العصر الأموي .. وتعريب النقود كن أول من يقيّم
في سنة 41 ﻫ /661م قامت الدولة الأموية، وكان معاوية بن أبي سفيان أول خلفائها ( 41 – 60 ﻫ / 661 – 679 م )، وقد أولى المسكوكات أهمية كبيرة باعتبارها رمز القوة والسلطة، وقد سك الخليفة الأموي معاوية نوعين من المسكوكات. النوع الأول كان على نمط مسكوكات الخلفاء الراشدين أي أنها كانت على نمط المسكوكات الساسانية مضافاً إليها كلمات وعبارات بالعربية، وقد زاد الخليفة الأموي معاوية على مسكوكاته الفضية عبارة " بسم الله – ربي " و " الحمد لله – بركة ". أما النوع الثاني من مسكوكات معاوية الفضية فكان على الطراز الساساني، وكتبت عليها بالحروف الفهلوية " معاوية أمير أورشنكان " بمعنى معاوية أمير المؤمنين، وقد سكت في السنة الأولى من حكمه41 ﻫ / 661 م ونصوص هذه المسكوكة الفضية كالتالي : ? الوجه: صورة نصفية للملك الساساني متجه بوجهه نحو اليمين وهو يلبس التاج المجنح، نُقش الاسم على الفراغ الأيمن من رأس الملك الساساني بالفهلوية ونصها " معاوية أمير أورشنكان " ، وعلى الجانب الأيسر لرأس الملك الساساني عبارات الدعاء بالفهلوية ونصها " أفزوت غدة " بمعنى دامت المملكة نامية، وعلى طوق المسكوكة نقشت البسملة بالخط العربي " بسم الله " وتوزعت النجمة والهلال على الجهات الأربعة للمسكوكة. ? الظهر: أما الجانب الآخر لهذه المسكوكة، ففي الوسط معبد النار يقف إلى جانبيه الحارسان المدججان بالسلاح، وكتبت مدينة الضرب "داربجرد" في الفراغ الأيمن من معبد النار، أما الجانب الأيسر فكتب فيه سنة الضرب 41 هـ بالإضافة لأشكال موزعة للهلال والنجمة. وقد كانت دمشق عاصمة الخلافة الأموية ومقر الخليفة، واستمر السك فيها على هذه الطريقة حتى خلافة عبد الملك بن مروان، وقد كانت مدن أخرى غير دمشق تسك فيها الدراهم، ومنها في العراق التي سك أميرها مصعب بن الزبير والي العراق من قبل أخيه عبد الله بن الزبير أمير الحجاز بين سنتي ( 61 – 73 ﻫ / 680 – 692 م )دنانير ودراهم بأمر من أخيه عبد الله، حيث كان الأخوان قد أعلنا انفصالهما عن الدولة الأموية، وقد سك عبد الله بن الزبير المسكوكات الفضية وعليها لقب أمير المؤمنين. وعندما تولى الخلافة الأموية عبد الملك بن مروان سنة ( 65 – 86 ﻫ / 684 – 705 م ) نجح في توحيد الدولة العربية الإسلامية التي كانت مجزأة، بعدها تمركزت الخلافة والسلطة بيد عبد الملك، فكان عصره عصر توحيد الأمة، بالإضافة إلى انتشار اللغة العربية في بلاد فارس ومصر والشام في جميع مجالات الدولة كالدواوين والأمور المالية، ولإتمام هذه السياسة كان لابد من تعريب السكة الإسلامية تعريباً كاملاً وتخليصها من التبعية الأجنبية، كالفارسية بالنسبة للدراهم والبيزنطية بالنسبة للدنانير، وقد أراد الخليفة عبد الملك بن مروان إتماما استقلاله الكامل فسار بهذا المجال منذ سنة 73 ﻫ بالنسبة للدراهم و 74ﻫ بالنسبة للدنانير. لقد بدأ عبد الملك بمحاولات تعريبه منذ سنة 74 ﻫ / 693 م ووصلت هذه المحاولات إلى ذروتها سنة 77 ﻫ / 696 م بتعريب الدينار تعريباً كاملاً. . ففي سنة 74 ﻫ / 693 م أبدل الخليفة عبد الملك وضع الحرفين I.B الموجودان على ظهر الدينار البيزنطي إلى B.I، يعتقد بعض المختصين أن هذين الحرفين يرمزان للرقم 12 وحين أبدلهم أصبح الرقم 21، ومهما يكن من تفسيرات حول ما يعنيه هذان الحرفان، إلا أن الغاية من إبدال وضعهم كان لمجرد تمييز الدنانير الإسلامية عن البيزنطية. . وشمل التغيير الثاني شكل الصليب الموجود على جانب الظهر، فحذف الجزء الأعلى منه ليصبح على شكل حرف T تحيط به عبارات التوحيد بالخط العربي. . وفي سنة 76 ﻫ / 695 م سك الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان دنانير نقش عليها صورته بدلاً من صورة الإمبراطور البيزنطي هرقل، وكتبت عليها البسملة وتاريخ الضرب بالعربية، ولكنه أبقى على الشارات المسيحية، حيث يظهر الخليفة عبد الملك واقفاً وبيده السيف الذي هو دليل الإمامة ورمز الجهاد في سبيل الله وعلى رأسه كوفية تتدلى على كتفيه وله لحية طويلة، وتحيط به الكتابة العربية التالية: " بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله". . وكانت الخطوة الأخيرة لتعريب الدنانير هي تخليصها من كافة الشارات والتأثيرات الأجنبية، وذلك عندما سكت سنة 77 ﻫ / 696 م بنصوص عربية خالصة وبدون أي صورة للخليفة عبد الملك أو الإمبراطور البيزنطي هرقل. ونصوص الدينار العربي الإسلامي المضروب سنة 77 ﻫ كما يلي : لا إله إلا مركز الوجه: الله وحده لا شريك له الطوق: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . الله أحد الله مركز الظهر: الصمد لم يلد ولم يولد الطوق: بسم الله ضرب هذا الدينر في سنة سبع وسبعين ويزن هذا الدينار العربي الإسلامي مثقالاً واحداً. ونلاحظ من نصوص هذا الدينار بأنها لم تحمل اسم مدينة الضرب، على أساس أنها كانت تسك بالعاصمة ومكان إقامة الخليفة وبإشرافه المباشر عليها، وقد كانت هذه القاعدة متبعة حتى مع الدنانير البيزنطية قبل الإسلام، لكن ما هي الأسباب التي دعت الخليفة عبد الملك بن مروان لاتخاذ هذه الخطوة، أي تعريب المسكوكات الإسلامية وتخليصها من التبعية الأجنبية. لقد ذكرت المصادر التاريخية أن سببها يعود إلى اعتراض ملك الروم جستنيان الثاني على أوراق البردي التي كانت تصل بيزنطة من مصر وهي تحمل عبارات التوحيد بدلاً من عقيدة الإيمان المسيحية " باسم الأب والابن وروح القدس" مما أغضب جستنيان وهدد بكتابة عبارات تسيء للمسلمين على الدنانير البيزنطية، مما دفع بالخليفة عبد الملك بن مروان إلى استشارة الفقهاء وأهل الرأي بذلك، فأشاروا عليه بسك مسكوكات عربية وترك دنانيرهم، ويذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أشار على الخليفة عبد الملك بقوله:"يا أمير المؤمنين إن العلماء من أهل الكتاب الأول يذكرون أنهم يجدون في كتبهم أن أطول الخلفاء عمراً من قدس الله تعالى في درهمه. ويرى البعض الآخر من المؤرخين أن السبب الذي أدى إلى تعريب المسكوكات هو نقض المعاهدة التي كانت معقودة بين الخليفة عبد الملك وملك الروم جستنيان الثاني سنة 67 ﻫ / 686 م التي يدفع بموجبها الخليفة الإسلامي ولمدة عشر سنوات مبلغاً من المال قدره ألف دينار ذهبي إتاوة أسبوعية، ولكن هذه الاتفاقية نقضت سنة 73 ﻫ / 690 م . ومهما كانت الدوافع المارة الذكر فإن السبب الحقيقي الذي دفع الملك عبد الملك لتعريب السكة هو إتمام استقلال الدولة العربية الإسلامية. |