في ظِلاَلِ آية
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
توطئة:
ليس القصدُ من هذه الكلمة دعوةُ المجتمعاتِ إلى أخْذِ النفوسِ بالنفوس قَوَداً, وإقادةُ القاتل بالقتيل اقتصاصاً, بل إن الرأيَ البصيرَ بمواقع المصلحة, ومَرامِ الشريعة من أحكامها الجنائية وغير الجنائية- قد يقضي بمنعه لهذا العهد, باعتبارِ الأحوال الناشئة, والأسباب المعترضة بين الحُكم والحِكمة, وليس ذلك المنع اتماماً للتشريع, أو اصلاحاً له, فالدين كاملٌ لا نقص به, والشريعةُ تامةُ الخِلقة محكمةُ الوضع, وذلك تقدير العزيز العليم- و إنما هو تنزيهٌ للاسلام عن جَلَبة أصحاب الألسنة الحِدادِ الذليقة, وضَوة أرباب الدعاوى العريضة.
وبيانه: أن مقاصد الفكرة الاسلامية في الحياة الاجتماعية والمدنية, إنما تتحقق بالحضور القوي الفاعل لروح الاسلام في تلك الحياة التي تنتسب إليه, وتَنَزُل شرائعه مِن المجتمع منزلةَ شعائره, أما وليس في قوانين الأقطار الاسلامية منه إلا بقايا أثرية لا تحمل من معناها النفسي إلا الدلالة التاريخية, ومن المعنى العملي إلا ما للعوائد القومية من العمل والأثر - فإن سقوط بعض الأحكام القرآنية إلى مواضع لم تُفَصل عليها, ولا ناسبتها في أصل وضعها, يكون فيه جناية عليها وأي جناية, باعتبار النتائج غير المرضية المترتبة على اختلال الوضع, واختبال النظم.
وهذا المعنى هو الذي بنى عليه الأستاذ الشيخ عَلال الفاسي طيب الله ثراه- رأيه في تعدد الزوجات لهذا العصر الحديث فقد قال في موضع من كتابه (النقد الذاتي): ..إن هذه الأحكام صريحة الدلالة ومجمع عليها من طرف المذاهب الاسلامية كلها وهي منع التعدد مطلقا عند الخوف من الظلم وإباحته حتى الأربعة عند تيقن العدل. لكن الذي مضى عليه عمل المسلمين هو ترك هذا الأمر لوجدان الرجل الذي يحكم على نفسه هل يقرر أن يعدل أو لا, وذلك هو الأصل في تطبيق الشرائع كلها لأن الدين يتوجه قبل كل شيء للأفراد وضمائرهم.
لكن التجربة التي لاحظناها طول التاريخ الاسلامي تدل على أنه باستثناء العصور الأولى فإن أغلبية المسلمين استعملوا التعدد في غير موضعه الشرعي.ولكي لا نطيل بالإشارة للأحداث التاريخية التي نتجت عن تعدد الزوجات يمكننا أن نكتفي بتوجيه نظر إخواننا لما هو واقع في العالم الاسلامي كله اليوم, وفي المغرب بالخصوص1, من استهتار بشؤون العائلة ومن حوادث مخربة لها لم يكن مصدرها غير العبث باستعمال الرجال لفكرة التعدد فكم عائلات هدمت وكم ورثة حرموا وكم أولاد منعوا من عطف آبائهم مراعاة للزوجة الثانية, وكم حوادث قتل وتسميم وقعت وكم أنواع من الزور ارتكبت لتقلب فئة من الأبناء على إخوانهم, وكم من أولاد ربوا خارج ديار آبائهم. إن كل واحد منا يستحضر أنواعا من هذه الأمثلة المؤلمة...إن كل سبب من هذه الأسباب يوازي السبب الصريح المذكور في القرآن وهو الخوف من أكل أموال اليتامى فإذا كان التعدد ممنوعا خوفا من أن يؤدي لغصب حق اليتيم فأحر به أن يكون ممنوعا إذا كان يؤدي لغصب أولاد الصلب نفسه حقهم أو إلى إزالة المودة التي وضعها الله رحمة للعائلة ورابطة بين الأب وابنه وأقرب الناس إليه.
ولذلك أرى أن تعدد الزوجات يجب أن يمنع في العصر الحاضر منعا باتا عن طريق الحكومة لأن الوجدان وحده لا يكفي اليوم لمنع الناس منه. وقد قال عثمان رضي الله عنه :'' إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن''.2
فالأستاذ علال الفاسي كما ترى لا يذم حكم تعدد الزوجات وكيف له أن يفعل وهو ابن القرويين وشيخ فاس- وإنما أوقع الذم كله على فساد الوجدان, الذي جر إلى فساد الميزان في العدل, ومنه ذهاب حكمة التشريع, ومن هذه الثغرة وتلك يتسلل لِواذاً أولائك الذين يتربصون بالاسلام الدوائر, ويقعدون له بكل مرصد, ولذلك يقول بعد ذلك: ''فإذا أضيف لهذا السبب الداخلي سبب آخر, وهو ظلم الاسلام نفسه, فإن الباعث على المنع يكون أولويا. وقد أصبح سوء استعمالنا للتعدد مدخلا لكثير من أعداء الإسلام الذين يتخذونه حجة على ديننا فيحول بينهم وبين فهم الدعوة الاسلامية, بل يتجاوزهم إلى داخل الأوساط الاسلامية نفسها, فيصبح المسلمون والمسلمات عرضة للتشكك في سلامة الدين الذي يبيح التعدد في نظرهم, وليس كل الناس فقهاء ولا كل الناس قادرين على ادراك الاصلاح القرآني في شأن المرأة نفسها. فمصلحة الدعوة الاسلامية تقضي بمنع التعدد في هذا العصر. قال العلامة المواق :'' إن ترك سنة واحدة من أجل المحافظة على العرض أمر متحتم في الدين3.''
وإذا كان هذا في المحافظة على عرض الانسان أي موضع المدح والذم منه, فكيف بالمحافظة على ما هو موضع المدح والذم للدين نفسه?. ولقد ترك عمر إقامة الحد في إحدى المواقع الحربية خوفا على فرار المحدود لصفوف الأعداء, والحد تشريع ديني لا معدل لأحد عن إقامته فكيف بالتعدد الذي ليس فيه أدنى وجوب, حتى عند تحقيق العدل'' انتهى المراد منه.
وإنما نقلت كلامه بطوله ومرادي منه عموم المعنى لا خاصة التعدد, فالمبدأ الذي قرره وهو عدم مناسبة بعض الأحكام القرآنية للوضع الذي ترتبك في حباله المجتمعات الاسلامية يجر إلى العلة التي من أجلها يكون وقف العمل بها واجباً, وهي: تلويث صورة الاسلام. فذلك المبدأ وتلك العلة هما اللذان ينبغي علينا تلَمحُهما دائماً, ولا يجوز التغافل عنهما أبداً.
ولتأكيد هذا المعنى في الذهن نضرب له مثلاً آخر ثم نُقفل إلى غايتنا الأولى من هذا الكلام.
جاء في رسالة (حد السرقة بين الفهم والتطبيق) للأستاذ عبد الكريم مطيع ما نصه:.. وليس من المجدي إقامة حد السرقة في مجتمع نظامه الاقتصادي غير إسلامي، ثروة الشعب فيه دولة بين الأغنياء أو محتكرة بيد السماسرة، وحاجات الأفراد فيه سجينة لدى المستغلين. إذ لابد لإقامة حد السرقة من تحرير حاجات الناس وضمان ضروريات العيش الكريم لهم، فإذا وجدت هذه الحاجات أو حررت كان الذي يتجرأ على السرقة إما ظالما معتديا يقام عليه الحد، أو منحرفا نفسيا وعصبيا يلحق بالمستشفى.وكذلك لا يجدي إقامة حد السرقة في مجتمع نظام الاجتماع فيه غير إسلامي علاقات الأفراد فيه فوضوية، وملابسهم ومآكلهم ومشاربهم بهيمية، وعواطفهم نحو بعضهم حيوانية.إذ لو كان المجتمع يعصر الخمر أو يشيعه بين أعضائه لما جاز إقامة حد السرقة على من يتناول خمرا أو مخدرا ثم يتجرأ على السرقة تحت تأثيرهما.
إن حماية الموطنين من مختلف الضغوط والانحرافات وإشاعة جو من النظافة الروحية والخلقية والاجتماعية وتنمية روح الجدية والشعور بالمسؤولية شروط ضرورية لإقامة حد السرقة''انتهى المراد منه.
رجع الحديث إلى القصاص:
فإذن غاية هذه الكلمة هو نصرة المبدأ القرآني, وبيان بعض حِكَمه في حُكْمه, أما تطبيقه حدا لهذا العهد فليس مما نقصده هنا أونتطلبه.
وبعد, فقد كنت قد قرأت كلمة ''لمركز حق الحياة'' فيما يزعمه أصحابها مناهضة لحكم الاعدام لأسباب تهافتت بها آرائهم و اضطربت فيها أوهامهم.
ولقد وجدت في دعواهم توثباً إلى القرآن, وطعناً عليه, واعتراضاً على معاني الحكمة والعدل في قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . وإن هم لم يذكروه صراحةً فقد تناولوه تضميناً, وتقاصفوه تلويحاً, وذلك أن كل مبدء شريف, وخُلق عظيم, فالقرآن أولى به, وحارسٌ عليه, ومَعنِيٌ به.
فكتبتُ هذه الكلمة في نصرةِ مذهبِ الاسلام وضَمنتُها إجاباتٍ على اعتراضاتِ المعترضين.
وقبل أن أنبعث في بيان بعض وجوه الاعجاز وأطرافِ الحكمة في الآية, أردت أن أُذَكر أولئك المتطفلين من أَدعياء الإسلام- الذين ما إن انفلتت هذه البدعة من عقالها في أجحار الغرب حتى ركبوا لها أجنحة النعام, و خفوا إليها, وطاروا بها في كل سماء, وطافوا بها كل صقع, فلم يتركوا في الشرق قدر مفحص قطاة إلا أذاعوها به وأرسلوها فيه- بأن أهل أوربة إن كان عذرهم أنهم لا يفهمون الدين الإسلامي لأنهم ليسوا من أهله, فما عذركم أنتم أيها المُحَزِبون إذا كان هذا حكم الله -وهو عدلٌ- بحرفٍ صريحٍ لا مدخلَ فيه للتأويل, ولا مساغ له في القول والتشغيب.? وكيف بالله وسعت عقولكم تلك الصيحة, وتناهت إلي أسماعكم هاتيك الشنعة, ولم تبلغكم هداية الآية, ولم تأخذ مأخذها في نفوسكم, وهي على مرمى أدنى من موضع سجودكم?? فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وأنا أُقَررُ أن هؤلاء صنفانِ: صنفٌ في سبيلٍ من الجهل بالدين, وناحيةٍ من الافتتان بالغرب, تمده طبيعةٌ متبلدة, ونفس ميتة, وجموح إلى التقليد.
وصنفٌ من شُركاءِ القصابين والطعانين, عرفوا الحق فنصبوا له المشانق, وحشدوا له المدافع والبنادق, فهم وإياه في جِلادٍ دائمٍ ونِزاعٍ متصل.
وكلا الفريقين أفقرُ الناس إلى الرأي, وأبعدُهم عن مواقع الصواب ومنازل الحكمة, وحُججهم قائمةٌ على الترجمة ونَقل الآراء من الغرب إلى الشرق, إن هم إلا مسخٌ أو في ما يشبه المسخ, وإن أمةً من الأمم قد مُسخت وأخشى أن يكونوا منها بسبب.
وأما بعد, فالقرآن الشريف يقر القصاص -لا الإعدام ولا القتل- في كلماتٍ الهيةٍ حكيمة جامعة هي : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . فهذه الآية تَنتصبُ كعمودٍ من النور, يذهبُ نوره كل مذهب, ويتفرق شَعاعاً في كل مَسْرب, وتحترقُ فيه بعوض الشبهات وأباطيل أهله, فهذه الكلمة التي جهلها أغمار عصرنا, على شدة إيجازها, وقلة حروفها:
1- ارتفعت لتكون من الحياة سبباً من أسبابها, وعلةً من عللِ دوامها بِسِر التوجيه والارشاد, كأن الله يقول لنا على لسان الآية: إن في قتل البعض إحياءً للجميع, و في القَوَدِ معدنَ الحياة, ومن الفناء منبعَ البقاء.
2- إفادة كلمة قصاص ما يشعر بالمساواة في التقاص, وينبئ عن العدل والاستحقاق بخلاف مطلق القتل, كما أن (صيغة المفاعلة فيها ما يشعر بوجوب التحقيق وتمكين القاتل من المنازعة والدفاع ولذا لم يأت بالكلمة من اقتص مع أنها أكثر استعمالا, لأن الاقتصاص شريعة الفرد, والقصاص شريعة المجتمع).(4)
3- ويفضي بنا هذا إلى القول للمعترضين على القصاص بسبب الظلم الذي وقع في إعدامات البرآء من الناس: إنه لا يجوز جعل الأحوال الناشئة عن سوء استعمال المبدأ, ذريعة لتلويثه وطرحه, إذ أن الأمور التي تستحسن أو تستقبح في أحوال دون أحوال: ليست حسنةً عند العقل ولا قبيحة على الاطلاق حتى يتبين واضعها ومستعملها وزمانها وأحوالها.كذلك القصاص إذا استحق هذا الاسم حسن لما فيه من الحياة والانصاف وإذا وقع عليه اسم القتل بأمر يناقض هذا الاعتبار صار قبيحا لما فيه من تلف الحياة.
4- لم يسم الحق عز وجل العقوبة الحالة بالقاتل قتلا إذ القتل جريمة وعدوان على الروح, ولا تكون مداواة الجرائم بمثلها, بل سماه قصاصا تنزيها لشرعه عن مشاكلة الجناية ومشابهة الجريمة حتى في اللفظ, وهذا فن بديع في التعبير عن مباينة الألوهية في كمالها وعدلها, للبشرية في ظلمها ونقصها.
وبهذا وما قبله تسقط شبهة الثأر والانتقام في طبيعة القصاص التي يشغب بها المعترضون عليه.
5- اشتملت الآية على معنى لطيف, وطباق بديع, حيث جعل أحد الضدين الذي هو الموت والفناء, محلاً ومقراً لضده, الذي هو الحياة والبقاء, بإدخال (في) على لفظة القصاص, فتسمع الآية فإذا بخيالك ينتصب قائما فينسج لك صورة الحياة الناعمة وهي تستقر في حجر الموت الموحش في سكينة غريبة, كما ينام حمل وديع في حضن وحشٍ مُجَوعٍ ولا يضره شيئا. في حين أن كلمة اعدام أو قتل تشعر بالوحشة و ترمي بمعنى الفناء لأجل الإفناء واتلاف الحياة ليس وراء ذلك قصد إصلاح الناس, أو ردعهم عن القتل.
6- لا يمتنع أن تنطوي بعض النفوس على معنى الهم بالقتل الذي يستدعي وجود الارادة الباعثة عليه, فالآية تقوم في النفس مقام الضمير النفسي, والرادع المعنوي, لأن معناه: أن الانسان إذا عَلِم أنه متى قَتَلَ قُتِلَ كان ذلك رادعاً له عن الاقدام على القتل, والاستخفاف بالأرواح, فارتفع بالقصاص هرْجٌ كثيرٌ, واستبقينا به حياتين من وجهين: حياة القاتل الذي ارتدع خوفا من القصاص, وحياة المهموم بقتله الذي صار كأنه استفاد حياته منه-أي من القصاص- وحَيِيَ به.
7-نُكِّرت الحياةُ لِتَسَعَ جميع نواحي الحياة وأشكالها غير مقيدة, فقد تكون حياة اجتماعية أو سياسية أو فكرية, فكأن الحياة تجدد أثوابها بذلك القصاص وتخلع البالي منها, فينزع من القلوب غلها, ويصطلم عرق الثأر من أصله, وتستصلح الأوضاع, وتستدرك الأخطاء.
8- جَنَح فريقٌ من القانونيين والاجتماعيين إلى الاعتذار للمجرم بحالته النفسية, أو تركيبه العصبي, أو علة في أوضاعه الاجتماعية أو ما جرى مجرى ذلك من أسباب أفضت به إلى عتبة الاجرام, وهذا ليس بشيء ولا برهان عليه, وليت شعري ماذا بقي من معاني الاجرام بعد هذا الجَرْد??
والأمرُ في حقيقته دائرٌ بين أمرين لا ثالثَ لهما:فإن كان المرءُ مجنوناً فاقداً لأداة العقل فهو مرفوعٌ عنه القلمُ, في حِل مما يأتي أو يذر في نظر الشرع والقانون, وحقه الحجر, أما إن كان عاقلاً راشداً فكلنا يعرفُ من نفسه كيف تُأتى صنائع البر, وكيف تُتقى مهاوي الردى, فالجدال في هذا الباب نوع من المماحلة والتزيد.
9- وأختتم هذه الكلمة بأن أشير إلى أن في قوله تعالى : وَلَكُمْ, إشارةً لطيفةً إلى العصبة المؤمنة التي صاغها الاسلام في قالب, وأقامها على هيئة, ووسمها بصفة, لا تكون في الوجود شيئا إنما فطرة الله وصبغة الله وأمة الله, وتلك العصبة هي التي يصلحها القصاص ويكون له المعنى العظيم في نفوس أبنائها والأثر الصالح على هيئتهم الاجتماعية, فإذا كانت الحال غير الحال, والهيئة غير الهيئة, والصفة غير الصفة, فلا حياة في القصاص, ولا معنى له -كما سبق في صدر الكلام-, إذ أن أحكامَ الشرع موصولٌ بعضها ببعض, منتظمةٌ كلها في سلكٍ واحد, كحبات الياقوت في عقدٍ يحوط جِيدَ غادةٍ- وبذلك كان كمال الشريعة وإعجازها, فإذا ما انفرط العقد انفرطت معه ميزة الشريعة التي هي في تناسقها وتكاملها وشد بعضها بعضا, وبقي منها ذلك السلك يحوط جيد الأَُمة وتناثرت حبات الياقوت حول أقدامها فهي لا تزال تسحقها وتدقها حتى لا تبقي منها حبة صالحة, وذلك تأويل قوله عليه السلام: ينقض الاسلام عروة عروة كما ينقض الحبل قوة قوة.
تلك تسعة كاملة, وربنا الرحمان المستعان على ما تصفون.
1 -أي ما بين 53 و54 وهما السنتان اللتان أنشأ فيهما المرحوم علال الفاسي فصول كتابه النقد الذاتي.
2- ولا يخفى الفرق بين الحكومات التي منعت التعدد استهتاراً بحكم الله, و دعوة علال الفاسي هذه: المبنية على إقراره بحكمة التعدد, لكنه يمنعه ما دامت علة الظلم والجور قائمة في هذا التعدد العصري, إذ أن الحكم يدور مع علته نفيا واثباتا, ولذلك قال في آخر الفصل: ''إنني أقرر الرأي بكامل الاطمئنان النفسي الذي يمليه علي إيماني بأن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان, ورجائي أن يكون في هذه الاعتبارات التي أبديتها ما يحقق تطبيق مبدأ الاصلاح الاسلامي بمنع التعدد مطلقا في هذا العصر, إقامة للعدل, وتقديرا للمرأة, وحماية للإسلام''.هذا وعلال الفاسي من زعماء الحركة الوطنية السلفية, تلك السلفية التي قامت يوما من الدهر في نفوس أصحابها مقام الوازع الذي يَكُف النفس عن التقليد, ويُزعج فيها الفكر فينتفض مُجَدداً, فإذا هي حركةٌ تستحث خُطى الاستقلال, ولا نعلم أي يدٍ عَدَلتها عن وجهتها الرائدة, ونكبت بها عن الطريق, وحثت في وجهها التراب??.
3- هو محمد بن يوسف أبو عبد الله المَواق, فقيه مالكي, كان عالم غرناطة وإمامها وصالحها في وقته, توفي سنة 897 للهجرة.(انظر الإعلام). 4- ما بين الهلالين قاله حضرةُ الأستاذ الأكبر مصطفى صادق الرافعي سقا الله ثراه في آخر الجزء الثالث من وحي القلم. |