البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : نوادر النصوص    كن أول من يقيّم
 زهير 
9 - نوفمبر - 2012
من تعب من الفكر وقف حيث تعب، فمنهم من وقف في التعطيل، ومنهم من وقف في القول بالعلل، ومنهم من وقف في التشبيه، ومنهم من وقف في الحيرة فقال لا أدري، ومنهم من عثر على وجه الدليل فوقف عنده فكلَّ عنده. فكل إنسان وقف حيث تعب، ورجع إلى مصالح دنياه وراحة نفسه وموافقة طبعه. فإن استراح من ذلك التعب، واستعمل النظر في الموضع الذي وقف فيه مشى حيث ينتهي به فكره إلى أن يتعب فيقف أيضاً أو يموت.
ابن عربي (عقلة المستوفز، طبعة ليدن ص90)
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
رسالة أبي علي النفطي إلى شيخه أبي يعقوب الطري    كن أول من يقيّم
 

أبو علي: الحسن بن محمد بن عمران النفطي المتصوف الفقيه الأديب. مولده في بلدة نفطة بالجريد في تونس، ووفاته مسموما في رجب (621هـ) لا يزال قبره معروفا حتى اليوم في (نفطة) كما ذكر روبار برنشفيك في كتابه (تاريخ أفريقية في العهد الحفصي) ترجمة حمادي الساحلي (ج2 / ص 336). وأما رسالته التي ننشرها في هذه البطاقة، فقد وصلتنا عن طريقة رحلة التجاني : عبد الله بن محمد بن أحمد (نشرة الدار العربية للكتاب: ص144) ووصلتنا أيضا هي ورسالة أبي يعقوب الطري التي يرد عليها، عن طريق كتاب (سبك المقال لفك العقال: ص71) لابن الطواح -انظر خاتمة البطاقة السابقة- وموضوع الرسالة الرد على أبي يعقوب الطري في رسالة بعث بها إلى النفطي في صناعة الحكمة ومراتب النطق الثلاث، ومراتب العقل وتجلي الملائكة. قال ابن الطواح: فجاوبه الإمام المتبحر الذائق بما نصه:

(من شيبان الأبله الأمي إلى الحبر أبي يعقوب: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) (الآية 16 من سورة الحديد)

أمـا آن مـن صبح الرشاد تنفس وحـتى متى ليل الظلام iiمعسعس
تراني أرى فجرى الهدى متعرضا فـيـنزع  للترحال صبٌّ iiمعرّس
ومـا  حـذري إلا شعوب iiمغيرة ومـا  لاح إصباح وأشمط iiحندس

أما بعد:

فإن كتابك ورد مشتملا على ماهية العقل وحقيقته.

وقد الفيتُه وافيا بمقصودك غير واف بمقصودي.

ولست ممن قنع عن الدر بالصدف، واقتنى علوما لم يؤمر بها شرعا، فاستغرقت فيها همته حتى زلت به قدم الغرور في مهواة من التلف. وكل ما تذروه رياح الموت فالهمة تقتضي تركه:

وكم من منزل لو مت iiفيه لكنت به نكالا في العشيرة

وقد استشهدتَ بالحديث في النظر في الأسباب، والترقي منها إلى مسببها، فالأمر كما ذكرت، لكن ليست أسباباً، هي ظلمات ثلاث.

بل هي أسباب نورية، يستدل بها على منورها، فمعرفة النفس مقام محمود، وهو مقام المقربين، من عرف نفسه موحدا لربه.

وقد منّ الله سبحانه بعلوم جليلة ربانية محمدية، يعضدها الشرع، ويشهد لها العقل السليم الجامع بين الأصل والفرع، كالجمع والافتراق، وخرق السبع الطباق، وحقيقية البرزخين، وما اشتملت عليه أرحام الإنثيين، والترقي من الأين إلى حيث لا أين، وكيفية الأرواح والأشباح، وسكون الليل وانفلاق الصباح، واختلاف الألسن والأصوات، ومنطق كل شيء وعجائب الآيات. إلى غير ذلك مما لم يُلفَ مسطورا.

وقد اضمحل الوجود، وبطل دعواه، وبرز المكنون على كل شيء، كلا بل هو الله، وأعرب بلسان ناطق فصيح غمزا أو رمزا (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) (الآية 98 من سورة مريم)

بل لو ترانا والأحبة حولنا لرأيت غـزلانـا  تـصـيـد iiسـباعا
بـل لو ترى تلك البقاع iiوحسنها لـلـظللت بالحسن البديع iiمراعا
شـوقي  طباع واصطباري iiكلفة وأرى الـتـكلف لا يزيل iiطباعا

وكثيرا ما تشير إلى مطالعة كتب حرام الوقوف عليها عقلا وشرعا، ولنا في رسول الله إسوة (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (الآية 82 من سورة النساء) وكفى بهذا جمعا، والحنيفية السمحة قد أشرق سراجها وعم نورها، وقهر سلطانها كلَّ أشرس عاتي القلب، ليس له تحقيق أهل الأصول، ولا تدقيق أهل الوصول، فهم الهمج الرعاع الذين هم لكل ناعق أتباع، قد أوثق الغي عقولهم (فهم في ريبهم يترددون) ، آفتي معرفتي، أرى الشر من ذوي النباهة قريبا.

وكأني بسيدي يقول: قد شب عمرو عن الطوق، وما أحوجه في حقيقة الشرع وحالة التصوف إلى شيء من الذوق.

واعلم أنه لا تظهر حالة حسنة إلا بملازمة أصل صحيح، فإن كنت ممن أراد الآخرة وسعى لها سعيها، وأناب إلى الله بقلب سليم فها أنا أقبّل قدميك، متبع ما يوحى إليك.

وإلا فاطوِ عني طومار الهذيان، ولا تقعقع لي بالشنان -إشارة إلى المثل: (فلان لا يقعقع له بالشنان) أي لا يخدع ولا يروع -

(يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) إلى قوله تعالى (سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) (سورة مريم: الآيات 43 حتى 47).

ولـما استبان الصبح أدرج iiضوءه بـأنـواره أنـوارَ ضوء الكواكب
أشـرق  فـي الـليل نور iiبهجته ولاح  حـتـى طـفيت iiمصباحي
مـا زلـت أعرف أيامي iiوأنكرها حـتى استبانت فلا بيض ولا سود
وحال بي في بحار الكشف مختبطا لا  الـقرب قرب ولا الإبعاد تبعيد


جعلنا الله وإياكم من الموحدين المتبعين، ولا جعلنا من الملحدين المبتدعين. آمين أمين. وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وسلم وكرم. (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (الآية: 11 سورة إبراهيم).

هنا تنتهي الرسالة في كل من (رحلة التجاني) و(سبك المقال) ونجد في سبك المقال بعدها ما ذهب المحقق إلى أنه رد على رسالة النفطي، فقد جاء بعد خاتمة رسالة النفطي ما يلي: وبعد: فإنك ذكرت أن حقيقة العقل ما فهمتها من علم التشريح، فهذا هو الانتكاس على أم الراس ... من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه، كان حتفه في أحسن خصال الخير عنده. فما أسوأ حال من صير صنعة خلقت لمثل هذه المكرمات محركة للشيطان ومزلة للشهوات. وعلق ابن الطواح بعد ذلك بقوله: (ومما يذكر عن الشيخ يعقوب الطري بعد وصول الرسالة له أنه ارتحل لعند الشيخ أبي علي وقبل قدميه وتاب من كل معارفه ولازمه ملازمة استفادة، فقال له يوما: كم سنك ? فقال له: سنة. يعني من وقت وصوله إليه. ولم ترد هذه القطعة في رحلة التجاني.

cosmos
28 - نوفمبر - 2005
الشيخ يوسف الأسير ودوره في ترجمة الكتاب المقدس    كن أول من يقيّم
 

الشيخ يوسف الأسير واحد من أعلام العرب الخالدين، والحلقة الأولى من سلسلة الإصلاح في بلاد الشام في النصف الثاني من القرن (19) وهي الحلقة التي سبقت حلقة الشيخ طاهر الجزائري إلى الوجود، وكان من أبرز تلاميذه الشيخ عبد القادر القباني، صاحب مجلة (ثمرات الفنون) = لسان حال (جمعية الفنون الإسلامية) وصدر العدد الأول منها يوم (20/ 4/ 1875م) = والتي من ثمراتها الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب المنار.. وتأتي أهمية الشيخ يوسف الأسير أنه المسلم الوحيد الذي ساهم في صياغة الكتاب المقدس، وكان له دور لا يستهان به، في اختيار الألفاظ القرآنية، التي تستوقف مراجع هذه الترجمة، وهي الترجمة البروتستانتية العربية للكتاب المقدس، والتي صدرت يوم (29/ 3/ 1865م) وساهم في إنجازها الشيخ يوسف الأسير، والمعلم بطرس البستاني، والقس عالي سميث والشاعر ناصيف اليازجي، والدكتور كرنيليوس فنديك  والد صاحب (اكتفاء القنوع بما هو مطبوع). المنشور على الوراق، وفيه ترجمة للشيخ يوسف الأسير، ونصها (ص165): (هو يوسف بن السيد عبد القادر الحسيني الأسير. ولد سنة (1230هـ  1815م) بمدينة صيدا من ثغور سوريا على شطوط بر الشام. ولما بلغ الثامنة عشرة من العمر شخص إلى الديار المصرية وأقام في مدرسة الجامع الازهر سبع سنوات يأخذ العلم عن أعلامه، فنبغ في العلوم العقلية و النقلية و صار إماما كاملاً يرجع إليه و يعول عليه، ثم عاد الى سوريا فتقلب في خدمة الدولة العثمانية العلية ثم انتقل الى القسطنطينية حيث صار رئيساً للمصححين في دائرة نظارة المعارف مع وظيفة استاذ العربية في دار المعلمين الكبرى و لكن شدة برد الاستانة العلية لم توافق صحته فعاد الى بيروت وأخذ يبث علومه فيها. و كان من اصدقاء كرنيليوس فندك ومرشديه في اللغة العربية. و من تصانيفه: (رائض الفرائض) في تقسيم الميراث، طبع في بيروت مع شرح له أيضاً و(شرح أطواق الذهب في المواعظ و الخطب) للزمخشري طبع في بيروت سنة 1293هـ في 72صفحة و(ديوان شعر) طبع في بيروت سنة 1306هـ فيه بعض قصائده و رسائله و(هدية الإخوان في تفسير ما أبهم على العامة من ألفاظ القرآن) و هو تفسير للألفاظ اللغوية الواردة في القرآن مرتب على حسب ترتيب السور طبع في بيروت في 164صفحة، مرتين بدون ذكر السنة. وقيل بل هو لابنه مصطفى الاسير. ولما بلغ من العمر 77 سنة ناداه مولاه فلباه و فارق دنياه سنة 1307هـ 1889م . ومؤلفاته مطبوعة في بيروت. انظر ترجمته بالإسهاب في صفحة 761 من السنة الثالثة من مجلة الهلال لجرجي زيدان بمصر)
ورجعت أنا زهير لهذا العدد وتاريخه يوم 15/ حزيران/ 1895م الموافق 22/ ذي الحجة/ 1312هـ  وتقع الترجمة في صفحتين، وقد افتتح بها العدد وجعل غلافه صورة الشيخ يوسف الأسير، وفيه: (كان على جانب عظيم من الرقة والدعة ولين الجانب وحسن المعاشرة، يحب العلم والعلماء.... ودفن في مقبرة الباشورة ببيروت، وترك خمسة ذكور وبنتين) وأما المناصب التي تولاها، فهي على الترتيب، رئاسة كتابة محكمة بيروت الشرعية، ثم الفتوى في عكا، ثم مدعيا عموميا في جبل لبنان، ثم رئاسة التصحيح في دائرة المعارف في الأستانة وأستاذا للغة العربية في دار المعلمين الكبرى فيها. وكانت وفاته يوم الإثنين 9/ ربيع الثاني/ 1307هـ الموافق 2/ 12/ 1889م) وهو جد المجاهد المغوار الفريق عفيف البزري، لأمه.  وهو المراد بقول ناصيف اليازجي:

أسـيرَ  الحقّ في ُحكْمٍ تساوى فما يُدرَي الحبيبُ من البغيضِ
يـقـلبُ في المسائل كلّ iiطَرْفِ ويَلقي الناسَ بالطَرْفِ الغضيضِ

cosmos
23 - يناير - 2006
الفصل (34) من مقدمة ابن خلدون    كن أول من يقيّم
 

الفصل الرابع والثلاثون: في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل:

اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم، وتعدد طرقها، ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك. وحينئذ يسلم له منصب التحصيل، فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها. ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها، فيقع القصور ولا بد دون رتبة التحصيل. ويمثل ذلك من شأن الفقه في المذهب المالكي بالكتب المدونة مثلاً وما كتب عليها من الشروحات الفقهية، مثل كتاب ابن يونس واللخمي وابن بشير والتنبيهات والمقدمات والبيان والتحصيل على العتبية، وكذلك كتاب ابن الحاجب وما كتب عليه. ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية وطرق المتأخرين عنهم، والإحاطة بذلك كله، وحينئذ يسلم له منصب الفتيا وهي كلها متكررة والمعنى واحد. والمتعلم مطالب باستحضار جميعها وتمييز ما بينها، والعمر ينقضي في واحد منها.
ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط، لكان الأمر دون ذلك بكثير، وكان التعليم سهلاً ومأخذه قريباً، ولكنه داء لا يرتفع لاستقرار العوائد عليه، فصارت كالطبيعة التي لا يمكن نقلها ولا تحويلها. ويمثل أيضاً علم العربية من كتاب سيبويه، وجميع ما كتب عليه، وطرق البصريين والكوفيين والبغداديين والأندلسيين من بعدهم، وطرق المتقدمين والمتأخرين مثل ابن الحاجب وابن مالك وجميع ما كتب في ذلك. وكيف يطالب به المتعلم، وينقضي عمره دونه، ولا يطمع أحد في الغاية منه إلا في القليل النادر?، مثل ما وصل إلينا بالمغرب لهذا العهد، من تآليف رجل من أهل صناعة العربية من أهل مصر يعرف بابن هشام، ظهر من كلامه فيها أنه استولى على غاية من ملكة تلك الصناعة، لم تحصل إلا لسيبويه وابن جني وأهل طبقتهما، لعظم ملكته وما أحاط به من أصول ذلك الفن وتفاريعه وحسن تصرفه فيه. ودل ذلك على أن الفضل ليس منحصراً في المتقدمين، سيما مع ما قدمناه من كثرة الشواغب بتعدد المذاهب والطرق والتآليف، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء. وهذا نادر من نوادر الوجود، وإلا فالظاهر أن المتعلم ولو قطع عمره في هذا كله، فلا يفي له بتحصيل علم العربية مثلاً الذي هو آلة من الآلات ووسيلة، فكيف يكون في المقصود الذي هو الثمرة? ولكن الله يهدي من يشاء.

cosmos
24 - يناير - 2006
ورق الطير    كن أول من يقيّم
 
ورق الطير، هو الورق المعروف اليوم بالورق الشفاف، الذي يشف عما تحته فينسخ بإجراء القلم عليه، وسمي بورق الطير لأنه كان يستخدم في كتابة الرسائل التي يستخدم في إرسالها الحمام الزاجل، والذي كان يسمى قديما (حمام البطاقة) قال القلقشندي في (صبح الأعشى) : (وورق الطير صنف من الورق الشامي رقيقٌ للغاية، وفيه تكتب ملطفات الكتب وبطائق الحمام). ونقل السيوطي مثل ذلك في كتابه (حسن المحاضرة) عن كتاب (تمائم الحمائم) الذي ألفه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في أمور حمام البطاقة، وكانت لهذا الجنس من الحمام كتب أنساب كأنساب الخيل الأصيلة (انظر ذلك في الوراق، في حسن المحاضرة ص 320) قال: (وكان الجاري به العادة أنها لا تحمل البطاقة إلا في جناحها، لأمور منها، حفظها من المطر، ولقوة الجناح ..إلخ)
وذكر الصفدي نادرة تتعلق باستخدام ورق الطير في عصره، وهو قوله في ترجمة الخطاط عماد الدين ابن الشيرازي الدمشقي صاحب الخط المنسوب: (وحكى لي أنه بلغه أن ربعة في بغداد بخط ابن البواب كتبها بخفيف المحقق - من أندر الخطوط - فاستعمل من ورق الطير جملة، وأخذه معه، وتوجه إلى بغداد وأخذ تلك الربعة جزءاً فجزءاً وكان يضع ورق الطير على خط ابن البواب فيشف عما تحته ويجلي الكتابة له فيكتب عليها لا يخل بذرة منها، وقد رأيت أنا من هذه الربعة التي كتبها عماد الدين جزءاً وما في الورقة مكتوب إلا وجهة واحدة، فكنت أتعجب لذلك فلما سمعت هذه الواقعة علمت السبب في ذلك والله أعلم)
والمراد بالربعة: القرآن المجزأ، يفرد كل جزء من أجزائه الثلاثين في مجلدة.
cosmos
24 - يناير - 2006
طقوس تقليد إمارة الشعر في المغرب    كن أول من يقيّم
 

قال ليون الأفريقي في كتابه صورة أفريقية:* (هناك الكثير من الشعراء في فاس ، من الذين يقرضون الشعر باللغة العامية في مختلف الموضوعات... وينظم هؤلاء شعرا بمناسبة عيد مولد محمد (ص) ويدعى الشعراء في صبيحة ذلك العيد...وينادى بالشاعر الأفضل أميرا على الشعراء في ذلك العام وكان من عادة الذي يحكم (فاس) في أزهى أيام ملوك بني مرين أن يدعو لقصره العلماء وأهل الأدب في المدينة، ويحتفل على شرف الشعراء الذين كانوا مجلين في هذه المناسبة، فيلقي كل واحد منهم قصيدة في تمجيد الرسول (ص) بحضوره، وأمام الجميع، وكان يقف المنشدون فوق مصطبة عالية، وفي نهاية الحفل، واستنادا إلى حكم أشخاص من ذوي الخبرة كان يمنح الملك لأكثر الشعراء نبوغا  مائة دينار وحصانا وأمة وكسوة، ويعطي كل واحد من الآخرين خمسين دينارا، فينصرف الجميع من عنده، وقد حصل كل منهم على إجازة ومكافأة، غير أن هذه العادة قد انقرضت منذ (130) عاما. (أي منذ سنة 800هـ في عهد السلطان أبي سعيد عثمان) بسبب انحطاط هذه الأسرة.
* هذا النص من مختارات د. النجار  في كتابه مجمع الذاكرة(1/ 374) نقلا عن كتاب (صورة أفريقية) للحسن الوزان (ليون الأفريقي) ترجمة عبد الرحمن حميدة (ص 263)

cosmos
13 - فبراير - 2006
الزائد بن النيدوان جد النبي الكريم (ص)    كن أول من يقيّم
 

داسان بن عاصر الملقب بالزائد ابن النيدوان، : أحد جدود النبي (ص) القدماء، وهو الجد الرابع والعشرون لعدنان، حسب رواية ذكرها الطبري في تاريخه. وكان أبوه عاصر الملقب بالنيدوان وذي الأندية، من مشاهير ملوك بني النبيت، وهو عاصر بن قنار بن ثامار -الملك الخطير الملقب بدوس العتق، الذي كان يضرب به المثل في الحسن - ابن مقاصري الملقب بالحصن ابن زارح الملقب بقمير، ابن سما الملقب بالمجشر - الذي عناه أمية بن أبي الصلت بقوله لهرقل ملك الروم:
 

كن كالمجشر إذ قالت رعيته كان المجشر أوفانا بما iiحملا
والمجشر هو ابن مرهر ابن الصفي الملقب بالسمر، وكان الصفي أجود ملك رئي على وجه الأرض، وهو المراد بقول أمية:

إن الـصـفي بن النبيت iiمملكاً أعلى وأجود من هرقل وقيصرا


والصفي ابن النبيت الملقب بقيدار، ومعنى قيدار: صاحب الملك، وقيدار ابن النبي إسماعيل عليه السلام.

وفيما يلي نسب عدنان إلى الزائد بن النيدوان، حسب رواية الطبري هذه:
عدنان بن 1 أدد بن 2 سلامان الملقب بالهميسع 3 ابن نبيت الملقب بمنجر العرب، والذي عناه قعنب الرياحي بقوله:

تـناشدني طي وطي iiبعيدة وتذكرني بالود أزمان نبيت


-في الأصل: ينبت، والبيت يفتقر للتحقيق- ونبيت 4 ابن ثعلبة الذي تنسب إليه الثعلبية. 5 ابن بوار الملقب بعتر العتائر الذي كان أول من سن العتيرة للعرب 6 ابن شوحا الملقب بسعد رجب، وهو أول من سن الرجبية للعرب 7 ابن يعمانا الملقب بذريح الناصب وكان في عصر النبي سليمان (ع) 8 ابن كسدانا الملقب بمحلم ذي العين 9 ابن حرانا الملقب بالعوام 10 ابن بلداسا الملقب بالمحتمل 11 ابن بدلانا الملقب برائمة 12 ابن طهبا الملقب بالعيقان 13 ابن جهمي الملقب بالحاجم 14 ابن محشى الملقب بالشحدود 15 ابن معجالي الملقب بجامع الشمل، وقد لقب بذلك لأنه أمّن في ملكه كل خائف ورد كل طريد واستصلح الناس 16 ابن إسماعيل الملقب بذي المطابخ والمعروف بابن اللداعي و(ابن الدعا) ولقب بذي المطابخ لأنه أقام بكل بلدة من بلدان العرب دار ضيافة حملت اسم (دار ضيافة ابن اللداعي) 17 ابن عبيد الملقب بيزن الطعّان، الذي تنسب إليه الرماح اليزنية 18 ابن حمدان الملقب بذي الأعوج، والأعوج: فرسه، وإليه تنسب الأعوجية من الخيل 19 ابن بشماني الملقب بالمطعم 20 ابن بثراني الملقب بالطمح 21 ابن بحراني الملقب بالقسور  22 ابن يلحاني الملقب بالعنود 23 ابن رعواني الملقب بدعدع 24 ابن عاقارى الملقب بالعاقر 25 ابن داسان الملقب بالزائد.

 (انظر تفصيل ذلك في الوراق : الطبري ص 380) وقدم الطبري لهذه الرواية بقوله: (وأخبرني بعض النساب أنه وجد طائفة من علماء العرب قد حفظت لمعد أربعين أبا بالعربية إلى إسماعيل، واحتجت لقولهم ذلك بأشعار العرب، وأنه قابل بما قالوا من ذلك ما يقول أهل الكتاب، فوجد العدد متفقاً، واللفظ مختلفاً، وأملى ذلك علي فكتبته عنه)

 

cosmos
19 - فبراير - 2006
طبقات الشك كما وصفها الجاحظ    كن أول من يقيّم
 

قال الجاحظ في كتابه الحيوان (طبعة هارون: 6/ 36) معلقا على أخبار ساقها عن غرائب الحيوان:

(ولم أكتب هذا لتقرَّ بهِ، ولكنها رواية أحببت أن تسمعها، ولا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، وكذلك لا يعجبني الإنكار له، ولكن ليكنْ قلبك إلى إنكاره أميلَ.

وبعد هذا فاعرف مواضع الشّكّ، وحالاتها الموجبة له، لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له.

وتعلم الشَّكّ في المشكوك فيه تعلُّماً، فلو لم يكن في ذلك إلاّ تعرُّف التوقُّف ثمَّ التثبُّت، لقد كان ذلك ممَّا يحتاج إليه.


ثمّ اعلم أنّ الشكّ في طبقاتٍ عند جميعهم، ولم يُجْمعوا على أن اليقين طبقاتٌ في القوَّة والضعف.


ولمّا قال ابن الجهم للمَكِّيِّ: أنا لا أكاد أشكّ قال المكّيّ: وأنا لا أكاد أوقن.

 ففخر عليه المكيّ بالشكّ في مواضع الشّك، كما فخر عليه ابنُ الجهم باليقين في مواضع اليقين.


وقال أبو إسحاق: نازعت من الملحدين الشاك والجاحد فوجدتُ الشُّكّاك أبصر بجوهر الكلام من أصحاب الجحود.


وقال أبو إسحاق: الشاك أقربُ إليك من الجاحِد، ولم يكنْ يقينٌ قط حتى كان قبله شكّ، ولم ينتقل أحدٌ عن اعتقادٍ إلى اعتقاد غيره حتّى يكون بينهما حالُ شكّ.


وقال ابنُ الجهم: ما أطمعني في أوْبة المتحيِّر لأنّ كل من اقتطعته عن اليقين الحيرة فضالته التبيُّن، ومنْ وجد ضالته فرِح بها.


وقال عمرو بن عُبيد: تقرير لسانِ الجاحد أشدُّ من تعريفِ قلب الجاهل.


وقال أبو إسحاق: إذا أردت أن تعرِف مقدار الرجل العالِم، وفي أيِّ طبقةٍ هو، وأردت أن تدخِله الكورَ وتنفخ عليه، ليظهر لك فيه الصّحَّةُ من الفساد، أو مقدارُه من الصّحَّة والفساد، فكن عالماً في صورة متعلِّم، ثم اسأله سؤال من يطمع في بلوغ حاجتهِ منه.

 
فصل ما بين العوام والخواص في الشك: والعوامُّ أقلُّ شكوكاً من الخواص، لأنَّهم لا يتوقَّفون في التصديق والتكذيب ولا يرتابون بأنفسهم، فليس عندهم إلاّ الإقدامُ على التَّصديق المجرّد، أو على التكذيب المجرد، وألغوا الحال الثالثة من حال الشَّكّ التي تشتمل على طبقات الشك، وذلك على قدر سُوء الظنِّ وحُسن الظّن بأسباب ذلك، وعلى مقادير الأغلب.

 
وسمع رجلٌ، ممَّن قد نظر بعض النظر، تصويب العلماء لبعض الشكّ، فأجرى ذلك في جميع الأمور، حتّى زعم أنّ الأمور كلها يُعرف حقها وباطُلها بالأغلب. وقد مات ولم يخلّف عَقِباً، ولا واحداً يدينُ بدينه، فلو ذكرتُ اسمه مع هذه الحال لم أكنْ أسأت، ولكنِّي على حالٍ أكرهُ التّنويه بذكر من قد تحرّم بحُرمة الكلام، وشارك المتكلِّمين في اسم الصِّناعة، ولا سيَّما إنْ كان ممّن ينتحل تقْديم الاستطاعة)

 

cosmos
20 - فبراير - 2006
آخر أيام أبي العلاء    كن أول من يقيّم
 

عثرت على هذا النص النادر في كتاب (بغية الطلب) لابن العديم، ويتضمن ثلاث نوادر: الأولى: (لزومية) غير منشورة في اللزوميات، وكانت آخر ما قاله أبو العلاء من الشعر. والثانية: الحديث عن آخر أيام أبي العلاء. والثالثة: ملاحظة ابن بطلان حول (إرهاصات الموت) وهي نظرية أترك تفسيرها لأهل الشأن من الأطباء، وأضيف إليها من تجاربي أنه كان لي صديق من أهل حماة، في سن والدي، وكان لا يكاد يبتسم أسفا منه على ولد له اخترمته أحداث حماة في عنفوان شبابه، وفي يوم من الأيام رأيته يضحك لنادرة سمعها، ولكنه أفرط في الضحك، وضحك وضحك، حتى طفر الدمع من عينيه. ولم تكن النادرة التي سمعها تستحق كل هذا الضحك، فتركته لبعض شأني وأنا أتفكر في صورة ضحكه الغريبة، فلم تمض ساعة على هذه القصة حتى سمعت زملائي ينادون (مات أبو حيدر). وأحسب أن ملاحظة ابن بطلان في القصة التالية هي من جنس ملاحظتي.
قال ابن العديم:
ذكر الوزير القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني في كتاب إنباء الأنباه في أنباء النحاه قال: قرأت بخط المفضل بن مواهب بن أسد الفارزي الحلبي قال: حدثني الشيخ أبو عبد الله الأصبهاني قال: لما حضرت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي الوفاة أتاه القاضي الأجل أبو محمد عبد الله التنوخي بقدح شراب، فامتنع من شربه، فحلف القاضي أيماناً مؤكدة لا بد من أن يشرب ذلك القدح وكان سكنجبين (1) فقال أبو العلاء مجيباً له عن يمينه:

أعـبد الله خير من iiحياتي وطول ذمائها موتٌ صريح
تـعـلّلني لتشفيني iiفذرني لـعـلي أستريح وتستريح

وكان مرضه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا، فتناولوا الدوى والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال القاضي أبو محمد: أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت. فمات في غداة غد.
 وإنما أخذ القاضي هذه المعرفة من ابن بطلان، لأن ابن بطلان- كان يدخل على أبي العلاء، ويعرف ذكاءه وفضله، فقيل له قبل موته بأيام قلائل: إنه أملى شيئا فغلط فيه، فقال ابن بطلان: مات أبو العلاء، فقيل: وكيف عرفت ذلك? فقال: هذا رجل فطن ذكي ولم تجر عادته بأن يستمر عليه سهو ولا غلط، فلما أخبرتموني بأنه غلط علمت أن عقله قد نقص، وفكره قد انفسد، وآلاته قد اضطربت، فحكمت عليه عند ذلك بالموت والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ                   

(1) السكنجبين  - oxymel - شراب مكون من العسل و الماء و الخل. انظر كلام الأستاذ لحسن بنلفقيه عليه في مجالس الوراق

 

cosmos
28 - فبراير - 2006
من نوادر الجاحظ    كن أول من يقيّم
 
قال الجاحظ في صدد رده على من قال بوجوب قتل الكلب الأسود لأنه جني:
ورويتم في قتل الحمام مثلَ روايتكم في قتل الكلاب، ولم أركم رويتم أنّ الحمام مِسْخ، ولا أنَّ بعضَه من الجن وبعضه من الحِن، ولا أنَّ أمتين مسختا وكان أحدهما الحمام، وزعمتم أنَّ عمر إنَّما أمر بقتل الدِّيَكة حين كره الهِراش بها والقمار بها، فلعلَّ كلابَ المدينة في تلك الأيَّام كثُر فيها العَقُور وأكثر أهلُها من الهِراش بها والقمار فيها، وقد علمتم أنّ ولاة المدينة ربَّما دَمَروا على صاحب الحمام إذا خيف قِبَلَه القِمار وظنُّوا أنه الشَّرَف، وذكروا عنه الرَّمْيَ بالبُندق وخديعةَ أولادهم بالفراخ، فما بالكم لم تُخرِّجوا للكلابِ من التأويل والعذْر، مثلَ الذي خرَّجتم للحمام والديكة.
ورويتم في الجرَّيِّ والضِّباب أنهما كانتا أمَّتين مُسختا، وروى بعضهم في الإرْبيانة أنَّها كانت خيّاطة تسرِق السُّلوك، وأنَّها مُسِخت وترك عليها بعضُ خيوطها لتكون علامةً لها ودليلاً على جِنْس سرقتها، ورويتم في الفأرة أنَّها كانت طحّانة، وفي سُهيل أنّه كان عشّاراً باليمن وفي الحيَّة أنّها كانت في صورة جَمَل، وأنَّ اللّه تعالى عاقبها حتى لاطَها بالأرض، وقسم عقابَها على عشرة أقسام، حين احتملت دخولَ إِبليس في جوفها حتَّى وَسوَس إلى آدم مِنْ فِيها، وقلتم في الوَزَغة وفي الحكأة ما قلتم، وزعمتم أنّ الإبل خُلِقَت من أعنان الشياطين، وتأوّلتم في ذلك أقبحَ التأويل، وزعمتم أنَّ الكلابَ أمّةٌ من الجنّ مُسخت، والذئبُ أحقُّ بأن يكون شيطاناً من الكلب، لأنَّه وحشيٌّ وصاحبُ قِفار، وبه يُضرَب المثل في التعدِّي، والكلب ألوفٌ وصاحبُ ديار، وبه يُضرَبُ المثل، والذئب خَتُور غدّار، والكلب وفيٌّ مناصح، وقد أقام الناسُ في الدّيار الكلابَ مُقامَ السَّنانير للفأر، والذئب مضرَّةٌ كلُّه، والكلبُ منافعُه فاضلةٌ على مضارِّه، بل هي غالبة عليها وغامرةٌ لها، وهذه صفة جميعِ هذه الأشياء النافعة.
والناس لم يُطبِقوا على اتِّخاذها عبَثاً ولا جهْلاً، والقضاة والفقهاءُ والعُبَّاد والوُلاة والنُّسَّاك، الذين يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، والمحتَسِبة وأصحاب التكلُّف والتسليم جميعاً، لم يطبقوا على ترك النَّكِير على ما يشاهدونه منها في دورِ مَنْ لا يعصيهم ولا يمتنِع عليهمْ إلاّ وقد عَلِموا أنَّه قدْ كان لقتلِ الكلابِ بأعيانها في ذلك الدَّهر، معنى، وإلاَّ فالنَّاسُ في جميع أقطارِ الأرض لا يُجمِعون على مسالمةِ أصحاب المعاصي، الذين قد خلعوا عُذُرَهم وأبرزوا صَفحتَهم، بل ما ترى خصماً يطعن على شاهدٍ عندَ قاض بأنَّ في داره كلباً، ولا تَرَى حَكَما يردُّ بذلك شهادة، بل لو كان اتِّخاذُ الكلاب مأموراً به، لَما كان إلاّ كذلك. .... فإنْ زعمتم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نظَرَ إلى رجلٍ يتبع حماماً طيَّاراً فقال: "شيطانٌ يتبع شَيطاناً"، فخبِّرونا عمن يتخذ الحمام من بين جميع سكان الآفاق ونازلةِ البُلدان من الحرميِّين والبصريِّين ومن بني هاشم إلى من دونَهم، أتزعمون أنَّهم شياطينُ على الحقيقة، وأنَّهم من نجل الشياطين؛ أو تزعمون أنَّهم كانوا إنساً فمُسِخوا بعدُ جِنّاً؛ أم يكون قوله لذلك الرجل شيطان، على مثل قوله "شَيَاطِينَ الجِنِّ وَالإنْس" وعلى قول عمر: لأنَزِعنَّ شيطانَه من نُعرتِه، وعلى قول منظور بن رواحة:
فلما أتاني ما تقولُ تَـرَقَّـصَـتْ - شياطينُ رأْسِي وانتَشَيْنَ من الخَمْرِ
..... ورويتم عن عبد اللّه بن فايد بإسنادٍ له يرفعه قال: خرافة رجل من بَني عذرة استهوته الشياطين، فتحدَّث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوماً بحديث فقالت امرأةٌ من نسائِه: هذا من حديثِ خُرافة قال: لا وَخُرَافَة حقّ.
ورويتم أنَّ شريك بن خُباسة دخَلَ الجنَّةَ وخرجَ منها ومعه ورقةٌ من وَرَقِها، وأنَّ عمر سأل الرجل المفقود الذي استهوته الجنُّ فقال: ما كان طعامهم? قال: الفول والرِّمَّة، وسأل عن شرابهم فقال: الجدَف.... وزعَمتم أنَّ الجنَّ خنقت حرْبَ بن أمية، وخنقت مِرداسَ بن أبي عامر، وخنقت الغَريض المغنِّي، وأنَّها قتلت سعد بن عبادة، واستهوت عمرو بن عدي واستهوت عمارة بن الوليد، فأنتم أمْلياءُ بالخرافات أقوياءُ على ردِّ الصحيح وتصحيح السقيم، وردِّ تأويل الحديث المشهورِ إلى أهوائكم، وقد عارضْناكم وقابلناكم وقارضْناكم.
cosmos
6 - مارس - 2006
متحف مصحف عثمان المتحرك آليا في مراكش عام 553هـ    كن أول من يقيّم
 

لابن الرشيد صاحب الرحلة الشهيرة رسالة في تاريخ مصحف عثمان الذي كان في قرطبة ثم آل إلى مراكش أيام الأمير عبد المؤمن. فصنع له المتحف المتحرك آليا ببرنامج هندسي، لا أريد هنا التطويل في وصفه تاركا القراء مع هذا النص النادر، وهو بتمامه في (نفح الطيب) أوله (ص 198 ) : (وكان كما تقدم بقرطبة المصحف العثماني).

قال:

ثم إنّهم أدام الله سبحانه تأييدهم، ووصل سعودهم، لما أرادوا من المبالغة في تعظيم المصحف المذكور، واستخدام البواطن والظواهر فيما يجب له من التوقير والتعزير، شرعوا في انتخاب كسوته، وأخذوا في اختيار حليته، وتأنقوا في استعمال أحفظته، وبالغوا في استجادة أصونته، فحشروا له الصّنّاع المتقنين والمهرة المتفنّنين، ممن كان بحضرتهم العليّة، أو سائر بلادهم القريبة والقصية،فاجتمع لذلك حذّاق كل صناعة، ومهرة كل طائفة من المهندسين والصواغين والنظّامين والحلائين والنقاشين والمرصّعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين، ولم يبق من يوصف ببراعة، أو ينسب إلى الحذق في صناعة، إلا أحضر للعمل فيه، والاشتغال بمعنى من معانيه، فاشتغل أهل الحيل الهندسية بعمل أمثلة مخترعة، وأشكال مبتدعة، وضمّنوها من غرائب الحركات، وخفيّ إمداد الأسباب للمسببات، ما بلغوا فيه منتهى طاقتهم، واستفرغوا فيه جهد قوتهم، والهمة العليّة أدام الله سموها تترقى فوق معارجهم، وتتخلّص كالشهاب الثاقب وراء موالجهم، وتنيف على ما ظنّوه الغاية القصوى من لطيف مدارجهم، فسلكوا من عمل هذه الأمثلة كل شعب، ورأبوا من منتشرها كل شعب، وأشرفوا عند تحقيقها وإبراز دقيقها على كل صعب، فكانت منهم وقفة كادت لها النفس تيأس عن مطلبها، والخواطر تكرّ راجعةً عن خفيّ مذهبها، حتى أطلع الله خليفته في خلقه، وأمينه المرتضى لإقامة حقّه، على وجه انقادت فيه تلك الحركات بعد اعتياصها، وتخلّصت أشكالها عن الاعتراض على أحسن وجوه خلاصها، ألقوا ذلك - أيدّهم الله بنصره، وأمدهم بمعونته ويسره - إلى المهندسين والصنّاع فقبلوه أحسن القبول، وتصوروه بأذهانهم فرأوه على مطابقة المأمول، فوقفهم حسن تنبيهه ممّا جهلوه على طور غريب من موجبات التعظيم، وعلموا أن الفضل لله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم - وسيأتي بعد هذا إشارة إلى تفصيل تلك الحركات المستغربة، والأشكال المونقة المعجبة، إن شاء الله تعالى - ؛ ممّا صنع للمصحف العظيم من الأصونة الغريبة، والأحفظة العجيبة، أنّه كسي كلّه بصوان واحد من الذهب والفضّة ذي صنائع غريبة من ظاهره وباطنه، لا يشبه بعضها بعضاً، قد أجري فيه من ألوان الزجاج الرومي ما لم يعهد له في العصر الأول مثال، ولا عمر قبله بشبهه خاطر ولا بال، وله مفاصل تجتمع إليها أجزاؤه وتلتئم، وتتناسق عندها عجائبه وتنتظم، قد أسلست للتحرّك أعطافها، وأحكم إنشاؤها على البغية وانعطافها، ونظم على صفحته وجوانبه من فاخر الياقوت ونفيس الدّرّ وعظيم الزمرد ما لم تزل الملوك السالفة والقرون الخالية تتنافس في أفراده، وتتوارثه على مرور الزمن وترداده، وتظنّ العز الأقعس، والملك الأنفس، في ادخاره وإعداده، وتسمي الواحد منها بعد الواحد بالاسم العلم لشذوذه في صنفه واتحاده، فانتظم عليه منها ما شاكله زهر الكواكب في تلألؤه واتقاده، وأشبهه الروض المزخرف غبّ سماء أقلعت عن إمداده، وأتى هذا الصّوان الموصوف رائق المنظر، آخذاً بمجامع القلب والبصر، مستولياً بصورته الغريبة على جميع الصّور، يدهش العقول بهاء، ويحير الألباب رواء، ويكاد يعشي الناظر تألّقاً وضياء، فحين تمّت خصاله، واستركبت أوصاله، وحان ارتباطه بالمصحف العظيم واتصاله، رأوا - أدام الله تأييدهم، وأعلى كلمتهم - مما رزقهم الله تعالى من ملاحظة الجهات، والإشراف على جميع الثنيات، أن يتلطف فيوجه يكون به هذا الصّوان المذكور طوراً متصلاً، وطوراً منفصلاً، ويتأتّى به للمصحف الشريف العظيم أن يبرز تارة للخصوص متبذّلاً، وتارة للعموم متجمّلاً، إذ معارج الناس في الاستبصار تختلف، وكلّ له مقام إليه ينتهي وعنده يقف، فعمل فيه على شاكلة هذا المقصد، وتلطف في تتميم هذا الغرض المعتمد، وكسي المصحف العزيز بصوان لطيف من السندس الأخضر، ذي حلية خفيفة تلازمه في المغيب والمحضر، ورتب ترتيباً يتأتى معه أن يكسى بالصّوان الأكبر، فيلتئم به التئاماً يغطي على العين من هذا الأثر، وكمل ذلك كلّه على أجمل الصفات وأحسنها، وأبدع المذاهب وأتقنها، وصنع له محمل غريب الصنعة، بديع الشكل والصيغة، ذو مفاصل ينبو عن دقتها الإدراك، ويشتد بها الارتباط بين المفصلين ويصح الاشتراك، مغشىًّ كلّه بضروب من الترصيع، وفنون من النقش البديع، في قطع من الآبنوس والخشب الرفيع، لم تعمل قطّ في زمان من الأزمان، ولا انتهت قطّ إلى أيسره نوافذ الأذهان، مدار بصنعة قد أجريت في صفائح الذهب، وامتدت امتداد ذوائب الشّهب، وصنع لذلك المحمل كرسي يحمله عند الانتقال، ويشاركه في أكثر الأحوال، مرصّع مثل ترصيعه الغريب، ومشاكل له في جودة التقسيم وحسن الترتيب، وصنع لذلك كلّه تابوت يحتوي عليه احتواء المشكاة على أنوارها، والصدور على محفوظ أفكارها،مكعب الشكل سامٍ في الطول، حسن الجملة والتفصيل، بالغ ما شاء من التتميم في أوصاله والتكميل، جرٍ مجرى المحمل في التزيين والتجميل، وله في أحد غواربه بابٌ ركبت عليه دفتان قد أحكم إرتاجهما، ويسر بعد الإبهام انفراجهما، ولانفتاح هذا الباب وخروج هذا الكرسي من تلقائه وتركب المحمل عليه، ما دبرت الحركات الهندسيّة، وتلقيت تلك التنبيهات القدسية، وانتظمت العجائب المعنويّة والحسيّة، والتأمت الذخائر النفيسة والنفسيّة، وذلك أن بأسفل هاتين الدفتين فيصلاً فيه موضع قد أعدّ له مفتاح لطيف يدخل فيه، فإذا أدخل ذلك المفتاح فيه وأديرت به اليد انفتح الباب بانعطاف الدفتين إلى داخل الدفتين من تلقائهما، وخرج الكرسي من ذاته بما عليه إلى أقصى غايته، وفي خلال خروج الكرسي يتحرك عليه المحمل حركة منتظمة مقترنة بحركته يأتي بها من مؤخر الكرسي زحفاً إلى مقدمه، فإذا كمل الكرسي بالخروج وكمل المحمل بالتقدم عليه انغلق الباب برجوع الدّفتين إلى موضعهما من تلقائهما دون أن يمسهما أحد، وترتبت هذه الحركات الأربع على حركة المفتاح فقط دون تكلف شيء آخر، فإذا أدير المفتاح إلى خلف الجهة التي أدير إليها أولاً انفتح الباب وأخذ الكرسي في الدخول والمحمل في التأخر عن مقدم الكرسي إلى مؤخره، فإذا عاد كلٌّ إلى مكانه انسدّ الباب بالدفتين أيضاً من تلقائه، كل ذلك يترتب على حركة المفتاح، كالذي كان في حال خروجه، وصحّت هذه الحركات اللطيفة على أسباب ومسبّبات غائبة عن الحس في باطن الكرسي، وهي ممّا يدقّ وصفها، ويصعب ذكرها، أظهرتها بركات هذا الأمر السعيد، وتنبيهات سيّدنا ومولانا الخليفة، أدام الله تعالى أمرهم وأعزّ نصرهم. وفي خلال الاشتغال بهذه الأعمال التي هي غرر الدهر، وفرائد العمر،أمروا - أدام الله تعالى تأييدهم - ببناء المسجد الجامع بحضرة مراكش - حرسها الله تعالى - فبدئ ببنيانه وتأسيس قبلته في العشر الأول من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وكمل منتصف شعبان المكرم من العام المذكور، على أكمل الوجوه، وأغرب الصنائع، وأفسح المساحة، وأبعد البناء والنجارة، وفيه من شمسيّات الزجاج وحركات المنبر المقصورة ما لو عمل في السنين العديدة لاستغرب تمامه، فكيف في هذا الأمر اليسير الذي لم يتخيّل أحد من الصّنّاع أن يتم فيه فضلاً عن بنائه? وصليت في الجمعة منتصف شعبان المذكور، ونهضوا - أدام الله سبحانه تأييدهم - عقب ذلك لزيارة البقعة المكرمة، والروضة المعظمة، بمدينة تينملل أدام الله رفعتها، فأقاموا بها بقية شعبان المكرم، وأكثر شهر رمضان المعظم، وحملوا في صحبتهم المصحف العزيز ومعه مصحف الإمام المهديّ المعلوم رضي الله تعالى عنه في التابوت الموصوف، إذ كان قد صنع له غرفة في أعلاه، وأحكمت فيه إحكاماً كمل به معناه، واجتمع في مشكاته فعاد النور إلى مبتداه، وختم القرآن العزيز في مسجد الإمام المعلوم ختمات كادت لا تحصى لكثرتها، وهنا انتهى ما وجدناه من هذا المكتوب.
ثم قال ابن رشيد - بعد إيراد ما تقدّم - ما صورته: نجزت الرسالة في المصحف العظيم، والحمد لله رب العالمين، انتهى محل الحاجة منه

cosmos
13 - مارس - 2006
 1  2  3