البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : دفاعا عن أمير الشعراء ( أحمد شوقي)    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 ضياء الدين 
11 - مايو - 2007
 
                                 دفاعاً
  عن أمير الشعراء الخالد المغفور له أحمد شوقي
                         ضياء الدين ظاظا
اذا كانت فئة قليلة من أعلام الأدب العربي قد أنكروا هذه البيعة وزعموا أن شوقي غير أهل للمنزلة العالية التي بوأه إياها فريق من أصدقائه المعجبين بشعره فان الأقطار العربية كانت بإجماع حملة الأقلام فيه موافقة على إقامة أحمد شوقي أميراً للشعراء، ومقراً له بالجدارة والاستحقاق لاحتلال هذا المقام الذي لم يكن بين شعراء العصر من يجرأ أن ينازعه إياه أو يزاحمه عليه.كما كان المعارضون أنفسهم يقفون واجمين عندما يقال لهم إيتونا بمن هو أجدر منه إن كنتم صادقين.
وكان لتلك المشاغبات الخفية والأصوات الضعيفة التي كانت تسمع بين حين وحين من الناقدين الناقمين،كان لها عند شوقي  ما يكون مثلها عند أصحاب النفوس الكبيرة والأخلاق النبيلة  فلم يقابلها بالجدل العقيم والنقاش الذميم  ولا تصدى لنقد شعر خصومه وتفنيد مزاعمهم بشعره ولا عمد إلى المشاحنات والمهاترات بل اتخذ من الشعر وسيلة ناجعة ليحج المكابرين ويقنع غير القانعين بأنه صاحب الحق البارز في أمارة الشعرفكان يطلع على الناس كل يوم برائعة جديدة من روائع قريضه
 ويقيم لهم حجة أصرح ودليلاً أوضح على انه أمير الشعراء غير منازع  ولا مدافع يريهم غباره ويدعوهم للحاق به إن  كانوا يريدون النضال حتى بلغ ما جادت به قريحته الفياضة في خمسة أعوام بعد البيعة أضعاف ما أنتجته في الأربعين عاماً قبلها.وأخذت أصوات الإنكار تخف وتتلاشى
                                                                             (يتبع...)
 4  5  6  7 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
قصيدة حافظ إبراهيم في رثاء شوقي    كن أول من يقيّم
 
هذه القصيدة هي مشاركة حافظ إبراهيم من عالم الغيب كما تخيلها الشاعر المرهف، الأمير أمين ناصر الدين: وهو من أمراء الدروز الشجعان، وشهرته العالية بقصيدته في تقريع جمال باشا السفاح، والتي أولها (شعب يضام وغاشم لا يرحم) مولده في قرية (كفر متى) في قضاء عاليه في لبنان عام 1875م ووفاته عام 1953م له ديوان مطبوع بعنوان (ديوان الفلك) والبيت الثاني من القصيدة إشارة إلى قصيدة شوقي في رثاء حافظ، التي ذكرتها الأستاذة ضياء خانم (قد كنت أوثر أن تقول رثائي...) والقصيدة في الأصل (51) بيتا، اخترت منها هذه القطعة:
أشـدتَ بـذكـري يـوم قلت iiرثائيا فـيـا لـيَ مـرثـيـا ويا لك iiراثيا
وكـنـتَ عظيما إذ وددتَ لو iiانطوى عـلـيـك  الثرى قبلي فأرثيك iiآسيا
ولـكـن  أبى عدل الردى أن يفوتني مـن الـحـظ ما قد فاتني من iiحياتيا
نـشـدتُ الـمـنـى حيا فعز iiمنالها ومـتُ فـأولانـي رثـاك iiالأمـانيا
ورفـه مـن جـسمي فلم يعيه الثرى وأسـعـدنـي حـتـى نسيت iiشقائيا
ولـو رد تـأبـين على الجسم روحه إذا لـرأونـي عـنـد نـعشك iiجاثيا
تـخـذت  يـداً عندي بما قد iiرثيتني ومـا أنـا مـمـن يـجدحود الأياديا
لإن فـرّقـتـنـا نـبـوةٌ في iiحياتنا لـقـد أصـبـحت بعد الممات iiتآخيا
نـعـتـك لـهذي الناس مصر iiوإنما نـعـت علم الفضل الذي كان iiراسيا
نـعـتـك كما تنعى السموات iiبدرها إذا مـا رأتـه لـيـلـة الـتم iiهاويا
نـعت  شاعر الوحي الذي عطلت iiله وأصـبـح فـيها مهبط الوحي iiخاليا
نـعت  شعر جيل واضح النهج iiرائقا تـنـضّـد  فـي سـمط البيان iiلآليا
رصـيـنـا نـقيّ المستشف مسلسلا كـمـا  سال فوق الفضة الماء صافيا
فـطـورا  كـما لاح الوميض iiوتارة صـواعـق  يصرعن الظلوم iiعواتيا
وروحـك فـي إعـجـازه iiوصدوره تـجـدد فـيـه كـل يـوم iiمـعانيا
نـواطـق بـالفصحى سوالب iiللنهى ضـواحـك  أحـيـانا وحينا iiبواكيا
إذا ما الغواني استقبلت رونق الضحى حـسبنَ الضحى مما وصفت iiالغوانيا
كـسـوت  عذارى الشعر وشيا شققنه بـمـوتـك حـزنـا فانثنين iiعواريا
إذا  مـا وردن الـنـيـل ينقعن غلة تـذكـرن شـوقـيـا فعدن iiصواديا
ولـم أر فـيـهـا بـانـيا ما iiهدمته ولا هـادمـا ما كنت في الشعر iiبانيا
يـكـاد  ضـريـح وسـدوك iiترابه يـضـيء فـيمسي للذي ضل iiهاديا
أطـاف  بـه صـيّـابة القوم iiخشعاً يـحـيّـون  منه هيكل الشعر iiساميا
ومـثـلـك  بـالذكرى يعيش iiلقومه فـأيـسـر مـا تـدنو إذا كنت iiنائيا
*زهير
16 - مايو - 2007
ليست مقارنة بين الرجلين    كن أول من يقيّم
 
أستاذنا زهير تسألني : ( أرني ما رثي به الجواهري حتى نرى رأي الشعراء فيه ) ?
وهل الحركة الشعرية تقارن بين زمن وفاة الجواهري وبين زمن وفاة شوقي ? وهل عندما توفي الجواهري وُجد شعراء بنفس ( قامة ) شعراء شوقي ?
لا أظن رثاء الشعراء لشوقي وعدم رثائهم للجواهري أو لامرئ القيس أو للمتنبي هو دليل على أن الجواهري أو امرئ القيس أو المتنبي هم أقل قيمةٍ في عصرهم , وفي كل الأحوال أنا لا أقارن بين الجواهري وشوقي ولكني أسأل من كان أحق من الجواهري بإمارة الشعر في الربع الأخير من القرن الماضي ??
عاش شوقي في زمن العمالقة , وأثبت أنه في الطليعة , وأما الجواهري فكان آخر العمالقة فلم يجد من يلتفت إليه بمثل هذه القصائد الرائعة , وإن كان يستحقها ....
وأما ما أورده الأستاذ أبازيد من اللغط الذي دار حول مبادئ الجواهري وأفكاره , فأنا أوافقه الرأي , وربما ( ولا أبرر له ) كان للزمان والمكان تأثيرهما على الجواهري .
*محمد هشام
16 - مايو - 2007
رقصة طرابلس: شعر أحمد شوقي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أختم هديتي لأستاذتي ضياء خانم في أسبوع شوقي بهذه الشوقية النادرة في طرابلس والتي من حقها أن يقام لها نصب على بوابة طرابلس الشام، وقد سميتها (رقصة طرابلس) لأن شوقي افتتح تحيته لطرابلس بقوله (طرابلس انثني عطفي أديم) أي أرقصي بعطفي ترابك. والقصيدة غير منشورة في ديوان شوقي في الموسوعة الشعرية، لأنها من الشوقيات المجهولة، والمنشور في الموسوعة هي الشوقيات بطبعتها التجارية المشهورة. وسوف تنشر الموسوعة ديوان شوقي كاملا (إن شاء الله) في إصدارها الرابع، وقد ذكر هذه القصيدة الشيخ أحمد عبيد في فصل من كتابه بعنوان (أشعار لشوقي لم تنشر في ديوانه) ونشرها أيضا د. محمد صبري في الشوقيات المجهولة (ح2 ص 220) نقلا عن جريدة الأهرام عدد (11/ 4/ 1929) وقدمت الأهرام للقصيدة بموجز عن حياة عبد الحميد الرافعي الذي بعث شوقي بهذه القصيدة لتلقى في مهرجان الاحتفال ببلوغه السبعين، وأقيم الاحتفال في طرابلس الشام وحضره رئيس الجمهورية اللبنانية، وجمعت الخطب والقصائد التي ألقيت في المهرجان وطبعت بعنوان (ذكرى يوبيل بلبل سورية) كما سبق وذكرنا في بيعة عبد الحميد الرافعي لشوقي في تعليق سابق، واعتذر شوقي عن عدم حضوره في القصيدة بقوله:
أمـير المهرجان وددت iiأني أُرى في مهرجانك أو أراعى
عدت دون الخفوف له iiعواد تـحـدين المشيئة iiوالزماعا
وما  أنا حين سار الركب إلا كباغي الحج هم فما استطاعا
أقـام بـغـبنه لم يقض حقا ولا بـل الـصبابة والنزاعا
وبعد هذا البيت شرع في تحية طرابلس وخص صلاح الدين بالذكر لما هو مشهور من أن البقية الباقية من  ذرية صلاح الدين موجودة في طرابلس الشام، ومنهم زوجة المرحوم محمد رشيد رضا صاحب المنار، فهي من حفيدات صلاح الدين، والمعروف أيضا أن صلاح الدين قضى طفولته كلها في بيت أهله في بعلبك:
طـرابـلس انثني عطفي iiأديم ومـوجي  ساحلا وثبي iiشراعا
كـسـا جنباتك الماضي iiجلالا وراق عـلـيـه ميسمه وراعا
ومـا  مـن أمـس للأقوام iiبدٌّ وإن ظنوا عن الماضي انقطاعا
ألـم  تـسقي الجهاد iiوتطعميه وتـحـمـي ظهره حقبا iiتباعا
شـراعـك  في الفنيقيين iiجلى وذكـرك  في الصليبيين iiشاعا
كـأني  بالسفين غدت iiوراحت حـيـالك  تحمل العلم المطاعا
صـلاح الـدين يرسلها iiرياحا وآونـة  يـصـفـقـها قلاعا
الـيـس البحر كان لها iiغديرا وكـانـت  فلكنا البجع الرتاعا
غـمـرنـا بالحضارة iiساحليه فـمـا عيّا بحائطها iiاضطلاعا
تـوارثـنـاه أبـلـج iiعبقريا ذلـول الـمتن منبسطا iiوساعا
تـرى حـافاته انفجرت iiعيونا ورفـت  مـن جوانبه iiضياعا
فـمـا زدنا الكتاب الفخم حرفا ولا  زدنا العصور الزهر ساعا
قـعـدنـا مـقـعد الآباء iiمنه فـكـنا  البَهم قد خلف iiالسباعا
كـأن الـشمس مسلمة iiأصابت عـفـيـفا في طيالسه iiشجاعا
تـحـجب  عن بحار الله حتى إذا  خـطرت به نضت القناعا
ومـا رأت الـعيون اجل iiمنها عـلـى  أجزاء هيكله iiاطلاعا
فـمـا كـشـروقها منه iiنعيما ولا كـغـروبـهـا فيه iiمتاعا
*زهير
17 - مايو - 2007
بمناسبة أسبوع شوقي (2)    كن أول من يقيّم
 
أول عهدي بالشوقيات لمحب الدين الخطيب
 
 
لستُ أذكر على التحقيق في أي عامٍ عرفتُ شعرَ شوقي للمرة الأولى, ولعل ذلك قبلَ نحو رُبع قرنٍ: فقدْ كنتُ غلاماً حديث السن أَدرسُ في بداية القسم الثانوي من مدرسة الحكومة العثمانية بدمشق يوم وصلت الطبعة الأولى من الشوقيات إلى مكتبة ابن هاشم في باب البريد ووصَلَتْ مع الطبعة نسخٌ من كتاب (السفر إلى المؤتمر) للأستاذ أحمد زكي باشا فاقتنيتهما وسهرت أتلو الشوقيات إلى الصباح: على نور مصباح البترول تارة, وتحت أشعة البدر تارة أخرى, مبتهجاً بأن يكون في العربية شعرٌ كذلك الشعر, ولم أكن أعلم قبل تلك الليلة أن في لغتنا شعراً غير قصائد المدح والهجو التي كان الناظمون ينظمونها في مدينتنا, فانصرفتُ إلى درس الأدب التركي, وكنت مشغوفا بما يكتبه أدباء مجلة (ثروت فنون): فِكْرَت, وجناب, وخالد ضيا, ومحمد رءوف, وناظم, وسُعاد, وحكمت, وجاهد, وفائق عالي, وشيوخ هذه الطبقة: كمال, وحامد, وأكرم.
 
وكنت في رفقة نستحي أن تكون لهؤلاء قطعة شعرية أو فقرة أدبية ليس لنا بها سابق علم.
ولشعراء الترك وأدبائهم حرمةٌ عند شبابهم وسائر قرائهم لم أرَ مثلها لشعرائنا وأدبائنا عند شبابنا وسائر قرائنا.
فإذا نبغ الرجل فيهم صارت له في قومه مكانة لا يطمع بمثلها وزير ولا سري, حتى لو كان النابغُ لا يجد ما يجدد به طربوشه مرة في كل سنتين.
فلما اكتشفت أنا ورفقتي كنزَ الشوقيات عكفنا عليه نختار في مجموعات لنا بعض تلك البدائع نكتبها بخطوط جميلة, ويعنى بعضنا بتصوير مدلولاتها: فإذا كتبنا ميميته في زيارة الامبراطور غليوم قبرَ صلاح الدين صورنا إلى جانب القصيدة قبة صلاح الدين, وإذا كتبنا موشحة البسفور كأنك تراه, ملأنا الصفحات اليسرى من مجموعاتنا بالمشاهد الموصوفة في تلك القطعة الشعرية وإلى يمينها الأبيات الخاصة بها.
وإنما ننسخ هذه القصائد بالخطوط الجميلة ونزينها بالصور لنعرب عن عنايتنا بها, وإلا فقد غدت محفوظة في الصدور, وبتنا ولشوقي في قلوبنا حرمة كالحرمة التي كنا نشعر بها نحو أدباء اللغة التركية, أضف إليها عصبية اللغة, وإن وراء هذا لأمراً عظيما...
وانتقلت إلى بيروت ثم إلى القسطنطينية أنا وأخي الشهيد الأمير عارف الشهابي ثم طوح بي الدهر إلى اليمن, فكانت الرسائل غادية رائحة بيننا وبين بقية الرفقة: صلاح الدين القاسمي, والشهيد صالح قنباز رحمة الله عليهما ورشدي الحكيم الأديب الضليع, ولطفي الحفار الوزير الدمشقي المعتقل الآن في لبنان وسامي العظم رئيس ديوان الرسائل بوزارة العدلية وغيرهم.
 
أتدري ماذا تحمل هذه الرسائل?
 
إن أهم شيءٍ فيها نسخةُ ما تنشره الصحفُ والمجلاتُ من شعرٍ جديدٍ لشوقي ومطران والكاظمي والرافعي والكاشف والرصافي ومحرم, فإن هذا الجديد من الشعر لم يكن يجوز أن يتأخر البريد يوماً واحداً عن حمله إلى كل واحد من أولئك الرفقة تحت أية سماء كانوا.
إذاً فأنا صديقٌ قديمٌ للشوقيات, ومن حق قُرائي علَي أن أتحدثَ معهم عنها بمناسبة (أسبوع شوقي) الذي ماجتْ القاهرةُ بحفلاته في أوائل الشهر الماضي.

*طه أحمد
17 - مايو - 2007
آسف    كن أول من يقيّم
 
آسف لما وقعتُ فيه من التعميم بخصوص الخطأ في كلمة (ولمحت) في مطلع قصيدة (يا جارة الوادي) فقد رجعت الآن إلى نشرة د. الحوفي للشوقيات فرأيتها (ولممتُ) ونشرة د. أحمد محمد الحوفي من أوثق نشرات الشوقيات، ولكن عذري أني لما رجعت إليها لأول مرة كانت النسخة التي يحتفظ بها المجمع ناقصة ملزمة تتضمن مطلع القصيدة، فلما قدمت تقريرا بهذه الحالة، وأصلح النقص في الكتاب نظرت في مطلع القصيدة فرأيتها (ولممت) كما قدرتُ لها أن تكون.
*زهير
17 - مايو - 2007
عيون الرضا، وأعين السخط    كن أول من يقيّم
 
مازلتُ أعتقد أن الانطباع الذاتي هو المهيمن غالبا في ساحة النقد الادبي عندنا. وفي العموم لم يجتمع أو يُجمع هذا الحشد الغفير من الادباء والشعراء المعاصرين لشوقي على إمارة الشعر له بغير حق. أما النزاع على الامارة فقديم، ولو كان على الحجارة. لكن هل كان شوقي مستحقا لهذا التاج الباذخ الذي توّج به محبو شوقي ومريدوه شاعر القصر فتقاطر الآخرون كالعادة عند كل بيعة حقا كانت أم باطلا. هل كانت تلك البيعة من عيون الرضا التي لا ترى فيمن تحب إلا كل جميل ومبهر? أظن كان فيه شيء من ذلك. وأرجو أن لا يلحقني البور والويل والثبور من ذلك. وهي عيون السخط بلا ريب أو شك ما دفعت العقاد الى أن يشن ذلك الهجوم الظالم على شوقي حتي نزع عنه كل فضيلة في الشعر بل راح يعلمه في بعض وقفاته النقدية كيفية كتابة الشعر دون الوقوع بما يقع فيه صغار الشعراء والمبتدئين في نظمه. وزاد في الامر فحمل على شوقي واتهمه بتحريف تاريخ مصر، وتشويه صورتها في بعض مسرحياته، نازعا عنه ثوب الوطنية، غامزا في صدق حبه لمصر. بل كان يشير بطرف ليس بالخفي عن أصوله التي تدفعه الى النيل من تاريخ مصر وحضارتها. وهكذا يضيع الحق وتطغى المحسوبية والحب الشخصي والشللية أو الخصومة والحسد المقيت على موضوعية النقد الجاد، ومحبة الانصاف. وهيهات من ذلك فما زلنا عنه بأشواط.
 
قيل عن الجواهري: شاعر العرب الاكبر ، بل قال بعضهم: ما أنجبت أمة العرب شاعرا في القرن العشرين بحجم قامة الجواهري. فعد البعض هذه مزحة وربما غمزا بقامة الجواهري ودقة عظمه! .واعتبرها آخرون كبيرة، وجهلا فاضحا بأسرار الشعر، وسرّ الشاعرية. ولم يُعرف عن الجواهري الالتزام الديني أو الوقوف على مبدأ والثبات عنده. كان يقول في فتوته:
 
أنا ضد الجمهور في العيش والتفكير طرا وضده في الدين
 
وبقي على ذلك فخسر رضا والخاصة، أما العامة فكانت تشغلهم لقمة العيش عن التفكير في الشعر. وتجنبه البعض لاسيما رجال الدين منهم. فكانت لا تعنيه سنة البلد، وهجر ما تعلمه في الصغر الجسدُ، أما الخوف على الاهل والولد فقد طالته من ذلك أشياء.
 
لا أعرف سبب اختيار الجواهري لهذا الوزن في رثاء شوقي، وتقييد القافية. ربما كان ذلك شكلا من أشكال اختبار شاعريته، وقدرته في التصرف بأوزان الشعر وتطويعه لمختلف الموضوعات. وعلى كل حال فهذه ليست من جياد قصائد الجواهري. لعلي أعود الى بقية الكلام في المساء ان شاء الله حيث تنقشع الغيوم عندنا والرؤية تكون أوضح.
صادق السعدي
17 - مايو - 2007
بمناسبة أسبوع شوقي (3)    كن أول من يقيّم
 
 
 
شَوْقِي وشَوقِياتُهُ للسيد محب الدين الخطيب
 
 
جلا شعره للناس مرآةَ عصره
ومرآةَ ماضي الشعر من عهد تبع
يجيء لنا آنا بأحمدَ ماثلاً
وآونةً بالبحتري المرصع
ويشأو رُقى هيكو, ويأتي نسيبُه
لنا من ليالي (ألفرِيدَ) بأربع
                 حافظ
 
شوقي ابنُ البيئة التي وجدته, والعوامل التي كونته, والدواعي التي أخذتْ بيدِه فسيرته. و لا ريب أن مواهبه واجتهاده ساعدا تلك البيئة والعوامل والدواعي إلى أقصى مدى يستطيعه الشاعر المحفوف بظروفه, فكان لنا منه صاحب الشوقيات بكل ما لها وما عليها.
 
قالوا إن الشطر الأعظم من قريضه مدحٌ ورثاء, وعدوا ذلك منه إسرافا, وودوا لو كان في مكان تلك القصائد من الشوقيات نظراتٌ إلى دخائل الحياة المصرية تشف عن فرط إحساسه الشعري, ومشاركته لطبقات الأمة في آلامها وآمالها.
وقالوا إن إرادته لم تكن بيده, وإنما كانت شاعريته تتأثر بعوامل السياسة وميول أهلها, لقربه من المسرح الذي تشتبك فيه أصول تلك العوامل وأسبابها. ورتبوا على هذا أنه لم يكن ثابتاً على المبدأ وأنه كانت تنقصه الشجاعة الأدبية.
وقالوا إنه اصطنع الشعرَ للذته, فلم يغترف من طبائع الأشياء وأوضاع الناس في الحياة غرفة شاملة يتذوق بها حاجةَ عصره, ولم يستغل موهبته استغلالاً جيدَ المحصول عام النفع, لذلك كان شعره كمالياً للأمة.
 
لقد قالوا مثل هذا القول وأكثروا منه, وأنا لم أجدْ فيما قالوا نقداً لشعر شوقي, وإنما وجدتهم يريدون من شوقي لوكان عاش في غير البيئة التي عاش فيها, وكان ابنَ عواملَ أخرى غير العوامل التي كان تحت تأثيرها, وأنْ لوِ انقادَ لغير الدواعي التي انقاد لها. أما وقدْ شاءت الأقدارُ لشوقي أن تكون تلك بيئته, فإن الأدب العربي لم يكن يطمع بأحسن مما أحسن به هذا الشاعر العبقري إلى أدب لغته, حتى تبوأ منه المكانة التي رفعته الشوقيات إليها وضَمِنَت له بها الخلود.
 
اتفقت الكلمة على أن نفسية شوقي ترجعُ إلى أصولٍ متغايرةٍ, وعناصرَ متباينة. وتلك نتيجة طبيعية لتباين العناصر التي تكون منها شوقي, ولتغايُر الأصول التي امتصت منها شاعريتُه غِذاءَها. ألم يقل لنا عن نفسه إنه مزيج جنسيات متعددة? ألم تتناوب تكوينَ ثقافته مدينتا القاهرة وباريس? أليس رفيقَ المتنبي وهيكو منذ أربعين عاماً? ألم يعش في بلدٍ تنوعت فيه السلطات والأزياءُ والأحكام? أليس إذا أراد أن يعتز بأمجاد التاريخ جعل يتنقل بين أهل الجنان الأندلسية من بني عبد شمس, وبين ذكريات الفراعنة في أنَس الوجود, وبين ما ينكره الكماليون اليوم من محامد آل عثمانَ? أليس هو القائل لرجال الأزهر:
 
يا فتيةَ المعمور سار حديثُكم
                 ندا بأفواه الركاب وعنبـــرا
المعهدُ القُدسي كان نديه
                 قطباً لدائرة البلاد ومحـــورا
وُلدتْ قضيتُها على محرابه
                وحبتْ طفلا وشبت مُعصـــرا
هزوا القُرى من كهفها ورقيمها
                أنتم لعمرُ الله أعصاب القُرى
 
بينما هو القائل فيهم:
إذا عرض الجديدُ لهم تولوا
                 كذي رمد على الضوء امتناعا
 
أليس يرى من الكياسة أن لا ينسى نصيبَ الصليب من الاشادة بالذكر كما طلع الهلالُ بأفقٍ من آفاق شعره?
أليس هو الذي نادى الساقي في عيد الفطر وكان يستطيع أن يناديه قبل العيد, لكنه لم يفعل. وكان يستطيع أن لا يناديه قط, ولكنه لم يفعل أيضاً ولو فعل إحداهما لكان معارضاً لمقتضى تلك الأصول المتغايرة والعناصر المتباينة.
 
إن الشوقيات نِتاجُ هذه الأصول والعناصر, وقدْ استطاعَ شوقي بكياسته ودَهائه وعبقريته أن يوفق بينها بما يبلغه جهد الشاعر العظيم, فإذا ابتسمَ للوردة بنشيد من أناشيد الطرب ادخر لأشواكها صيحةً من صيحات الغضب يرسلها يوم تدعو الظروف إلى إرسالها, وفي كل غصنٍ من شجرة الحياة وردٌ وشوك, وفي كل يوم من أيام هذا الكون نورٌ وظلام, وللناس من دهرهم ابتسامةٌ وازورار. وهل رأيتَ شيئاً تغنى شوقي بمحامده كما تغنى بمحامد الخلافة الاسلامية وقوتها من عهد العمرين عليهما رضوان الله إلى يوم خاطبَ الطاغيةَ عبدَ الحَميد بقوله:
 
وهابَ العدى فيه خلافتكَ التي
                   لهم مأربٌ فيها ولله مأرب
 
فلما أبلغهم مصطفى كمال مأربَهم فيها متقرباً بذلك إليهم, وظاناً-وبعضُ الظن إثم- أنه يحملهم بعمله على تغيير رأيهم في قومه, لم تضن عبقرية شاعرنا العظيم بقولٍ جميل يرسله في الناس استحساناً لما كان, فراح الناسُ يحفظون شعرَه الثاني كما حفظوا شعره الأول, افتتاناً بجمال بيانه الساحر, وإن من البيان لسحرا.
 
لقد كان الأستاذ أنطون بك الجميل وفياً للأدب بما اعتذر به لهذه الصفحات المتباينة من الشوقيات, ولقد والله ذكر الناسَ بكثيرٍ من الحقائق, ولكن العذرَ الشامل لما مضى وما سيأتي من أمثال ذلك إنما هو اختلاف الأصول, وتبايُن العناصر, وشوقي لم يَعْدُ سُننَ الطبيعة فيما يتركه من آثار ذلك في الشوقيات, وله المقدرة النادرةُ في تحويل الوجهة كلما قضتْ عليه المواقف بتحويل مراميه. وتلك من مزايا شاعرية شوقي التي لم أرَهم يفطنون لها.
 
وفيما خلا هذا فشوقي شاعر الوصف الذي ضن علينا الزمان بمثله منذ ألف سنة, ويقولون إن أدب اللغة الفرنسوية أمده بثروته, وأباح له مروجَ جنته, ولكن هل ضنت الآداب الافرنجية بكنوزها وفراديسها على المئات بل الألوف من متعلمينا? أليس ذلك مباحاً لهم, ونرى أثره أكثر ظهوراً فيما يكتبون? والحق أن شوقي يملك بكل جدارةٍ واستحقاق جميع ما في شعره من لآلئ, لأنها تأنس بمواضعها من شعره, وتظهر فيه بما هي أهل له من رونق وجمال, بينما هي في كثيرٍ من الشعر تبدو كالجواهر التي تستعيرها الغادةُ الفقيرةُ لتتجمل بها ليلة عرسها.
 
أقول قولي هذا ولا أجهل ما أشار إليه الرصافي والزيات والشيخ عباس الجمل من طغيان المعاني على ألفاظها في بعض شعر شوقي, بحيث سهر الناسُ حائرين في تعليلها وتأويلها, بينما شوقي يقول مع أبي الطيب:
 
أنام مِلْءَ جفوني عن شواردها
                    ويسهرُ الخلقُ جراها ويختصمُ
 
أما ما يؤاخذونه به من ضعف بعض مطالعه فهو عندي دليلُ قوة لا دليل ضعف, لأن من دأب الجواد الكريم أن تزداد همته كلما بعُدَ الشوط بما لم يكن يظهر عليه في البداية.
 
ويظن الأستاذ جبر ضُومط أن شوقي إذا ترك نفسَه على سجيتها أشد منه إذا تعمل, بينما الأستاذ الزيات يقول إن شوقي قد يعفي طبعه أحياناً فيرسل الشعرَ كما يجيء من غير تنوق ولا تنقيح فيأتي بما لا يتفق مع فضله. وأظنهما مصيبين جميعاً لأن كل منهما يتكلم من ناحية, وبين الوجهتين فرقٌ دقيقٌ, إذ التنقيح غير التعمل, وقلما انتبه الناس إلى هذا الفرق.
 
ويرى الرصافي أن أرقى شعر شوقي ما قاله في الدور الأخير رغم تقدمه في السن,فهو يتفق في هذا مع شوقي فيما يراه من أجود قصائده نونية (توت عنخ أمون), ولعل لقراء الشوقيات رأياً غير راي شوقي في خير ما قاله من القصائد.

 
 
*طه أحمد
17 - مايو - 2007
ختامها مسك .....    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
أود في عودة سريعة أن أشكر أستاذنا وشاعرنا على هذا الملف الشيق والممتع الذي أعادنا إلى أجواء عصر ساد فيه جيل من الأدباء والشعراء ، وعشناه في طفولتنا وشبابنا ، على أنه الجيل المؤسس ، بكل ما اعتراه من منافسة وبغض وحب وتناقضات ....... ولعل الشهادة التي أوردها الأستاذ طه عن محب الدين الخطيب كافية للتدليل على تأثر جيله وكل من تلاه بثلة الأدباء والشعراء هذه التي شكلت بداية علاقة جديدة لنا بالفكر والأدب .
 
لو كان علي بأن أختار ، لأخترت مرثية الأخطل الصغير ، لأنه يجمع فيها ما بين سمو الشعر ، ورقة العاطفة ، ونبل الصداقة ، وروعة الوصف لما كان يعتريه من كل هذا :
 
شـوقـي أتـذكـر إذ (عاليه) موعدنا
 
نـمـنـا ومـا نـام دهر عن iiمقادره
وإذ  طـلـعـت عـلينا أصفرا iiوجلا
 
كـالـنـجـم  خلف رقيق من iiستائره
ونـحـن حـولـك عكاف على iiصنم
 
فـي الـجـاهلية ماضي بطش iiقاهره
وأنـت تـحـت يـد الآسـي iiورأفته
 
وبـيـن كـل ضـعيف القلب iiخائره
سـألـتـنـيـه رثاء: خذه من iiكبدي
 
لا  يـؤخـذ الـشيء إلا من iiمصادره
 
وكان قد أتى على ذكر طرابلس ـ الفيحاء في أحد الأبيات عندما قال :
 
مـا  لـلـمـلاعـب في لبنان iiمقفرة
 
ولـلـمـنـاهـل  عطلا من iiحرائره
ولـلـمـآذن  فـي الـفـيحاء iiكاسفة
 
كـخـاشـع  الـسر في داجي iiمقابره
 
أما قصيدة شوقي في طرابلس فهي مسك الختام ، والمفاجأة السعيدة في هذا الملف الزاخر بالمفاجآت . لا شك عندي بأن أمير الشعراء قد زار طرابلس ، وعرف أرضها وبحرها وشمسها ، وعرف تاريخها ، لكي يتمكن من كتابة هذا الشعر الخالد :
 
الـيـس البحر كان لها iiغديرا
 
وكـانـت  فلكنا البجع الرتاعا
غـمـرنـا بالحضارة iiساحليه
 
فـمـا عيّا بحائطها iiاضطلاعا
تـوارثـنـاه أبـلـج iiعبقريا
 
ذلـول الـمتن منبسطا iiوساعا
تـرى حـافاته انفجرت iiعيونا
 
ورفـت  مـن جوانبه iiضياعا
فـمـا زدنا الكتاب الفخم حرفا
 
ولا  زدنا العصور الزهر ساعا
 
شكري لك أستاذي ، وشكري لكل الأصدقاء الذين ساهموا ( وسيساهمون لا زال ربما ) بإثراء هذا الملف المنير ، الحافل بكل ما هو مفيد ، وكل ملف وأنتم بخير .
 
 
*ضياء
18 - مايو - 2007
بمناسبة أسبوع شوقي(4)    كن أول من يقيّم
 
تَرْجَمَةُ الشِعْر    للسيد مُحب الدينِ الخَطيب
 
ذهبَ الأستاذُ المازني إلى أن مقياسَ جَودةِ الشعْر عنده: أن الجيدَ في لغةٍ جيدٌ في سواها. وفي صدقِ هذه القضية نظر, لأن الشعر في لغة إذا نُقل إلى لغةٍ أخرى فإن الذي ينتقلُ إلى اللغة الأجنبية إنما هو عنصرٌ واحدٌ من عناصر الجمال في القطعة الشعرية وهو المعنى, وتبقى عناصرُ أخرى كانت تبعثُ الروعة والاعجاب في نفوس قراء الشعر بلغته الأصلية وهي مما لا يمكنُ نقلُه, لأنها ترجعُ إلى روابطَ خاصةٍ بين تلك اللغة وعقلية أهلها, كما ترجعُ إلى الملابسات لا تعدو أبناءَ اللغة الأولى, كالاشارة إلى مثلٍ خاصٍ بهم دون غيرهم أو إلى حادثة لها في قرارة نفوسِهم ذكرياتٌ لا يشعرُ بها غيرهم.
ولعل شعرَ الحِكْمة والتصَوف- كشعر المعري والخيامِ وتاغُورَ- هو بعد الشعر القَصصي أكثر من غيره احتفاظاً بجماله إذا نقل من لغة إلى لغة, ومع ذلك فإن تاغور يرى أن قوة البيان لا تكون واحدة في اللغتين المنقول منها والمنقول إليها, لأن لكل كلمة جواً خاصاً بها في لغتها, وإذا أمكن ترجمة تلك الكلمة فإن هذا الجو لا يترجم وإذا كان المترجَمُ شعراً فإن موسيقى الشعر بلغته الأصلية لا تنقل بالترجمة إلى لغة أخرى, حتى لو كان مترجمها باللغة الثانية هو صاحب الشعر باللغة الأولى. يقول هذا الكلام تاغور الذي عانى هذه الصناعة وتولى بنفسه نقل شعره إلى اللغة الانكليزية التي أجمع كل الذين سمعوه يتكلم بها أنه يجيدها إجادة لا مطمع لأحد بالزيادة عليها.
 
وأذكرُ أنني لما كنتُ في القسطنطينية كتبَ الأستاذ السيد مصطفى صادق الرافعي إلى ابن عم له هناك ملحا في أن يحملني على ترجمة شيء من الشعر التركي الحديث ليطلع على أساليب القوم ومناحيهم, فكنتُ آخذُ المقطوعة البديعة جداً من المقطوعات الشعرية التي كنا نقرأها بشغف, فأترجمها محتفظاً بأدق ما فيها من المعاني, ثم أعلق عليها بذكر ما يلابسها من نكات يعرفها القارئ التركي دون غيره, فإذا أعدت النظر فيها وقارنتها بالأصل أجد من الظلم العظيم لصاحبها أن أرضى لشاعريته بالصورة التي ستنتقش في ذهن الأستاذ الرافعي عند قراءته ما أترجمه من شعر ذلك الشاعر.
 
ولما كتبتُ بحثَ ( الأدب التركي في ثلاثة أدوار) وظهر بعضه في المجلد الثالث من (الزهراء) عاد فطلب إلي أن أترجم شيئاً من شعر عبد الحق حامد, فوجدتُني لا أزال الآن على رأيي الذي كنتُ عليه لما كنت في القسطنطينية.
ومع ذلك فإن الأستاذ كرد علي يقول إنهم جربوا ترجمة (دِمَشقية شوقي) بالفرنسية فأعجبوا بها, ولست أدري إلى أي حد تقيدوا بأغراض شوقي ومعانيه عند نقلها.
 
هل الفن للفن, أم الفَن للفضيلةِ والخيْر?
 
زعم المشتغلون بتعريف الفن فيما مضى أن الغاية منه (التعبير عن الجمال). ثم بدت لهم حقيقة رائعة وهي أن الجمال عند قوم قد يكون قُبحاً عند آخرين, فما تراه الغادة اليوم جمالاً في شَعرها كانت تعتبره أمها قبل عشر سنين في منتهى القبح, وما تعتبره المرأة الصومالية جمالاً تتحدثُ عنه المرأة الايطالية بتنقص وازدراء.
وزعم آخرون أن غاية الفن تقليدُ الطبيعة, وقد خُدعتُ بهذا المذهب في طفولتي فقلت:
كأنما الطيرُ فوق الطرْس ينظرُ لي
        شَزْراً يقبح ما في الطرس من فِكَرِ
يقول: سُخطاً لشعر رام قائلُه
        وصفَ الجمال فلم يرسمه كالصور
فهل يرى القارئ أن الصورة الشمسية لمشهدٍ من مشاهد الطبيعة تعد قطعة من القطع الفنية? الواقع أنه لا يراها كذلك.
وذهب(إبيولِتْ تِنْ) إلى أن الغرض الذي يرمي إليه الفن بيان الصفة الممتازة في طبائع الأشياء, ثم يكون ما بعدها من الصفات- سواء كان من لوازمها أو من الصفات المشتركة- تبعاً لتلك الصفة الممتازة.
 
وهذا كلامٌ حسن, لكنه يصبغ الفن بصبغة علمية, لأنه ينكر شخصية المتفنن وما لها من أثر جوهري في أسلوب البيان أو طريقة الأداء.
وقد انتبهَ إلى ذلك (إميلْ زُولا) فقال في حد الفن: هو الطبيعةُ منظوراً إليها من مزاجِ المتفنن. فالمتفنن لا يعبرُ عن الحياة وعن الطبيعة بحقيقتهما الواقعة, كما كنتُ أظُن أيامَ الصِبا, بل يعبر عنهما كما يرتسمان في مزاجه, ومن هنا كان لشخصية المتفنن والعناصر التي يتكون منها إيمانه وتفكيره وحُكمه دخلٌ عظيم في قيمة الآثار الفنية التي تصدر عنه إلى الناس.
 
ولكن هل يجوز أن يكون مزاج المتفنن طليقاً من كل قيد, أم تشمله القاعدة التي تجعل للحريات حدوداً? أو بتعبير آخر: هل يستوي الشاعر الذي يقف مواهبه لخير الجماعة والشاعر الذي لا يبالي بما يصدر عن مواهبه من خير أو شر? والمشتغلون بالأدب اصطلحوا على أن يتساءلوا في هذه القضية:
 
هل الفَن للفن, أم الفن للفضيلةِ والخيْرِ?
 
هنا أمران يجب أن يلاحظهما كل من يخوض في هذا الحديث:
الأول: أن الشاعرَ وكُل متفننٍ هل يعيش لنفسه أم للجَماعة? وإذا كان يعيشُ للجماعة هل يريد أن يكون فيها كالكوكايين يَلَذ ويؤذي, أم يريد أن يكون كالوردة يَلَذ وينفع?
الثاني: هل الاعتبارات الأدبية واحدة في كل أمة, أم أن الآداب للأمم كالغذاء للأفراد فما يُتسامح به في الأمة القوية ربما كان وبالا على الأمة الضعيفة?
الذي أفهمُهُ أنا هو أن هذا الشرقَ يجبُ أن ينتفضَ من سِنَةِ الكَرى التي امتلأتْ بها عيناه, وأن يقتصد في الوقت فيتخذ من كل قوةٍ مدداً لحياته: وما دامَ الشعرُ قوةً ذاتَ سلطانٍ على النفوس فيجبُ أن تنصرف هذه القوة للجد لا للهزل, وللعمل لا للكسل, وللرجولة لا للتخنث, ولتوجيه القوى القومية إلى آفاق المجد, وتحويلها عن جو الفناء الضائعة فيه الآن تحت سقوف المقاهي والملاهي...
لقد سئمَت النفوس كتابَ حلبة الكميت وديوانَ رامي, فغذوها بمثل شعر كيلنغ الانكليزي ومحمد أمين التركي.
إن أممَ الشرْقِ في خَطرٍ, فدَعونا من هذيانِ الفَن للفن فيما لا يتفِقُ مع الفضَائلِ الفَرْدية والقَوْمية.
إن الشاعرَ لا يعيشُ لنفسه بل يعيشُ لقومه. وهذه الشعوبُ الناطقةُ بالضادِ أحوجُ إلى شاعرٍ يأخذ بأيديها إلى معتركِ الحياةِ ومَيدانِ العملِ, منها إلى شاعرٍ يأخذ بشبانها وشاباتها إلى باب الحانَة بأحابيل الغَزَل.
إذا كانت أممُ الغرب آمنةً بأساطيلها وجيوشها وجامعاتها ومصانعها ومصارفها من الأخطار القومية والعلمية والاقتصادية, وعندها متسعٌ من الوقت تتمتع فيه بالفن الذي صيغ للفن, فنحن معشر الشعوب الناطقة بالضاد موجودون في وسط حريقة, فهل يشعر بذلك شعراؤنا?

*طه أحمد
18 - مايو - 2007
عودة الى شوقي والجواهري    كن أول من يقيّم
 
الاسبوع لم ينته عندنا بعد فمازال في الوقت متسع. شغلتني شواغل فانقطعتُ عن الحديث وقلتُ لعلي أعود مساءا. هي عودة متأخرة للمواصلة واتصال ما انقطع. اختار الجواهري كما هو ظاهر معارضة احدى قصائد شوقي رحمه الله. وهي طريقة يختار فيها الشاعر وزن وقافية القصيدة التي يعارضها. وهي عملية لا تخلو في غالب الاحيان من السقوط في فلك الشاعر الذي يقوم الآخر بمعارضة قصيدته خصوصا عندما يكون الاول شاعر كبير متمكن من أدواته الشعرية قادر على التصرف في اللغة وتطويعها لغرضه الشعري، كما هو الحال مع شاعر كبير مثل شوقي. وللرثاء في الشعر خصوصية لابد من مراعاتها وهي صدق العاطفة، والعفوية في التعبير عن احساس الشاعر لا أن تصبح القصيدة تجاه حدث كهذا الى هتاف وبيان احتفالي بانجازات الفقيد و تسجيل لأهم ما حققه في ميادين العلم والشعر والادب. نعم إن التلميح الى كل ذلك وارد وربما مستحب متى كان الشاعر صاحب موهبة حقيقية، وكان ذلك من عفو الخاطر وأصالة التعبير. وكلامي هنا عام لا يخص قصيدة الجواهري ولا غيرها من قصائد كبار الشعراء في هذا الملف الذي يستحق أن يكون كتابا في رثاء الشعراء لشوقي. فشكرا لهذا المجهود الكبير من شاعرنا الاستاذ زهير.
 
ولتقرأ هذه الابيات للجواهري في قصيدته (الى الشعب المصري) بعد دعوة طه حسين له لزيارة مصر. وهي واحدة من قصائده المتميزة:
 
يـا  مصر تستبق الدهور iiوتعثر والـنـيل  يزخر والمسلة iiتزهر
وبـنـوك والتاريخ في iiقصبيهما يـتـسابقان  فيصهرون iiويصهر
والارض  يـنقذ من عماية iiأهلها نـور  يـرفّ على ثراك وينشر
هـذا الصعيد مشت عليه iiمواكب لـلـدهـر مثقلة الخطى iiتتبختر
فـي  كـل مـطـرح وكل ثنية حـجـر  بـمجد العاملين iiيعطر
مـشـت القرون متمتمات iiسابق مـنـهـا  يـحدث لاحقا ويخبر
يصل الحضارة بالحضارة ما بنى فـيـك  المعزّ وما دحا الاسكندر
وتـنـاثر  الجمرات حولك iiنابغ يـخـفـى  وآخر عبقري يظهر
ووسـعـت  أشتات الفنون iiكأنها فـلك  يدور، وأنت أنت iiالمحور
 
دائما الوقت، ربما لنا عودة. فالاحد نهاية الاسبوع عندنا
 
صادق السعدي
19 - مايو - 2007
 4  5  6  7