلس الطبيعية في كثرة جنانها وبساتينها ووفرة فواكهها ورياحينها, وما اتصفت به من الخصب والنماء, وجَمَعَته من زكاء الارض إلى خير السماء, ولما كان للسان الدين بن الخطيب, في هذا الكتاب الحصة الكبرى في الآثار المروية, والأصوات المحكية, لم يكن من العجب أن يجعل اسمه فيه وقد كان في الأصل هو المقصود بالتأليف. هذا وقد كان تأليف المقري للنفح حينما كان مقيماً بالشام, ولذلك قال عنه في المقدمة ما يلي:
(( وله بالشام تعلق من وجوه عديدة, هادية لمتأمله إلى الطريق السديدة, أولها أن الداعي لتأليفه أهل الشام, أبقى الله مآثرهم, وجعلها على مرّ الزمان مديدة, ثانيها أن الفاتحين للأندلس هم أهل الشام, ذوو الشوكة والنجدة الحديدة, ثالثها أن غالب أهل الأندلس من عرب الشام الذين اتخذوا بالأندلس وطناً مستأنفاً, وحضرة جديدة. ورابعها أن غرناطة نزل بها أهل دمشق, وسموها باسمها, لشبهها بها في القصر والنهر, والدوح والزهر, والغوطة الفيحاء, وهذه مناسبة قوية العرى شديدة.))
قد يكون كلام المقري هذا مما لا يعجب بعض الثائرين على السجع في أخريات هذه الأيام ولكنه ذو معنى كبير, وفيه تصريح خطير, ولذلك فإن ثورة هذه الفئة على السجع والفاصلة, ليس من شأنها أن تفل من حد رغبتنا في نقل كلام يعود على وطننا الشامي بشقص كهذا من الفخر لم يوفره لغيره ثقة كبير, كأبي العباس أحمد المقري المغربي, إن لم يكن هو حجة في أخبار الأندلس فيا ليت شعري من يكون الحجة? فنحن رواة عنه, ونقلة من نصوصه بأسجاعها وفواصلها وحروفها وحركاتها.
*طه أحمد
3 - أغسطس - 2007
تـ ذ كـ ا ر ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 


 
إنزال الحسيمة:
خوسي مورينو كاربونيرو (1927)

* نقلا عن موقع المرساة .
*abdelhafid
4 - أغسطس - 2007
نقد النّفح    كن أول من يقيّم
 
 
نقدُ الأمير للنّفح
 
 
الأمير في شبيبته
(هدية إلى سيدي الشاعر الرّهيف أبي الفداء نضر الله وجهه)
 
 عن الحلل:
نعم إن (نفح الطيب) هو كتاب أدب, أكثر منه كتاب تاريخ, وقد قيل فيه وكاد يلحق بالأمثال السائرة: إنه (( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب, الذي لم يقرأه فليس بأديب)) ولكنه إلى هذا الوقت لا يزال عمدة المنقبين عن آثار الأندلس سواء في التاريخ أو في الجغرافية أو في الأدب أو في المحاضرة برغم كل ما فاته منها, ولا أزال أنا أستقي من منابعه برغم ما نقمت عليه في كتابي (( مختصر تاريخ الأندلس)) الذي حررته ذيلاً على ((آخر بني سراج)) الرواية التي من قلم شاتوبريان الكاتب الافرنسي الشهير, وقد ترجمتها إلى العربية وأردفتها بتاريخ للأندلس ونشرتهما سنة 1315.
فيناسب أن أعيد هنا ما كنت قلته من 40 سنة, وهو منقول بالحرف عن صفحة 60 و 61 و 62 و 63 من ذلك الكتاب, طبعته الثانية بمطبعة المنار وهو هذا (تحت عنوان) ((تمهيد)).
إنما حداني إلى تذييل هذه الرواية أمران: الأول إعانة القارئ على فهم الحوادث ومعرفة المواقع, بما تُفْقَد بدونه لذة المطالعة. والثاني ما رأيته من اختصار جرم الرواية, فآثرت إردافها بذيل يطيل من قدها, ويزيد في حجمها, ويكون فيه من حقائق الوقائع التاريخية ما لا يقصّر فكاهة عن موهوم الرواية الغرامية,فجاءت روايتنا ذيّالاً, وإن لم نرج أن تكون طاووساً, وليست هذه أول مرة جرّت فيها الروايات أذيالاً, واتخذت القصص أذناباً طوالاً.
 
وما أقصد بهذا الذيل استقصاء تاريخ الأندلس الإجمالي إلا ما اضطر إليه مساق الكلام. فقد كنت منذ نشأتي ممن لا يحبون التأليف فيما كثر فيه التأليف, وطال فيه المقال كأنما أعده تكراراً لسابق, أو إعادة لصدى, وأراه خلواً من كل براعة. وأخبار الأندلس مستفيضة في التواريخ شرقاً وغرباً, ومعروفة عند الأدباء بما لا يكون التأليف فيه سوى زيادة في عدد الكتب. وإنما يستحب الإنشاء في ما ندر فيه الكلام وعز البحث, وطمست الأعلام, فإذا قرأته العامة, بل الخاصة, سقطت منه على جديد ذي طلاوة, ولم تسأم النفوس, لعدم تداولها مطالعته المرة بعد الأخرى مدارسة كتب القواعد التي لا تتغير.
 
فأشد الأقسام عوزاً إلى البحث من تاريخ هذه البلاد-  التي لا نزال نحسبها عربية لكون أحسن أيامها ما كان من أيام العرب فيها- إنما هو القسم الأخير, وأحوج طائفة من أخبارها إلى التدوين ما تعلق بدور الجلاء, وعصر الخروج من بلاد كانت مدة الضيافة فيها ثمانمائة سنة, وذلك لأن هذا الحادث الكبير الذي هو من أضخم الحوادث في الإسلام وقع على حين خمول القرائح العربية, وبعد مرور زمن العلم والفلسفة عند معشر الناطقين بالضاد, ولدى إقحاط البلاد بالأدمغة المتوقدة, وعقم الأمة عن الرؤوس المولدة, بحيث فاته من التأليف والكتابة فيه ما لم يكن ليفوته لو وقع قبل ذلك بقرنين أو ثلاثة, فإنه لا عطر بعد عروس.
 
نعم لا أنكر أن ( كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) للعلامة المقري هو من أوفى الكتب بأخبار الأندلس وآدابها: حقيبة أنباء, وقِمَطر حوادث, وخزانة آداب, وكشكول لطائف, وديوان أشعار, وقد كان عهد تصنيفه على أثر النازلة الكبرى بباقي الأندلس, وامتصاص سؤر الكاس, وعفاء الأثر الأخير من سلطان المسلمين فيها, بحيث أمكن صاحبه ذكر سقوط مملكة غرناطة, واستيلاء الأسبانيول على الجميع, وختم الدولة الإسلامية في تلك الديار, ولكنه ككثير من مؤرخينا أو مؤلفينا الذين لا يرعون النسبة بين الأشياء ولا ينتبهون إلى قاعدة أن الحسن إنما هو تناسب الأعضاء, فقد بحث في هذا الخطب الجليل, والحادث العمم, بحثاً هو دون حقه بدركات, وأتى عليه كما يأتي على واقعة متوسطة البال, من الوقائع التي أشار إليها في بطن كتابه واستوعبه في أوراق يسيرة, كانت لطافتها تكون في كثافتها, فإن التناسب يقضي بإعطاء كل مقام من المقال ما يكافيه, ويقوم بحقه ويجيء على قدره. ولو فسح الفاضل المقري رحمه الله لواقعة سقوط مملكة غرناطة, وحادث انقراض أمر الإسلام بالأندلس, ما فسحه في تاريخه للنثر الكثير, الذي يغني عن كله بعضه من المخاطبات التي صدرت عن لسان الدين بن الخطيب, أو وجهت إليه, أو إلى غيره, أو الشعر الغزير الذي كثير منه حقيق بالإسقاط من ذلك المجموع, والقصص التي يرويها عن بعض المشايخ مع طول أناة غريب في الاستقصاء, مع أنه ليس فيها ما يرفع أقدارهم إلى السماء, لكان ذلك أجزل فائدة وأسنى موقعاً, وكانت الناس قد شفت غليلها من خبر هذه الطامة التي لكل الحوادث سلوان يسهّلها, وليس لها سلوان, كما قال أبو البقاء الرندي, ولكفينا مؤونة النقل عن كتب الأفرنج فيما يختص بالعرب, وحسبك أنه ذكر جميع وقائع السلطان أبي عبد الله بن الأحمر, وعمه الزغل, وذهاب تلك المملكة, وما جرى في ضمنه من الحروب وما حصر من المدن- في مسافة من التاريخ استوعبت أطول منها رسالة واحدة صادرة عن ذلك السلطان إلى الشيخ الوطّاسي صاحب فاس في موضوع أبرد ما فيه مع طوله أنه: اعتذار عن سقوط آخر ممالك المسلمين بالأندلس على يده, بأن الخطب غير نادر المثال, وأن بغداد, دار خلافة بني العباس, قد أصابها ما أصاب غرناطة, فانظروا هل هذا مما يؤثر على طوله, أو مما ترتاح الأنفس إلى قبوله, على فرض صحة تمثيله? وإن كان العذر في ذلك ما يقال من أن صاحب النفح قد ألّفه وهو نِضو أسفار, خال من الأسفار, ليس لديه من العدة ما يستعين به على الإطالة, والأخذ بالأطراف, فسبحان الله, كم يتلهى بعض علمائنا بحفظ ما لا ينفع عن تعليق ما ينفع? وهذا الفاضل المقري قد أملى عن ظهر قلبه أربعة مجلدات كبار, أودعها من التاريخ والجغرافية والقصص والنكات, وحشاها من الشعر والنثر والتراجم والتصوف, غثاً وسميناً, ما لا أظن حافظة تتمكن من اختزانه بين صدغين, وتركنا في التاريخ المهم من تفصيل الوقائع الشداد, والمعارك التي سالت فيها أنهر الدماء, في دور النزع الأخير, عيالاً على الأفرنج, مضطرين إلى الأخذ من مصنفاتهم, فكنا وإياهم في أخذ تاريخنا عنهم كما كنا في أخذ لغتنا عن صحاح الجوهري.
 
و لا نشك أن في ديار المغرب من التواريخ عن كارثة الأندلس الأخيرة ما يستوفي شرحها ولكنه لم يشتهر عندنا في المشرق غير نفح الطيب من متأخر التآليف, وهذه هي الحال معه, فلا عجب أن ساقنا حب الاستقصاء, واقتفاء أثر أبناء الجلدة, إلى أخذ أخبارنا عن الأجانب وتلونا: ( هذه بضاعتنا ردت إلينا)اهـ.
 
هذا ما كتبته عن نفح الطيب يوم كنت في السابعة والعشرين من العمر, ولست من بعد مضي تسع وثلاثين سنة على ذلك القول براجع عنه اليوم من حيث الجوهر, وإن كنت آراني الآن أقل قسوة, وأكثر عطفاً على المقري وأعظم تقديراً لما أملاه في كتابه, ولا عجب فالذي عند الشيخ من سعة الطبع, وقبول العذر ليس عند الشاب.
*طه أحمد
5 - أغسطس - 2007
عينية البارودي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

كانت بين أمير البيان شكيب أرسلان وشاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي مطارحات ومراسلات شعرية جمة نجدها كاملة في مقدمة ديوان شكيب أرسلان الذي جمعه رشيد رضا واخترمته المنية قبل نشره فصدر بتقديم خليل مطران عن دار مجلة المنار بمصر في يونيو 1936م.

وأختار من هذه المراسلات هذه القصيدة هدية لبديع الزمان (طه أحمد المراكشي) وقد كتبها البارودي وهو في منفاه بسيلان جوابا على قصيدة شكيب الدالية التي أولها:

هل تعلم العيس إذ يحدو بها الحادي أن  الـسـرى فوق اضلاع iiوأكباد
وكان شكيب قد أجاب البارودي بهذه الدالية على قصيدة البارودي التي أولها:
أدي الرسالة يا عصفورة iiالوادي وباكري الحي من قولي بإنشادي
وأما عينية البارودي فتقع في (47) بيتا وهذه هي كاملة

رُدِّي  الـتَّـحِـيَّةَ يَا مَهَاةَ الأَجْرَعِ وَصِـلِي بِحَبْلِكِ حَبْلَ مَنْ لَمْ iiيَقْطَعِ
وَتَـرَفَّـقِـي  بِـمُـتَيَّمٍ عَلِقَتْ iiبِهِ نَـارُ الـصَّبَابَةِ فَهْوَ ذَاكِي iiالأَضْلُعِ
طَـرِبِ الْـفُؤَادِ يَكَادُ يَحْمِلُهُ الْهَوَى شَـوْقَـاً  إِلَـيْكِ مَعَ الْبُرُوقِ iiاللُّمَّعِ
لا يَـسْـتَنِيمُ إِلَى الْعَزاءِ وَلا iiيَرَى حَـقَّـاً  لِـصَـبْوَتِهِ إِذَا لَمْ iiيَجْزَعِ
ضَـمَّـتْ  جَـوَانِحُهُ إِلَيْكِ iiرِسَالَةً عُـنْـوَانُهَا  فِي الْخَدِّ حُمْرُ iiالأَدْمُعِ
فَـمَـتَـى يَبُوحُ بِمَا أَجَنَّ iiضَمِيرُهُ إِنْ كُـنْـتِ عَنْهُ بِنَجْوَةٍ لَمْ iiتَسْمَعِي
أَصْـبَحْتُ  بَعْدَكِ في دَيَاجِرِ iiغُرْبَةٍ مَـا  لِـلـصَّبَاحِ بِلَيْلِهَا مِنْ iiمَطْلَعِ
لا يَـهْـتَـدِي فِيهَا لِرَحْلِيَ iiطَارِقٌ إِلَّا  بِـأَنَّـةِ قَـلْـبِـيَ iiالْـمُتَوَجِّعِ
أَرْعَى الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ كَأَنَّ iiلِي عِـنْـدَ الـنُّـجُومِ رَهِينَةً لَمْ iiتُدْفَعِ
زُهْـرٌ تَـأَلَّـقُ بِـالْـفَضَاءِ iiكَأَنَّهَا حَـبَـبٌ  تَـرَدَّدَ فِي غَدِيرٍ iiمُتْرَعِ
وَكَـأَنَّـهَـا  حَـوْلَ الْمَجَرِّ iiحَمَائِمٌ بِـيضٌ عَكَفْنَ عَلَى جَوَانِبِ iiمَشْرَعِ
وَتَـرَى  الـثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ iiكَأَنَّهَا حَـلَـقَـاتُ قُرْطٍ بِالْجُمَانِ iiمُرَصَّعِ
بَـيْـضَـاءُ نَاصِعَةٌ كَبَيْضِ iiنَعَامَةٍ فِـي جَـوْفِ أُدْحِـيٍّ بِأَرْضٍ iiبَلْقَعِ
وَكَـأَنَّـهَـا  أُكَـرٌ تَـوَقَّدَ iiنُورُهَا بِـالـكَـهْرَبَاءَةِ فِي سَمَاوَةِ iiمَصْنَعِ
وَالـلَّـيْـلُ  مَرْهُوبُ الْحَمِيَّةِ iiقَائِمٌ فِـي  مِـسْـحِهِ كَالرَّاهِبِ iiالْمُتَلَفِّعِ
مُـتَـوَشِّـحٌ بِـالـنَّيِّرَاتِ iiكَبَاسِلٍ مِـنْ  نَـسْـلِ حَامٍ بِاللُّجَيْنِ iiمُدَرَّعِ
حَـسِـبَ النُّجُومَ تَخَلَّفَتْ عَنْ iiأَمْرِهِ فَـوَحَـى  لَهُنَّ مِنَ الْهِلالِ iiبِإِصْبَعِ
مَـا زِلْتُ أَرْقُبُ فَجْرَهُ حَتَّى iiانْجَلَى عَـنْ مِـثْلِ شَادِخَةِ الْكُمَيْتِ iiالأَتْلَعِ
وَتَـرَنَّـمَـتْ فَوْقَ الأَرَاكِ iiحَمَامَةٌ تَـصِفُ الْهَوَى بِلِسانِ صَبٍّ iiمُولَعِ
تَـدْعُو  الْهَدِيلَ وَمَا رَأَتْهُ وَتِلْكَ iiمِنْ شِـيَـمِ الْـحَـمَائِمِ بِدْعَةٌ لَمْ iiتُسْمَعِ
رَيَّـا  الْمَسَالِكِ حَيْثُ أَمَّتْ صَادَفَتْ مَـا تَـشْـتَهِي مِنْ مَجْثَمٍ أَوْ iiمَرْتَعِ
فَـإِذَا  عَـلَـتْ سَكَنَتْ مَظَلَّةَ iiأَيْكَةٍ وَإِذَا  هَـوَتْ وَرَدَتْ قَـرَارَةَ iiمَنْبَعِ
أَمْـلَـتْ عَـلَـيَّ قَصِيدَةً iiفَجَعَلْتُهَا لِـشَـكِـيبَ  تُحْفَةَ صَادِقٍ لَمْ iiيَدَّعِ
هِـيَ مِـنْ أَهَـازِيجِ الْحَمَامِ iiوَإِنَّمَا ضَـمَّـنْـتُهَا  مَدْحَ الْهُمَامِ iiالأَرْوَعِ
هُـوَ ذَلِـكَ الـشَّهْمُ الَّذِي بَلَغَتْ بِهِ مَـسْـعَـاتُـهُ أَمَدَ السِّمَاكِ iiالأَرْفَعِ
نِـبْـرَاسُ دَاجِـيَـةٍ وَعُقْلَةُ iiشَارِدٍ وَخَـطِـيبُ  أَنْدِيَةٍ وَفَارِسُ iiمَجْمَعِ
صَدْقُ  الْبَيَانِ أَعَضَّ جَرْوَلَ iiبِاسْمِهِ وَثَـنَـى  جَرِيرَاً بِالْجَرِيرِ الأَطْوَعِ
لَـمْ يَـتَّـخِـذْ بَـدْرَ الْـمُقَنَّعِ آيةً بَـلْ جَـاءَ خَـاطِـرُهُ بِآيَةِ iiيُوشَعِ
أَحْـيَـا  رَمِـيمَ الشِّعْرِ بَعْدَ هُمُودِهِ وَأَعَـادَ  لِـلأَيَّامِ عَصْرَ iiالأَصْمَعِي
كَـلِـمٌ لَهَا فِي السَّمْعِ أَطْرَبُ iiنَغْمَةٍ وَبِـحُـجْرَةِ الأَسْرَارِ أَحْسَنُ iiمَوْقِعِ
كَـالـزَّهْرِ  خَامَرَهُ النَّدَى فَتَأَرَّجَتْ أَنْـفَـاسُـهُ بِـالْـعَنْبَرِ iiالْمُتَضَوِّعِ
يَـعْـنُو  لَهَا الْخَصْمُ الأَلَدُّ iiوَيَغْتَذِي بِـلِـبَانِهَا  ذِهْنُ الْخَطِيبِ iiالْمِصْقَعِ
هِـيَ نُـجْعَةُ الأَدَبِ الَّتِي مَنْ iiأَمَّهَا أَلْـقَـى مَـرَاسِـيَـهُ بِوَادٍ iiمُمْرِعِ
مَلَكَتْ هَوَى نَفْسِي وَأَحْيَتْ خَاطِرِي وَرَوَتْ  صَدَى قَلْبِي وَلَذَّتْ iiمسْمَعِي
فَـاسْـلَمْ ِشَكِيبُ وَلا بَرِحْتَ iiبِنِعْمَةٍ تَـحْـنُـو عَـلَيْكَ بِأَيْكِهَا iiالْمُتَفَرِّعِ
فَـلأَنْـتَ أَجْـدَرُ بِـالـثَّنَاءِ iiلِمِنَّةٍ أَوْلَـيْـتَـهَا وَالْبِرُّ أَفْضَلُ مَا رُعِي
أَرْهَـفْـتَ حَـدِّي فَهْوَ غَيْرُ iiمُفَلَّلٍ وَرَعَيْتَ  عَهْدِي فَهْوَم غَيْرُ iiمُضَيَّعِ
وَبَثَقْتَ لِي مِنْ فَيْضِ بَحْرِكَ iiجَدْوَلاً غَـمَـرَ الْـبِـحَارَ بِسَيْلِهِ iiالْمُتَدَفِّعِ
عَـذُبَـتْ مَـوَارِدُهُ فَـلَوْ أَلْقَتْ iiبِهِ هِـيـمُ  الـسَّحَابِ دِلاءَهَا لَمْ iiتُقْلِعِ
وَزَهَـتْ فَـرَائِـدُهُ فَصَارَتْ iiغُرَّةً لِـجَـبِـيـنِ  كُـلِّ مُتَوَّجٍ iiوَمُقَنَّعِ
هُـوَ  ذَلِـكَ النَّظْمُ الَّذِي شَهِدَتْ iiلَهُ أَهْـلُ  الْـبَـرَاعَةِ بِالْمَقَالِ iiالْمُبْدَعِ
أَبْـصَـرْتُ مِـنْهُ أَخَا إِيَادٍ iiخَاطِبَاً وَسَـمِعْتُ  عَنْتَرَةَ الْفَوَارِسِ iiيَدَّعِي
وَحَـلَـمْـتُ  أَنِّي فِي خَمَائِلِ جَنَّةٍ وَمِـنَ الْـعَـجَائِبِ حَالِمٌ لَمْ iiيَهْجَعِ
فَـضْـلٌ  رَفَـعْتَ بِهِ مَنَارَ كَرَامَةٍ صَـرَفَ الْـعُيُونَ عَنِ الْمَنَارِ iiلِتُبَّعِ
فَـمَـتَـى  أَقُومُ بِشُكْرِ مَا iiأَوْلَيْتَنِي وَالـنَّـجْمُ أَقْرَبُ غَايَةً مِنْ iiمَنْزِعِي
فَـاعْـذِرْ إِذَا قَـصَرَ الثَّنَاءُ iiفَإِنِّنِي رُزْتُ الْـمَـقَالَ فَلَمْ أَجِدْ مِنْ iiمَقْنَعِ
لا زِلْـتَ تَـرْفُلُ فِي وِشَاءِ iiسَعَادَةٍ وَحَـبِـيـرِ عَـافِيَةٍ وَعَيْشٍ أَمْرَعِ

*زهير
5 - أغسطس - 2007
الأسيرة كاد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
هذه القصيدة من نوادر الأمير، وقد تخلص بها لمدح أنور باشا قائد الجيوش العثمانية الشهير. وقدم لها بقوله:
بينما أنا ذاهب من سورية إلى الأستانة مبعوثا عن حوران في أيام الحرب العامة  نزلت ضيفا في طرسوس (وهي غير طرطوس) على سعادة الشهم الأمثل محمد بك راسم (من كبار أعيان مصر) المقيم هناك. وكانت حصلت حادثة على فتاة حسناء تشتغل في معمله القطني، وضويقت الفتاة لأجل جمالها، والمشار إليه لا يعلم بالواقع، فلما بلغه الخبر امتعض ومنع التعرض لها وجعلها في مأمن من سطوة العاشق، وصادف وجودي هناك، فقلت على سبيل المداعبة:
أَقـسَمتُ إِذ طَلَعَت عَلَيَّ iiشُموسُها وَزَهَت بِها الأَرجاءِ وَهيَ عَروسُها
أَعـلـى  مَحلٍ في الجَمالِ iiمَحلُها وَبِـهـا  فَـأَجمَلَ بَلدَةَ iiطَرسوسُها
لَـم أَحـسُـدِ الـعُشّاقَ إِلّا iiواحِداً أَحـظاهُ  رَبُّ العَرشِ فَهوَ iiجَليسُها
فـي  مَـجلِسٍ يَدَعُ الحَليمَ iiمُرَنِّحاً سِـيّـانَ  فـيهِ لِحاظُها iiوَكُؤوسُها
مـا إِن رَأَتـهـا مُـهجَةٌ إِلّا iiفَدَت ذاكَ الـمُـحَـيّـا نَفسُها iiوَنَفيسُها
وَمِـنَ  العَجائِبِ وَهيَ ريمَة iiرامَةٍ تَـعنو  لَها غُلبُ الرِجالِ iiوَشوسُها
هِـيَ جُؤذُرٌ وَلَكم سَبَت مِن iiضَيغَمِ لا  يَـستَبيهِ مِنَ الجُيوشِ iiخَميسُها
جـارَت عَـلَـيها وَهيَ بَعدَ ظُبَيَّةً نَـكباءُ  تَصطَلِمُ الأُسودَ iiضَروسُها
فَـعَـدا عَـلَيها مُذ نُعومَةِ iiظَفرِها خَـبَـبـاً  نَعيمُ الحادِثاتِ iiوَبُوسُها
بَـعـدَ الـقُصورِ العالِياتِ iiرَأَيتُها فـي  كَسرِ بَيتِ قَصرُها iiناموسُها
بَـعـدَ  الـثَراءِ الجَمِّ حلّة iiصانِعِ وَلِـكُـلِّ  حالٍ في الزَمانِ iiلَبوسُها
تَمضي  لَها في الغَزلِ بيضُ أَنامِلٍ ظَـلَـمَ  الَّذي هُوَ بِالحَريرِ iiيَقيسُها
الـقَـطـنُ يَـهزَاُ بِالدَمَقسِ iiبِكَفِّها وَالـخَـزُّ وَدَّ لَـو اَنَّـهُ iiمَلموسُها
فـي  الـغَـزلِ أَصـبَحَ شغلُها وَلَنا iiبِهِ مُـتَـحَرِّكاً  قَطَعٌ تضيقُ طُروسُها
يَـرجـو الـمُلوكُ نَظيرَها iiلِبَنيهِمُ فَـيَـعودُ رَبُّ المُلكِ وَهوَ يَئيسُها
أحَـبَبتُ  عيسى وَالصَليبَ iiلِأَجلِها حَـتّـى يَـكـادُ يَؤُمُّ بي iiقَسيسُها
وَأُخـالِـفُ الـشَيخَ التَميمي الَّذي مـا كـانَ يُطربُ سَمعَهُ ناiiقوسُها
لَـو كـانَ شـاهِدَ وَجهَها وَعَفافها مَـعَ  حُـسـنِـها ما آدهiiتَقديسُها
بَـطَشَت بِنا وَهيَ الضَعيفُ iiبِذاتِها بِـطَـشـاتِ أَنوَرُ بِالعِداةِ iiيَدوسُها
هُـوَ  ذَلِـكَ البَطَلُ الَّذي في ذِكرِهِ أَبَـداً  يُضيءُ مِنَ الوُجوهِ عَبوسُها

أبقى الإله سعوده موصولة

فـبها تَغيبُ عَنِ الدِيارِ iiنُحوسُها
وَأَراهُ كُـلَّ الـكـاشِـحـينَ iiأَذِلَّة مَـخـفوضَة بِذَرى عُلاهُ iiرُءوسُها
قال: وكانت صورة هذه القصيدة وصلت إلى الشام فبعث إلي الأديب الكبير خليل بك مردم بك من سراة دمشق بالأبيات التالية على سبيل المداعبة:
مـا  لـلصبابة منك هاج iiرسيسها ولـنـار  قـلبك عاد فيه حسيسها
عـهـدي بقلبك والأوانس iiوالدمى لا  تـسـتـبـيه سعادها ولميسها
شـمـست عن التهيام نفسك iiيافعا هـل ريض بعد الأربعين شَموسها
لـلـه فـاتـنـة تـملك قلب من تـحنى  لديه من الرجال iiرؤوسها
فـعـلـت به ألحاظها ما iiقصّرت عـن فـعـلـه أقداحها iiوكؤوسها
يـا من سُحرتُ بقوله هل ذاك iiمن تـأثـيـر عـينيها وأنت iiجليسها
إن  كـنت أحببت الصليب iiلأجلها وشـجـا  فـؤادك قارعا iiناقوسها
والـروحِ والإنـجيلِ حلفة iiصادق ويـمـيـن حـق لا يرد غموسها
إنـي  لـهـجت بذكر يوحنا ومر قس وازدهى في ناظري جرجيسها
وشـريت تكريس البتول iiويوسف وحـفـظـت مـا قد قاله iiقديسها
هـذا  ولـولا حـب ديـن iiمحمد مـن  دون كـاد لأم بـي iiقسيسها
هـامت  بها نفسي لوصفك iiحسنها حـتـى  كأنْ موهومها iiمحسوسها
فأجبته بما يلي وهو أيضا من باب المفاكهة:
وَالـلَـهِ  مُذ طَلَعَت عَلَيَّ iiشُموسُها ريـضَت لَها نَفسي وَزالَ iiشَموسُها
وَالـشَمسُ ما طَلَعَت عَلَت iiأَنوارُها وَعَـرا  الكَواكِبَ وَالبُدورَ iiخُنوسُها
أَلـقَـت عَـلى قَلبي المُتَيَّم iiلَحظَة خَضَعَت  لَها روحي وَلانَ iiشَريسُها
رَقَّ  الـفُـؤادُ لَـها فَصارَ iiرَقيقها وَحَـنـى  لَها رَأسَ العُلوِّ iiرَئيسُها
تُـدعـى الأَسيرَةَ غَيرَ أَنَّ iiغُزاتها عـادَت لَـها أَسرى تَذوبُ نُفوسُها
قَـد  غَيَبوها في السُجونِ فَلَم iiيَطل أَن صارَ رَبُّ الحَبسِ وَهوَ iiحَبيسُها
خَـلَـصَت تُجَرِّرُ مِنهُ ذَيلَ iiصِيانَةٍ هِـيَ مِـنـهُ في لَمَعانِهِ iiطاووسُها
وَكَـذا  الـجَمالَ إِذا سَرَت iiأَجنادُهُ سـالَـت بِـأَودِيَةِ القُلوبِ تَجوسُها
مُـذ  صَوَّبَت نَحوي سِهامَ iiلِحاظِها وَهَـنَت  دُروعُ مَفاصِلي iiوَتَروسُها
نَـفَـذَت لَـها بَينَ الجَوانِحِ iiنَظرَةٌ فـيـهـا  يضلُّ الطِبُّ iiجالينوسُها
بـاتَـت  تُقَلِّبُ في ضَعيفِ iiبَنانِها أَسَـداً تَـضيقُ بِهِ الأُسودُ iiوَخيسُها
هَـيـهـاتَ  أَطمَعَ بِالثَباتِ أَمامَها بَـل  يَـجذِبُ الصوّانَ مَغناطيسُها
مَـن  ذا يُـعارِضُها بِمَلِكِ iiعَبيدِها مَذ فوق عَرشِ الحُسنِ كانَ جُلوسُها
شـاهَـدتُ  مِـنها مَنظَراً تَحيا بِهِ روحٌ  وَلَـو بَـلَغَ الفِصالَ نَسيسُها
وَسَـرَقـتُ نَظماً مِن مَباسِمِ ثَغرها دُرَراً يَـعِـزُّ بِـمِـثـلِها قاموسُها
قُـل  لِـلـخَـليلِ يَتيهُ في فَيحائِهِ وَيَـروضُ  كُـلَّ كَريمَةٍ iiوَيَسوسُها
وَيَـرودُ  مَـرَجَـتها عَشِيَّة iiسبتِها وَلَـهُ بِـكُـلِّ مَـحَطَّةٍ جاسوسُها*
وَيَـصـيدُ  عَفرَ ظِبائِها في iiكِنسِها وَإِلَـيـهِ  تَجبي جوبَرٌ وَكَنيسُها ii*
أَظَنَنتَ  شَطرَ الحُبّ خَصَّكَ iiمُفرَداً وَسِـواكَ فـي إِقـسامِهِ iiمَبخوسُها
وَحَسِبتُ ما في الرَكبِ غَيرَ iiخَليلَها وَ(أَديـب)  ذلِـكَ وَحـدَهُ نَقريسُها
أَوَإِن قَـطَـعـتُ الأَربَعينَ أَيَنبَغي أَن تَـسـتَـوي غِزلانُها iiوَتِيوسُها
أَومـا عَـلِـمَت الأَربَعينَ iiرِجالُها نِـعـمَ  الفَوارِسُ إِذ يَفورُ وَطيسُها
وَهُـم  الـجَـهابِذَةُ الأَساتِذَةُ iiالأُلى لَـيـسـوا  أُصيبية تعادُ iiدُروسُها
وَهَـمّـو  إِذا ضَـمَّتهُمو أَعراسُها مِـثـلُ  الضَراغِمِ ضَمَّها iiعَريسُها
أَيَـكـونَ مِثلي شاعِراً وَأَكونُ iiمِن لَـم يَـجـتَذِبهُ مِنَ الوُجوهِ iiأَنيسُها
مـا  زالَ سُـلطانُ الجَمالِ iiمَحكّماً تَـأَتـيـهِ مِن كُلِّ القُلوبِ iiمُكوسُها
.       علق الأمير على البيت بقوله: في دمشق عادة هي خروج الناس إلى المرجة للنزهة عصر السبت. وجوبر قرية من قرى الغوطة، لخليل بك فيها بساتين كان يدعونا للنزهة فيها، وفي جوبر كنيس لليهود قديم جدا، و(أديب) خير من إخواننا.
*زهير
6 - أغسطس - 2007
حروفك ذهب يا زهير    كن أول من يقيّم
 
الاستاذ الغالي زهير
 
في كل مرة القاك فيها اعود مسرعا الى الوراق لارى ما فاتني من ابداعات المشاركين ....والان اعود للنظر الى جديدك الجميل بعد انقطاع مني عن الوراق الذي اعشق متمنيا ان اعود سريعا للكتابة في المكان الذي احب ومع المبدعين الذي اهوى....
 
 
*جميل
6 - أغسطس - 2007
بل هو الذهب    كن أول من يقيّم
 
حقيقة  لا أدري هذه المرة كيف أشكر لشاعرنا الأثير زهير, لقد فاقت اختياراتك كل توقع, وبذت تعليقاتك كل تعليق, ترمي فتقرطس.
*طه أحمد
6 - أغسطس - 2007
شكر ومعذرة    كن أول من يقيّم
 
كل الشكر للأستاذين الكريمين جميل لحام وبديع الزمان على هذه الباقة العطرة من المحبة والوداد. والمعذرة على ما لحق القصيدة من أغلاط الطبع بسبب أني نسخت قصيدة الأمير من الموسوعة، فلما أردت تصحيحها دخل علي الأستاذ جميل يزورني في زيارة مفاجئة، فنسيت تصويب القصيدة بعد نشرها، ثم تفاجأت بما تعج به القصيدة من الأغلاط المطبعية التي لم تسلم منها كلمة.. وقد اختلط فيها البيت 21 بالبيت:
عادت به الآمال خضرا نُضّراً = من بعد ما عم البسيط يبيسها
وموضعه قبل البيت: (أبقى الإله سعوده موصولة)
وقد قمت بتصويب القصيدة الآن، وربما فاتتني حروف لم أنتبه إليها، فالأخطاء كثيرة جدا، تدعو للأسف. أكرر شكري وامتناني وإلى اللقاء
*زهير
6 - أغسطس - 2007
 1  2