أما الشريعة الرافدية الثانية وهي شريعة لبت عشتار خامس ملوك سلالة ايسن ( 2017- 1794 ق.م )، فقد تضمنت ذكر الفضة والشعير كسلعة وسيطة، وقد وردت النصوص التالية في بعض المواد:
"إذا قطع رجل شجرة من بستان رجل آخر، فعليه أن يدفع غرامة مقدارها نصف منا من الفضة".
ومن شرائع بلاد الرافدين القديمة الأخرى قانون إيشنونا الذي عُثر عليه في موقع تل حرمل قرب بغداد سنة 1945 م، ففي المادة الأولى منه نقرأ:
"6 منا من الصوف سعرها شيقل واحد من الفضة".
وبالنسبة لشريعة حمو رابي الشهيرة ( 1792- 1750 ق.م )، وهو سادس ملوك السلالة البابلية الأولى ( 1894- 1594 ق.م )، فقد ورد فيها استخدام الفضة والحبوب سلعة للتبادل، ففي المادة ط نقرأ ما يلي:
"إذا حصل رجل على قرض فضة، وليس لديه فضة وقت دفعها، ولكن عنده حبوب، فعلى التاجر (أي المقرض) أن يأخذها حبوباً مقابل الفائض وبالسعر الذي حدده الملك.
هكذا كانت الحياة الاقتصادية في العالم القديم عموماً، غير أن الصعوبات التي رافقت السلعة الوسيطة في قابليتها للتلف وسعة المكان الذي تحتاجه لحفظها والتكاليف اللازمة لإدامة حياتها ( في حالة الحيوانات والعبيد ) وصعوبة نقلها مع تجار المواد الثمينة والصغيرة الحجم كالمعادن
والأحجار الكريمة والعطور، كل هذه الصعوبات دفعت الإنسان إلى التفكير بإيجاد سلعة وسيطة تنتفي عندها كل الصعوبات السالفة الذكر، فكانت المعادن الثمينة وعلى رأسها الذهب والفضة السلعة الوسيطة المناسبة التي تتوفر فيها كل الإمكانيات لأداء دورها في التبادل التجاري الذي أخذ يتسع ويزداد حجماً بتطور المجتمعات البشرية، فالمعدن الثمين غير قابل للتلف بسهولة، وحجمه صغير مما يسهل عملية حفظه ونقله، وأخيراً فهو قابل للتجزئة دون أن يتعرض للتلف، حيث يمكن تجميع القطع الصغيرة المتجمعة لدى أي بائع لصهرها وصبها لتعود إلى الشكل المطلوب.
وبفصل تطور علم الرياضيات ومعرفة أنواع الأوزان، وتحديد تلك الأوزان بدقة ومراقبتها من قبل السلطات الرسمية، فقد تطورت التجارة والمعاملات المالية في العالم القديم تطوراً كبيرا، حيث غدت من الأسس المتينة التي يعتمدها البناء الاقتصادي للدولة والمجتمع.
ولكن المعادن الثمينة لا تضبط فقط بموازينها وإنما بنوعها ومقدار نقائها، ويبدو أنهم قد تنبهوا قديماً إلى هذه الناحية المهمة في المعادن المعتمدة كسلعة وسيطة، وقد استخدمت المعادن بأشكال متعددة، لكنها كانت بأوزان معلومة وثابتة.